fbpx

مدارس الحركة اليهودية الحسيدية في نيويورك
تمولها الحكومة وتُخرّج “أميّين”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تظهر عواقب الالتحاق بالمدارس الحسيدية أكثر فأكثر عبر الزمن؛ إذ يكبر الطلاب ويمكنهم بالكاد إعالة أسرهم، وآخرون يخرجون من الحركة وينتهي بهم الأمر إلى إدمان المخدرات أو الكحول. وآخرون يسيرون في طريقهم وهم يشعرون أنه ليس لديهم خيار سوى إرسال أطفالهم إلى تلك المدارس.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لطالما اضطلعت الجالية اليهودية الحسيدية بإدارة واحدة من أكبر المدارس الخاصة في نيويورك وفقًا لشروطها الخاصة، ولا تزال تقاوم أي تدقيق خارجي لكيفية أداء طلابها.

ولكن في عام 2019، توصلت تلك المدرسة – الأكاديمية التلمودية المركزية المتحدة – إلى اتفاق على إجراء اختبارات حكومية موحّدة في القراءة والرياضيات لأكثر من 1000 طالب.

كانت النتيجة رسوب جميع الطلبة.

وفيما يقرب من اثنتي عشرة مدرسة أخرى تديرها الحركة الحسيدية، كرر الطلاب النتائج المخزية نفسها في ذلك العام، وهو نمط يعكس -في ظل الظروف العادية- وجود أزمة في النظام التعليمي. ولكن في الوقت الذي قد تتعثر فيه المدارس الأخرى بسبب نقص التمويل أو سوء الإدارة، فإن أزمة هذه المدارس مختلفة؛ حيث إن فشلها متعمّد.

بنى قادة الحركة الحسيدية في نيويورك عشرات المدارس الخاصة لتعليم الأطفال الشريعة اليهودية والصلاة والتقاليد، وعزلهم عن العالم العلماني. ومن خلال تدريس القليل من اللغة الإنجليزية والرياضيات، وعدم وجود أي مواد تخصّ العلوم أو التاريخ تقريباً، يتلقى الطلاب تدريبًا قاسياً -وأحياناً بوحشية- يمتد لساعات من الدروس الدينية التي تُدرّس باللغة اليديشية.

والنتيجة -كما خلص تحقيق أجرته صحيفة “نيويورك تايمز”- هي أن أجيالاً من الأطفال حُرمت بشكل منهجي من التعليم الأساسي، ما أدى إلى حبس العديد منهم في أغلال البطالة والتبعية.

وباتباع نظام الفصل حسب الجنس؛ يكرر النظام الحسيدي فشله بشكل صارخ في أكثر من 100 مدرسة للبنين. تنتشر هذه المدارس عبر بروكلين ووادي هدسون السفلي، وتُخرِّج آلاف الطلاب كل عام، وهم غير مستعدين للاحتكاك بالعالم الخارجي، مما يجعل معدلات الفقر في الأحياء الحسيدية ضمن أعلى المعدلات في نيويورك.

ورغم أن سياسة هذه المدارس تبدو أنها تنتهك قوانين الولاية التي تضمن للأطفال تعليماً مناسباً، إلا أن صحيفة “التايمز” وجدت أن مدارس الفتيان الحسيدية قد شقت طريقها لامتصاص مبالغ هائلة من الأموال الحكومية، حيث استأثرت بأكثر من مليار دولار في السنوات الأربع الماضية وحدها.

ورغم تلقيهم تحذيرات من المشاكل على مر السنين، تجنب مسؤولو المدينة والدولة اتخاذ أي إجراء، ورضخوا لتأثير قادة الحسيدية الذين دفعوا أتباعهم إلى حشد كتلة ضخمة من الأصوات لجعل حماية المدارس أولوية سياسية قصوى.

يقول مويشي كلاين -الذي خرج من الحركة مؤخراً بعد أن أدرك أنها لم تعلمه الأساسيات، فضلاً عن المهارات اللازمة للعثور على وظيفة لائقة- “لا توجد كلمات يمكنها وصف إحباطي. لقد فكرت في الأمر ووجدت إنه من الجنون أنني لا أتعلم أي شيء حرفياً. من الجنون أنني أبلغ من العمر 20 عامًا ولا أعرف أي شيء عن الرياضيات المتقدمة، ولم أتعلم أي علم على الإطلاق”.

لأغراض فحص أداء المدارس الحسيدية، استعرضت صحيفة “التايمز” آلاف الصفحات من السجلات العامة، وترجمت عشرات الوثائق المكتوبة باللغة اليديشية، وأجرت مقابلات مع أكثر من 275 شخصاً، بما في ذلك الطلاب الحاليين والسابقين والمعلمين والإداريين والمنظمين.

قدمت هذه المراجعة نظرة نادرة داخل مجموعة من المدارس تمنع حوالي 50000 فتى من تعلم مجموعة واسعة من المواد العلمانية.

إن الطلاب في مدارس البنين لا يتخلفون ببساطة عن الركب؛ إذ وجدت صحيفة “التايمز” أنهم يعانون من مستويات من الحرمان التعليمي لم نشهدها في أي مكان آخر في نيويورك. فهناك تسع مدارس فقط في الولاية تَقدم أقل من 1 في المائة من طلابها للاختبارات الموحدة على مستوى الصف في عام 2019، وهو العام الأخير الذي توفرت فيه البيانات الكاملة؛ وليس من المفاجئ أن تكون جميعها مدارس حسيدية للبنين.

لطالما اضطلعت الجالية اليهودية الحسيدية بإدارة واحدة من أكبر المدارس الخاصة في نيويورك وفقًا لشروطها الخاصة، ولا تزال تقاوم أي تدقيق خارجي لكيفية أداء طلابها.

كيف كان أداء المدارس في الاختبارات الموحدة في نيويورك

تتلقى الفتيات جرعة أكبر من التعليم العلماني لأنهن يدرسن نصوصاً دينية أقل، لكنهن أيضًا في محنة؛ فقد رسب ما يقرب من 80 في المائة من الفتيات اللائي خضعن لاختبارات معيارية العام الماضي.

أما مدارس البنين فتجمع دروس المواد العلمانية فقط بعد يوم كامل من الدروس الدينية. تقدم معظمها دروس القراءة والرياضيات أربعة أيام فقط في الأسبوع، وغالبًا لمدة 90 دقيقة يومياً، ولا يتلقاها سوى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عاماً. وبعض تلك المدارس تثبّط متابعة مزيد من دروس المواد العلمانية في المنزل، كما يحظر كتاب قواعد إحدى المدارس “وجود أي كتب باللغة الإنجليزية على الإطلاق”.

في كثير من الأحيان، لا يستطيع مدرسو اللغة الإنجليزية التحدث بطلاقة. ويكسب الكثيرون أقل من 15 دولاراً في الساعة، وقد حصل بعضهم على الوظيفة من الإعلانات على موقع “كريجزليست | Craigslist” أو الإعلانات المعلقة على أعمدة المصابيح.

أثناء الدراسة الدينية، يضرب المعلمون في العديد من مدارس البنين طلابهم وقد يصل الأمر إلى الصفع والركل المستمر، كما يظهر من السجلات والمقابلات، وهو الأمر الذي يخلق بيئة من الخوف تجعل التعلم صعباً. وفي بعض المدارس، اتصل الأولاد برقم الطوارئ (911) للإبلاغ عن تعرضهم للضرب.

ورغم كل ما سبق، افتتح قادة الحركة الحسيدية أكثر من 50 مدرسة جديدة للبنين في العقد الماضي، وتلقوا مبالغ متزايدة من الأموال الحكومية، كما تُظهر السجلات. وفي إحدى المدن، أرسل برنامج “رعاية الطفل للعائلات ذات الدخل المنخفض” ما يقرب من ثلث إجمالي تمويله إلى أحياء الحسيدية العام الماضي.

إن مدارس البنين الحسيدية ليست سواء؛ إذ يمكن أن تختلف مواقفها تجاه التعليم غير الديني من حي إلى آخر. أقامت بعض المدارس في منطقة بورو بارك في بروكلين معارض للعلوم والدراسات الاجتماعية. وهناك مدارس أخرى تعقد مسابقة “نحلة التهجئة | spelling bee” سنوياً. ووجدت صحيفة “التايمز” أن هذه المدارس هي الاستثناء.

بالنسبة للكثيرين، يمكن أن تظهر عواقب الالتحاق بالمدارس الحسيدية أكثر فأكثر عبر الزمن؛ إذ يكبر الطلاب ويمكنهم بالكاد إعالة أسرهم، وآخرون يخرجون من الحركة وينتهي بهم الأمر إلى إدمان المخدرات أو الكحول. وآخرون يسيرون في طريقهم وهم يشعرون أنه ليس لديهم خيار سوى إرسال أطفالهم إلى تلك المدارس.

بعد خروجه من الحركة الحسيدية وكفاحه من أجل الحصول على شهادة في الطب، قال شلومو نوسكو – البالغ من العمر 42 سنة، والذي ظل أبناؤه في المدارس الحسيدية بعد طلاقه من زوجته – “إن أكبر مخاوفي هي أن أبنائي سيخطبون ويتزوجون وينجبون أطفالاً لتعاد المأساة نفسها”.

هناك حوالي 200 ألف يهودي من الحركة الحسيدية في نيويورك، يشكلون حوالي 10 في المائة من السكان اليهود في الدولة. وإنهم يختلفون عن اليهود الأرثوذكس المعاصرين وغيرهم ممن يجمعون بين الاتباع الدقيق للشريعة الدينية، وتكييف حياتهم مع المجتمع المعاصر. يرتدي أتباع الحركة الحسيدية اللباس المحتشم نفسه الذي كان يرتديه أسلافهم، ويعيش معظمهم في جيوب منعزلة إلى حد كبير، الغرض منها الحفاظ على التقاليد التي تعود إلى قرون.

بالنسبة للعديد من الحسيدية، فإن مدارسهم ناجحة، لكنها فقط لا تتلاءم مع المعايير التي وضعها العالم الخارجي. في جماعة تضع الدين في قلب الحياة اليومية، غالباً ما يُنظر إلى التعليم العلماني على أنه غير ضروري، أو حتى مضيعة للوقت.

قال بعض الآباء لصحيفة “التايمز” إنهم يعرفون نقاط ضعف هذه المدارس، لكنهم يسجلون أطفالهم فيها رغم ذلك لأنهم يعتقدون أن النظام التعليمي هناك يغرس قيم الحركة الحسيدية.

بعد أن حاولت صحيفة “التايمز” التواصل معهم في عشرات المناسبات خلال العام الماضي -عبر الهاتف والبريد الإلكتروني وبصفة شخصية- رفض قادة أكبر مدارس البنين الحسيدية الإجابة على الأسئلة.

لكن على مدار الأسبوع الماضي، بعد أن أرسلت صحيفة “التايمز” إلى المدارس ملخصاً لتقاريرها، دافعت عدة مجموعات تنتمي للحركة الحسيدية علناً عن طريقة تعليم الأطفال، وكتبت مقالات الرأي وأدلت بعدد من التصريحات.

اتفقت كل المجموعات بشكل قاطع على أن المدارس الحسيدية تعمل بشكل مستقل عن بعضها البعض، ولا تعمل كشبكة أو مجموعة مترابطة من المدارس. وأنكرت بعض النتائج التي توصلت إليها صحيفة “التايمز”، بما في ذلك أن المدارس لا توفر تعليماً كافياً وأن المعلمين يستخدمون العقاب البدني بانتظام. كما أشارت إلى أن المدارس تتلقى عن كل طالب أموال دافعي ضرائب أقل بكثير مما تتلقاه المدارس الحكومية، وقالت إن الأحياء الحسيدية ليست بمستوى الفقر الذي قد توحي به البيانات الحكومية.

في خطاب أُرسل لصحيفة التايمز، كتب جيه إريك كونولي -محامٍ من شيكاغو، وممثل جمعية “Tzedek”، وهي مجموعة تعمل مع مدارس الحركة الحسيدية- : “تفخر الحسيدية بالتعليم الذي تقدمه لطلابها، وأن جميعهم يحضرون بناءً على تفضيل آبائهم للتعليم الديني، ولديهم العديد والعديد من الخريجين الناجحين”.

كذلك نفى المتحدث باسم المدارس الحسيدية -ريتشارد بامبيرغر- أن يكون خريجو تلك المدارس غير قادرين على التحدث أو الكتابة باللغة الإنجليزية، وأضاف أن المدارس آمنة و”لا تتسامح مطلقاً مع أي عنف”.

قال السيد بامبيرغر والسيد كونولي أيضًا إن المدارس اليهودية -المعروفة باسم المدارس الدينية- بشكل عام تقدم أداءً جيداً في الاختبارات الموحدة لطلاب المدارس الثانوية، وهي نقطة طالما دندن حولها واحتج بها قادة الحسيدية. في الواقع، لا يتقدم سوى عدد قليل جدًا من طلاب المدارس الحسيدية لهذه الاختبارات، وتعكس النتائج بشكل شبه كامل أداء الطلاب في المدارس الدينية التي توفر تعليماً علمانياً قوياً، بما في ذلك المدارس الأرثوذكسية الحديثة.

في أجزاء أخرى من العالم بها عدد كبير من السكان الحسيديين -بما في ذلك بريطانيا وأستراليا وإسرائيل– تحرك المسؤولون للقضاء على ضعف التعليم العلماني في المدارس الحسيدية. لكن هذا لم يحدث في نيويورك، على الرغم من وجود قانون الولاية الذي يطالب المدارس الخاصة بتقديم تعليم يضاهي ذلك الذي تقدمه المدارس الحكومية.

وبعد تلقيه عدداً من الشكاوى في عام 2015، أمر بيل دي بلاسيو -العمدة السابق لمدينة نيويورك- بفتح تحقيق في ملف المدارس الحسيدية، لكن إدارته علقته عندما تفشى وباء كورونا. وفيما بعد، لم يتدخل رئيس البلدية إريك آدامز في شئون هذه المدارس، بل أظهر علاقات وثيقة مع قادة الحسيدية. وفي مقاطعة ألباني، اتبعت الحاكمة كاثي هوشول سياسة عدم التدخل كما فعل سلفها أندرو إم. كومو.

على صعيد آخر، قضى مسؤولو التعليم بالولاية سنوات في صياغة لوائح جديدة لإنفاذ القانون، لكنهم خففوا من سلطتها وسط معارضة من الحركة الحسيدية. ومن المقرر أن يصوت مجلس التعليم بالولاية على مجموعة القواعد الجديدة هذا الأسبوع.

كما تهرب مسؤولون منتخبون في نيويورك من توجيه اللوم لهم في عدد من التصريحات؛ إذ قال ممثلو السيدة هوشول والسيد كومو إن الإشراف على المدارس يقع على عاتق وزارة التعليم بالولاية، وأشاروا إلى أن هذه الذراع الإدارية لا ترفع تقاريرها إلى الحاكم. وقالت متحدثة باسم الوزارة إن كل طالب “يحق له الحصول على تعليم يسمح له بتحقيق إمكاناته”، لكنها لم تعلق على وجه التحديد بشأن المدارس الحسيدية.

وعلى لسان متحدثه الرسمي ماكسويل يونغ، قال السيد آدامز لأول مرة إن إدارته ستكمل التحقيق الذي بدأه سلفه. وأضاف أنه يعتقد أن المدارس يجب أن تكون على قدر من الوعي الثقافي وتفي بالمعايير العالية.

وقال السيد دي بلاسيو في مقابلة معه إنه يأخذ الشكاوى المتعلقة بالمدارس الحسيدية على محمل الجد. وأضاف: “لولا القيود التي فرضتها الجائحة، لكنا انتهينا من التحقيق، ووضعنا المدارس الراغبة في خطة عمل تصحيحية وحثثنا الدولة على معاقبة المدارس التي ترفض التعاون”، مشيرًا إلى عدد قليل من المدارس الدينية التي لم تسمح لمفتشي المدينة بدخول المباني؛ “وهذا ما يجب أن يحدث الآن”.

مناعة ضد الاندماج مع المجتمع

يعيش جميع اليهود الحسيديين في نيويورك تقريباً في عدد قليل من أحياء بروكلين، وعدد قليل من البلدات في مقاطعتي روكلاند وأورانج. في تلك المناطق، تُزيَّن واجهات المحلات باليديشية، وتملئ الحافلات المدرسية الصفراء الطرق، وتعج الأرصفة بالعائلات. يميز الناس هناك أنفسهم من خلال العمل التطوعي، وتحرص الحركة على رعاية شؤونها بنفسها، ويتقاسم الجميع الوجبات لضمان عدم جوع أحد.

يتبع أفراد الحركة الحسيدية قواعد صارمة تهدف إلى إعادة إنشاء أسلوب حياة انتهى تقريباً مع الهولوكوست.

يتمتع قادتهم -الحاخامات الكبار- بسلطة كبيرة، وانتهاك القواعد التي يضعونها يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة. وقد أكد على هذه النقطة أكثر من 50 عضو من أعضاء الحركة الحسيدية الحاليين الذين تحدثوا إلى صحيفة “التايمز”، فقط بعد اشتراط عدم الكشف عن هويتهم، خوفاً من النفي أو منعهم من رؤية العائلة والأصدقاء.

منذ وصولهم إلى بروكلين في الأربعينيات من القرن الماضي، اعتمد الحاخامات الحسيديون على المدارس الدينية لدفع نمو الحركة والحفاظ على استمراريتها. وسط تزايد العنف ضد السامية، كان أعضاء الحركة الحسيدية عرضة بشكل خاص للهجمات والمضايقات.

لا يوجد نظام مدرسي موحد لدى الحسيدية؛ فهناك أكثر من اثنتي عشرة مجموعة حسيدية تدير كلٌ منها مدارسها الخاصة. واحدة فقط -حركة لوبافيتش- تشجع أتباعها على التحدث باللغة الإنجليزية، حتى يتمكنوا من التبشير.

أما أكبر مجموعة فيهم -ساتمار- تتكون من فصيلين متنافسين بقيادة الحاخامين الكبيرين؛ آرون وزلمان تيتلبوم. يدير كل منهما فروعاً للأكاديمية التلمودية المركزية، وهي شبكة من عشرات المدارس التي تمتلك أيضاً محفظة عقارية كبيرة. وتظهر سجلات التدقيق في العام الماضي أنهم سيطروا على أصول بأكثر من 500 مليون دولار.

تساعد الأكاديمية التلمودية المركزية في تحديد اتجاه المدارس الأخرى داخل الحركة، بما في ذلك المدارس التي تديرها مجموعات “بوبوف |Bobov” و”سكفير |Skver” و”فيزنيتز |Viznitz”.

نظرًا لأن الإنترنت أصبح متاحاً على نطاق واسع، فقد أصبحت العديد من المدارس أكثر تقييداً، حتى مَنعت الطلاب الذين ضُبط آباؤهم وهم يحملون الهواتف الذكية. واحد على الأقل من حرم الأكاديمية التلمودية المركزية يضم “لجنة من أولياء الأمور المسؤولين” لإنفاذ القواعد؛ كما تمنع بعض المدارس الأخرى الطلاب من التحدث باللغة الإنجليزية في المنزل.

في بعض النواحي، فإن الأكاديمية التلمودية المركزية المتحدة وفاعلين آخرين لديهم مناهج صارمة، حيث يعلمون الطلاب تحليل النصوص المعقدة والمبادئ القانونية باللغات اليديشية والعبرية والآرامية. وقال بعض أفراد الحركة إن الدروس الدينية يمكن أن تتضمن عناصر من الرياضيات والتاريخ ومواضيع أخرى.

لكن حتى بعض الملتزمين بتقاليد الحركة قالوا إنهم يتمنون أن تقوم المدارس الحسيدية بتدريس مزيد من المواد العلمانية.

قالت هيلي روبين – تبلغ من العمر 28 عاماً، ودرست بمدرسة “يشيفا” الحسيدية في منطقة “بورو بارك” – “ليس هناك تعارض بين الحصول على التعليم ودراسة الدين؛ لكنهم لا يفعلون ذلك، ومن ثم يعاني الناس كثيراً”. وقال السيد روبين إنه أنهى دراسته، وحاول الالتحاق بالكلية التابعة للحركة، لكنه لم يستطع مواكبة ذلك. وقال إنه الآن مدين، ويحاول البقاء واقفاً على قدميه؛ “هذا حقاً تعسف غير إنساني”.

‘إنهم لا يعرفون شيئاً’

لا يُطلب من المدارس الدينية الحسيدية، شأنها شأن جميع المدارس الخاصة في نيويورك، إجراء اختبارات موحدة على مستوى الولايات في القراءة والرياضيات، ومعظمها لا يفعل ذلك.

غير أن بعض المدارس الحسيدية تُقدم الامتحانات كشرط للحصول على التمويل الحكومي. وفي عام 2019، بينما اجتاز ما يربو من نصف جميع طلاب نيويورك الامتحانات، رسب 99% من آلاف الطلاب الحسيديين الذين أدوا الامتحانات، وفقاً لتحليل أجرته صحيفة “نيويورك تايمز”.

لا يمكن تفسير هذا الأداء الضعيف ببساطة على أنه نتيجة فقر المجتمع أو الحواجز اللغوية.

فقد كشف التحليل أن المدارس الحكومية التي تخدم فقط الطلاب ذوي الدخل المنخفض قد حصلت جميعها على نتائج أعلى بشكل كبير من مدارس البنين الدينية. وقد انطبق الأمر ذاته على المدارس التي تضم أعداداً كبيرة من الطلاب غير الناطقين باللغة الإنجليزية.

وبرغم أنه في المدارس التي لا تجري الاختبارات، كان من الصعب قياس مقدار ما يتعلمه الطلاب، فقد أوضحت مئات المقابلات واستعراض أعمال الطلاب أن هؤلاء الطلاب يواجهون صعوبات أيضاً.

في حين قال ما يقرب من ثلاثين معلماً حالياً وسابقاً في المدارس الدينية الحسيدية بالولاية إن الغالبية من آلاف الأولاد الذين درسوا في فصولهم الدراسية على مر السنين تركوا المدرسة دون تعلم التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة، فضلاً عن عدم القدرة على القراءة أو الكتابة بحسب المستوى التعليمي المطلوب.

وقدم معلم سابق آخر مئات الصفحات من واجبات الطلاب خلال السنوات الخمس الماضية والتي أظهرت أن الأطفال في سن 12 عاماً – في عامهم الأخير من تعليم اللغة الإنجليزية – لا يمكنهم تهجئة كلمات مثل “بارد” و”أميركا”. وقد كتب أحد الطلاب، رداً على سؤال حول ما يحبه، “To cee wen somone pente”، والتي تظهر خطأ في تهجئة كلمات “رؤية”، و”عندما”، و”شخص”.

بيد أن أداء الطلاب كان أفضل قليلاً في الرياضيات. فقد قال المعلمون إن معظمهم يمكنهم القيام بعمليات الجمع والطرح، ويمكن لبعضهم القيام بعمليات الضرب والقسمة، لكن القليل منهم يمكنه فعل أكثر من ذلك.

يقول ياكوف بريسلر، الذي درَّس القراءة والرياضيات في إحدى مدارس “الأكاديمية التلمودية المركزية المتحدة” في مدينة وليامزبورغ ببروكلين، في الفترة بين عامي 2016 و2019، إن الآباء يهتمون بالتعليم غير الديني، لكن أبناءهم كانوا متأخرين بشكل ميؤوس منه. إذ إن العديد منهم لا يعرفون حروف الهجاء.

مضيفاً أنه “حتى في الصفوف الأكبر سناً، كان عليّ أن أفترض أنهم لا يعرفون شيئاً، لأنهم بالفعل كذلك”.

صرحت المدرسة في رسالة إلى صحيفة “نيويورك تايمز”، “أن الأكاديمية التلمودية المتحدة في وليامزبورغ تكرس جهودها لتعليم تقاليد ومعتقدات طائفة ساتمار اليهودية الأرثوذكسية، بما يتفق مع رغبات الآباء والأمهات من الطائفة الذين يختارون انضمام أبنائهم إلى هذه المدرسة لهذا الغرض”.

وقال بعض المدرسين في المدارس الحسيدية أنهم أصبحوا مقتنعين بأن المدارس الدينية لا تشجع على تعلم اللغة الإنجليزية لأنها تعتبرها جسراً خطيراً إلى العالم الخارجي.

وقد أعرب المعلمون عن مواجهتهم الكثير من العقبات لسنوات عديدة.

كان جريج روسيلي طالب دراسات عليا في الفلسفة وليس لديه خبرة في مجال التدريس عندما تعاقدت معه إحدى مدارس “الأكاديمية التلمودية المتحدة” في وليامزبورغ من خلال موقع “كريجزليست” للتوظيف في عام 2010. في يومه الأول، أراد اختبار مستويات مهارة طلابه. ولكن عندما وصل إلى المدرسة الدينية التي تقع في مبنى مدرسة عامة كبير على الطراز القوطي، وجد جميع طلابه يختبئون في خزانة.

قال إنه قاد الطلاب إلى مقاعدهم كالقطيع، وبدأ في القراءة من خطة الدرس، بيد أن الطلاب قاطعوه وهم يضحكون ويصيحون. وعبس أحدهم وقال له، “عد إلى منزلك، يا معلم”.

سرعان ما أدرك روسيلي، الذي لم يكن يعرف اللغة اليديشية، أنه أقدم على مهمة مستحيلة تتمثل في: تعليم أطفال عنيدين تتراوح أعمارهم بين 11 و12 عاماً، لا يكادون يتحدثون لغته ولا يرغبون في تعلمها. واستقال بعد عام.

بعد مرور أكثر من عقد، ازداد التعليم غير الديني سوءاً في العديد من المدارس الحسيدية، وفقاً لما قاله عشرات الطلاب وأولياء الأمور والمعلمين مؤخراً.

لا تقدم بعض المدارس اليهودية الحسيدية أي دروس غير دينية على الإطلاق. في حين تجعل بعض المدارس الأخرى حضور تلك الفصول اختيارياً. وفي الوقت الراهن، لا توظف المدارس اليهودية الدينية التي تقدم التعليم غير الديني غالباً سوى الرجال الحسيديين كمعلمين، بغض النظر عما إذا كانوا يعرفون اللغة الإنجليزية أم لا.

قال أحد الطلاب السابقين إنه كان لديه ذات مرة معلم يُدرِّس المواد غير الدينية ويعمل في الوقت نفسه كطاهي في المدرسة. وقال آخر إن أحد معلميه كان يكتب دائماً كلمة “رياضيات” على السبورة بتهجئة خاطئة. بينما قال العديد من الشباب إن معلمي اللغة الإنجليزية كانوا يتحدثون إليهم باللغة اليديشية فقط.

في حين خضعت الكتب الدراسية غير الدينية للرقابة، إما من خلال تظليل صور الفتيات والخنازير وكلمات مثل “المكتبة” و”الكلية” باللون الأسود لإخفائها، أو إنها تُطبع خصيصاً لهذه المدارس لحذف مثل هذا المحتوى تماماً.

قال حاييم فيشمان، وهو شاب يبلغ من العمر 24 عاماً، درس في مدرسة “كيهيلاث ياكوف” اليهودية الدينية في وليامزبورغ، إنه عندما كان يسأل معلمي اللغة الإنجليزية عن معنى بعض الكلمات، غالباً ما قالوا إنهم لا يعرفونها. في حين لم ترد المدرسة على طلب التعليق.

شأنه شأن الآخرين في المجتمع، حاول فيشمان تعلم اللغة الإنجليزية بمفرده، وذلك من خلال الاستماع إلى الراديو سراً. وبعد أن تمكن من مغادرة المدرسة اليهودية الدينية، التحق بالمدرسة العامة وكان يشعر بالخجل من ضآلة معرفته.  

قال فيشمان، “أنا الجيل الثالث من عائلتي الذي ولد ونشأ في مدينة نيويورك، ومع ذلك، عندما كنت في ال‍ 15 من العمر، كنت بالكاد أستطيع التحدث باللغة الإنجليزية”.

المدارس الخاصة والأموال العامة

على الرغم من إخفاقات مدارس البنين الحسيدية، فقد استمرت الحكومة في دعمها المتواصل بالتمويل.

ليس من المفترض أن تذهب أموال الضرائب إلى التعليم الديني. بيد أن الهيئات العامة تدفع للمدارس الخاصة من أجل الامتثال للتكليفات الحكومية وإدارة الخدمات الاجتماعية. بيد أن المدارس الدينية الحسيدية للبنين، مثلها مثل المدارس الخاصة الأخرى، تحصل على العشرات من هذه البرامج، وتجمع الأموال التي تدعم مناهجها اللاهوتية.

فقد منح المسؤولون الكثير من الأموال إلى المدارس الحسيدية على مدى عقود، لكنهم لم يقوموا مطلقاً بإجراء محاسبة عامة كاملة. ولإجراء مثل هذه المحاسبة، حددت صحيفة “نيويورك تايمز” العشرات من البرامج الفيدرالية وبرامج الولايات والبرامج المحلية، وحللت مقدار ما قدموه للمدارس الدينية اليهودية، وركزت على العام الذي سبق اندلاع جائحة كورونا.

وأظهر التحليل أن المدارس الحسيدية للبنين في نيويورك تلقت أكثر من 375 مليون دولار من الحكومة خلال تلك الفترة.

تتلقى المدارس الدينية الحسيدية للبنين أقل بكثير من المدارس العامة بالنسبة إلى كل طالب، ويتقاضون رسوماً دراسية. ولكن يبدو أنهم يحصلون على تمويل حكومي في المتوسط أكثر من المدارس الخاصة الأخرى في الولاية، بما في ذلك المدارس الدينية الأخرى، وفقاً للتحليل. وبينما تخفض مدينة نيويورك ميزانيات المدارس العامة، لا تزال الأموال تتدفق.

ووجدت الصحيفة أن بعض البرامج الحكومية تقدم قدراً متبايناً من المساعدات للمدارس الحسيدية. إذ يمنح برنامج توزيع القسائم الذي أعدته المدينة لمساعدة الأسر ذات الدخل المنخفض على دفع تكاليف رعاية الأطفال الآن ما يقرب من ثلث إجمالي مساعدته إلى أحياء الطائفة الحسيدية، في حين أن عشرات الآلاف من الأشخاص الآخرين لا يزالون على قوائم الانتظار. وتظهر السجلات أن البرنامج يقدم أكثر من 50 مليون دولار سنوياً لمدارس البنين الحسيدية التي تدَّعي أن نهاية يومها الدراسي العادي هو رعاية للأطفال.

في حين أظهرت سجلات الولاية أن مدرسة “إيمري حاييم فيزنيتز” اليهودية الدينية في منطقة “بورو بارك” كانت تضم 735 ولداً مسجلين عام 2019، وجمعت تمويلاً من 650 قسيمة في ذلك العام. وقال أولياء الأمور هناك إن المسؤولين دربوهم على التقدم للحصول على القسائم والبرامج الأخرى.

بينما شكك كونولي، المحامي الذي يمثل بعض المدارس الحسيدية، في دقة البيانات التي قدمتها المدينة.

وتلقت المدارس الحسيدية للبنين حوالي 30 مليون دولار من برامج المساعدة المالية الحكومية، التي تحصل عليها هذه المدارس من خلال احتساب طلابها الأكبر سناً على أنهم يسعون للحصول على درجات تعليمية متقدمة في الدراسات الدينية.

حصلت المدارس على ما يربو من 100 مليون دولار من خلال برامج مكافحة الفقر لتوفير وجبات الإفطار والغداء والعشاء والوجبات الخفيفة مجاناً كل يوم دراسي لجميع الأولاد الحسيديين تقريباً، بما في ذلك خلال فصل الصيف. في حين تنفق شبكة مدرسية واحدة على الأقل، وهي “الأكاديمية التلمودية المركزية المتحدة”، الأموال لشراء الطعام من منافذ بيع التجزئة التي تمتلكها، وتستغل الأرباح لدعم ميزانيتها، بحسب ما أظهرته المقابلات والسجلات.

أوضح الاستطلاع الذي أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” أيضاً أن المدارس الحسيدية للبنين تستفيد من حوالي 100 مليون دولار سنوياً من برامج التمويل الفيدرالية “Title 1” التي تهدف إلى مساعدة الطلاب غير القادرين على تلبية معايير الأداء والمحتوى الأكاديمي للولاية، فضلاً عن مصادر التمويل الأخرى الخاصة بالتعليم غير الديني. وتُمنح هذه الأموال للمدارس اليهودية الدينية لإجراء الاختبارات والتأكد من حضور الطلاب وتقديم تقارير حول بيانات التسجيل وشراء المواد التعليمية.

تلقت المدارس الحسيدية للبنين ما يقرب من 30 مليون دولار في العام الماضي قبل الجائحة مخصصة لانتقالات الطلاب، من خلال برنامج أنشأه المشرعون بالولاية خصيصاً للمدارس الدينية اليهودية عام 2013.

وجمعت المدارس نحو 200 ألف دولار من الأموال الفيدرالية للخدمات المتعلقة بالإنترنت، على الرغم من أنهم يمنعون الطلاب من الاتصال بشبكة الإنترنت.

على مدى السنوات الخمس الماضية، أظهرت السجلات أن إدارة شرطة مدينة نيويورك حققت في أكثر من عشر ادعاءات بإساءة معاملة الأطفال في المدارس. بيد أنه ليس من الواضح ما إذا كان أي شخص قد وجهت إليه اتهامات في هذه الحوادث.

دروس صعبة

تدعم هذه الأموال التعليم الذي ما دأب ينطوي على العقاب البدني.

قال حاييم ويغدر وهو أحد حديثي التخرج، إنه تذكَّر المرة الأولى التي قرر فيها معلمه الديني في مدرسة “الأكاديمية التلمودية المركزية المتحدة” بمنطقة “بورو بارك” أنه خالف القواعد وتخطى الحدود. وأبدى غضبه من ويغدر، الذي كان يبلغ من العمر 7 أعوام آنذاك، بدا وكأنه لا يركز خلال قراءة التوراة، ولذا أمره المعلم بالخروج إلى مقدمة الفصل وضرب يده بقوة، بواسطة مسطرة ملفوفة بشريط لاصق. وسأله المعلم باللغة اليديشية، “هل تعتقد أن هذا العقاب كافي؟”، ثم ضرب الصبي بقوة أكبر. وبعد مضي أكثر من 10 سنوات على هذه الواقعة، لا يزال ويغدر يتذكر الصراخ من الألم.

في حين لم ترد المدرسة على طلب التعليق.

وقال أكثر من 35 رجلاً التحقوا أو عملوا في مدرسة حسيدية خلال العقد الماضي لصحيفة “نيويورك تايمز”، إنهم رأوا معلمين يضربون الطلاب باستخدام المساطر والأحزمة والعصي.

وبرغم أن قانون الولاية يسمح بالعقاب البدني في المدارس الخاصة، فلا توجد قواعد واضحة بشأن استخدامه. وقد قامت المدارس الدينية الحسيدية بدمجه ضمن قواعد التعليم الديني الصارم.

على مدى ستة أيام في الأسبوع، غالباً قبل شروق الشمس، يأتي الأولاد إلى الفصول الدراسية ويقضون ما يصل إلى ثماني ساعات في اليوم في دراسة التلمود والنصوص القديمة الأخرى.

وبالإضافة إلى حفظ النصوص الدينية، قال الخريجون إنهم تعلموا المنطق والتفكير النقدي وكيفية الحفاظ على التركيز. فقد قال كثيرون إنهم تعرضوا لضغوط لكي يحافظوا على تركيزهم خوفاً من الضرب إذا لم يفعلوا ذلك.

يذكر أحد الأشخاص أنه في مدرسة “أفير ياكوف الابتدائية” التي تقع في نيو سكوير، بشمال مدينة نيويورك، تعرض للركل من قِبل حاخام بشدة لدرجة أنه طار تحت إحدى الطاولات. وقد كان عمره 4 سنوات آنذاك. ولم تستجب المدرسة لطلبات التعليق.

قال أحد حديثي التخرج من مدرسة “بيث هيلل” الدينية اليهودية في وليامزبورغ، إنه رأى ذات مرة مُعلماً يضرب أحد زملائه في الصف، وطرحه أرضاً وركله مراراً وتكراراً.

أما في مدرسة “بوبوفر بني صهيون” الدينية في منطقة “بورو بارك”، قال شاب أنه عندما كان في الـ 11 من عمره، جرَِّه مُعلم عبر الغرفة، فاصطدمت رأسه في خزانة وبدأ ينزف دماً.

قال كونولي، محامي بعض المدارس الحسيدية، إن أياً من المدرستين ليس لديها سجل للحوادث التي وصفها هؤلاء الأشخاص.

وقال آري هيرشكوفيتز، الذي درس في إحدى المدارس التابعة لـ”الأكاديمية التلمودية المتحدة” في وليامزبورغ، “كان التوجه السائد دائماً أنه يمكن أن تتعرض للضرب”. مضيفاً، “كنا باستمرار تحت وطأة التهديد بالتعرض للضرب”.

أعرب هيرشكوفيتز أنه ترك الحركة وبدأ في تعاطي المخدرات، وفي النهاية تناول جرعة زائدة من الكوكايين. والآن، بعد أن بلغ من العمر 25 عاماً يحاول أن يعيد بناء حياته.

في السنوات القليلة الماضية، طلبت بعض المدارس الحسيدية من المعلمين أن يكونوا أقل عنفاً في تأديب الطلاب.

ومع ذلك، قال جميع أولياء أمور الطلاب الحاليين الذين أجرت معهم صحيفة “نيويورك تايمز” مقابلات تقريباً إن أبنائهم تعرضوا للضرب مرة واحدة على الأقل. في حين قال العديد منهم إنهم سعوا لحماية أطفالهم من خلال إعطاء “إكرامية” للمعلمين، عادة حوالي 100 دولار في السنة.

على مدى السنوات الخمس الماضية، أظهرت السجلات أن إدارة شرطة مدينة نيويورك حققت في أكثر من عشر ادعاءات بإساءة معاملة الأطفال في المدارس. بيد أنه ليس من الواضح ما إذا كان أي شخص قد وجهت إليه اتهامات في هذه الحوادث.

وفي نيسان/أبريل عام 2019، اتصل طفل عمره 10 سنوات في مدرسة “شسان صوفر” الدينية اليهودية في منطقة “بورو بارك” وقال إن أحد الحاخامات هجم عليه وضربه، بحسب سجلات الشرطة التي حصلت عليها الصحيفة. وفي لحظات، وفقاً لما ذكره التقرير، اتصل مدير المدرسة هاتفياً وقال إن الفتى لم يتعرض للضرب. استجابت السلطات للبلاغ على أي حال، ونُقل الصبي من المدرسة في سيارة إسعاف. وقال محامي المدرسة، ي. ديفيد شارف، إن المدرسة تعاونت في التحقيق الذي نتج عن ذلك، وأن الادعاء لا أساس له من الصحة.

وقال بامبيرجر، المتحدث باسم ائتلاف المدارس الدينية اليهودية، إنه حتى وقوع حادثة عنف واحدة كان أمراً مبالغاً فيه. “بيد أن عشرات الحوادث المزعومة في مئات المدارس الدينية على مدى خمس سنوات هو نسبياً سجل سلامة أفضل بكثير من معظم المدارس الأخرى”.

‘لا فائدة مرجوة من ذلك’

بعد الالتحاق بالمدارس الحسيدية، غالباً ما يكون الرجال غير مجهزين للعيش خارج المجتمع.

تعلم جوزيف كراوس ذلك عن تجربة.

بعد فترة وجيزة من بلوغه 17 عاماً في قرية كيرياس جويل التابعة لمقاطعة أورانج، قرر كراوس الهروب – من معلميه المتسلطين ووالديه وإخوته الخمسة والطريق المسدود الضيق الذي نشأ عليه، وزراعة نباتات الطماطم والخيار للتخلص من الملل.

استقل سيارة أجرة إلى مركز تجاري محلي، واشترى بنطالاً من الجينز وقمصان، ثم ذهب إلى ملجأ للشباب. وفي أول عطلة نهاية أسبوع له هناك، في خريف عام 2020، شعر بالدهشة عندما أدرك أنه لم يحتفل بالشبات – يوم الراحة الأسبوعي عند اليهود- لأول مرة في حياته.

وخلال الأشهر الـ18 التالية، التحق بفصول مدارس عامة بعيدة لكنه بالكاد كان قادراً على استخدام جهاز الكمبيوتر أو فهم معلميه. وانتقل من ملجأ في فلوريدا إلى دار رعاية في تكساس ثم إلى برنامج تدريب وظيفي في نيويورك.

خلال معظم هذا العام، شارك غرفة مدعومة مع رجل مشرد آخر في نزل نايتس على أطراف بلدة ليبرتي التي تقع في منطقة جبال كاتسكيل، وتنتشر فيها واجهات المتاجر المغطاة بألواح الخشب على بعد ساعة واحدة فقط من منزله الذي عاش فيه منذ طفولته.

أمضى أيامه في المشي لمدة 30 دقيقة من وإلى المكتبة المحلية، حيث كان يبحث عن وظائف دون أن تكلل محاولاته بنجاح كبير. وقال إنه طُرد مؤخراً من مطعم لأنه لم يستطع كتابة طلبات رواد المطعم. ويعيش على قسائم الطعام لكنه لا يستطيع تناول العديد من الوجبات.

أعرب كراوس، الذي يبلغ من العمر الآن 19 عاماً، “أشعر أنه لا فائدة مرجوة من ذلك”. وأضاف “كان لدي آمال كبيرة في أن أكون ناجحاً حقاً. لكن بت أشعر أنه من الغباء حقاً التحدث عن ذلك في هذه المرحلة”.

وقال قادة الحركة الحسيدية إن حالات مثل حالة السيد كراوس هي الاستثناء.

وقال ديفيد زويبل -من حركة أغودات إسرائيل الأميركية، وهي جماعة يهودية أرثوذكسية تدافع عن المدارس الحسيدية- إنه ”ربما كان على جريدة “نيويورك تايمز” أن تروى بعض القصص عن بعض خريجي المدارس الحسيدية الكُثُر الذين ينجحون نجاحًا كبيرًا في ريادة الأعمال والتجارة والمهن الأخرى، والذين يَعزون نجاحهم إلى النظام التعليمي الديني اليهودي الصارم الذي هيَّأ عقولهم للتفكير“.

ولكن في لقاءاتٍ معهم، عبَّر عشراتٌ منهم عن صراعات عميقة يحيونها. فقد قال بعضهم إنهم ظلوا في تلك الحركة، يرزحون في الديون ويعولون أسرهم من خلال برامج الدعم الحكومي. وأضاف العديدون أن الوظيفة الوحيدة التي استطاعوا الحصول عليها كانت في المدرسة التي انتسبوا إليها. بينما تحدَّث آخرون خلال تفريغ الشاحنات أو تعبئة الرفوف، مختنقين بالدموع وهم يصفون ما آلت إليه حياتهم.

وقال ميندي بابيه إنه غادر الحيّ الحسيدي في كراون هايتس في بروكلين، متوجهًا إلى مونتريال في العام 2010. وقد حصل على وظيفة في مخبز “بيغل”؛ ولكن بسبب عدم استطاعته استئجار شقة، اضطر إلى النوم على مقاعد الحدائق. وحين يئس من ذلك، فكّر في الانتحار.

وبعد ستة أشهر في مستشفى للأمراض النفسية، قال بابيه إنه تعافى بما يكفي للعثور على عمل وشقة. وبدأت إحدى الجيران تعليمَه اللغة الإنجليزية في وقت فراغها، وأعطته أوّل كتاب غير ديني [يحصل عليه]، وهو كتاب بَيض أخضر ولحم خنزير (Green Eggs and Ham)، للدكتور سوس. وكان حينها في سن الثامنة والعشرين.

وبعد تخرج بابيه من مدرسة للتمريض، قال إنه يعتقد أن التعليم الذي حصل عليه في المدارس الحسيدية كان مُصمَّمًا ليُعيقه عن ترك ذلك المجتمع [الحسيدي].

وقال ”لم يكن لديّ وظيفة ولا حساب في البنك. ولم يكن لديّ توصيات عند التقديم للعمل. لم يكن لديّ شيءٌ من هذا، لأنني لم أكن أعرف ما هي هذه الأشياء. لم تكن لديّ أدنى معرفة بكيفية الحديث إلى الناس. ظننت أني أحيا بمفردي. هذا ما تربيت عليه في المدرسة“.

”لن نلتزم“

لطالما أثيرت على مدى سنوات تحذيراتٌ من النظام التعليمي الديني الحسيدي، وجاءت في مؤتمرات إعلامية، وفي حالات التقاضي في المحاكم، حيث جاءت في صورة شكوى رسمية. حتى أن أحد خريجي تلك المدارس الدينية، نافتولي موستر، قد شكَّل مجموعةَ مناصرةٍ في العام 2012 للضغط في هذه القضية.

ووجدت “نيويورك تايمز” أن هناك في وزارة التعليم ثلاثة موظفين قد أثاروا تحذيرات في هذا الصدد. أحدهم مسؤول سابق عمل في ترخيص المدارس الخاصة، وزار بعضَ المدارس الدينية الحسيدية، وانزعج عندما رأى أن كثيرًا منها تدرِّس باللغة اليديشية. بينما علم موظف آخر، كان يعمل في تلقي طلبات التمويل والنظر فيها، أن بعض المدارس الدينية الحسيدية لم تقدِّم سوى ساعة واحدة من التعليم العلماني في اليوم. وقد بدأ هذا الموظف في تدوين ملاحظات على هامش تلك الطلبات، متسائلًا عن الحكمة من ضخ الأموال [في تلك المدارس]. وقال هؤلاء المسؤولون إن آراءهم لم تحظَ بالاهتمام من المسؤولين الأعلى رتبةً منهم.

ولم تتلقّ الصحيفة ردًّا على طلبٍ أرسلته إلى متحدثة باسم الوزارة للتعليق على ما أثاره الموظفون.

وبدلًا من ذلك، ربما قام سياسيون -ممّن كان بإمكانهم اتخاذ إجراءات [في هذا السياق]- باستيعاب كتلة تصويتية حسيدية يمكنها التأثير على السباقات الانتخابية المحلية.

وقال إيفان ستافيسكي، وهو مستشار سياسي متقاعد، إن ”هناك نسبة كبيرة من السكان يتجاهلها السياسيون، فيقعون ضحية ذلك التجاهل. وهي جزء من النسيج السياسي في نيويورك“.

وتلعب المدارس الدينية اليهودية دورًا محوريًا في الحصول على التصويت. فقد قال آباء وطلاب سابقون إنه عادةً ما يعطي المدرسون تلاميذهم قبل الانتخابات نماذجَ لبطاقات الاقتراع وفيها اختيرت أسماء المرشحين الذين أوصى بهم الحاخامات الكبار.

وفي بعض تلك المدارس، يحظى الطلاب الذين يُحضِرون إلى المدرسة البطاقات الدالة على قيام آبائهم بالتصويت بمكافآت. فقد قامت مؤخرًا ”الأكاديمية التلمودية المركزية المتحدة“ باصطحاب تلاميذها الأطفال ممن أحضروا تلك البطاقات في رحلة إلى جزيرة كوني، كما أفاد اثنان من الآباء. أما التلاميذ الآخرون فكان عليهم أن يظلوا في المدرسة. وشكّك السيد كونولي، محامي بعض المدارس الحسيدية، في روايات الآباء.

وقال السيد بامبيرغر، المتحدث باسم تحالف المدارس الدينية اليهودية، إنه يجب الإشادة بالإقبال الكبير من المجتمع الحسيدي على التصويت.

فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، جعل الحاخامات استبعاد التدخل الحكومي في مدارسهم أولويتهم الأولى في عالم السياسة.

وقال حاخام مجموعة ساتمار، آرون تايتلباوم، لأتباعه باللغة اليديشية في العام 2018، إن ”الحقيقة هي أننا إما لدينا القليل جدًّا من الدراسات العلمانية، أو أنها ليست موجودة على الإطلاق… لن نلتزم، ولن نتبع مقرّر لجنة التعليم الحكومي تحت أي ظرف من الظروف“.

وقُبيل الفوز بتأييد فصيل واحد من مجموعة ساتمار، أطلق آدمز فيديو يظهر فيه وهو يتجول في مدرسة دينية حسيدية. وبعد تلك الزيارة التي امتدت ساعةً، قال إنه كان ”منبهرًا حقًّا“ بما رأى. وفي حديثه عن السيد آدمز في الأسبوع الماضي، قال السيد يونغ إن قرارات عمدة [نيويورك] ليست متأثرة بأي دعم سياسي [ناله].

ونادرًا ما يخجل السيد كومو من استخدام منبره للتنمر خلال فترات ولايته التي كادت تصل إلى ثلاث. ولكن حين تعلّق الأمر بالمدارس الدينية اليهودية، فقد أخبر حاخام ساتمار زلمان تايتلباوم في العام 2018 أنه لن يقمع تلك المدارس، وَفق ما جاء في الصحافة الحسيدية. وقد حظي بعد ذلك بقليل بدعم المجموعة، ولم يُنكر التقرير.

وقال القادة الحسيديون إن الحاكمة الحالية، السيدة هوتشول، قد قدّمت تعهدًا مماثِلًا؛ فقد التقت خلال حملتها الانتخابية هذا العام بقادة حسيديين في ويليامزبرغ. ولم يتّضح ما ناقشوا آنذاك، ولكن بعد هذا نشر حساب رسمي لمجموعة ساتمار على “تويتر” صورًا مع تعليق يقول ”الحاكمة تعِد بأنها ستقاوم أي تغييرات على مناهج المدارس الدينية اليهودية“.

وسُرعان ما حُذفت التغريدة لاحقًا.

نداء للمساعدة

ربما ليس هناك موقف يلخّص توجه الحكومة أكثر من رد إدارة دي بلاسيو على شكوى تلقّتها في العام 2015.

في ذلك العام تقدمت مجموعة من الطلاب السابقين في المدارس اليهودية الدينية إلى مجلس المدينة لطلب المساعدة؛ وهي مجموعة لم تكن ترغب أن يتلقّى أبناؤها التعليم القاصر ذاته الذي يعتقدون أنهم تلقّوه.

وناقش كبار المسؤولين في المدينة كيفية التعامُل مع أي تحقيق في الأمر. فقد رأى السيد دي بلاسيو وآخرون أن التحقيق قد يُحدِث ضجّة إذا ما كان شديد الوطأة. وقد أثار هذا الأمر سلسلةً من التنازلات أدّت إلى إظهار المدينة احترامًا غيرَ عادي لمحامٍ يمثّل المدارس الدينية اليهودية، وَفق ما قاله عشرة مسؤولين سابقين.

وقد كان هذا المحامي، الذي يُدعى آفي شيك (Avi Schick)، نائبًا سابقًا للمدّعي العام للولاية، واشتُهر بسبب براعته في التقاضي.

وقال بعضُ المسؤولين السابقين إن السيد شيك أصرّ على حضور عمليات التفتيش، التي كان من المقرَّر إجراؤها مُقدَّمًا. وقاد مسؤولي المدينة نحو أفضل المدارس الدينية المذكورة في الشكوى، مع تأخير زيارة بعض المدارس الأكثر اضطرابًا ومشاكل.

غير أن المفتّشين لاحظوا، مع ذلك، أشياء أثارت قلقهم. ففي إحدى المدارس كان الأطفال يفتحون كتب اللغة الإنجليزية على صفحات تختلف من تلميذ إلى آخر، ولم يكونوا يتابعون الأستاذ وهو يقرأ لهم. وفي مدرسة أخرى، لم يبدُ أن الأستاذ يعرف أسماء تلاميذه.

وقال مسؤولو المدينة، الذين لم يُدرَّبوا على القيام بعمليات تفتيش للمدارس الخاصة، إنهم لم يجدوا تعاونًا كبيرًا من الولاية. ففي إحدى المرّات، حين كانت المدينة تستعد لإرسال خطاب تطلب فيه المعونة والتوجيه، طلب منهم كبار مسؤولي التعليم في الولاية عدمَ القيام بذلك، وَفقَ ما أفاده أربعة أشخاص على اطّلاع ومعرفة بهذه المسألة.

وقال أحد كبار مسؤولي التعليم في المدينة إنه -بسبب شعوره بالإحباط- اقترح في العام 2018 إنشاءَ فريق لمعالجة المشاكل القائمة في المدارس الخاصة. غير أن الخطة ظلّت تُراوِح مكانها.

وفي نهاية المطاف، وجد قسم التحقيق في المدينة أن العُمدة كان منخرطًا في ”مساوَمات سياسية عسيرة“، وذلك بتأخير نشر تقرير أوّلي حول المدارس، وحصلت صحيفة “نيويورك بوست” على رسائل إلكترونية تبيِّن أن مسؤولًا إداريًّا كبيرًا وعَدَ قادةَ المدارس الدينية اليهودية أن نتائج التحقيقات ستكون ذات نبرة ”رقيقة“.

وحتى بعد كل ذلك، جاء في التقرير أن اثنتَين فقط من بين 28 مدرسة دينية يهودية قدَّمتا خدمةً تعليمية مناسبة وكافية. ولكن عشية إطلاق التقرير، قُبَيل عطلة الكريسماس عام 2019، تأكّد السيد شيك وآخرون من أن التقرير لا يُسمّي المدارس التي لا تصل إلى المعايير الجيدة، بحسب ما قال ثلاثة مسؤولين سابقين. غير أن السيد شيك أنكر تلك الرواية على لسان متحدث باسمه.

من جانبهم، قال مسؤولو الولاية إنهم حاولوا سنّ قواعد من شأنها مساءلة المدارس الدينية اليهودية، عبر مطالبتها بتقديم الحد الأدنى من التعليم العلماني [غير الديني]. ولكن أحد القضاة أطاح بهذه القواعد في مسألة إجرائية عام 2019، وفي العام 2020 سحبت الولاية خطّة أخرى بعد احتجاج القادة الحسيديين. وفي آذار/مارس الماضي أصدروا مقترحًا آخر بمتطلَّبات أقل ونتائج أخف لانتهاك القانون.

ومُجدَّدًا، حشد القادة الحسيديون لعرقلة هذا المقترح.

وفي منشور باللغة اليديشية يحثّون فيه على إرسال طوفان من الرسائل المعارِضة للخطة، كتبوا في هذا الربيع قائلين: ”الآن فرصتنا وواجبنا المقدَّس لمحاولة إيقاف تلك المبادئ التوجيهية قبل أن تدخل حيِّز التنفيذ. مستقبل أجيالك بين يديك“.

ولكي يضمن هؤلاء القادة استجابة أتباعهم لهذا النداء، فقد لجأوا إلى تكتيك موثوق.

فقد أرسلوا تلك الدعوة إلى المنازل من خلال [تلاميذ] المدارس.

هذا المقال مترجم عن الرابط Nytimes.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.