fbpx

أكانوا ملائكةً لا يختلفون أم قتل عمر فاطمة؟ تاريخ المسلمين المبكر بين الإسلام السياسي والتطرفين السني والشيعي 3/4

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كيف تطورت ممارسات لعن الصحابة وصولاً لما نحن فيه اليوم وما تثير من متاعب، بخاصة في مناطق التماس السني- الشيعي؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

اللعن الشيعي لبعض الصحابة، مثار خلاف واقتتال، وله أصوله في نصوصٍ شيعية، كما بيّنا في المقال السابق في هذه السلسلة، لكن أصول الممارسة ليست في النصوص وحسب، بل هي لم تنفصل يوماً عن السياسية. على أن المَنسي اليوم، من جهة، أن هذه الممارسة لم تقتصر على التشيع فقط، وغائب أيضاً من جهة اخرى، أن موقف أي سلطة أو مؤسسة دينية تُعرّف نفسها بالهوية الدينية ، كما اليوم الجمهورية الإسلامية في إيران أو أحزاب الإسلام السياسي الشيعي في العراق ولبنان، أو مؤسسات الإسلام السياسي السني، مهددة، حتى وإن ادعت غير ذلك، بالانزلاق نحو كل ما يُعرّف الأتباع ضد الغير، وهل من ضدٍ أسهل في التمييز من المخالف عقائدياً؟ من ثم، مثلاً لا حصراً، أعلى وأشد لعن للشيعة  في مصر منذ قرون وأكثره جهراً وعلانية كان من الإخوان المسلمين حين كانوا في سدة الرئاسة في مؤتمر نصرة سوريا الشهير بإستاد القاهرة عام 2013، واتُّهمت كتائب “الحشد الشعبي” في العراق بممارسات قاسية ضد السنة تتشابه مع أفعال “داعش” وإن في الاتجاه المعاكس.  ممارسةً وظروفاً سياسية، كيف تطورت ممارسات لعن الصحابة وصولاً لما نحن فيه اليوم وما تثير من متاعب، بخاصة في مناطق التماس السني- الشيعي؟ 

في سياق سلسلة من 4 أجزاء عن هذا الموضوع نتابع هنا القسم الثالث.

من الأمويين إلى تعقل البويهيين إلى غلو الصفويين: اللعن كسياسة سلطة

يرتبط لعن الصحابة اليوم بالتشيع الاثني عشري، لكن من بدأوا الممارسة لم يكونوا محسوبين على التشيع. الأمويون كانوا أول من لَعَن من فوق المنابر، وأول من لعنون كان ابن عم الرسول وزوج ابنته وأول من آمن بالإسلام من الفتيان، غريمهم الخليفة الرابع وإمام الشيعة الأول علي ابن أبي طالب. ونبقى لليوم أسرى دوائر بدأها الأمويون من الفعل ورد الفعل.  

يروي لنا المؤرخ ابن الأثير (من عام 1233) ما كان ربما أول ممارسة مفتوحة للعن الصحابة علانية بعد الأمويين. كانت بغداد وخلافتها العباسية الواهية قد وقعت في قبضة البويهيين، أسرة فارسية شيعية من أتباع المذهب الزيدي، وربما لأنهم اتباع أقرب صور التشيع للسنة، أو لحنكتهم السياسية، أو للاثنين، حافظ البويهيون على قدر من الاعتدال وأبقوا على الخلافة العباسية السنية ولو تحت أيديهم. لكن واحداً منهم، معز الدولة، أخذ منحىٍ آخر. يروي ابن الأثير “في هذه السنة [352 هجرية /  963 ميلادية]، في ربيع الآخر، كتب عامةُ الشيعة في بغداد، بأمر معز الدولة [البويهي]، على المساجد ما هذا صورته: لعن الله معاوية ابن أبي سفيان، ولعن من غصب فاطمة، رضي الله عنها، فدكاً، و من منع أن يُدفن الحسن عند قبر جده عليه السلام [في إشارة إلى السيدة عائشة ومروان ابن الحكم]، ومن نفى أبا ذر الغفاري [من المدينة، الخليفة الثالث عثمان ابن عفان]، و من أخرج  العباس من الشورى [إشارة فيما يبدوا لعمر ابن الخطاب؟] فأما الخليفة [العباسي]  فكان محكوماً عليه لا يقدر على المنع، وأما معز الدولة فبأمره كان ذلك. فلما كان الليل حكّه بعض الناس، فأراد معز الدولة إعادته، فأشار عليه الوزير أبو محمد المهلبي بأن يكتُب مكان ما مُحي: لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يذكر أحداً في اللعن إلا معاوية، ففعل ذلك”. 

الصفويون: اللعن سياسية سلطة

بعد البويهيين بخمسة قرون ولدت أول دولة استندت حصراً في شرعيتها على هويتها الشيعية الاثني عشرية عندما استولى الشاه اسماعيل الصفوي على مدينة تبريز، شمال إيران المعاصرة وجعلها عاصمة ملكه عام 1501، ومع ذلك دخلت ممارسات لعن الصحابة عند الاثناعشرية طوراً جديداً. اسماعيل كان سليل أسرة آذرية ناطقةٍ بالتركية (نسبة لإقليم آذربيجان المقسوم الآن بين إيران وجمهورية آذربيجان)، قادت طريقةً صوفية. صفة الصفوية تأتي من نسبه الذي ينتهي إلى الشيخ صفي الدين الأردبيلي  (المدفون في أردبيل قرب حدود إيران المعاصرة)، الذي بدوره كان يدعي نسباً نبوياً. انقلب الصفويون في مرحلة ما من طريقةٍ صوفية إلى تنظيمٍ عسكري، علامته عمامات حمراء ملفوفة 12 مرة في إشارةٍ للأئمة الاثني عشر  (من ثم اسمهم الذي عرفوا به “قزلباش”: الرأسُ الحمراء في التركية الآذرية). حُسب الصفويون على الغُلو الشيعي، رأس الطريقة ثم المملكة كان لقبه “المرشد الكامل”، وكان محفوفاً بتقديس وإجلال يستغربه الغالبية الكاسحة من المسلمين شيعة أو سنة. أتباع الشاه اسماعيل، كانوا من عشائر التركمان ساكني الأناضول وما حولها. تبريز كانت خطوة اسماعيل الأولى للاستيلاء على كل إيران وهو ما حققه في بضعة أعوام (علماً أنه كان في الرابعة عشرة فقط من عمره حين الاستيلاء على هذه المدينة)، وبذلك كان أول من جعل هذه البلاد وحدة سياسية واحدة منذ قرون. لكن الأهم عند إسماعيل كان إخراج سُكان ملكه من المذهب السني (الذي كان غالباً عليهم) إلى التشيع الاثناعشري. التاريخ الذي كتبه الصفويون (مثلاً ما كتبه إسكندر مُنشي، ت 1632) يدعي نجاحاً فورياً لهذا التحول بحد السيف، لكن الأمر لا بد أنه استغرق بضعة عقودٍ على الأقل. وما علامة التحول إلى التشيع والتبرؤ من السنية؟ لعن الخلفاء الثلاثة الأُول.

يرتبط لعن الصحابة اليوم بالتشيع الاثني عشري، لكن من بدأوا الممارسة لم يكونوا محسوبين على التشيع.

عدا غلو وعنف اسماعيل الأول الصفوي الذي لا تبخل المصادر التاريخية في وصفه (والذي قابله للدقة عنف ودموية تنافسه آنذاك من معاصره وعدوه السُني  سليم الأول  العثماني) رسّخ اسماعيل وخلفاؤه التشيع الاثني عشري هُويةً مناقضةً لجيرانه من السنة. مثلاً لا حصراً؛ مشيل ميمبري، مبعوث دودج (حاكم) جمهورية البندقية (إيطاليا المعاصرة)، الذي في 1540 ميلادية زار بلاط الشاه طهماسب (ابن الشاه اسماعيل وخليفته الذي حكم منذ وفاة أبيه عام 1524 م حتى 1576 م) وبقي معه قرابة العام، يصف كيف كان لعن الخلفاء الثلاثة الاُول هو إعلان قدوم الشاه، إذ يسبقه مرددو اللعن ضاربين طبولاً معدنية: “سعد حزر [حضر]، لعنات بر [على] أبو بكر، عثمان وعمر”. تحت حُكم الشاه عباس الكبير  ( 1578 -1621 م) تركز اللعن على عمر دون غيره، وانتشر طقس الاحتفال بمقتله وقاتله (أبو لؤلؤة المجوسي، المسمى هنا بابا شجاع الدين، والذي أُقيم له ضريح في إيران، إذ قيل إنه انتقل بمعجزة من المدينة إلى هناك)، والذي كان جزءاً منه تمثيل قتل عمر. ينقل لنا الرحالة الأجانب ممن زاروا وعاشوا في فارس (اسم إيران القديم) تحت حكم الصفويين مدى انتشار تعبير “لعنت بر عمر” (اللعنة على عمر)، وهو ما أثار حفيظة كل زائر سني ٍ للبلاد (بما في ذلك السفراء). الرحالة والتاجر الفرنسي الشهير شاردان (1643-1713) والذي زار فارس الصفوية مرتين، في آخرهما أمضى في البلاد أربع سنوات، وكتب أن باستطاعته تأليف كتاب كامل عن كراهية الشيعة الاثني عشرية للخليفة الثاني بالذات وطقوس لعنه وسبه والاحتفال بمقتله. علماً أن من تقصى هذه الطقوس في إيران الصفوي  (مثلاً المستشرق الفرنسي الكبير Jean Calmard  ت 2017) يخبرنا أن لاعني عمر ابن الخطاب خلطوا بينه وبين عمر ابن سعد ابن أبي وقاص، قائد الجيش الأموي الذي قتل حفيد الرسول وإمام الشيعة الثالث الحسين ابن علي ابن أبي طالب مع أهل بيته وأصحابه في كربلاء.

استثمر الصفويون المال والجهد في الشعائر  المقتصرة على الاثني عشرية رسماً للحدود، ثقافةً وسياسةً بين مُلكهم، ومُلك الأوزبك السنة شرقاً والعثمانيين السنة أيضاً غرباً. من ثَم شكل اللعنُ أزمة ديبلوماسية متجددة مع هؤلاء الجيران. غيرُ مستغرب إذاً أن إلغاء لعن الخلفاء الثلاثة كان من شروط معاهدة أماسيا مع العثمانيين عام 1555 (بين الشاه طهمسب والسلطان سليمان القانوني).  حفيد اسماعيل الأول، ابن طهمسب، الشاه إسماعيل الصفوي الثاني حاول لجم هذه الممارسات إرضاءً للعثمانيين، لكن ذلك كان مما كلّفه حياته، إذ استثار موقفه هذا غضب جنوده من “القزلباش”، وانتهت حياته مسموماً بعد خمسة عشر شهراً فقط على العرش عام 1577. رسَخت هذه الممارسات حتى أمست أقوى من أن يوقفها الشاه، و حين تولى السلطة أقوى وأهم حكام الصفويين على الإطلاق، عباس الكبير (حكم 1587- 1629) شهد عصره دعماً لهذه الممارسات ومباركةً لها (علماً أن حكومة الجمهورية الإسلامية في إيران منعت أي ممارسةٍ علنية لإظهار السرور بمقتل الخليفة الثاني، بل وهُدم معظم “ضريح  بابا شجاع الدين” عام 2007).

علماء العصر الصفوي وتأصيل الممارسة

ولأن إيران كانت في الأصل بلداً سنياً  في غالبيته  قبل سيطرتهم عليه، ولأن الصفويين افتقدوا مؤسساتٍ تخدم حاجتهم لفقهاء شيعة، استجلبوا هؤلاء من مناطق اخرى سابقة في التشيع على رأسها “جبل عامل” المترادف اليوم مع جنوب لبنان. من أوائل هؤلاء وأشهرهم المحقق الكركي  (علي بن حسين بن علي بن محمد بن عبد العالي الكركي العاملي، 1534 ميلادية). وصل الكركي إيران في عهد الشاه إسماعيل بُعيد ولادة الدولة الجديدة، لكنه بلغ قمة نفوذه في عهد ابنه طهماسب الذي أرسل لعماله رسالةً شهيرة وصف فيها الكركي بنائب الامام (الثاني عشر، الغائب)، مانحاً اياه سلطاتٍ تقارب سلطة شاغل العرش الصفوي نفسه (هذه الرسالة عدها باحثون معاصرون أول نموذجٍ لولاية الفقيه التي يقوم على اساسها الحكم في الجمهورية الإسلامية في إيران اليوم). الفقيه واسع النفوذ هذا حرر كتاباً شهيراً:   “نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت” ، و”الجبت” و”الطاغوت” مصطلحان قرآنيان (سورة النساء، 51)  لا اتفاق على مغزاهما  لكن كل معانيهم سلبية؛ في تفسير يعنيان السحر والشيطان، و في آخر الشيطان والكاهن ، وفي تفسيرٍ الأصنام وكهانهما. أما في عنوان الكركي فمقصودُ ب “الجبت” و”الطاغوت”  أبوبكر وعمر . علماً أن الكتاب يمد القدح والسب للخليفة الثالث عثمان وابنتي الخليفتين الأولين، زوجتي الرسول، السيدتين عائشة وحفصة.

 بعد الكركي بحوالي قرنٍ ونصف جمع أحد أشهر علماء إيران الصفوية، محمدباقر المجلسي (1699 ميلادية) كماً هائلاً من الأحاديث والأخبار الاثناعشرية في “بحار الأنوار” الذي يبلغ حجمه في طبعات عشرات المجلدات. مرة اخرى هذا الكتاب ليس بمصداقية كتب الشيعة الأربعة، لكنه واسع الانتشار وينقل الكثيرون منه ويعيدوا النشر. مما يورد المجلسي في زيارةٍ لفاطمة: “لعن الله من منعك حقك ودفعك عن إرثك، ولعن الله من ظلمك وأعنتك وغصصك بريقك وأدخل الذل بيتك، ولعن الله من رضي بذلك وشايع فيه واختاره وأعان عليه وألحقهم بدرك الجحيم إني أتقرب إلى الله سبحانه بولايتكم أهل البيت وبالبراءة من أعدائكم من الجن والإنس وصلى الله على محمد وآله الطاهرين”. وأيضاً في زيارةٍ أخرى في بحار الأنوار: “…اللهم صل على محمد وأهل بيته وصل على البتول الطاهرة الصديقة المعصومة التقية النقية الرضية المرضية الزكية الرشيدة المظلومة المقهورة المغصوبة حقها الممنوعة إرثها المكسور ضلعها المظلوم بعلها المقتول ولدها، فاطمة بنت رسول الله وبضعة لحمه وصميم قلبه وفلذة كبده والنخبة منك له…”. مثلاً لا حصراً، نص الزيارة الأخيرة هذا نجده في كتاب “مفاتيح الجنان” الواسع الانتشار اليوم (الذي حرره الشيخ عباس قمي الذي توفى في النصف الأول من القرن الماضي)، علماً أن تفصيل “الضلع المكسور” وما يرتبط به لا يرد في كل نصوص الزيارات التي ذكرناها.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.