fbpx

الغارديان : مذبحة تفوق الوصف في الغوطة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

إلى أين سيُجبر اللاجئون السوريون الجدد على الذهاب، هذا هو السؤال الذي يناقشه المجتمع الدولي، الذي لم يجد أي إجابات لإبطاء تفكك سوريا، وحاول دون جدوى تخفيف الوحشية في الغوطة. وقال دبلوماسي غربي في بيروت “لا توجد خطة طارئة لهم. سيتعين أن يكون هناك ممر إنساني من نوع ما، ولكن كيفية تنفيذ ذلك ليست واضحة. لا أستطيع أن أرى كيف يمكن إجبارهم على الذهاب إلى إدلب مع الملايين من النازحين. ماذا سيكون الطريق بالنسبة للجدد؟ سوف يناقش هذا الأمر حتماً في مجلس الأمن الدولي، ولكن بالطبع لا يمكن للأمم المتحدة أن تؤيد الترحيل القسري للسكان”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

رغم القصف الجوي والقنابل والجوع، كانت هناك وسائل لتخفيف المعاناة في متناول أهل الغوطة في وقت من الأوقات. وحتى مع تضييق الحصار، كان بمقدور سكان الضاحية القريبة من دمشق الحصول على بعض الغذاء والدواء المهربين، وعن طريق هذه الكميات الضئيلة تمكن المقاتلون من استئناف قتالهم.
كل ذلك توقف في أواخر العام الماضي. في البداية، تقلصت إمدادات الغذاء.  في كانون الثاني/ يناير، أغلقت غرفة عسكرية كانت تديرها الولايات المتحدة مقرها الأردن، كانت تزود مجموعتين مسلحتين بالأسلحة. وأوقفت التحويلات النقدية المنتظمة إلى جماعات المعارضة داخل سوريا. قطر والمملكة العربية السعودية، اللتان كانتا تدعمان المسلحين بعد الانتفاضة الشعبية في عام 2011، شعرتا بالضجر من قضية الإطاحة ببشار الأسد. ولم تعد لدى إدارة ترامب الرغبة في أن تكرس جهودها لذلك الهدف.
تجدر الإشارة إلى أن الحصار المفروض على الغوطة، حيث دخل القصف الجوي الروسي والسوري أسبوعه الثاني ، هو الآن الأشد على مستوى سوريا، حيث يوجد ما يقدر ب 350 ألف إلى 400 ألف شخص تحت القصف، وهم بذلك المجموعة السكانية الأكثر بؤساً فى البلاد المدمرة.
وفي الوقت الذي تستعد فيه قوات النظام للزحف على الغوطة، يقول أولئك الموجودون داخل الغوطة، إن جميع القوى الإقليمية التي شجعتهم على التمرد في الأيام الأولى للثورة، تخلت عنهم تماماً، وتركتهم يواجهون مصيرهم وحدهم، وذلك حين تحولت مكاسبهم إلى خسائر. وقال عفيف أحمد، تاجر من بلدة دوما داخل الغوطة، الذي تجمع مع عائلته في أنقاض متجره، “لم يكن لديهم القدرة على تحمل ذلك. إيران وروسيا تتحملان. على الأقل لا يتخليان عن أصدقائهما”.
وبعيداً عن الغوطة، في شمال سوريا، تقوم تركيا، وهي من الداعمين الرئيسيين للمعارضة، بإعادة تنظيم مشاركتها من دعم المسلحين المناوئين للأسد في وقت سابق من الحرب، إلى استخدام نفس القوات التي كانت تحارب الأسد بالوكالة لقتال الأكراد على طول حدودها. إن زخم المعارضة، الذي يقوده الرعاة الأجانب، قد انعكس الآن في جميع أنحاء البلاد. ولا تزال سوريا ساحة حرب بالوكالة، ولكن الداعمين الأجانب للنظام، إيران وروسيا، اللذين يحرزان الآن تقدماً، هما اللذان يحصلان على الضوء الأخضر من المجتمع الدولي، الذي يقول سكان الغوطة إنه غير مبالٍ بمعاناتهم.
وقال عدنان شملي، أحد المعارضين السابقين، والذي فر من الغوطة في حزيران/ يونيو من العام الماضي، “كانوا يقولون لنا، تحلوا بالإيمان، فالطغيان لن ينتصر أبداً. هكذا قالت الدول العربية التي التقينا بها في الأردن. كان هناك الكثير من الوعود. وحتى يومنا هذا، أندم على مغادرة الغوطة. ليتني بقيت في بيتي لكي أموت مع أصدقائي”.
تستهدف الطائرات المقاتلة والمروحيات المدنيين في الغوطة بشكل منتظم، ووصل عدد القتلى في الأيام الثلاثة الماضية وحدها إلى 250 شخصاً، من بينهم أعداد كبيرة من النساء والأطفال والمسنين. وفي ظل النقص في الأسلحة اللازمة للقتال، أو أعداد المقاتلين التي تسمح بالتصدي للهجوم، تقول جماعتا المعارضة الرئيسيتان – جيش الإسلام، الذي كانت تدعمه المملكة العربية السعودية، وفيلق الرحمن، الذي تسانده قطر، إنهم لا يستطيعون فعل أي شيء لوقف الهجوم.
يقول وائل عبد الرحمن المتحدث باسم فيلق الرحمن، “إن المذبحة فاقت كل التصورات. لم تفصح قطر عن أي سبب لتوقفها عن التمويل. ونأمل أن تستأنف قطر وتركيا دعمهما لنا كما كانا يفعلان طوال الثورة”.
يقول أطباء داخل الغوطة، إن ما يصل إلى 12 مرفقاً طبياً قد قصفت، ومعظمها أصيب بأضرار بالغة – خلال الأيام الثلاثة الماضية وحدها. وقد وصف مستوى العنف بأنه الأسوأ في سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية، مما ينفي مزاعم انحسار الحرب، أو أن على النازحين داخلياً واللاجئين الذين فروا عبر الحدود السورية التفكير في العودة. وقالت سوزانا سيركين، مديرة السياسة الدولية في منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” إن “جرائم الحرب الصارخة  سمة من سمات الحياة اليومية في سوريا. ليس هناك أي شك في أن الحكومتين السورية والروسية تعمدان إلى الإضرار بالسكان المدنيين في الغوطة الشرقية، في تحد مباشر للمعايير الإنسانية الدولية”. وأضافت “طالما أن دول العالم التي تتحمل مسؤولية الحماية لم تتمكن من وقف هذا العنف، سنرى مثل هذه الجرائم ضد الانسانية تتكرر، أولاً في حلب، الآن في الغوطة الشرقية، وقريباً في إدلب وحماة”.
وقد مُنعت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى من الوصول إلى الغوطة منذ أواخر العام الماضي، ولجأت إلى نداءات متزايدة – وغير مجدية حتى الآن – للمسؤولين السوريين لكي يسمحوا مرة أخرى بتقديم المساعدات. وتقول المنظمة إن الأطفال هم من بين أشد الفئات تأثراً بالحصار، حيث يعاني 11.9٪ من الأطفال دون سن الخامسة  من سوء التغذية الحاد. وعلى الرغم من توافر بعض المواد الغذائية في المنطقة، إلا أن ما يمكن تهريبه غالبا ما يتجاوز إمكانات الأسر التي تعاني من الفقر منذ عام 2013. وقالت مها ياسين، وهي أم لأربعة أطفال من الغوطة الشرقية، “ليس لدينا أموال لشراء الغذاء أو الوقود للتدفئة. لا أحد يملك المال. من رحمة الله بنا هذا العام أن الشتاء لم يكن قاسياً”. وأضافت “في الليلة الماضية عندما جاءت الطائرات مرة أخرى تمنيت لو أنها تقتلنا جميعاً. ما يأتي بعد ذلك سيكون أسوأ مما مضى. وبالأمس لم نكن نتحمل”.
أولئك الذين لا يزالون في الغوطة يستعدون لأمر لا مفر منه: غزو أرضي من قبل القوات الموالية للنظام يخرجهم من ديارهم لينضموا إلى أكثر من ستة ملايين نازح أوضاعهم بائسة. وقال أحد القادة السياسيين اللبنانيين، تعلل بالسياسة اللبنانية التي تتبنى عدم التدخل في النزاع السوري كسبب لحجب اسمه، “الخطة هي قصفهم حتى الخضوع، تماماً مثل حلب”. وأضاف “لا أحد سيساعدهم، والمجتمع الدولي في مأمن من المجزرة. ولا يستطيع هؤلاء المساكين الذهاب إلى الأردن، أو أنقاض درعا أو القنيطرة”، مشيراً إلى بلدتين في جنوب سوريا، “أو ربما المسير ببطء إلى إدلب”.
إلى أين سيُجبر اللاجئون السوريون الجدد على الذهاب، هذا هو السؤال الذي يناقشه المجتمع الدولي، الذي لم يجد أي إجابات لإبطاء تفكك سوريا، وحاول دون جدوى تخفيف الوحشية في الغوطة. وقال دبلوماسي غربي في بيروت “لا توجد خطة طارئة لهم. سيتعين أن يكون هناك ممر إنساني من نوع ما، ولكن كيفية تنفيذ ذلك ليست واضحة. لا أستطيع أن أرى كيف يمكن إجبارهم على الذهاب إلى إدلب مع الملايين من النازحين. ماذا سيكون الطريق بالنسبة للجدد؟ سوف يناقش هذا الأمر حتماً في مجلس الأمن الدولي، ولكن بالطبع لا يمكن للأمم المتحدة أن تؤيد الترحيل القسري للسكان”.
يعيش في إدلب حالياً ما يقدر بنحو 2.6 مليون شخص، نزح  نصفهم تقريباً من أماكن أخرى في البلد. وقد استخدمت هذه المنطقة للتخلص من المعارضة التي استسلمت لقوات النظام بعد الحصار المطول في أماكن أخرى من سوريا. يسيطر الإسلاميون الأصوليون على معظم أنحاء محافظة إدلب، ومن بينهم أولئك الذين ينتقلون من أجزاء أخرى من البلاد، وهناك مخاوف متزايدة من أن تكون مجتمعاتهم الجديدة هي المنطقة المستهدفة المقبلة. وقال علاء الزرور الذي انتقل من الزبداني قرب دمشق خلال صفقة استسلام العام الماضي، “يمكننا جميعا أن نرى الفخ. نحن ننظر إلى ما يحدث في الغوطة بهلع شديد وتعاطف، ولكن بغضب أيضاً. لا أحد سيهتم عندما يفعلون بنا الشيء نفسه”.

* مارتن تشولوف.

هذا المقال مترجم عن موقع the guardian  ولقراءة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي[video_player link=””][/video_player]