fbpx

رسالة من غرقى قارب طرابلس: “كنا نريد النجاة لكننا متنا”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ككل الغرقى لم نمتلك، نحن المهاجرين غير الشرعيين، حقَّ الدفاع عن خيارنا في ركوب البحر، بعضكم يدرك أن هذا الخيار ليس نابعاً عن جهل أو لا مبالاة بحياتنا أو حياة أطفالنا، إنما عن يأس من الوطن ورغبة في حياة كريمة، ما يدفع الإنسان إلى المخاطرة بحياته… والموت أحياناً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لسنا من اختار الغرق… ولم نختر وضع أرواحنا على قارب خشبي أو الاختناق في مياه غريبة. لا شيء، لا شيء حرفياً في هذه البلاد، وجملة “بناكل من التراب وما بركب بالبحر”، ليست سوى كلام فارغ، لو كان التراب يؤكل لما جاع الآلاف، قبل أن تلومونا لأننا ركبنا البحر ولسوء حظنا غرقنا، يجب أن تصوبوا الأخطاء وترددوا اسم القاتل الحقيقي والأول، هل تملكون الجرأة؟ وإن كنتم لا تملكونها، كونوا أكثر رحمة، قبل أن تقولوا عنا: “هؤلاء الجهلة”، لماذا لا تعيدون تعريف الجهل في الحالتين السورية واللبنانية؟ هناك فرق شاسع بين فقدان الأمل والجهل، وقبل أن تقولوا: “هنن قتلوا حالهن، ما حدا قلهن يركبوا البحر”، فلنتذكر أن المجتمع الدولي شاهد مآسي السوريين من دون أن يسعى إلى حل إنساني أو سياسي حقيقي. يحقُّ لنا أن نختار لمرة بعد عقود من حياة القمع والفقر والهزيمة.

أسباب لركوب البحر

هل يسمى التنفس حياةً؟ هل الفتات والخوف من كل شي، يصنّفان حياة؟ هل جربتَ انتظار دورك لتحصل على ربطة خبز جاف؟ هل جربت العيش من دون غاز للطبخ ومن دون كهرباء ووقود للتدفئة؟ وإذا وجِد فهو بالكاد يكفي، ويجب أن تفكر في كل مرة تتجرأ فيها على فتح أسطوانة الغاز، لأنها إذا نفدت فلن تحصل على غيرها بسهولة…

إن كنتَ تجد هذه حياةً طبيعية، فاتركْ الآخرين يبحثون عن رغيف خبز طازج وعن صباح يستيقظون فيه من دون خوف.

أكنت في يوم طالباً جامعياً عاجزاً عن الوصول إلى أي مصادر علمية؟ إذ أنه وبسبب العقوبات لا يستطيع الطلاب السوريون الوصول إلى أي مصادر في جامعات العالم، وحتى امتحانات اللغات، التي تطلبها جميع الجامعات في العالم، غير متاحة، وعلى الطلاب السفر إلى دول الجوار لإجراء الاختبار وهو ما يكلفهم مالاً وجهداً؟ ولو احتجنا حاسوباً محمولاً فعلى عائلاتنا بيع كل ما تملك أو سيتوجب علينا سحب قرض عقاري، سيتحول سداده إلى عبء إضافي، ناهيك عن معاناة المواصلات في كل يوم، إذ نصل إلى مدارسنا وجامعاتنا منهكين من التزاحم والوقوف في الحافلة، بعدما دُهست إنسانيتنا على الطرق، وهكذا يضيق كل شيء على أعناقنا، أسعارُ الكتب المرتفعة وكذلك لوازم الدراسة الأخرى والعيش في غرفة جامعية لا تصلح حظيرة للحيوانات. هل جربتم أن تشاركوا غرفة لا تتجاوز بضعة أمتار مع عشرة أشخاص آخرين، وإن لم يكفِ ذلك لتسمحوا لليائسين بالبحث عن فرصة حياة، فنطمئنكم أن لائحة أسباب الهرب لا تنتهي، فحتى عندما ينهي الشباب تعليمهم عليهم الالتحاق بالخدمة العسكرية، التي قد تطول لفترة لا يعلمها غير الله، ليعيش خريجو كليات الآداب والطب والهندسة والعلوم برواتب بخسة، ما يجبرهم على الاستعانة بعائلاتهم مادياً. هؤلاء الشباب يمتلكون للمصادفة أصدقاء من سنهم، يعملون في مهن كريمة ويحصلون على رواتب جيدة لكن في مكان آخر، في المكان الذي يركب أترابهم البحر محاولين الوصول إليه. قد لا يكون ذلك كافياً لمن يلوموننا حين نركب البحر ونخاطر بحياتنا، هل تعلمون أننا لو أردنا ارتياد المواصلات فعلينا الانتظار أحياناً لساعات وقد يسقط أحدنا بعد تشبثه بباب الحافلة فتدهسه وتكمل طريقها!

أسباب إضافية للمخاطرة بحيواتنا

قد لا يكون هذا كله كافياً بالنسبة إليك، لكن هل جربتَ الذل؟ أن تعيش حياتك بطولها مذلولاً لموظف الفرن والعسكري على الحاجز والموظف الحكومي ومعتمد الغاز ورسالة البطاقة الذكية، التي تخبرك بوصول حصصكم من الأرز والسكر نوعية النخب العاشر. 

قبل أن تلوم شاباً خاطر بحياته، هل جربت أن يتطاول صاحب سلطة لم يتجاوز العشرين سنة على والدتك لأنها قالت له إن قدميها تؤلمانها ولا تستطيع المشي؟ حسناً لم تجرب إذاً أن تُذلّ والدتك العجوز، لو جربت ذلك ربما ستعيد التفكير بأسباب رحيلنا.

إن لم يوقفك كل ذلك عن لومنا، فربما الأرقام تفعل ذلك، فبحسب صحيفة “قاسيون“، ومع بداية فصل الشتاء وصل متوسط الحد الأعلى لتكاليف المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد إلى 3.5 مليون ليرة سورية، بينما الحد الأدنى يبلغ نحو مليوني ليرة سورية، فيما الحد الأدنى لراتب الموظف، بعد الزيادة الأخيرة للأجور، فهو 150 ألفاً، ولنعتبر أن العائلة بأكملها تعمل، وهو أمر صعب، فيصبح دخل العائلة المكونة من خمسة أشخاص هو 750 ألفاً، أي أقل من نصف تكاليف المعيشة في حدها الأدنى، في حال كان كل الأفراد عاملين، أمّا إذا كان الوالدان فقط يعملان فهنا نحن أمام معضلة حقيقية، كيف يمكن لرب أسرة يستلم 200 ألف كحد أقصى، بينما يحتاج إلى نحو مليوني ليرة، ألّا يفكر بالسفر والمخاطرة بحياته وحياة أطفاله بينما يموت جوعاً! 

أسباب لاصطحاب أطفالنا معنا

يلومنا البعض على اصطحاب الأطفال في رحلة الموت، لكن هل يعلم المنظرون أنه ومنذ العام 2015، وثّقت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام مقتل أو إصابة 15 ألف شخص جراء الذخائر المتفجرة، بما يعادل مقتل أو إصابة خمسة أشخاص يومياً، وفي العام الحالي فقط مات حوالى 55 طفل بمخلفات الحرب وحدها! كما وثق “المرصد السوري لحقوق الإنسان” 23 حالة اختطاف أطفال، 20 حالة منها نفذتها “الشبيبة الثورية” التابعة لحزب “الاتحاد الديمقراطي” في كل من الحسكة والرقة وحلب، ضمن مناطق نفوذ الإدارة الذاتية. لا يعني هذا أننا نرضى أن يموت أطفالنا في البحر، لكن وحين ظننا أننا نحميهم من الجوع والخطف ومخلفات الحرب، جاء البحر وأخذهم، هل نستحق اللوم لأننا خفنا على أطفالنا حتى في الوطن!

أسهل ما يفعله الخائف هو اللوم، ندرك أنكم خائفون، مثلنا، وتريدون رمي فاجعة موتنا علينا، لا تريدون النظر في الأسباب، أو تصديق الجحيم الذي نعيشه جميعاً. ولأنكم لم تجربوا حياةً كريمة، يعيش فيها الإنسان برفاهية وراحة دون الخوف من الغد، فستظنون أن الاكتفاء بهذه الحياة هو الحياة.

ككل الغرقى لم نمتلك، نحن المهاجرين غير الشرعيين، حقَّ الدفاع عن خيارنا في ركوب البحر، بعضكم يدرك أن هذا الخيار ليس نابعاً عن جهل أو لا مبالاة بحياتنا أو حياة أطفالنا، إنما عن يأس من الوطن ورغبة في حياة كريمة، ما يدفع الإنسان إلى المخاطرة بحياته… والموت أحياناً.

 عندما يكون ما خلفك ليس سوى هاوية تسحب سنوات عمرك وسعادتك ستتجه حتماً إلى آخر خيار تملكه، حين تستيقظ وتشعر بالعجز أمام عائلتك ستركب البحر، وحين تغلق دول العالم أبوابها في وجهك ستركب البحر.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!