fbpx

هل يُورّث علي خامنئي ابنه مجتبى ولاية الفقيه؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في الآونة الأخيرة جرى تضخيم شخصية مجتبى خامنئي من قبل المؤسسات التابعة لوالده، وقد انضم إليها أنصار أحمدي نجاد بعد أن أزيحوا من الساحة السياسية ومنعوا حتى من الترشيح في الانتخابات على أمل أن يعودوا للسلطة من خلاله.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مؤشرات كثيرة تدل إلى أن مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي باشر خطوات لتوريث القيادة والمرجعية إلى نجله مجتبى. وهذا، إذا صح، يعتبر انعطافة جديدة في مسار التجربة الإيرانية، لكن أيضاً يعتبر شأناً جديداً في آلية عمل المرجعية الشيعية، التي لم يسبق أن شهدت توريثاً عائلياً. 

لكن هذا الأمر ليس سابقة، فقد كان مير حسين الموسوي، رئيس وزراء ايران السابق وأحد قيادات الحركة الاصلاحية الذي يقبع في الإقامة الجبرية منذ أكثر من عقد، قد طرح في مقدمته للترجمة العربية لبيانات “الحركة الخضراء” التي قادها عام 2009، في الشهر الماضي هذا التساؤل، قائلا: “هل عادت سلالات 2500 سنة حتى يخلف ابن ابيه في القيادة والحكم؟”.

كلام موسوي هذا استتبع ردود أفعال قاسية من قبل أتباع القائد الإيراني في حينها، من دون أن يتطرقوا إلى موضوع خلافة الابن للأب. لهذا نجد مهدي كروبي القائد الآخر لاحتجاجات عام 2009، والذي كان أول من وجّه الأنظار لمجتبى خامنئي عام 2005 أيضا يكسر حاجز الصمت ويطالب بالاجابة على أسئلة موسوي بدل التهجّم عليه.

لم يدم الانتظار طويلا حتى جاء الرد عليهما من خلال نشر استمارة الكترونية مفصّلة لمن يرغب بحضور دروس “بحث الخارج”(هي المرحلة الأخيرة من الدراسة في الحوزات العلمية عند الشيعة الاثني عشرية) في الفقه والأصول لـ”آية الله” مجتبى خامنئي للعام الدراسي القادم. وسيتم تقييم الطلبات والسماح لبعض أصحابها حضور الدرس الذي لم يعقد علناً الى اليوم.

أما المثير في الخبر فهو استخدام عنوان “آية الله”، إذ من غير المعهود استخدامه في الحوزة لكل من يلقي “بحث الخارج” أو من يحصل على إجازة اجتهاد من أحد المجتهدين. بل عادة لا يستخدم الّا بعد سنين طويلة من التدريس واعتراف سائر العلماء بمكانة المجتهد العلمية. فكيف يستخدم هذا العنوان لمجتبى الذي لم يسمع الناس يوما عن تدريسه، وأين درَس وماذا درّس قبل تدريس “بحث الخارج”؟ في عرف الحوزة يبدأ الطالب بتدريس مراحل المقدمات ثم السطوح وبعدها السطوح العالية وعادة لا يصل إلى تدريس “بحث الخارج” إلّا قليلون. وبغض النظر عن التدريس الحوزوي، لم يسمع الناس الى اليوم صوت هذا المجتهد الخمسيني نهائيا، ولم يبثّ له أي حديث في أي مجال كان.

وقد أعادت هذه الأحداث إلى الأذهان قصّة تصدي والده للقيادة. حينما قرأ مقدّم الأخبار في القناة الأولى محمد رضا حیاتي في حزيران/ يونيو 1989 بيان تنصيب “حجّة الإسلام والمسلمين علي خامنئي” لمنصب القيادة الذي كان يشترط الدستور في حينها أن يكون مرجعاً للتقلید، ثم عاد وقرأ البيان مرّة أخرى بعد عشرين دقيقة وهذه المرّة لقّبه بـ”آية الله”. فکان الاضطراب بادياً علی تلك العملية، لأن حسين علي منتظري عزل من منصب نيابة القائد قبلها بعدة أشهر، ولم تطبخ الخلافة على نار هادئة. لكن هذه المرّة توجد فرصة كافية لترتيب الأمور بشكل أفضل.

مجتبى الحسيني الخامنئي

ولد مجتبى، الابن الثاني لأبيه فی الثامن من سبتمبر 1969 في مدينة مشهد، ودرس الثانوية في مدرسة علوي في طهران، والتي تعتبر أفضل مدرسة في إيران. وقبل أن يتمّ دراسته التحق بکتیبة “حبيب ابن مظاهر” أحد أشهر كتائب فيلق “محمد رسول الله”، الذي شكّل فيما بعد أمراء هذه الكتيبة رجالات الأمن والحرس الثوري المحيطين به اليوم والنافذين في مكتب والده.

بدأ دروسه الحوزوية لدى بعض الأساتذة الذين كانوا يترددون على مكتب أبيه، ومن ثم واصلها في مدينة قم. تزوج عام 1999 من ابنة غلام علي حداد عادل الذي دخل البرلمان بعد هذه القرابة بعدة أشهر، ومن ثم أصبح رئيسا له بعد دورة انتخابية واحدة، ويشغل اليوم منصب عضو حقيقي في مجمع تشخيص مصلحة النظام وأحد المتنفذين في مكتب القائد إلى جانب عشرات المسؤوليات الفرعية.

في عام 2005 سمع الإيرانيون لأول مرة اسم مجتبى خامنئي كلاعب سياسي مهم، اذ كان مهدي كرّوبي مستشاراً لخامنئي، وقد شارك في الانتخابات الرئاسية التاسعة وكان الى جانب هاشمي رفسنجاني حسب النتائج المعلنة متقدمان على أحمدي نجاد. لكن في الساعات الأخيرة انقلبت المعادلة. فكتب كرّوبي رسالة لخامنئي وذكر له بأن ابنه مجتبى تدخّل في نتائج الانتخابات لصالح أحمدي نجاد. 

وتردد اسمه مرّة أخرى في انتخابات عام 2009، وهذه المرّة أتهم بقمع المتظاهرين حتى أصبحت جموع المحتجين تهتف في الشوارع “مجتبى! ترى الموت ولا ترى القيادة”. من حينها صار اسمه يتداول في قضايا مختلفة من أهمها اتهامات اقتصادية من قبل جهات داخلية وخارجية. كما صار اسمه يتردد بصفته المتحكّم الأول في شؤون المكتب بسبب كبر سن والده. فعلى سبيل المثال، جاء في مذكرات محمد سرافراز بأن مجتبى خامنئي كان وراء عزله من رئاسة الإذاعة والتلفزيون عام 2016.

معروف عن مجتبى خامنئي أنّه كان من أهم حماة قاسم سليماني وداعما لسياساته في العراق وأفغانستان، وحسب وثيقة من وثائق ويكيليكس أشرف على مبادلة السلاح بالمواد المخدرة بين الحرس الثوري وحركة طالبان في أفغانستان.

وقد وضعت وزارة الخزانة الاميركية في شهر نوفمبر 2019 اسمه مع ثمانية آخرين من النافذين في مكتب خامنئي على قائمة العقوبات.

مسلسل اختفاء المنافسين 

في السنوات الماضية تداولت أسماء عدد من رجالات النظام كبدلاء افتراضيين عن القائد الإيراني حينما تقتضي الحاجة. 

وأهم شخص كان من المفترض أن يلعب دورا مهما في ذلك، هو هاشمي رفسنجاني، صانع الملوك الذي أوصل خامنئي الأب إلى القيادة. ولكنه قضى مطلع عام 2017 في مسبح فرح في ظروف غامضة(الرواية الرسمية انه توفي بسكتة قلبية)، بعدما كرر مقترح شورى القيادة بدل قيادة الفرد. وتلاه في العام اللاحق محمود الهاشمي الشاهرودي، والذي أثارت وفاته لغطاً أيضاً. وفي مطلع العام الماضي ارتحل محمد تقي مصباح يزدي.

كما أعلنت قضية تجسس ابنة صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية الأسبق وأحد المرشحين للقيادة، لصالح بريطانيا، ثم قضية فساد أحد اخوته، وتلاها اعتقال علی اکبر طبری أحد مديري اعمال لاريجاني بملفات فساد اقتصادية كبيرة كادت ان تودي بلاريجاني إلى السجن أيضا. الّا أن خامنئي في احدى خطاباته العلنية برّأه من هذه القضية وجعله مدينا له. لكن استمرت عملية حذف جميع اخوته من النظام السياسي، فحُرم أخوه، علي لاريجاني، رئيس البرلمان الأسبق، من حق الاشتراك في السباق الرئاسي الأخير، فاستقال صادق على إثرها من مجلس صيانة الدستور في أيلول/ سبتمبر 2021. وان کان ما يزال رئیساً لمجمع تشخیص مصلحة النظام ولکنه عملیا اختفی من المشهد السیاسی.

أما أحمد خاتمي، إمام جمعة طهران المؤقت، الذي تداول اسمه فيما مضى، فقد خفت صدى اسمه في السنوات الأخيرة ولم يعد له حضور مهم. كذلك حسن روحاني، الذي فكّر هو الآخر بنفسه كبديل محتمل قد يقبل به الغرب أكثر من أي رجل دين آخر، أعلن شروعه بتدريس “بحث الخارج” فور انتهاء رئاسته، وهو لم يدرّس أيّة مادة قبلها في الحوزة. لكن طرحت ضدّه ملفات كادت تجرّه إلى المحاكم.

آخر الأسماء إبراهيم رئيسي، الذي وصل إلى الرئاسة من خلال انتخابات مهندسة، كشف عن امكانياته المتواضعة التي لا تستطيع أن تسدّ موقع الرئاسة ناهيك عن القيادة، خاصّة في هذه المرحلة الحرجة من العقوبات والتي يرى الناس فيها، أنّ المسؤول الأول عن الإخفاق الاقتصادي والتضخّم وسقوط العملة هو رئيس الجمهورية.

وإلى جانب اختفاء المرشحين السابقين، استلم عدد من موالي مجتبى خامنئي زمام الأمور. ففي انتخابات مجلس الخبراء الأخيرة وبعد تأخّر إعلان نتائج الانتخابات لفترة غير معتادة، أعلن اسم أحمد جنتي، الذي شبّه الخميني وخامنئي بأنبياء بني إسرائيل أكثر من مرّة، كآخر فائز من مدينة طهران. ولكن هذا الفائز الذي دخل بأقل الأصوات حصل على منصب رئاسة هذا المجلس إلى جانب مجلس صيانة الدستور رغم حضور رفسنجاني وحسن روحاني وعناوين حوزوية كبيرة في هذا المجلس. ولا يخفى دور هذا المنصب في إدارة العملية الانتقالية.

كما أن رؤساء السلطات الثلاثة خير من يمكن أن يسهّل هذه العملية. فرئيس الجمهورية رئيسي أثبت خلال تاريخه بأنه يجيد فنّ الاطاعة، ورئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، ابن خالة مجتبى خامنئي أحد قادة الحرس الثوري المتهم بملفات فساد، ومحسن اجئي، رئیس السلطة القضائية هو الآخر مطيع لأولياء نعمته.

حظوظ الابن لخلافة الاب

من الملاحظ أنه في الآونة الأخيرة جرى تضخيم شخصية مجتبى خامنئي من قبل المؤسسات التابعة لوالده، وقد انضم إليها أنصار أحمدي نجاد بعد أن أزيحوا من الساحة السياسية ومنعوا حتى من الترشيح في الانتخابات على أمل أن يعودوا للسلطة من خلاله.

حظوظ الابن لاستلام القيادة اليوم راجحة أكثر من حظوظ أبيه حين استلمها. فمن ناحية العمر، استلم الأب القيادة في الخمسين، والابن اليوم في الثالثة والخمسين، وهو عمر مناسب جدا كي لا يفتح ملف الخلافة في وقت قصير، وتستقر القيادة بيد شخص واحد لعدة عقود. ومن ناحية المستوى العلمي وان لم يعرف ما الذي درسه مجتبى حتى الآن، ولكن من المؤكّد أنه حظي بفرصة للدراسة أفضل من أبيه الذي كان مشغولا منذ صباه بأمور الثورة ومن ثم السلطة، خاصّة أن الدستور هذه المرّة لا يشترط غير “الاجتهاد”، في حين كان يشترط “المرجعية” أيام استلام أبيه.

ومع أن الأب مارس منصبا تنفيذيا وهو رئاسة الجمهورية قبل القيادة، لكنه كان منصبا رمزيا حينها، فكل الصلاحيات كانت مقسّمة بين القائد ورئيس الوزراء الذي كان يرأس الحكومة. ولذلك يمكن الترويج لمجتبى على أنّه تدرّب على القيادة من خلال إدارة مكتب والده بكل سهولة.

وعلى الرغم من أن مجاورة الخميني منحت خامنئي الشرعية، ولكنها ليست أهم من “شرعية النسب التي اكتسبها مجتبى من أبيه. 

إقرأوا أيضاً: