fbpx

عن الممانعة وانقساماتها وجواسيس إسرائيل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا النظام السوري ولا “حزب الله”، يستطيعان الرد على الهجمات الإسرائيلية الدائمة. العجز، عن ذلك، يعالج بتبادل الاتهامات الضمنية، وبتقديم روايات للجمهور، عنصرها المشترك “الجواسيس”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تجاوز عدد المرات التي قصفت فيها إسرائيل شحنات أسلحة إيرانية ومواقع في سوريا، عشرين مرة في العام 2022 وحده. أما عدد الغارات في السنوات الأخيرة، فقد تجاوز 1860 غارة. هذه الأرقام تتعلق بالفترة بين 2011، وحتى الآن، أي 11 عاماً، وخلال كل هذا الوقت من الضربات التي لا تقابل بأي رد، لم يرد في الإعلام حديث عن اعتقال اي جواسيس داخل الجيش السوري، يقدمون معلومات لإسرائيل، كي تحدد أهدافها، فلماذا الآن، تتصدر عناوين الصحف، أخبار من هذا النوع؟

الإجابة على هذا السؤال، تستلزم التركيز على التوظيف أكثر من التركيز على الحقيقة، أي توظيف هذه الأخبار، كدعاية تخاطب بيئة الممانعة بشقيها السوري (النظام) والحزب إلهي(في لبنان)، وليس الحقيقة، التي من الصعوبة، التأكد منها، لسببين: الأول، أن سوريا، بلد مغلق، يصعب تصديق أي معلومات عن أي حدث فيه، فكيف إذا كان الحدث يتعلق بمؤسسة يحوطها قدر كبير من السرية هي الجيش السوري واستخباراته. والثاني، أنه، خلال 11 عاماً، من القصف الإسرائيلي، لم يتم اعتقال جاسوس واحد، أو الحديث في هذا الأمر، حتى.

استدعاء الدعاية في هذا التوقيت ضروري جداً بالنسبة إلى الماكينة الاعلامية التابعة للنظام، بعد التململ داخل بيئة الممانعة، بسبب عدم الرد على القصف الإسرائيلي. الموالون للنظام،  يرمون بالمسؤولية على “الحلفاء”، روسيا وإيران و”حزب الله”. والأخير على الرغم من أنه بات يُظهر انتقادات علنية تطال موسكو، إلى درجة اتهامها، عبر أحد قيادييه بأنها “حليفة للعدو”، لكن صحيفة “الأخبار” المقربة من الحزب، نشرت خبراً مفصلاً (السبت) عن اعتقال فرع المعلومات في لبنان، طبيباً سورياً يعيش في السويد، جنده الموساد، للحصول على معلومات من شقيقيه، الضابطين في جيش الأسد. بمعنى أن علنية انتقاد الحزب لروسيا، يجاورها، انتقاد ضمني للنظام السوري، لتركه العملاء يسرحون ويمرحون داخل المؤسسة العسكرية، وهذا الانتقاد، قد يدرج في إطار الرد، على اتهام إيران والحزب بالتقصير في الرد على إسرائيل، من قبل الموالين للنظام في دمشق. المعادلة التي يطرحها الحزب: تتهموننا بالتقصير، نتّهمكم بالتساهل مع العملاء، إذ إن خبر “الأخبار”، تحدث عن أن من اعتقل الطبيب هو فرع المعلومات، في إشارة إلى أن الرجل كان يعمل بأريحية في سوريا واعتقل عندما جاء إلى لبنان. أكثر من ذلك، تقصد خبر الصحيفة الممانعة، تخصيص قطعة عن تاريخ الطبيب ونسبه ومحل سكنه، للتدليل بطريقة غير مباشرة إلى انتمائه للطائفة العلوية، التي يقطن جزء كبير منها في ريف اللاذقية مسقط رأس الطبيب – الجاسوس.

مؤكد أن النظام السوري ليس راضياً على نشر تفاصيل عن هذا الطبيب أو غيره. هو يحتاج المعلومات عن الجواسيس لتوظيفها دعائيا، بشكل عمومي. فـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان” نشر خبراً، تداولته صحف ومواقع عدة، مفاده أن “المخابرات الجوية والمخابرات العسكرية في سوريا، نفذت حملة اعتقالات واسعة طالت ضباطاً في قوات النظام، في دمشق وحلب، بشبهة التعاون مع “جهات معادية”، في إشارة إلى إسرائيل. وذلك بناءً على معلومات من جهاز استخبارات “حزب الله”.

 المرصد الذي لا يملك أي قدرات للحصول على معلومات أمنية حساسة من داخل الأجهزة السورية، نشر كلاما متداولاً في سوريا، أو جرى تقصد تداوله عن عمد. كلام عام عن ضباط متعاونين مع العدو، دون أي معلومات عنهم، من هم؟ كيف كانوا ينشطون؟ وكيف تم اعتقالهم؟  

واللافت في الخبر، الزج باسم “حزب الله”، عبر التعاون الأمني، لتوريط الحزب بلعبة الجواسيس التي يريد الحزب، رميها في ملعب الجناح السوري.

 استراتيجية توظيف أخبار الجواسيس، إذن، لا تبدو، أنها تعمل بشكل منسجم داخل أجنحة الممانعة. فـ”حزب الله” أراد الرد على حملات التشكيك داخل بيئة الموالين للنظام السوري بنوايا إيران وملحقاتها بالرد على إسرائيل. فاستحضر الجواسيس، لكي يلوم النظام، الذي يترك العملاء ينشطون داخل أجهزته العسكرية، لتستكمل رواية “الحزب” المقدمة لجمهوره، حول عدم الرد على إسرائيل، علناً، بانتقاد روسيا، وضمناً بانتقاد تساهل النظام مع جواسيس العدو. وقد اتّبع الحزب في هذا، استراتيجية التفاصيل، على ما نشرت صحيفته، فضلا عن التلميح إلى الأصل الطائفي للجاسوس المفترض، أي النواة الصلبة الداعمة للنظام. أما الأخير، فأراد ضمن روايته لجمهوره، الاستعاضة عن الرد العسكري على إسرائيل، بإجراءات تتمثل باعتقال جواسيس لها ضمن الجيش السوري، مستدرجاً “حزب الله” إلى هذه اللعبة، عبر منحه رتبة المساعد الأمني.  

في جميع الأحوال، لا النظام السوري ولا “حزب الله”، يستطيعان الرد على الهجمات الإسرائيلية الدائمة. العجز، عن ذلك، يعالج بتبادل الاتهامات الضمنية، وبتقديم روايات للجمهور، عنصرها المشترك “الجواسيس”، الذين يبدون عند طرف كحالة عامة مجردة من دون تسمية أو تفاصيل، وعند طرف آخر حالة شديدة التعيين، وذات تاريخ وأصل وتفاصيل. 

هذا ما يكشفه الصراع ضمن أجنحة الممانعة، المغرمة بترحيل خلافاتها، إلى “الجواسيس”، فهؤلاء مادة دسمة، ليس لإخفاء انقسامات الممانعة، بل وأيضاً، لإقناع جمهورها، بأنها “صادقة” حتى وإن لم تردّ على إسرائيل.

إقرأوا أيضاً: