fbpx

لبنان: العونيون يفتتحون زمن “ما بعد الفساد”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا حدود لفجور أفراد الطبقة السياسية اللبنانية، ولا سماء لانعدام حيائهم. لا بل إن الخجل بصفته ورقة تين أخيرة تحجب فسادهم ومذهبيتهم ووضاعتهم، سقط بعد أن منحهم اللبنانيون تفويضهم الأخير في الانتخابات النيابية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا حدود لفجور أفراد الطبقة السياسية اللبنانية، ولا سماء لانعدام حيائهم. لا بل إن الخجل بصفته ورقة تين أخيرة تحجب فسادهم ومذهبيتهم ووضاعتهم، سقط بعد أن منحهم اللبنانيون تفويضهم الأخير في الانتخابات النيابية.

القصة لا تصدق لجهة فداحتها وانطوائها على قدر من الوقاحة ومن الاستخفاف بعقول اللبنانيين. هي خطوة تتقدم على الفساد في فداحتها، لا بل أن الأخير صار بعدها أمراً محموداً.

القصة بدأت حين أقدم وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال مروان حمادة (الدرزي والاشتراكي) على نقل الموظفة في الوزارة من موقع مديرة الامتحانات الرسمية هيلدا خوري (وهي من التيار العوني) إلى موقع مديرة الإرشاد والتوجيه في الوزارة، وهو المنصب الذي كانت تشغله قبل أن ينقلها وزير التربية السابق (العوني أيضاً) إلى منصبها الجديد.

خطوة الوزير الدرزي قوبلت برد من الوزراء المسيحيين العونيين. فأقدم وزير الطاقة سيزار أبي خليل (العوني) على نقل مدير الدراسات في مؤسسة كهرباء لبنان رجا العلي من منصبه إلى منصب مستشار في الوزارة، وأقدم وزير البيئة طارق الخطيب (العوني أيضاً وأيضاً) على نقل مدير محمية أرز الشوف نزار هاني من وظيفته إلى وظيفة أخرى.

الإهانة كانت خبراً عادياً تلقاه اللبنانيون من بين حزمة أخبارٍ بثتها بالأمس التلفزيونات الكثيرة التي تتولى نقل وقائع هدر كراماتهم كل يوم. سبق ذلك في حزمة الأخبار هذه، خبر الفضيحة الهائلة التي لم تطح أحداً في مطار بيروت، حيث تعطل النظام الإلكتروني وألغيت رحلات وأمضى مئات اللبنانيين ساعات طويلة في المطار.

إنهم تيار “الإصلاح والتغيير”، أولئك الذين انتفضوا لكرامة محازبتهم وابنة طائفتهم، فعاقبوا في سبيلها أبناء الطوائف الأخرى. هل لدى أحد تحفّظ أو رغبة في المساجلة والشك؟

لكن حرب الموظفين بين المسيحيين والدروز خطوة جديدة في سياق سقوط ورقة التين اللبنانية. فخطوة الوزير الدرزي الاشتراكي قد تكون جزءاً من فساد ومن توزيع المناصب على المحسوبين عليه، لكنها في حال كانت كذلك، تبقى جزءاً من دأب السياسيين في لبنان على السطو على وزاراتهم، وهي تنتمي إلى زمن ما قبل سقوط ورقة التين. العونيون افتتحوا زمناً جديداً على هذا الصعيد. أن تعاقب أنت الوزير غير المسيحي وغير العوني موظفاً مسيحياً في وزارتك، فسنرد نحن بمعاقبة موظف من طائفتك في الوزارات التي نترأسها. هذه المعادلة لا تنطوي على أي مقدارٍ من المبالغة. فبينما كان مدير محمية أرز الشوف يقوم بعمله، أقدم مروان حمادة على نقل هيلدا خوري من وظيفتها، فرد طارق الخطيب بنقل مدير المحمية. هذا ليس فساداً، هو هدر للكرامات، والمستهدف هنا ليس كرامة الموظف الضحية، إنما كرامة اللبنانيين، ممن لو شك أحدهم بأن التيار العوني ليس تياراً لـ”الإصلاح والتغيير”، وعبّر عن شكوكه هذه، فسيستيقظ في الصباح على طرق الشرطة باب بيته لتسليمه استدعاءً للتحقيق لدى هيئة جرائم المعلوماتية.  

إنهم تيار “الإصلاح والتغيير”، أولئك الذين انتفضوا لكرامة محازبتهم وابنة طائفتهم، فعاقبوا في سبيلها أبناء الطوائف الأخرى. هل لدى أحد تحفّظ أو رغبة في المساجلة والشك؟

لبنان اليوم لا يعد أبناءه بأكثر من هذه الفضائح. هي مساهمته الأبرز في مشهد الانهيار الإقليمي. في سوريا حرب وفي العراق استعصاء سياسي وفي فلسطين انقضاض على الحق، وفي لبنان فساد وهدر للكرامات. والإقليم يتقاسم السوء بكل وجوهه، إنما يتقدم في كل بلد منه سوء على سوء، وفي لبنان نعيش مرحلة “ما بعد الفساد”، وهي تتمثل في أن الفساد يعلن عن نفسه بصفته خطة ونهجاً وبرنامجاً سياسياً. فالعونيون في معاقبتهم أبناء الطوائف الأخرى في الوزارات التي أوكلهم إياها تيار “الإصلاح والتغيير” لن يخسروا الرأي العام الذي يعنيهم، لا بل أن العبارة اللبنانية الأثيرة المتمثلة بـ”شد العصب”، ستجعل من خطوتهم ضرباً من البطولة، وستكسبهم تعاطفاً على حساب خصومهم في الطائفة ممن لم يطردوا أبناء الطوائف الأخرى من الوزارات التي يشغلونها.

الكلام أشبه بصراخ لا جدوى منه. اللبنانيون انتخبوا لتوّهم هذه الطبقة السياسية، وهم سيضاعفون من انتخابهم لهم، إذا ما أجريت الانتخابات غداً. مطار بيروت الذي تعطّلت الملاحة فيه وأمضى لبنانيون ساعات طويلة بفعل فساد سياسييهم، لن يكون علامة على فشل الطبقة السياسية. سننتخب الوزير الذي أهاننا بالأمس، طالما أن السنّة سينتخبون سعد الحريري والشيعة سينتخبون نبيه بري وحسن نصرالله، والمسيحيين سينتخبون من يثأر لهم من الوزير الدرزي.         

إقرأ أيضاً:

العونيون ليسوا ابرياء مما يجري في بيروت وفي مطارها

الفساد التوافقي يمنح رجال الأسد الجنسية اللبنانية