fbpx

يوم ضحكنا على حاجز تابع للنظام السوري… قبل اعتقالنا بدقيقة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لقد خرجت من سوريا منذ أكثر من خمس سنوات، لكنني ما زلت بسبب الرعب المزروع في داخلي، حتى هذا اليوم، كلّما صعدت سيّارة أجرة في بيروت، أطلب من السائق بخوف، ألّا يمرّ من الطّرق الّتي فيها حواجز، مهما كانت تلك الحواجز.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

خلال الحرب السورية، وبرغم جميع محاولات وسائل الإعلام المحلية والخارجية، لتوثيق يوميات الثورة، من تظاهرات شعبية وما يقابلها من ارتكابات جرمية، مارستها قوى الأمن وقوّات الجيش التابع لنظام الأسد. فإنّ الكثير من المواقف اليوميّة التي تستحق الذكر لما تحمله من الدّعابة، رغم قسوة الظّروف الّتي كانت محيطة بها، لم تأخذ حقّها في التوثيق والتداول، وربّما يكون الدافع الأكبر الّذي جعلني أتطرّق للحديث عن “نكات الحرب” كما أفضّل أن أسمّيها هو شعوري اليومي المتكرّر بأن حياتنا، في ظلّ ظروفها الحاليّة، تحوّلت إلى نكتة مُحزنة، من الدعابة والألم. 

تتعدّد مصادر هذه النكات، التي تبدو مضحكة في ظاهرها، بينما ترتبط في مضمونها، بمواقف لا تُمحى من الذاكرة، لذلك جمعتُ ثلاثة، من أبرز القصص التي صارت، تروي يوميّات متنوّعة، بعضها حدث معي شخصيّاً، وبعضها الآخر مع أشخاص أعرفهم، وذلك أثناء عبورنا الحواجز العسكريّة التابعة للنظام، المنتشرة تقريباً في كلّ شارع وعند مدخل كلّ مدينة.

دمشق- درعا: 11 حاجزاً أمنياً

كان الأوتوستراد الدولي (دمشق- درعا) يعجّ بنحو 11 حاجزاً في مسافة لا تتجاوز الثمانين كيلومتراً، ولكم أن تتخيّلو كميّة الأحداث الّتي تتكرّر يوميّاً مع الناس المسافرين بين المُحافظتين، وبما أنّني ابن محافظة درعا، فلقد كنت بحكم دراستي في دمشق، أمرّ بشكلٍ شبه يوميّ على جميع تلك الحواجز. 

كان تعامل الجنود التّابعين لنظام الأسد مع الحافلات والفانات المحمّلة بالنّاس، قائماً على مبدأ الإهانة والتنمّر، وتجدر الإشارة هنا، إلى أن استخدامي لكلمة “نكتة” هو أبعد ما يكون عن الضحك، وأقرب إلى تأطير تلك المواقف، بإطار من الدعابة، يحفظ لها التداول المستمر، كي لا تُنسى تلك الممارسات الّتي كان العساكر المسؤولون عن الحواجز، يملأون بها وقتهم، أثناء فترات مناوباتهم، على حساب الناس وكراماتهم.

ينشر موقع “درج” على حلقات كتاباً صدر هذا العام (2050) في نيويورك لكاتبه مارك دبوسي، وهو صحفي أميركي من أصل لبناني عاش في بيروت قرابة عشر سنوات.

حاجز جسر إزرع

تعتبر مدينة “إزرع” من أكبر المدن في محافظة درعا، وه من المدن التي بقيت تحت سيطرة النظام، ويعود ذلك إلى أنّها كانت، من قبل الثورة، مركزاً لمساكن الضباط من خارج المحافظة، إضافة إلى أنها كانت تمثّل المُربع الأمني للنظام السوري فيها، لذلك، كان الحاجز المتمركز على جسر المدينة، من أخطر الحواجز وأكثرها تدقيقاً في هويّات الناس من خلال التفييش والتفتيش والمساءلة، لأنّه يمثّل مدخلاً لمدينة درعا من الجهة الشماليّة، وكان اجتيازه دون حادثة اعتقال أو إهانة، من الأمور النادرة جداً.

صيف 2013/ عمران (23 سنة)

يقول: أثناء اقترابنا من حاجز جسر ازرع، كانت الحافلة تتقدّم ببطء في طابور طويل من السيارات والحافلات الأخرى، نظر السائق إلى جانب الطّريق فشاهد مجموعة من العساكر في عزّ الظهيرة، يقومون بتعبئة أكياس كبيرة من “الخيش” بالتراب كي يستخدموها في بناء “دُشَم” وسواتر لحماية الحاجز من أيّ هجوم محتمل من الجيش الحر، ولا أعرف ما الّذي دفعه إلى مخاطبتهم بعبارة مازحة قال فيها بصوت عالٍ: ” عبّوا عبّوا لنشوف آخرتها”.

لسوء حظّه وحظِّ الركّاب جميعاً، كان الرائد المسؤول عن الحاجز قريباً، فسمعه، ولم يكن منه سوى أن تقدّم جهة النافذة الّتي يُطلّ منها السائق، وطلب من الجميع النزول من الحافلة، رجالاً ونساءً، ثمّ أمرنا بسبب “خفّة دم الشوفير” بأن نقوم بدلاً من العساكر بتعبئة الأكياس بالتراب، بقينا على ما أذكر أكثر من ثلاث ساعات، تحت الشمس، نعبّئ الأكياس، ونشتم السائق بصوت عالٍ (كما أمرنا الضّابط)، بينما في سرّنا، نشتم بشار الأسد وجنوده.

حاجز نهر عيشة 

يعتبر هذا الحاجز، ثاني أخطر الحواجز المنصوبة بين درعا ودمشق، بعد “حاجز جسر إزرع” وكان أيضاً من أكثر الحواجز عرضة لهجمات متفرّقة من الثّوار وعناصر الجيش الحرّ، الآتين من مناطق سيطرتهم، من حي “القدم” وحي “الميدان” وبعض الأحياء المحيطة، حيث كانت الاشتباكات تتكرّر بشكل شبه يومي، بخاصة بين العامين 2013 و 2014، وفي حادثة غريبة كنت شاهداً عليها، كانت الاشتباكات على أشدّها، وبينما ندفن رؤوسنا تحت الكراسيّ في الباص، مختبئين من الرّصاص الطّئش، قام الرّاكب الّذي يجلس إلى جواري، بإخراج “محرمة بيضاء ” من جيبه، ثمّ نظر إلى أحد العساكر المختبئين قبالتنا وراء الدّشمة “ساتر ترابي”، وراح يمزّق المحرمة في الهواء بطريقة هيستيريّة، بعد أن أخرج يديه من نافذة الباص، مشيراً إلى العسكريّ لعلّه يفهم عليه. كان العسكريّ خائفاً جداً، وبقي ينظر إلى هذا الشخص مذهولاً تحت وابل من الرصاص، غير مدرك ما يحدث، إلى أن هدأ الاشتباك، وأُمرتْ المركبات والسيارات العالقة بين طرفي الاشتباك بالتحرك بسرعة.

لم أستطع وقتها أن أتجاهل الأمر، انتظرت وقتاً حتى استطعت أن التقط أنفاسي ونبتعد قليلاً عن الحاجز، ثم سألت الرّاكب المجنون عن تلك الحركة وما معناها في مثل هكذا موقف!! فنظر إليّ بغضب وقال :”هالعسكري حمار، ما ظل شي ما شقّيتو، وماكان يفهم عليّ انو يستغل هالفرصة وينشقّ”. 

لم أستطع في الحقيقة أن أردّ عليه، انتابني شعور الرغبة بالضحك، ممزوجاً بالخوف والقلق بسبب الحادثة، وأدركت فعلاً أنّ “شرّ البليّة ما يضحك”، إذ كادت شجاعته وروحه الثوريّة المفرطة، لولا أن الحافلات تحركت بسرعة، أن تزجّا بنا جميعاً، في معتقلات لن يعلم أحدٌ بمكانها.

حاجز “منكت الحطب”

يتمركز هذا الحاجز في منتصف المسافة بين دمشق ودرعا، بالقرب من بلدة “منكت الحطب” والتي سمي الحاجز نسبة إليها بحاجز “منكت الحطب”، وقد ذاع صيته لكثرة الاعتقالات الّتي تحدث عنده، فلا تكاد تمر حافلة، إلّا ويتم اعتقال شخص أو اثنين على أقلّ تقدير، وكان الناس إذا عبروا ذلك الحاجز بسلام، يحمدون الله على ذلك، كان من تلك الحواجز الّتي قد تعبرها صباحاً بكلّ سلام، وتُعتقل عندها أثناء عودتك مساءً.

تقول سعاد (31 سنة):

قبل وصولنا إلى حاجز منكت الحطب، طلب منّا سائق الحافلة، أن نجمع هويات الركاب، ونناوله إيّاها، لكي يعطيها بدوره دفعة واحدة للعسكري المسؤول عن التفتيش حين يطلبها عند الحاجز، وفعلاً قمنا بذلك، قام العسكريّ بعدما أخذ هويّاتنا بفتح باب الحافلة بعنف، وصرخ بالجميع: “مين ما سلّم هويتو”، إذ إنه عدّ الرّكاب والهويات الّتي بين يديه، فوجدها ناقصة. صاح مرّة أخرى بغضب أكثر، فما كان من الجميع سوى أن انتبهوا إلى شيخ يجلس في مؤخّرة الحافلة وقد أخذه نوم عميق، دار العسكري حول الحافلة ووقف بجوار النافذة القريبة من رأس ذلك الشيخ، وبأخمص البندقيّة، أيقظه بنقره على رأسه، ثمّ سأله عن الهويّة.

 الصدمة الّتي كان الشيخ يتخبّط بها لحظة استيقاظه من غفوته، جعلته يبحث بجنون عن هويّته في جيوب “الكلّابيّة” الّتي يرتديها، بينما يردد أثناء البحث، كلّ الأدعية والآيات القرآنيّة التي يحفظها، يبحث ويدعو بارتجاف، فانتبه العسكري إلى شكله “حيث كان من أولئك الّذين يطلقون لحاهم ويحفّون الشارب”، وقال له ” والله شكلك سلفي يا شيخ”، فما كان من الأخير سوى أن تحوّل أثناء بحثه عن هويّته، من الأدعية وقراءة الآيات القرآنيّة، إلى شتم الدّين والأنبياء والذّات الإلهيّة بصوت عالٍ وهيستيريً، فقط ليقنع ذلك العسكريّ بأنّه من المستحيل أن يكون “سلفياً”، ويبعد الشبهة عن نفسه، فضحك العسكريّ ضحكة غريبة ومُنتصرة، جعلت كل من في الحافلة يضحكون معه. ثم بلحظة مفاجئة، أمر الجميع أن يخرسوا، وأمر ذلك الشيخ أن ينزل من الحافلة، برغم أنه وجد هويّته. لم يتمكّن أحدٌ من معرفة ما حصل بعد ذلك، لكنّ الجميع يدرك، أن النزول عند أي حاجز تابع للنظام، هو اعتقال حتميّ.

وهكذا، تحولت الحواجز الأمنية، الّتي رافقت السوريين على مدار أكثر من عشرة أعوام، في طريقهم إلى العمل وإلى الجامعات والمدارس، إلى مراكز اعتقال مصغّرة، تُسلَّم لضبّاط سفّاحين، يملكون صلاحيّات “التصفية” على حواجزهم وقتل من يرون أنّه يستحق القتل من منظورهم، ولم تكن تلك الحواجز موجودة، سوى لزرع الخوف والرعب في نفوس السّوريّين.

لقد خرجت من سوريا منذ أكثر من خمس سنوات، لكنني ما زلت بسبب الرعب المزروع في داخلي، حتى هذا اليوم، كلّما صعدت سيّارة أجرة في بيروت، أطلب من السائق بخوف، ألّا يمرّ من الطّرق الّتي فيها حواجز، مهما كانت تلك الحواجز.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!