fbpx

أيام الخدمة العسكرية في الغوطة الشرقية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في بداية عام 2006، كنتُ على موعدٍ لأداء الخدمة العسكرية. يومها كان تجمع العساكر في الثكنة العسكرية بمنطقة النبك، التابعة لمدينة القلمون، والقريبة من الحدود اللبنانية. للوهلة الأولى لم أصدق عندما صاح الضابط العسكري باسمي، وأضاف بعدها: في مطار مرج السلطان في الغوطة!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في بداية عام 2006، كنتُ على موعدٍ لأداء الخدمة العسكرية. يومها كان تجمع العساكر في الثكنة العسكرية بمنطقة النبك، التابعة لمدينة القلمون، والقريبة من الحدود اللبنانية. للوهلة الأولى لم أصدق عندما صاح الضابط العسكري باسمي، وأضاف بعدها: في مطار مرج السلطان في الغوطة!
ركبنا الحافلة، أنا وعشرين شخصًا، من مختلف المحافظات السورية، وكنتُ الوحيد الذي يبعد مطار مرج السلطان عن بيته، مسافة زمنها نصف ساعة بالحافلة، إذ إن بيتي كان في حي جوبر الدمشقي، والذي يعتبر الحي الفاصل بين دمشق وريفها من الجهة الشرقي، إذ يبعد مطار مرج السلطان العسكري عن مدينة دمشق مسافة 15 كيلو متراً. كانت بداية يومٍ مشرقٍ في مطار مرج السلطان العسكري، لم  يعُكر صفوه سوى وجوه الضباط العابسة والمتجهمة، لدرجة أن أحد الضباط عندما عرف أنني من حي جوبر قال لي: “لا تفكر حالك رح تبقى هون كتير. انشالله رح ننقلك لآخر الدنيا! “.
لم يخفف الرعب الذي أدخله الضابط إلى قلبي، سوى جندي من منطقة عربين، وهي واحدة من مناطق الغوطة الشرقية، وكان هذا الجندي يعمل سائقًا لأحد الضباط الكبار في المطار، قال لي أن لا أشغل بالي بما قاله الضابط، ووصفه بالشخص” الحقود”، وأضاف بأنه يوجد هنا ضباط محترمين، وليس الجميع مثله. وختم حديثه بقوله، أنهم هنا لا يسمون هذه القطعة العسكرية بالمطار، إنما يسمونها “استراحة مرج السلطان. لا تنسى أنت بالغوطة يا زلمة. يعني بالجنة!”،  وضحك.
بعد مضيّ أربعين يومًا، فتح باب الزيارات لأهالي العساكر الجدد.عندما جاءت عائلتي لزيارتي، خرجت من بوابة المطار الخارجية، لأفاجئ أنه وفي الجهة المقابلة يوجد بوابة لبستان كبير، وكان هناك بستانيّ يقف أمامها، صاح لي:
” تعال أهلك هون. تفضل”.
عندما تخطيت بوابة البستان، رأيت مشهدًا لن أنساه بحياتي، أهالي العساكر افترشوا أرض البستان، وأصحاب البستان، يقدمون لكل عائلة طبقًا من الفواكه الطازجة، من التي يزرعونها في أرضهم، منها المشمش، والخوخ، والعنب، والتفاح. عندما تقدم أحدهم إلي، شكرته، وقلت له: ” هالشي اللي عم تعملوه مو تقيل عليكم، تفتحو البستان لأهل العساكر؟ ” فأجابني قائلًا: “عيب عليك هالحكي يا ابني، مو حلوة نشوف أهاليكم واقفة بالشارع عم تنتظر ولادها، ونضل مسكرين البساتين. بالعكس انتو نورتونا”.
معرفتي بهؤلاء المزارعين، أشعرتني بشيئ من الاطمئنان، بعد أربعين يومًا من القلق والخوف.
لا يسعني سوى أن أتذكر اليوم تلك الساعات التي كنت أقضيها في ذلك البستان بصحبة عائلتي كلما أتوا لزيارتي. إنه نفس البستان ونفس المنطقة التي يقصفها بشار الأسد بالبراميل المتفجرة والصورايخ، وبشتى أنواع الأسلحة. هؤلاء الناس من الصعب نسيانهم، أو أن يصمت المرء على حصارهم أو إبادتهم.
أتذكر اليوم ذلك السلام الذي حفظته من أصدقائي من أهل الغوطة، والذي ينم عن خفة دمهم وروحهم المرحة؛ فعندما تقول لهم: “مرحبا”، غالباً ما يردون عليك وهم يضحكون: أهلا وسقبا وحمورية!
[video_player link=””][/video_player]