fbpx

مهسا أميني الكردية التي ولدت كـ”الحياة” واغتيلت “جميلة كالقمر”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يمكن أن نقسِّم الانتفاضة النشطة في إيران الآن، لأساسين رئيسين؛ الأوّل هو الجزء النسويّ، الانتفاضة النِسويّة ضدّ حجاب ولاية الفقيه المفروض على النساء، والأساسُ الثاني هو القوميّ الكرديّ، السّاعي لتحقيق مطامح الكرد في الحصول على الحكم الذّاتي والخروج من تحت حكم نظام ولاية الفقيه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“ژينا جان… لم تموتي، سيكون اسمك رمزاً”…

هذه العبارة وضعت على شاهدة قبر الفتاة الكرديّة الإيرانيّة، ژينا أميني (مهسا أميني، 23 سنة)، في بلدتها سقز بمحافظة كردستان، والّتي تلخّص جزءاً من غبن مركّب تعرضت له الفتاة؛ الأوّل كونها فتاة، اغتيلت بسبب ارتدائها “الحجاب السّيئ”، والثّانية كونها كرديّة، يُمنع اسمُها ژينا ويعني “الحياة” ولغتها الكرديّة في إيران، فتُسجّل وتُعرف لاحقاً باسم فارسي هو مهسا أي “جميلة كالقمر”.

ولِدت ژينا أمجد أميني في مقاطعة سقز في محافظة كردستان شمال غربي إيران، في الثّالث والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2000، أي أن عيد ميلادها الثّالث والعشرين كان بعد انطلاقة الاحتجاجات الشعبيّة ضدّ النظام الإيراني بيومين. احتفل أهلها وأقرباؤها بيوم ميلادها على قبرها فيما التظاهرات تعم الشوارع ضدّ النظام.

في 13 أيلول، توجّهت ژينا أميني برفقة شقيقها كياراش (17 سنة) إلى طهران لتكون الزيارة الأخيرة لها قبل أن تبدأ دراستها الجامعيّة في قسم علم الأحياء الدقيقة في جامعة أورمية (أرومية بالفارسي). كانت في محطّة مترو “الشهيد حقّاني” في العاصمة الإيرانيّة طهران، مرتديّة حجاباً يُظهر بعض شعرها، عندما أقدم عناصر من شرطة الإرشاد (غشتي إرشاد) على اعتقالها، والاعتداء بالضرب على شقيقها وتمزيق ثيابه.

في مركز الاحتجاز تعرّضت ژينا للاعتداء بالضرب والتعذيب (كان شقيقها شاهداً في إحدى المرّات على الضرب، وفي مرات عديدة كان ثمّة شاهدات داخل مركز الاحتجاز). تقول إحدى الشاهدات إنه عندما تمّ نقل ژينا إلى مركز الاحتجار كانت تمسك برأسها وتصرخ، وقالت للشاهدة أنها تعرضت للضّرب على رأسها. ووفقاً لوالدها كانت هناك كدمات على جسدها. نقلت على إثر العنف إلى المستشفى، وبقيت في الغيبوبة ثلاثة أيّام، حتّى وفاتها.

بعد وفاتها، لم يُسمح لوالدها بالاطلاع على تقرير تشريح جثتها، وعندما طلب منهم اطلاعه على محتويات الكاميرا التي بحوزة شرطة الإرشاد، رفضوا بحجة “بطارية الكاميرات قد نفدت”. ولم تتمكّن أسرتها من رؤيتها إلّا بعد تجهيزها للدفن. نفت أسرتها ما نقله الطب الشرعي في طهران حول خضوع ژينا لجراحة في المخ في سن الثامنة، قالت الأسرة “إنهم يكذبون”. 

ليست ژينا وحدها، فعام 2015، اندلعت تظاهرات كبيرة في المدن الكرديّة الإيرانية، بعد حادثة وفاة فريناز خسرواني (26 سنة)، بعدما ألقت نفسها من فندق بمدينة مهاباد الكرديّة، أثناء فرارها من عنصر مخابرات إيراني حاول اغتصابها. خلال هذه الاحتجاجات سقط عشرات القتلى والجرحى برصاص النظام الإيراني، الذي تمكّن حينها من إخماد المظاهرات. 

في 19 أيلول، دعا نطاء وأحزاب سياسيّة كرديّة في إيران إلى إضراب عام في المدن الكردية الإيرانيّة. وبدأت الاحتجاجات الشعبيّة في 24 مدينة وبلدة كردية، ووقعت مواجهات بين المتظاهرين والشرطة الإيرانية لتسفر عن سقوط أربعة قتلى و221 جريحاً، بينهم 24 طفلاً و43 امرأة، و250 معتقلاً/ة. لتعمّ بعد ذلك التظاهرات عدداً من المدن الإيرانية، وتنطلق حملة تضامن عالميّة مع الفتاة الكردية.

والحال يمكن أن نقسِّم الانتفاضة النشطة في إيران الآن، لأساسين رئيسين؛ الأوّل هو الجزء النسويّ، الانتفاضة النِسويّة ضدّ حجاب ولاية الفقيه المفروض على النساء، وهو ما يُمكن استنتاجه من نوعيّة الشّعارات الموجودة في الشّارع الإيراني اليوم؛ أبرزه هو فَرسَنة الشّعار الكردي التقليدي “ژن. ژيان. آزادي/ Jin. Jiyan Azadî”، الذي يستخدمه الكرد منذ زمنٍ بعيد في احتجاجاتهم النِسويّة والموجود في قصائد ومدائح وأغنيات كردية منذ زمن بعيد ليكون في طهران “زن. زندگي. آزادي”، انطلاقاً من أنّ ثمّة بعداً جندرياً لهذه الاحتجاجات، وهو البُعد النِسويّ، الذي تجاوز الكرديّات، وصار يعني كلّ النساء الإيرانيّات، اللاتي انتفضن في وجهِ النظام الإيراني، بموازاة الكرديّات. متجاوزاً الانقسامات القوميّة والمناطقيّة في إيران، لتوحيد الجهود دعماً لحقوق الإيرانيات، والبحث عن سبل الوصول إلى ظروف حقوقيّة واقتصاديّة أفضل.

والأساسُ الثاني هو القوميّ الكرديّ، السّاعي لتحقيق مطامح الكرد في الحصول على الحكم الذّاتي والخروج من تحت حكم نظام ولاية الفقيه. عبر الشّعارات الكرديّة؛ أبرزها كانت “كردستان ستكون مقبرة للفاشّيين”- “ژن. ژيان. آزادي”، ورفع اسم وصور الدكتور عبد الرحمن قاسملو أحد أبرز زعماء الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، الذي اغتيل على يد المخابرات الإيرانيّة في عملية شارك فيها الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد في فيينا عام 1989، بعدما استدرجته السلطات الإيرانية بحجة المفاوضات لمنح الكرد حكماً ذاتياً. 

يرى كرد إيران اليوم الانتفاضة بهويتها القوميّة، فبالنسبة إليهم ما يحدث هو انتفاضة شعبيّة كرديّة ضدّ النظام الإيراني، وجزء من حركة التحرّر التي يعملون من أجلها؛ يبدو ذلك واضحاً من نوعيّة الشعارات المرفوعة وأهدافها، فضلاً عن إحراق علم الجمهوريّة الإسلاميّة في عدد من المدن الكرديّة، وطرد الأمن في مدن مثل شنو (أشنوية) وحسن آوا. يرى الكرد في إيران أن الحراك النسوي والكردي مكمّلان لبعضهما، وثمّة تقاطع في ما بينهما، وهو ما يمكن أن نسمّيه شباكاً نسويّاً مفتوحاً على القضيّة الكرديّة؛ فالنسويّات الكرديّات يعملن على ما يخصّ الهويّة القوميّة الكرديّة، ابتداءً من العمل السياسي والعسكري، وانتهاءً بتعليم اللغة والثقافة والتّراث الكردي، وغالبيّة النسويات الكرديات السجينات، اعتقلن للسببين، النسوي والقومي.

وفي مطلق الأحوال، ما يدفع الكرد إلى التّوجه نحو تبنّي انتفاضة كرديّة واسعة، هو الاتّفاق الكردي السياسي الذي سبق الانتفاضة؛ ففي السادس عشر من الشهر الماضي، أعلن “الحزب الديمقراطي الكردستاني” و”الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني”، الوحدة مجدداً، بعد انشقاق دام 16 عاماً، وهما الحزبان الكرديان الرئيسيان في إيران، والأكثر حضوراً شعبياً، وهما يمتلكان جناحاً عسكرياً “پيشمركة كردستان إيران”. خلال بيان الوحدة، أكد الجانبان بداية: “مرحلة جديدة في نضال (الحزب) ضدّ نظام جمهورية إيران الاسلامية وضد أي عقلية وسطية تنكر التعددية القومية الإيرانية والحقوق الوطنية للمجتمعات المختلفة”. ويبدو أن الجانب الإيراني يُدرك ذلك، فمنذ يومين، بدأ الطيران الإيراني بقصف مواقع قوّات پيشمركة كردستان إيران في المناطق الجبليّة داخل أراضي إقليم كردستان العراق، وادّعى النظام الإيراني وجود مقاتلين من الپيشمركة في التظاهرات الجارية في المدن الكردية، وهو ما ينفيه الجانب الكردي، الذي لم يعلن أي نيّة لتدخّل عسكري، إلّا في حالة تدخل عسكري من الحرس الثوري الإيراني في قمع الانتفاضة.

تالياً، يمكن اختصار واقع الكرد في إيران، بمسرحيّةٍ دراميّة غنائية كرديّة، قدّمتها مجموعة من الفتيات والشّبان الكرد، بعنوان “وطننا الأم” عام 1945. خلال المسرحيّة قدّم صاحب الدور الرئيس، جملاً غنائيّة، تقول أجزاء منها “الوطن الأمّ في خطر، الدموع تملأ عيون النظارة، الوطن الأمّ مكبّل بالأغلال، النظارة يتأوهون ويطلقون الحسرات”.