fbpx

ترسيم الحدود البحرية في لبنان:
الرضا بالحدّ الأدنى أم فشل في السياسة النفطية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل ربح لبنان أم خسر في اتفاق الترسيم؟ إنه السؤال الذي بات مشروعاً بعدما تنازلت السلطات اللبنانية عن الخط 29 وقبلت بالخط 23. هناك أطراف تعتقد أن الوضع الراهن يفرض الرضا بالحدّ الأدنى، فيما تعتبر أطراف أخرى أن الاتفاق هو انتهاك لحق اللبنانيين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“هكذا يتخلى الرؤساء الثلاثة عن ثروة تقدّر بمئات مليارات لإسرائيل بتخليهم عن الخط 29 على نحو غير قانوني وغير علمي وغير وطني، وذلك لمصلحة الخط 23 الذي تبين بالوثائق الدامغة أنه اختراع اسرائيلي”… وردت هذه الخلاصة في دراسة جديدة اتّهم فيها المتخصص والمتابع لملف ترسيم الحدود الباحث الأكاديمي عصام خليفة، الرؤساء الثلاثة بالتخلّي عن ثروة تقدّر بمليارات الدولارات وعن سيادة لبنان. في دراسة صادرة عنه حول الاتفاق على ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع إسرائيل. 

في الدراسة، اعتبر خليفة أن اعتماد الرؤساء الثلاثة الخط 23، بدل الخط 29 الذي وحده ينطلق من رأس الناقورة والذي أكدته قيادة الجيش وتقرير المكتب البريطاني UKHO، بينما الخط 23 الذي ينطلق من مسافة 30 متراً شمال رأس الناقورة، هو تنازل عن سيادة الدولة اللبنانية. وقد استندت الدراسة إلى ما ورد في الخريطة الملحقة بالقرار 318 (31 آب/ أغسطس 1920)، وصولاً إلى ورد في المادة 5 من اتفاقية الهدنة (23 آذار/ مارس 1949).

يصف عصام خليفة اتفاقية الترسيم الأخيرة لـ”درج” بـ”الجريمة التي لا يمكن تبريرها”، إذ يرى أن الرهان على الحدّ الأدنى نظراً للوضع الاقتصادي غير منطقي، لا سيما أن لا ضمانة لما تحمله تلك المساحة من غاز أو نفط، عدا الوقت الطويل الذي يحتاجه لبنان للتنقيب، في ظل مباشرة الطرف الإسرائيلي بالتنقيب في حقل كاريش، الذي يتقاطع مع حقل قانا (وهو داخل الخط 23، أي داخل الحدود اللبنانية). وعليه، يرى خليفة أن تلك الاتفاقية “خسارة للجغرافيا والغاز، وخسارة للوقت… وبيع أوهام للبنانيين لإصلاح انهيار تسببت به طبقة فاشلة بالسياسة البترولية”، وهو ما توافق عليه خبيرة النفط والغاز لوري هايتايان، التي اعتبرت في حديثها لـ”درج” أن “اتفاقية الترسيم لن تعود بالفائدة على اللبنانيين في بلدٍ فيه إفلاس وفساد مستشرٍ”، مشيرة إلى أن المخاوف اليوم حقيقية لجهة الحوكمة وسوء إدارة الملف. 

مقابل ذلك، لا شك في أن “حزب الله” نجح، من خلال امساكه بقرار الدولة اللبنانية، بتحصيل مكاسب أساسية، أبرزها أن الاتفاق أتى نتيجة لتهديدات أمين عام الحزب، إذ خرج مسؤولون إسرائيليون ووسائل إعلام إسرائيلية تحدثت عن نجاح الحزب بفرض معادلته، ولو كان ذلك مبنياً على حسابات وصراعات سياسية داخل إسرائيل. 

المقترح الخطي الأميركي لترسيم الحدود البحرية أخذ مناحٍ مختلفة، التيار العوني اعتبره انتصاراً قبيل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، فيما يعتبره أنصار “حزب الله” انتصاراً للحزب الذي قدّم الاتفاقية بصيغة أن “الإسرائيلي كان رافضاً للترسيم والتهديد العسكري أجبر الطرف الآخر على وقف التنقيب في حقل كاريش لإجراء الترسيم”. 

ما ينشر من معلومات تُشير إلى استعداد “حزب الله” للمطالبة بالخط 29، في حال التصعيد بين الطرفين الإيراني والأميركي. يأتي ذلك أيضاً فيما يعتبر أنصار “حركة أمل” أن دهاء رئيس مجلس النواب نبيه بري وحنكته السياسية كانا سبباً في الانجاز. مقابل ذلك اعتبر “التغييريون” وأطراف مستقلة أخرى، أن في الترسيم تخلٍ عن حق اللبنانيين. وهنا السؤال، هل ربح لبنان أم خسر في اتفاق الترسيم؟   

يوم الجمعة 30 أيلول/ سبتمبر، تسلّم لبنان المقترح الخطي الأميركي لترسيم الحدود البحرية. أشهر من المفاوضات ومن التهديدات التي أطلقها “حزب الله” دفعت إلى إعادة وضع مسار الترسيم على سكّة الجدية. يتضمن المقترح، منح لبنان الخطّ 23، إضافة إلى حقل قانا من دون اقتطاع أي جزء من البلوكات النفطية اللبنانية. أما بخصوص المنطقة الآمنة، أو ما يعرف بخط العوامات، فتبقى تحت السيادة اللبنانية على أن تكون منطقة أمنية. وبذلك ينطلق خط الترسيم من عمق البحر بمسافة 6 كيلومترات.

لقد تراجع لبنان عن المفاوضات عن حقه بالخط 29، واكتفى بالخط 23. في هذا السياق، يقول أحد عناصر الوفد التقني المفاوض حول الحدود البحرية لـ”درج”، إن شكل الاتفاق هو “أفضل الممكن حالياً”، ويشرح ذلك باعتبار أن “تحصيل الخط 23 كاملاً من دون أفخاخ، أي بنصٍ قانوني خالٍ من الثغرات القانونية، هو لمصلحة لبنان في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية”. “صحيح أننا كنا ننتظر تحقيق مكسب أكبر، لكن الوضع الراهن يفرض الرضا بالحدّ الأدنى”، يُضيف الأخير. في المقابل، يرى النائب فراس حمدان أن التعويل على الغاز والنفط لتحسين الوضع الاقتصادي ليس سوى “بيع أوهام”، إذ يفترض أن يكون عائد تلك الموارد إلى الأجيال القادمة وليس لسدّ العجز الحالي. كما يُشير حمدان، وهو محامٍ، إلى أن “الخط 23 لا يرتكز على أي سند قانوني أو معايير تقنية، ويخسّر لبنان 1450 كيلومتراً مربعاً”، مؤكداً أن الخط 29 هو المرتكز القانوني وفق قانون البحار وإحداثيات الجيش.  

الملف يتّخذ منحى انتخابياً في إسرائيل…

ما يحصل في لبنان من جدلٍ حول قضية الترسيم ليس منعزلاً، إذ تخوض إسرائيل سجالات متواصلة حول ربح أم خسارة الحكومة الإسرائيلية من الاتفاق الأخير، لا سيما أن الملف يتّخذ منحى سياسياً، إذ يُستغل لحسابات انتخابية بين رئيس الوزراء يائير لابيد ورئيس الحكومة الأسبق وزعيم المعارضة بنيامين نتانياهو. يُواصل نتانياهو هجومه على لبيد، وآخرها كان الطعن خلال مؤتمره الصحافي الأخير، بقانونية الاتفاق المتبلور، متهماً لبيد بالخضوع والاستسلام لتهديدات “حزب الله”، ومُدّعياً أن الاتفاق المقترح يمنح لبنان “أراضي خاضعة للسيادة الإسرائيلية”. ليردّ الاخير قائلاً، “أتفهم حالة الإحباط التي تنتاب أولئك (في إشارة لنتنياهو) الذين قضوا عشر سنوات ولم ينجحوا بالتوصل لمثل هذا الاتفاق، لكن هذا ليس ذريعة لانضمامهم إلى رواية نصر الله وحزب الله”. 

من جهةٍ أخرى، نقلت قناة التلفزة الإسرائيلية “كان 11” عن مصادر سياسية متابعة للمفاوضات في ملف الترسيم بين بيروت وتل أبيب، قولها إن إسرائيل “لن تستجيب لطلب لبناني محتمل حول إجراء تعديلات جوهرية على الاتفاق المتبلور”. وذكرت “كان 11” أنه في الوقت الذي تنتظر فيه إسرائيل الموقف اللبناني بشأن مقترح الاتفاق الذي قدمه للطرفين الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، تستبعد المصادر المتابعة أن تنصاع إسرائيل لمطلب لبناني لإجراء تعديلات على المقترح. وأضافت نقلاً عن المصادر ذاتها قولها، “في حال طرح لبنان مطالب جديدة، لن تستجيب إسرائيل ولن تعدّل مواقفها، وستطرح مقترحاً مختلفاً جوهرياً”. وإلى ذلك الحين، لا مؤكّد سوى أن السلطة اللبنانية خالفت القانون الدولي بالتنازل عن الخط 29، عدا مخالفتها بحصر الاتفاق بين الرؤساء الثلاثة وعدم مناقشته في مجلس النواب.