fbpx

مقتل مهسا أميني: 
“الحجاب السيئ” ذريعة لإعدام الإيرانيات في الشوارع

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فضح مقتل مهسا أميني المأساوي حجم الإكراهات والواقع الذي تقع تحت وطأته النساء في شوارع طهران. هذه الشوارع التي باتت تشبه منصات الإعدام بذريعة الحجاب القسري.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“قتلوا ابنتي”. هذه الجملة، التي رددتها والدة الفتاة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، تحمل وصفاً قاتماً لنهاية فتاة لم تتجاوز الـ22 ربيعاً من عمرها. قُتلت مهسا لمجرد ارتدائها “الحجاب السيئ”، بحسب توصيف النظام الإيراني. 

الفتاة العشرينية هبطت برفقة أسرتها من مدينة سقز، في كردستان غرب إيران، إلى طهران، قبل أيام، بغرض السياحة. غير أنّه بعد ساعات قليلة من وصولها عاصمة الملالي، انقلبت عوالمها، بعدما وقعت في مصائد دورية شرطة الأخلاق. 

لم يمر وقت طويل، بعد انتشار صور أميني في مستشفى كسرى بطهران، بينما تعاني غيبوبة على خلفية ما تعرضت له من تعذيب إثر اعتقالها واقتيادها إلى قسم شرطة الآداب والأخلاق، حتى أعلنت وسائل إعلام إيرانية (رسمية) وفاتها.

في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، نشر حساب “تصوير 1500″، المختص برصد انتهاكات حقوق الإنسان التي تتورط فيها الشرطة الإيرانية، صورة لأميني وهي ترقد في المستشفى بينما تتنفس بمساعدة أنابيب.

الشرطة الإيرانية حاولت تبرئة نفسها فأصدرت بياناً وفيه أن الفتاة تعرضت خلال الاعتقال لـ”نوبة قلبية”، لكن شهادات عدة، منها ما ورد على لسان أفراد عائلتها، نفّت هذه المزاعم. 

خال الفتاة رفض التسليم بالسردية الرسمية، وفق ما نقلت عنه صحيفة “اعتماد” الإصلاحية. كما قالت والدتها مجغان أميني لقناة “بي بي سي” النسخة الفارسية: “قتلوا بنتي”. 

شقيق أميني قدم رواية تفصيلية وشبه موثقة حول ملابسات ما حصل. إذ قال إنّه بعد ساعتين من اعتقالها (أميني) دخلت في غيبوبة ونقلت بسيارة إسعاف إلى مستشفى كسرى، وفق موقع “فراز” المحلي. وبحسب أطباء المستشفى، فإنّ شقيقته قد أصيبت بنوبة قلبية وجلطة دماغية، لكن قلبها كان لا يزال ينبض، حتى مساء اليوم الذي وصلت فيه. ودماغها، فقط، لم يكن في حالة وعي.  

الموقع ذاته نقل عن شقيق أميني قوله: “كنّا خلف باب مبنى شرطة الأمن الأخلاقي. فجأة تعالت صرخات. طرقنا الباب فلم يفتحوه. بعد خمس دقائق، خرجت سيارة إسعاف من المبنى. الفتيات اللواتي كن يخرجن من المبنى ذكرن أنّ شخصاً ما قتل في الداخل. وأظهرن صورة مهسا أميني، واحدة منهن روت أنّ الأمر يتعلق بمهسا”. 

وينقل الموقع ذاته عن خال الفتاة: “قائد الشرطة برفقة عدد من زملائه زارونا. وفي الرد على سؤالنا المكرر عما حصل، وعدوا بأنّهم سيظهرون لنا صور الكاميرات قريباً، لكنني قلت لهم إنّه مهما فعلتم فلا فائدة من ذلك”.

التناقضات غلفت الروايات الرسمية وفشلت المحاولات التلفيقية لصناعة رواية مقنعة في إزالة الشبهات عن جهاز الشرطة الإيراني. 

الوقائع المسجلة في مقاطع فيديو بخصوص أميني، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا تعفي الشرطة الإيرانية من مسؤوليتها المباشرة في مقتل الفتاة العشرينية، لا سيما أنّ سجل الأمن الإيراني يحفل بجرائم مماثلة وموثقة. 

بعض هذه الجرائم، التي وقعت في فترة زمنية قريبة، تكشف عن فداحة الانتهاكات والخروقات الحقوقية التي تتورط فيها الشرطة الإيرانية، كما هو الحال مع سبيدة رشنو (28 سنة) المعتقلة بسبب التهمة ذاتها أي الحجاب السيئ، أو تعمد التصفية والقتل العمدي، كما حصل مع تلك الفتاة التي تم رميها من سيارة الشرطة أثناء سيرها.

لحظة مريرة تكاد تتجاوز اعتبارات الزمن الذي تلاشى أمام جسد ضعيف اصطدم بعنف في مواجهة هياكل السلطة البشرية، دون جدوى أو قدرة على المقاومة للنهاية. 

أفراد الشرطة مع عدد من المواطنين تهالكوا على جسد أميني الذي استخدمته السلطة في طهران لنشر سياسة الردع والتخويف. 

فالجسد الذي تعرض لهذا البطش وأقصى درجات القمع، خضع للإبادة الصاخبة في مشهد يؤكد سيادة “الولي الفقيه” وطبيعة الجسد المرغوب فيه. 

وفي ما يبدو أنّ فتاة عادية، مثل أميني، ليست بناشطة سياسية أو نسوية، فقد فضحت قصتها ونهايتها الصعبة والمأساوية حجم الإكراهات والواقع الذي تقع تحت وطأته النساء في شوارع طهران. هذه الشوارع التي باتت تشبه منصات الإعدام.   

وأدانت الناشطة الحقوقية الإيرانية، مسيح علي نجاد، في تغريدة عبر حسابها في “تويتر” تجاهل وسائل الإعلام الغربي قضية أميني. وقد نشرت مجموعة من صورها التي قالت إنها قبل تعرضها للضرب والاعتقال. وكتبت نجاد: “التقطت هذه الصورة قبل ساعة من تعرضها للضرب والاعتقال من قبل شرطة الآداب في إيران بتهمة الارتداء السيئ للحجاب”. ثم تساءلت: “لماذا هذه المأساة ليست في الصفحات الأولى لوسائل الإعلام الدولية؟”.

إذاً، قمع النساء في إيران لا يعدو كونه أمراً عرضياً أو مباغتاً. إذ إنّه منذ يوم لوصول آيات الله إلى الحكم، وهذه الحوادث المأساوية بحق المرأة، في طهران، باتت تقليدية ومتكررة “على الأقل بالنسبة إلينا نحن الإيرانيات”، وفق الناشطة الإيرانية، المقيمة في ألمانيا، عادله كودرزی. 

وتقول كودرزی لـ”درج” إنّ أميني التي سافرت مع عائلتها من كردستان إيران إلى العاصمة طهران، تم اعتقالها عند مدخل طريق حقاني السريع من قبل دورية شرطة الأخلاق، بينما تم نقلها للاحتجاز القسري داخل مقر قوى الأمن الداخلي، سيئ السمعة، والمعروف بـ”امينيت اخلي”. وقد تعرض المحتجون، كما هي العادة، داخل مقرات الاعتقال بالجهاز القمعي المتسيد في الأمن الداخلي، وكذا “الأمن الأخلاقي”، للضرب الذي أفضى في النهاية إلى نقل أميني إلى مستشفى في طهران، وإعلان وفاتها السريع. 

وتلفت الناشطة الإيرانية، المقيمة في ألمانيا، إلى أنّ هذا النوع من القمع الذي تعرضت له الفتاة الكردية الإيرانية، يبرز في جانب منه “تجاهل المجتمع الدولي، وبخاصة أوروبا والولايات المتحدة، انتهاكات حقوق الإنسان في إيران”. 

وتردف: “ترى أوروبا وواشنطن أنّ فتاة بريئة تقتل بسبب شعرة واحدة تظهر من طرف حجابها، وفي الآن ذاته، تجلس على الطاولة للتفاوض مع إيران. هم شرکاء في مقتل أميني”.

وبرغم أنّ القضية بعثت على تخومها الصراع التقليدي بين جناحي النظام الإصلاحي والمتشدد، إلا أنّ ملابسات ما يحدث من ردود فعل بين ممثلي النظام تفضح حيله القصوى لتوظيف ذلك لجهة تصفية الاحتجاجات التي تؤشر الأحداث إلى تصاعدها. فضلاً عن احتمال انتقال العدوى إلى كردستان إيران وربما بقية مناطق الأقليات. 

وقد بدأت الشرطة، بحسب ما أعلنت، حملة اعتقالات في صفوف متظاهرين تجمعوا في شوارع قريبة من مستشفى كسرى حيث انتشرت تظاهرات احتجاجية بعد إعلان موت الشابة. 

ولمحاولة التهدئة قال الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الذي يقود حملة قصوى لفرض وتعميم الحجاب الإلزامي على المرأة الإيرانية، إنّه طالب وزير الداخلية، أحمد وحيدي، بإجراء “تحقيقات عاجلة” بخصوص ما تعرضت له أميني، ثم تقديم تقرير حيال ذلك.  

ووفق وكالة “إيسنا” الإيرانية، فقد ألمحت عضوة اللجنة الاجتماعية البرلمانية، فاطمة قاسم بور، التي شددت على ضرورة أن تتحمل وزارة الداخلية مسؤوليتها في الحادث، إلى أنّها تواصلت مع “الطب العدلي” و”الشرطة” و”دائرة التفتيش” للإحاطة بتفاصيل ما حدث ثم “ننتظر تقرير السلطات القضائية”. 

وأوضحت بور أنّ “ما حصل، بغض النظر عن سببه، لا يمكن غض الطرف عنه”. 

ويكاد لا يختلف موقف قاسم بور عن آخرين في البرلمان الإيراني. إذ غرد جليل رحيمي جهان أبادي، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، على “تويتر” بأن “المجلس (البرلمان) يجب أن يدرس حادث مهسا أميني بدقة، ويتابع أيّ مخالفة وقصور أو جريمة محتملة بكل حزم. إذا لم يدعم نواب الشعب حقوقه فمن يجب أن يتابع هذا الحادث المرير. أمن المواطن يتقدم على أيّ إرشاد”.

وفي المقابل، وصف الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، زعيم التيار الإصلاحي في إيران، ما حدث بأنه “كارثة مؤلمة”. 

وطالب في تغريدة بضرورة “عدم توفير أرضية لتشويه سمعة الإسلام والنظام أكثر من ذلك، ومعاقبة المتسببين بهذه الحوادث بشكل مناسب”. 

إقرأوا أيضاً:

علي مطهري، نائب رئيس البرلمان الإيراني السابق قال: “إنّ أحداثاً مثل قضية مهسا أميني تظهر لنا وجهاً يشبه حركة طالبان الأفغانية في العالم”.

غير أنّ التيار الأصولي يقف على النقيض من هذه الآراء والدعوات. بينما يواصل عبر منصاته الإعلامية وقياداته نشر الخطاب التقليدي المتشدد الذي يعمد إلى التحريض والتعبئة ضد المخالفات لمعايير الحجاب الإلزامي في إيران. 

وقال رئيس منظمة الفضاء الافتراضي للباسيج (التابعة للحرس الثوري)، مسلم معين، إنّه “إذا ما تجولتم في شوارع طهران ستلاحظون أنّ عدم ارتداء الحجاب مستشرٍ ولا وجود للرقابة”. 

وفي تغريدة له، عمد معين إلى نشر فيديو لفتاة (غير محجبة) وشاب يغنيان في أحد شوارع طهران، في إشارة إلى غياب رقابة الشرطة التي يتعين عليها أن تكون أكثر تشدداً! 

كما طاولت “التيار الإصلاحي” اتهامات جمة في تغريدات رئيس المنظمة التابعة للحرس الثوري. إذ اعتبر أن هؤلاء يستخدمون مثل هذه الحوادث لـ”التنظير لعدم ارتداء الحجاب”، وكذا ترويج “الفساد وجعل الشرطة منفعلة”.

الأمر ذاته، تكرر مع وكالة أنباء “فارس” الإيرانية القريبة من الحرس الثوري، والتي اتهمت خصوم النظام الإيراني بتعمد “الكذب والتزييف”. وأدانت أطرافاً من المعارضة المحلية لأنّهم استخدموا الحادث الأخير والذي وصفته بـ”المرير” لـ”إظهار عدم وجاهة التصدي لمظاهر اللباس السيئ”. وتابعت: “يمكن أن تشكّل (مواقف المعارضة) بداية للفوضى وغياب القانون في المجتمع”. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.