fbpx

الاستثناء العربي الطويل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما أن دخل العالم أول سنوات الألفية الثالثة حتى كانت 100٪من دول أوروبا الغربية ديمقراطية، و91٪من دول أميركا اللاتينية، و67٪ من دول شرق أوروبا، و48٪ من دول آسيا، و40 %من دول افريقيا كلها صارت ديمقراطيات مدنية، إلا العرب ظلت النسبة عندهم صفراً في المئة. أطلق باحثو التحول الديمقراطي على هذه الظاهرة “الاستثناء العربي” ، لسبب ما يعجز العرب عن تطوير نظام ديمقراطي حقيقي. لكن ما هو هذا السبب؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ظلت سجالات الديمقراطية حائرة أمام حقيقة غريبة. لقد ظهرت الديمقراطيات في كل العالم بتنوعه الثقافي والاقتصادي والسياسي، وظل العرب المجموعة الثقافية الوحيدة التي لا يوجد فيها ديمقراطية! والديمقراطية شديدة العدو، لهذا انتشرت على شكل “موجات” لا على شكل تحولات فردية.
بدأت الموجة الاولى للتحول الديمقراطي في بدية القرن 19 عندما توسعت دول أوروبا والأميريكيتين في منح حق التصويت للمواطنين والنساء وتطوير النظم الانتخابية والرقابية. حتى نهاية الموجة الأولى، لم يتعد عدد الديمقراطيات 28 ديمقراطية كانت كلها دولاً غربية وغنية. ثم جاءت الموجة الثانية بعد هزيمة النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية، وارتفع عدد الديمقراطيات قليلاً، لكنه لم يتعد 36 ديمقراطية ظلت، باستثناء اليابان والهند، ديمقراطيات غربية.
بعد ثلاثين سنة ستنطلق الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي بانقلاب عسكري!
نعم، قاد انقلاب عسكري في البرتغال عام 1974، على يد مجموعة من صغار الضباط، أوسع موجة تحول ديمقراطي في التاريخ استمرت حتى 2002. بدأت في البرتغال ثمّ انتقلت إلى اسبانيا وكوريا الجنوبية وتايوان والفلبين، ثم انتقلت إلى أميركا اللاتينية لتضم البرازيل والأرجنتين، ليلتحق ثلثي دول العالم بالتقليد الديمقراطي، وليظل العرب بلا ديمقراطية وبلا ديمقراطيين.
وصل عدد الدول الديمقراطية إلى 121 دولة، ليس من بينها أي دولة عربية، وما أن دخل العالم أول سنوات الألفية الثالثة حتى كانت 100 بالمئة من دول أوروبا الغربية ديمقراطية، و91 بالمئة من دول أميركا اللاتينية، و67 بالمئة من دول شرق أوروبا، و48 بالمئة من دول آسيا، و40 بالمئة من دول افريقيا كلها صارت ديمقراطيات مدنية، إلا العرب ظلت النسبة عندهم صفراً في المئة.
أطلق باحثو التحول الديمقراطي على هذه الظاهرة “الاستثناء العربي” ، لسبب ما يعجز العرب عن تطوير نظام ديمقراطي حقيقي. لكن ما هو هذا السبب؟
هل هو حداثة عهد العرب مع الديمقراطية؟
لا يبدو هذا سبباً كافياً. الأرجنتين والتشيلي على سبيل المثال تحولتا للنظام الديمقراطي عام 1990، وهو نفس العام الذي شهد إعلان عدد من الدول العربية تحولها نحو الديمقراطية. لكن في حين تترسخ الممارسة الديمقراطية في الدولتين اللاتينيتين تراجعت كل المحاولات الديمقراطية في الدول العربية وتحولت إلى شموليات. بل ان أغلب دول أوروبا الشرقية لم تصبح ديمقراطية إلا في 1989، ومع هذا حافظت أغلبها على مسار ثابت من مأسسة الديمقراطية والحوكمة. فلماذا كان عقدان من الزمان كافيان للثقافة اللاتينية لتتحول للديمقراطية ولم تكن كافية للثقافة العربية؟
هل هو الاستعمار كما يصرخ المحللون العرب ليلاً ونهاراً؟
لكن أغلب الدول المتحولة للديمقراطية كانت مستعمرات سابقة، ولو قارنا بين الاستعمار الغربي لإفريقيا وأميركا اللاتينية، وبين الاستعمار الغربي للمنطقة العربية لما كان هناك وجه للمقارنة. فقد نهب الاستعمار الغربي ثروات أميركا اللاتينية وإفريقيا واستعبد وذبح عشرات الملايين من أبنائها، وقضى على ثقافتها وتاريخها وغير دياناتها، وهو ما لم يحصل في التجربة الاستعمارية للعالم العربي رغم وحشيتها. بل ان بلداً مثل كوريا تعرض للاستعمار، ثمّ سقط في آتون حرب أهلية طويلة، ثمّ قسم إلى شطرين متنازعين، ثمّ سقط تحت حكم ديكتاتوريات عسكرية، لكن هذا لم يمنع كوريا الجنوبية من التحول لديمقراطية انتخابية تعددية تثير اعجاب العالم.
بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليابان دولة ديمقراطية، بعد تاريخ طويل من الإقطاع وحكم العسكريين والاحتلال الأميركي، واثبتت أن بلداً مهزوماً ومدمراً يمكن أن يتحول للديمقراطية. إذاً لا الاستعمار، ولا الحروب الأهلية، ولا الماضي الاستبدادي عوامل نافعة لتفسير العجز الديمقراطي العربي.
هل هي الطائفية والتعددية العرقية والثقافية؟
كانت الهند ثاني الداخلين في النادي الديمقراطي من خارج الدول الغربية عقب الاستقلال مباشرة في 1948، متحولة إلى ديمقراطية تعددية علمانية. وأثبتت التجربة الهندية أن الديمقراطية صالحة للمجتمعات متعددة الأديان ومتعددة الاعراق، وظلت النخبة العربية تعتقد أن الديمقراطية تنفع فقط للمجتمعات المتجانسة دينياً وعرقياً.
إذاً… هل هو الفقر؟
لقد عرف العالم الديمقراطيات الفقيرة في نيجيريا والسنغال وبيرو وهنغاريا وبولندا وغانا، بينما استمرت النخبة العربية تجادل أن الفقر والحرية لا يجتمعان وأن على المواطن العربي أن يختار بين الخبز أو الحرية. إن معدلات الدخل في الكويت والامارات والسعودية وقطر، قريبة من معدلات الدخل في الدول الاسكدنافية لكن كل هذه الدول لا زالت الأسوأ في مقياس الديمقراطية الشفافية وحقوق الانسان.
في نوفمبر 2016 كانت “غانا” البلد الأفريقي الفقير تنصب الرئيس الرابع المنتخب ديمقراطياً ،منذ بدأت التحول الديمقراطي عام 1992. بدأت غانا تحولها الديمقراطي في نفس السنة مع اليمن، وعانت من ظروف اقتصادية وسياسية وتوترات عرقية أشد، ومع ذلك نجحت غانا وسقطت الديمقراطية اليمنية الوليدة.
إذا كانت الديمقراطيات للفقراء أيضاً، فلماذا يعجز العرب أمامها…هل هو الدين؟
لكن هناك ديمقراطيات اسلامية ناجحة في تركيا (قبل الانقلاب الاردوغاني وفي السنغال، ماليزيا، وألبانيا)، وصارت هناك فجوة ديمقراطية واسعة بين المسلمين العرب والمسلمين غير العرب، فالمسلمون غير العرب أعلى بدرجات في مقياس الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.
إنها “لعنة النفط” كما كتب المحللون واطنبوا.
فمن بين بين 23 دولة هي إجمالي الدول المصدرة للنفط في العالم كله، لا يوجد ديمقراطية واحدة (بما في ذلك روسيا وفنزويلا).
لقد خلق البترول بيروقراطيات قوية شديدة المركزية في الدول العربية المصدرة للنفط، حتى القطاع الخاص فيها متمحور حول عقود الحكومة واستثماراتها، لأنها المستثمر الأكبر في أغلب المجالات. ولأن النفط يعفي الدولة من عبء جمع الضرائب ممن المواطنين، ولأن المبدأ الديمقراطي يقول إن المواطنين يحصلون على “التمثيل” مقابل دفع الضرائب، فإن الدول النفطية استغنت عن الضرائب وعن التمثيل (No taxation and no representation).
تبدو لعنة النفط أداة تفسيرية قوية لتفسير عجز الدول العربية الغنية عن التحول الديمقراطي، لكنه لا يفسر لماذا عجزت الدول العربية غير النفطية أيضاً، لهذا حاول البعض أن يبحث عن التفسير عند المواطنين العرب أنفسهم، فالمواطنون العرب رافضون للديمقراطية وهذا سبب العجز الديمقراطي. لكن هذا غير صحيح. ففي كل استطلاعات الرأي بلا استثناء قال أغلبية العرب إن الديمقراطية رغم كل عيوبها هي أفضل نظام سياسي.
لكن هناك مشكلة في المفهوم العربي للديمقراطية، فنصف العرب الذين يؤيدون الديمقراطية يؤيدون أيضاً سيطرة رجال الدين وتحكيم الشريعة، مما يعطي مؤشراً واضحاً لحالة الارتباك في الوعي السياسي العربي، فمن المستحيل الجمع بين الدولة الدينية وبين الديمقراطية. إلى جانب النفط تقدم الثقافة بعداً آخر لتفسير الاستثناء العربي. من بين الحقائق الملفتة في التحول للديمقراطية أن البلدان الكاثوليكية تأخرت حوالي 100 سنة مقارنة بالبلدان البروتستانتية، بل ان أغلبها لم تصبح ديمقراطيات إلا بعد عام 1970. لا شك ان تأخر المسلمين في عملية الاصلاح والتجديد الديني، اضافة إلى استمرار الثقافة التقليدية في أغلبها ،تشكل عوائق هامة اما الديمقراطية في شكلها الاجتماعي وشكلها السياسي. كما أن انتشار حركات الاسلام السياسي لعب دوراً مهما في انتكاسات المفهوم العربي للحرية والتعددية والتنوع، واختطاف التحركات الديمقراطية وتحويلها إلى شموليات دينية (الظاهرة الخمينية: مصر في عهد مرسي، سوريا بعد سيطرة داعش وجبهة النصرة). لكن النفط والثقافة وحدهما لا يفسران هذا الاستثناء الفريد دون أن نضع في الحسبان تحول الأنظمة العربية الحاكمة في العقود السابقة للربيع العربي، إلى أنظمة أمنية قمعية جرفت الحياة السياسية وحولت الديمقراطيات الوليدة إلى انتخابات شكلية يفوز فيها نفس الحزب الحاكم بنسبة أكبر في كل مرة.
عندما بدأت أولى أحداث الربيع العربي في 2011، انطلق الباحثون والسياسيون والناشطون ليعلنوا “نهاية الاستثناء العربي” ودخول الديمقراطية أخيراً إلى العالم العربي، لكن انتكاسات الربيع المأساوية أعادتنا إلى نقطة الصفر أمام الاستثناء العربي الطويل جداً. انتشرت الديمقراطية في الدول الفقيرة والغنية، المتدينة والملحدة، التقليدية والمنفتحة، ومتعددة الأعراق والديانات والمتجانسة. كما انتشرت في دول مستقرة، ودول عرفت حروباً أهلية، وفي دول عرفت سلطة مركزية ودول هشة لا زالت تبني شخصيتها الوطنية.
لقد تأخرنا كثيراً، والتحول يحتاج أولاً إلى قناعة بضرورة الديمقراطية، وفهم لعناصرها بلا تلفيق أو انتقاء، واصلاحا دينياً مترافقاً مع علمنة السياسة وعقلنة المجتمع، وقطيعة مع عقلية “الاستبداد المستنير” التي حكمت تفكير النخبة السياسية والفكرية قرناً بأكمله.

[video_player link=””][/video_player]

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.