fbpx

ما المفاجأة التي يخبئها بوتين بعد هزيمة جيشه في خيرسون؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أكثر ما يخشاه القادة الأوروبيون الذين يضغطون على كييف الان هو ان تحقق أوكرانيا انتصاراً وصفه دبلوماسي أوروبي لـ”درج” بالكارثي، ما يعني ان يلحق الاوكرانيون بالجيش الروسي هزيمة منكرة، تدفع بوتين نحو قرارات مدمرة مثل استفزاز حادث في محطة الطاقة النووية (زابوروجيا) او اللجوء الى استخدام اسلحة نووية تكتيكية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في أيار/ مايو 2022، تنبأ مركز دراسات الحرب الأميركي في بحث مطول عن مسارات الحرب الروسية في أوكرانيا بانتصار ساحق ستحققه القوات الأوكرانية في الهجوم المضاد الذي تزمع شنه لاسترداد الأراضي التي احتلها الجيش الروسي في الجزء الجنوبي من إقليم خيرسون، ما دفع قوات القيادة العسكرية الروسية إلى نقل أعداد كبيرة من قواتها وتجهيزاتها العسكرية من الجبهة الشمالية الشرقية أي من دونباس، التي كان تعدادها يصل إلى 25 ألف عسكري إلى الجزء الجنوبي.

وفقاً للمحلل العسكري اولغ جدانوف “إعادة توزيع ونقل هذه التشكيلات أدى إلى انخفاض عدد أفرادها في الشمال الى 10 الاف عسكري فقط”. أوكرانيا نجحت في تمرير هذه الخدعة التي قدمت لها ما تريده على طبق من ذهب بإفراغ هذه الجبهة الاستراتيجية من دفاعاتها وجعلها مفتوحة أمام أي هجمات محتملة، وهو ما فات إدراكه من جانب الضباط الروس الذين تناسوا أن مثل هذه المناورات والخدع تعد من  قواعد الحروب التقليدية. الأوكرانيون وبدلاً من الهجوم على الجنوب حيث كانت بانتظارهم القوات الروسية، توجهوا إلى الجبهة الشمالية الشرقية، في إقليم خيرسون، ونجحوا في اختراق الدفاعات الروسية التي اندحرت وتدافع الجنود الروس في محاولة للفرار، تاركين وراءهم المعدات والتجهيزات العسكرية، وبهذا استعاد الاوكرانيون سيطرتهم على مدينة ايزيوم الاستراتيجية.

وعزا نائب مدير برنامج الأمن والدفاع عبر الأطلسي في مركز تحليل السياسة الأوروبية، جويل هيكمان، هذا النصر إلى الذكاء الأوكراني في توجيه “الرسائل الخادعة”، مشيرا إلى أن “أوكرانيا قالت إنها تخطط لاستهداف منطقة خيرسون التي يسيطر عليها الروس في جنوب البلاد”. ولكن “ما فعلوه في الواقع هو جذب الروس من أماكن في الشمال”، مضيفاً “أدى ذلك إلى ظهور نقاط ضعف تمكنوا من استغلالها”. 

إلا أن هذا الانتصار وغيره من الانتصارات التي حققها الجيش الأوكراني لم تكن لتحصل من دون الدعم متعدد الاشكال الذي حصلت عليه كييف من الولايات المتحدة. وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن “كييف استخدمت بيانات استخباراتية أميركية خلال التخطيط لهجومها المضاد ضد القوات الروسية في خاركيف”، وذكرت أن “واشنطن زودت أوكرانيا منذ بدء الحرب الروسية بمعلومات عن مركز القيادة والتحكم ومستودعات الذخيرة وغيرها من المعلومات الاستراتيجية عما يحدث على طول الخطوط العسكرية الروسية”.

لماذا ايزيوم موقع استراتيجي مهم للقوات الأوكرانية؟

كانت إيزيوم، التي تقع بالقرب من الحدود بين منطقتي خاركيف ودونيتسك، تحت الاحتلال الروسي لأكثر من خمسة أشهر وأصبحت مركزاً مهماً للجيش الغازي. استخدمه كمنصة انطلاق لشن هجمات جنوبا على منطقة دونيتسك وكوبيانسك على بعد حوالي 48 كيلومترا إلى الشمال من إيزيوم، كمحور للسكك الحديدية لإعادة إمداد قواتها. ووصف فريدمان هجوم أوكرانيا بأنه “مذهل للغاية” وتوقع أن تكون له “آثار غير مباشرة” مثل تقويض الدعاية الروسية. وأوردت مجلة “لوبوان” Le Point تقريراً لموفدها الخاص في أوكرانيا بوريس مابيلار اكد فيه أن اختراق الجيش الأوكراني الدفاعات الروسية شرق خاركيف شمال البلاد مكنه من إلحاق ضحايا وخسائر كبيرة في القوات الروسية بعدما هاجمها حيث لم تكن تتوقع. وأكد أن “الهجوم مزق الصفوف الروسية في المنطقة وجعل الجنود يتفرقون لدرجة أن السلطات الروسية اعترفت، بالصعوبات التي واجهتها. وهو أمر نادراً ما يحدث”.

الا ان هذه المعركة بتأكيد محللين عسكريين لا تعني الانتصار النهائي فأوكرانيا لم تحرر إلا أن نسبة قليلة من أراضيها التي تحتلها روسيا. 

يقتصر الفوز الأقل خطراً على “طرد أوكرانيا القوات الروسية من الجانب الغربي لنهر “دنيبر”، وإنشاء محيط دفاع حول المناطق التي تسيطر عليها روسيا في شرق أوكرانيا وجنوبها، وتأمين وصولها إلى البحر الأسود. ومع مرور الوقت، بإمكان القوات الأوكرانية التقدم، وكسر الجسر البري الروسي المؤدي إلى شبه جزيرة القرم التي تقع في جنوب شرقي أوكرانيا وقد احتلتها روسيا وضمتها في 2014”. وهذا ما بدأت أوكرانيا القيام به في الأشهر الماضية.

تمكنت القوات الأوكرانية باستعادة السيطرة على نحو ستة آلاف كيلومتر كانت محتلة من القوات الروسية، ما يعكس فشلاً استراتيجياً لما يسمى المرحلة الثانية من العملية العسكرية الخاصة. وليس مصادفة ان يعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد ساعات على الانتصار الاوكراني في تصريح مثير للمرة الثانية  في يومين، أن بلاده لم ترفض أبداً التفاوض مع أوكرانيا”، موضحاً أن “كييف هي التي صعبت مثل هذه المفاوضات بهجومها على القوات الروسية”.

هذه المعركة بتأكيد محللين عسكريين لا تعني الانتصار النهائي فأوكرانيا لم تحرر إلا أن نسبة قليلة من أراضيها التي تحتلها روسيا.

ما يستحق الاهتمام بعد تصريح لافروف هو ما صرح به وزير الدفاع الاوكراني اولكسي ريزنيكوف بأن “بلاده لن تتفاوض مع موسكو الا بعد انهائها وبشكل كامل احتلالها الاراضي الأوكرانية، بما فيها دونباس والقرم”. ووفقا للموقع الالكتروني الأميركي (HB)، فإن “كييف رفضت الاستجابة لمناشدة من الرئيس الأميركي جو بايدن” بالبدء بالتفاوض مع روسيا لأن أوانها قد حان”، مؤكداً أن وزير الخارجية انتوني بلينكي حمل رسالة بهذا الخصوص شخصياً الى الرئيس زيلينسكي، إلا أن أي تأكيد رسمي من واشنطن وكييف لم يصدر حول ذلك.

مخاوف أوروبية من انتصارات كارثية

أكثر ما يخشاه القادة الأوروبيون الذين يضغطون على كييف الان هو ان تحقق أوكرانيا انتصاراً وصفه دبلوماسي أوروبي لـ”درج” بالكارثي، ما يعني ان يلحق الاوكرانيون بالجيش الروسي هزيمة منكرة، تدفع بوتين نحو قرارات مدمرة مثل استفزاز حادث في محطة الطاقة النووية (زابوروجيا) او اللجوء الى استخدام اسلحة نووية تكتيكية.

ما تأكد حتى  الآن هو أن القوة العسكرية الثانية في العالم حسب التصنيفات الدولية، أظهرت ضعفا لم يكن متوقعا بشكل تحطمت معه اسطورة الجيش الروسي الذي لا يقهر الذي يجب أن تخافه الدول الأخرى، ناهيك بمحاولة مجاراته. في تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” وأعده ثلاثة محللين هم هيلين كوبر (Helene Cooper)، وإيريك شميت (Eric Schmitt)، وجوليان بارنز (Julian E. Barnes)، أشاروا  فيه إلى أن “بوتين المحبَط، لديه القوة النارية لتحويل أوكرانيا ببساطة إلى أنقاض، على رغم أنّه بذلك سيدمّر الجائزة ذاتها التي يريدها. 

العقيدة العسكرية الروسية المتآكلة

أظهرت حرب روسيا على أوكرانيا أن مشكلات الجيش الروسي حقيقية، وأن الرأي العام حول القتال الدائر يتبدّل مع الحقائق والمتغيرات. وهذا يوضح سبب اصرار القيادة الروسية وحرصها على التقليل من أهميّة الحرب، وعدم تقديمها سوى القليل من المعلومات حول انتصاراتها أو هزائمها، وهو ما يساهم في رسم صورة غير كاملة.

لكنّ تشريحاً لأداء الجيش الروسي حتى الآن، تم تجميعه من مقابلات مع عشرين من المسؤولين الأميركيين، ومن حلف شمال الأطلسي، ومن المسؤولين الأوكرانيين يقدم صورة واستنتاجات عن مجنّدين شباب عديمي الخبرة، لم يُمكَّنوا من اتخاذ قرارات فورية، وضباط غير مفوّضين، وغير مسموح لهم باتخاذ القرارات أيضاً. القيادة العسكرية الروسية، مركزيّة جدّاً. ويقول مسؤولون أميركيون اشترطوا عدم الكشف عن هويّتهم إنّه “على الضباط الروس أن يطلبوا ممن الجنرال غيراسيموف الإذن حتى في الأمور الصغيرة”.

إضافة إلى ذلك، أثبت كبار الضباط الروس حتى الآن رغبتهم في تجنّب المخاطر. وقال مسؤولون أميركيون إنّ حذر الضباط الروس يفسّر جزئياً سبب عدم تمتّعهم بتفوّق جوّيّ على جميع أنحاء أوكرانيا، على سبيل المثال. وقال مسؤول كبير في البنتاغون إنّه في مواجهة سوء الأحوال الجويّة في شمال أوكرانيا، منع الضبّاط الروس بعض الطائرات والمروحيّات الهجومية الروسية من التحليق، وأجبروا أخرى على التحليق على ارتفاعات منخفضة، ما جعلهم أكثر عرضة للنيران الأرضية الأوكرانية.

وقال مايكل كوفمان (Michael Kofman)، مدير الدراسات الروسية في CNA، في رسالة إلكترونية: “كانت معظم القدرات الروسية على الهامش”. وأضاف: “توظيف القوة غير عقلاني تماماً. والاستعدادات لحرب حقيقية شبه معدومة. والروح المعنوية منخفضة بشكل لا يصدّق، لأنّ من الواضح أنّه لم يتمّ إخبار الجنود بأنّهم سيُرسلون إلى هذه المعركة”.

تمزق جبهة بوتين الداخلية

للمرة الأولى منذ شروع روسيا بما سمته “العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا”، تخرق المحظورات التي صيغت في قانون خاص للكرملين يمنع توجيه أي انتقادات لهذه الحرب. وظهرت على شاشات القنوات الروسية شخصيات معروفة بمعارضتها للحرب وانتقاداتها اللاذعة لزج البلاد في حرب عبثية. ورأى مراقبون ان هذه الاصوات والهزيمة المنكرة في الايام الاخيرة ستمثل صداعاً عسكرياً وسياسياً لبوتين. فجهود الكرملين لرسم صورة براقة عن الحرب في أوكرانيا تمزقت، إذ بدأ مدونون ومراكز أبحاث وحتى ساسة يعبرون عن غضبهم من الهزائم التي تعرض لها الجيش الروسي في جبهات القتال. وتعرض بوتين نفسه لانتقادات، ووصل الأمر إلى عريضة مع قائمة تواقيع نُشرت على “تويتر”، تطالبه بالاستقالة.

وقال الخبراء إن بوتين سيواجه الآن ضغوطاً متزايدة للرد بقوة، إذ تدعو الأصوات القومية الروسية المؤثرة والمؤيدة للحرب بشكل متزايد إلى اتخاذ خطوات جذرية، بما في ذلك التعبئة الكاملة والضربات المكثفة ضد البنية التحتية المدنية الأوكرانية، حتى أن البعض يقترح استخدام أسلحة نووية تكتيكية. إلا أن الجنرال المتقاعد بالقوات الجوية الأميركية والذي كان القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي من 2013 إلى 2016 فيليب بريدلوف، إنه لا ينبغي الاحتفال بالنصر السابق لأوانه لأن “روسيا لا تزال لديها أوراق يمكنها لعبها. وأعتقد أنه إذا قام الغرب بتجهيز أوكرانيا بشكل صحيح، فسيكونون قادرين على التمسك بمكاسبهم في الشرق والشمال”. 

أظهرت حرب روسيا على أوكرانيا أن مشكلات الجيش الروسي حقيقية، وأن الرأي العام حول القتال الدائر يتبدّل مع الحقائق والمتغيرات.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست (The Washington Post) عن مسؤولين بأجهزة الاستخبارات الأوروبية والأميركية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بات معزولاً على ما يبدو، وأنه يعتمد على ثلة من المستشارين الذين لم يخبروه عن مدى صعوبة وتكلفة احتلال أوكرانيا وما يترتب على ذلك من مآلات. ووصف التقرير بوتين بأنه “قائد عصبي مدفوعاً بجنون العظمة، استخف بالعزيمة الموحدة التي أبداها الغرب، ومن المحتمل أن يقوم بعمل متهور عندما يشعر بأنه محاصر”. 

الصحوة الأوروبية المتأخرة

الآن وبعد أكثر من عقدين على وصول بوتين الى الكرملين واستقباله في أوروبا كالابطال، تعترف المفوضية الاوروبية على لسان رئيستها أورسولا فون دير لاين في خطاب بأن أحد الدروس المستفادة من هذه الحرب هو أنه كان يجب أن نصغي لمن يعرف بوتين، مثل آنا بوليتكوفسكايا وجميع الصحافيين الروس الذين كشفوا الجرائم ودفعوا الثمن الأعلى حياتهم”. وأضافت، “كان ينبغي أن نستمع الى تحذيرات أصدقائنا في أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا والمعارضة في بيلاروسيا الذين قدموا لنا ما يكفي من الأدلة والبراهين عن خطورة هذا الرجل على أوروبا وخططه السرية للانقضاض على ديمقراطيتنا وطريقة حياتنا وقيمنا”. واستدركت: “كان علينا أن نستمع إلى الأصوات داخل اتحادنا – في بولندا ودول البلطيق وفي جميع دول أوروبا الوسطى والشرقية. لقد أخبرونا لسنوات أن بوتين لن يتوقف”. يفيد تقرير صادر عن الاستخبارات الاميركية نشرت تفاصيله صحيفة “الواشنطن بوست” أن روسيا منحت  ما لا يقل عن 300 مليون دولار منذ بداية عام 2014  لأحزاب سياسية ومسؤولين وسياسيين في أكثر من 20 دولة في محاولة للتأثير على القرارات السياسية.

ولم يذكر البيان الاستخباري الرسمي دولاً أو أفراداً معينين استهدفهم هذا التمويل، لكنه قال إنه “امتد إلى أربع قارات”. ولكنه اشار الى ان الكرملين استخدم بروكسل أيضاً كمركز للأموال التي تدعم المرشحين اليمينيين المتطرفين، واستخدمت الشركات الوهمية لتمويل الأحزاب الأوروبية وشراء النفوذ في البلدان الأخرى. وتعد ألبانيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود من بين هذه البلدان. واستخدمت السفارات الروسية لتقديم الأموال بشكل مباشر لعدم اثارة الانتباه والشكوك في السياسيين والاحزاب المعنية. شارك في  في عمليات التمويل السري رجل الأعمال ومؤسس شركة PMC “Wagner” يفغيني بريغوزين الذي يشتهر أيضاً بأنه طباخ بوتين، وكذلك ألكسندر باباكوف، نائب رئيس البرلمان الروسي، الذي اتُهم عام 2022 في واشنطن بالتآمر للتأثير في السياسة الأميركية. كان التمويل السياسي في بعض الأحيان تحت سيطرة مسؤولي الدولة والمشرعين الروس أو من قبل وكالة الاستخبارات الفيدرالية الروسية FSB.

ماذا لو استخدم بوتين السلاح النووي؟

 مواجهة الخطر النووي الروسي واحتمال أمر بوتين باستعدادات تقنية لاستخدام محتمل للأسلحة النووية كانت موضوع تحليل لمجلة “فورين أفيرز”، اعده الباحثان ليانا فيكس ومايكل كيماج، ودعا الغرب إلى الرد بالردع على مثل تلك التهديدات، والإشارة بوضوح إلى أن بوتين لن يحرز مكاسب تذكر من استخدام الأسلحة النووية. إذا لم ينجح ذلك، ونفذ بوتين تهديداته، فعلى حلف الناتو أن يعد العدة لرد تقليدي محدود، إما ضد القوات الروسية في أوكرانيا أو داخل روسيا نفسها. في غضون ذلك، يحتاج الغرب إلى بناء تحالف واسع لإدانة قرع طبول الحرب النووية وردعها من خلال الجمع بين العقوبات والتهديدات بالرد  على سياسة المجازفة النووية التي يعتمدها بوتين من جهة أخرى. قد لا تشارك الصين في ذلك، بيد أنها قد توافق على الفكرة، خوفاً من عدم الاستقرار النووي.

إقرأوا أيضاً: