fbpx

“ألو بيروت” : حكاية ملهى ليلي قديم طمسته الحرب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تحت عنوان “ألو، بيروت؟”، افتتح “بيت بيروت” (السوديكو) أنشطة فنيّة متنوّعة التجهيزات على مدى تسعة أشهر، لكي يكون معرضاً لذاكرة جماعية بين بيروت الستينات التي توثّق حقبةً من الفساد والسياسات المنحرفة، وبين بيروت الحاضر التي تعيش تبعات تلك المرحلة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على أحد جدران مبنى “بيت بيروت” المعروف بمبنى بركات سابقاً، ثمّة ثقب إلى جانبه عبارة غير مكتملة: “من راقب الـ…” إنّها بالتّأكيد عبارة مهداة إلى قنّاص. عبارة تركها مسلّحون على جدار صار نصفه مرمّماً، بحيث أنّ الجزء المرمّم منه أكل الجزء الباقي من المثل القائل: “من راقب الناس مات همّاً”.

في المكان نفسه، أنشئت فكرة معرض “ألو، بيروت؟” (أيلول 2022 – حزيران 2023) لكي يعطى اللّبنانيّون فرصة أخيرة لالتقاط ماضي المدينة من خلال فجوات الجدران نفسها التي كان يستعملها القنّاصون للمراقبة.

بدأ تطوير فكرة “ألو، بيروت؟” مع الصحافيّة الفرنسية- اللبنانية دلفين دارمنسي أبي راشد عندما دخلت عام 2010 المبنى المهجور لأحد أشهر الملاهي الليلية في عين المريسة “الكاف دي روا” لمالكه بروسبير غي بارا. “عندما دخلتُ إلى المكان كان واضحاً بالنسبة إلي أن أجزاء كثيرة منه قد تمّت سرقتها على مرّ السنوات، وخصوصاً في فترة الحرب الأهليّة” تقول دارمنسي. في حالة الحرب، بإمكان أيّ شخص أن يسرق أيّ شيء، لكن لم يفكّر أحد في سرقة أرشيف بروسبير الزاخر بالقصص والأحداث، الملقى على الأرض كأنّه ركام.

انطلقت دارمنسي من أنقاض ذاكرة “الكاف دي روا”، وبحثت في محتواها على مدى 10 سنوات وعثرت على مخطوطات توثق حقبة من الفساد والسياسات الخاطئة التي سادت ستينات القرن الماضي والتي نذكر منها أزمة إفلاس بنك إنترا عام 1966 الذي كان يملكه يوسف بيدس، التي تشبه ما يحدث الآن من تبديد لأموال المودعين.

في كتابه “بيروت مدينة العالم”، يوضح الروائي اللبناني ربيع جابر تلك العلاقة الغامضة بين الإنسان والتاريخ، إذ به يقول: “تقضي الحياة وأنت تتعارك مع العشب، وماذا يصير؟ أنت تموت والعشب ينمو”. بما معناه أن التاريخ الذي يصنعه البشر هو ما يؤسّس إلى زوالهم في النهاية.

يجسّد معرض “ألو، بيروت؟” القصّة التي تمّ العثور عليها في ملهى ليلي قديم، لكي تنتقل وتتحوّل إلى قصّة مبنى تراثي صودف وجوده على خط التماس في زمن الحرب، قبل أن يتحوّل إلى مأوى للقنّاصة.

كان يلقّب غي بارا بـ”ملك اللّيل”، إذ كان يملك فندق الـ”بالم بيتش” الذي ضمّ “مسرح الساعة 10” أوّل مسرح ولد في بيروت، وفندق “إكسلسيور” حيث كان “كاف دي روا “أو بما معناه “مطعم الملوك”. لم تتوقف غي بارا أبداً عن الرغبة في إحداث ثورة في لبنان من خلال السياحة وتطوير الثقافة والفلكلور اللبناني. كان على حد قول دارمنسي، من قادة مهرجان بعلبك وكازينو لبنان. كما أنّه شغل منصب عضو اللجان في وزارة الشؤون الاجتماعية، وكان خبيراً في هيئة السياحة، وممثل لبنان في المؤتمرات الدولية لصناعة الفنادق وكان محرراً رئيسيّاً في إحدى أهمّ الصحف اللبنانية، ومؤلف كتاب “عبوري هذا القرن”. توفي بروسبير غي بارا عام 2003 مع وجود عشرات المشاريع والمخطّطات الإصلاحيّة للبنان في جعبته.

انطلاقاً من هذا الأرشيف الزاخر والخاص بملك اللّيل، قام معرض “ألو، بيروت؟” بإعادة قراءة نقدية وتحليلية لبيروت الستينات حيث بإمكان الحاضرين زيارة الملهى ومكتب بروسبير، إضافة إلى غرفة مخصصة للعملية المصرفية التي كانت تتم في تلك الحقبة، وغرفة الإدارة أيضاً حيث بإمكاننا التعرّف إلى القوانين التي كانت مطروحة وسارية حينها.

تلك الثقوب باتت اليوم جزءاً متّصلاً بالتصميم المعماري لـ”بيت بيروت” ليكون هو المجسّم الأكثر دلالة على تاريخ الحرب الأهليّة اللّبنانيّة دوناً عن غيره من المجسّمات البيروتيّة الأخرى. “إنّ الأهميّة المعماريّة للبناء تكمن في الأهميّة التي أهداها المهندس للفراغ وليس للبناء”، تقول المعماريّة والناشطة في مجال الحفاظ على التراث منى حلّاق.

ما تعرفه العمارة عن ثقوب الجدران هو بسيط جداً، إذ وجدت لتؤدي وظيفة النوافذ الجالبة للضوء والبوّابات المستقبلة للزوّار والأبواب التي تفتح بين الغرف. إلا أنّ ما تعرفه العمارة يختلف عمّا تعرفه الحرب والذاكرة عنها. القنّاص مثلاً، يعرف كيف يصنع الثقوب، إما كموقع للتسديد أو كهدف في رؤوس ضحاياه. في المعرض، استخدمت تلك الثقوب عن عمد من أجل مشاهدة لقطات من التظاهرات الاحتجاجية التي عمّت لبنان على مدى أشهر، بدءاً من 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019. “استعملنا شاشات صغيرة نصبت في فتحات الجدران لتكون هي عيننا إلى الحاضر”، قول المخرج روي ديب القيّم على المعرض.

إنّ الفراغ المعماري الذي تحدّثت عنه حلّاق، هو الصدع الذي عملت مبادرة حسن الجوار في الجامعة الأميركيّة في بيروت على رأبه من خلال هذا المعرض.

من هنا جاءت فكرة دعوة 10 فنانين وفنّانات، هم: روان ناصيف، بيترا سرحال، وائل قديح، جوان باز، ليلي ابي شاهين، كبريت، كريستيل خضر، إيفا سودارغيتي دويهي، رنا قبوط ورولا ابو درويش، للمشاركة في تقديم أعمالهم الفنيّة التي تحاكي تفاصيل من ذاكرة المدينة. يقدم كلّ منهم نظرته الخاصة عن بيروت اليوم، اعتماداً على وسائط فنيّة عدّة منها: تجهيزات الصوت والصورة والفيديو، كما التجهيزات الأدائية، والتفاعلية منها. وتتناول مواضيع ثورة 17 تشرين والأزمة الاقتصادية والهجرة والعلاقة مع مدينة في طور الانهيار، كما الذاكرة المؤلفة لهوية المدينة وتبدلاتها عبر العصور.

“بإمكان النساء كتابة تاريخ المدينة أيضاً”، يقول ديب. لم يكن اختيار 8 فنّانات للمشاركة بالمعرض أمراً عبثياً في معرض يسرد أرشيفاً صورياً وصوتيّاً عن المدينة. “أردت من خلال هذا الأمر تأكيد أنّ بإمكان النساء أيضاً كتابة قصص المدن، الذي هو في العادة شيء منسوب إلى الرجال”. 

يجسّد معرض “ألو، بيروت؟” القصّة التي تمّ العثور عليها في ملهى ليلي قديم، لكي تنتقل وتتحوّل إلى قصّة مبنى تراثي صودف وجوده على خط التماس في زمن الحرب، قبل أن يتحوّل إلى مأوى للقنّاصة. في المكان نفسه كان ثمّة صالون حلاقة يدعى “صالون افرام” أعاد المعرض إحيائه لمرّة أخيرة لكونه هو الآخر محفور في ذاكرة هذا المكان. القصّة هي الشيء الوحيد الباقي بعد زوال الإنسان، تحفر القصّة في الجدران وتُسمع هناك، كأنّ الجدران مع الزمن لم تعد تسمع وقد طوّرت صيغاً جديدة للكلام، تماماً كما حصل مع جدران المعرض. ربّما تلك القصص التي باتت تخرج من الجدران، كانت تعود لأولئك الذين رمّم الزمن نفسه فوق كتاباتهم، أيّ الذين “ماتوا همّاً” كقنّاصة نائمين تحت فجوات جدرانهم.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!