fbpx

التعليم الرسمي في لبنان:
الفساد و”المزاجية” السياسية يسرقان سنة إضافية من أعمار التلامذة 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“لا يستطيع الأطفال في لبنان تحمل سرقة سنة تعليمية أخرى منهم بسبب تخبط الحكومة ولا مبالاة المجتمع الدولي بالنتائج السيئة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“آخر ما سألته لوزير التربية قبل فصله لي تعسفياً كان عن سبب زيادة رسوم طلاب التعليم الثانوي إلى 750 ألف ليرة رغم تصريحه عن تلقي الوزارة 30 مليون دولار لدعم للمدارس بعدها مُنعت من دخول الوزارة ثم تم مؤخراً استدعائي لاستلام قرار الفصل”،  تقول رئيسة لجنة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي نسرين شاهين بعدما اتخذ وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي قراراً شخصياً يقضي بفصلها “لانتفاء الحاجة إلى خدمتها”. 

وكانت شاهين قد أعلنت مع الأساتذة المتعاقدين إضرابات عدة منذ العام الماضي  بسبب عدم نيل الأساتذة حقوقهم,، وقد اتجهت  الكوادر التعليمية  مؤخراً لإعلان الإضرابات  والوقفات  بسبب تآكل حقها وعدم تقديم الزيادات و تحقيق مطالبها في إضافة الرواتب ودولرتها بما يتناسب مع الغلاء المعيشي الواقع في لبنان، وانطلقت الاحتجاجات في مختلف المناطق اللبنانية حيث عجز أغلب الأساتذة عن الحضور إلى مبنى وزارة التربية والتعليم في العاصمة بيروت لعدم قدرتهم على تغطية كلفة النقل. 

بحسب مركز الدراسات اللبنانية فإن وزارة التربية تركت الأساتذة لعام دراسي ثالث برواتب خسرت ٩٠ ٪ من قيمتها، حيث أن الراتب لا يكفي لتغطية  الحاجات الأساسية لأي مواطن . 

مديرة مركز الدراسات اللبنانية في الجامعة الأميركية مها شعيب تقول لـ”درج” إن “فتح  المدارس دون تحقيق مطالب الأساتذة هو بمثابة وضعهم أمام الأمر الواقع دون تأمين نقلهم إلى مكان عملهم حتى , فبعض الأساتذة لا يملكون تكلفة تغطية النقل إلى المدرسة, وفتح المدارس لا يعني تعليماً جيداً بمثل الظروف التي نعيشها وهذا ما يحدث عندما يستلم من ليس من تخصصه التعليم والتربية منصب وزارة التربية والتعليم”. وتعليقاً على فصل شاهين تؤكد شعيب أن التظاهر حق للأساتذة وعدم تحقيق المطالب في قطاع يصله أكثر من 1,2 مليار ليرة سنوياً ما هو إلا  استخفاف  وعدم أخذ معاناة إنسانية بجدية وقرار الوزير بفصل  شاهين ما هو إلا “إنعكاس لطريقة تعامل النظام السياسي مع أي محاولة للمساءلة والمحاسبة”.

ومن جهتها أكدت النقابية نسرين  شاهين في حديثها لـ”درج”  أنها وكّلت مجموعة محامين لمتابعة قضية فصلها واستعادة حقها مع رد الاعتبار: “الوزير يحاول الإنتقام مني بفصلي من التعليم بعد 11 سنة تعاقد لاني دافعت عن حقوق الأساتذة والتلاميذ والمدرسة الرسمية وفتحت ملفات الفساد في الوزارة، وحقي آخذه  بنفسي عبر الاستمرار بفضح فسادهم ولن أصمت”.

“الوزير يحاول الإنتقام مني بفصلي من التعليم بعد 11 سنة تعاقد لاني دافعت عن حقوق الأساتذة والتلاميذ والمدرسة الرسمية وفتحت ملفات الفساد في الوزارة”.

يعود الأساتذة  إلى التعليم حاملين وعوداً قدّمها وزير التربية بجيوب فارغة لا يملكون بدل نقل حتى، ولم يحصلوا على رواتبهم الأخيرة، حتى أنه لا يزال لهم  حسابات من العام الماضي بالإضافة إلى الحوافز بالدولار التي وصلت على شكل مبلغ قيمته 37 مليون دولار من البنك الدولي لوزارة التربية، لم يحصلوا  منها إلا القليل، وتم توزيعها بطرق استنسابية تفاوتت بين الأستاذ والآخر بحسب شاهين . وهي ترى أن القطاع التعليمي متجه إلى المجهول إذا لم يصدر أي قرار جدي للتواصل مع المنظمات الإنسانية لتخصيص منصات شفافة لمراقبة وتحديد آلية صرف الأموال التي تحصل  عليها الوزارة لدعم الملف التعليمي كما الحد من الفلتان الموجود في إدارة صرف الأموال التي حصلت عليها من المنظمات الإنسانية وكف يد الأحزاب السياسية عن الوزارة .

كما أن هناك، بحسب شاهين، توافق سياسي  على ضرب المدارس الرسمية لصالح المدراس الخاصة “إن  مستقبل التعليم في خطر وهو في أيدي غير أمينة تعمل لتحصيل الصفقات فقط، على الرغم من حصول وزارة التربية والتعليم على دعم كافي من الخارج  من المنظمات الإنسانية، نستغرب من الوضع الكارثي الذي وصل إليه القطاع، فهناك  بحسب الوزارة  حوالي 25% من أساتذة التعليم الرسمي قد تركوا القطاع إما للهجرة أو الانتقال إلى مهن أخرى”.

بسبب الرواتب المنخفضة  هناك عدد كبير من الأساتذة  تركوا البلاد ، الأمر الذي ألحق ضررًا بالتعليم الرسمي الذي لم يعد يمتلك القدرة على الاستمرار ,وقد أكدت شعيب أن القطاع التعليمي أصبح ينقصه عدد من الأساتذة وهذا واضح رغم عدم إصدار المركز لدراسة جديدة تخص الأمر بعد. ويتراوح معاش الأستاذ المثبت في الملاك ما بين مليون و700 ألف ليرة و3 ملايين و600 ألف ليرة أي قد لا يصل إلى 100 دولار اليوم مع ارتفاع سعر الصرف. 

اليوم يعد وزير التربية والتعليم عباس الحلبي مجدداً  الأساتذة بتحسين وضع الرواتب, وقد أصدر قراراً يقضي  باعتماد 4 أيام تعليم أسبوعياً وتقليل عدد الساعات ما وصفته الدكتورة شعيب بالكارثة على الأساتذة المتعاقدين الذين سيخسرون جزءاً من رواتبهم. سماح وهي أستاذة في التعليم الرسمي الأساسي  منذ عشر سنوات تُدرس مادة الحاسوب، وهي تعد مادة إجرائية ,متعاقدة بالساعة  كانت تتقاضى 36 ألف ليرة للساعة ما يعادل الدولار الواحد قبل الزيادات، “نتقاضى رواتبنا كل 7 شهور يعني لنقبض تاني راتب بيكون خلص العام الدراسي، بظل الإضرابات يلي بتصير والتعطيلات إذا بدي اجمع راتب حوالي 16 ساعة بالشهر  بعلم بكذا مدرسة لأن مادة الحاسوب ما بيعتبروها أساسية بضطر درس بكذا مطرح لإقدر أعمل مصاري أكتر بس بدفعهم مواصلات”.

وعلى الرغم من نشر مرسوم بدل النقل  في الجريدة الرسمية منذ شهر شباط/ فبراير الماضي، لم يتقاض الأساتذة المتعاقدون  حتى اليوم  أي دفعة بحجة عدم وجود سيولة مالية على غرار كل موظفي القطاع العام. وتحاول سماح رغم الإحباط الذي تمر به إيجاد حل لتخطي  الأزمة، فقررت تعلّم تخصص جديد واختارت  التصميم الغرافيكي عسى أن يساعدها الأمر في تحسين ظروفها المعيشية “وضعي مش طبيعي محبطة ما عارفة آخد قرارات للسنة الجاي , ما عنا لا ضمان ولا تأمين ولا شي إذا قرروا التلاميذ يعطلوا بنهار ما منقبضه، الإجازات ما منقبضها ولا بدل مواصلات,وعدونا بحوافز  نزلوا مرتين والبنك ما عم يفرج  عنهم/ هيدا ذل للأساتذة والمعلمات”.

ومع بداية العام الدراسي يشهد لبنان أزمة تعليم  غير مسبوقة طالت الطلاب والعاملين في قطاع التعليم حيث هناك عدد كبير من الطلاب باتوا غير قادرين على الالتحاق بالمقاعد الدراسية بسبب الظروف التي لحقت بالبلاد.  وبحسب الوكالة الإنسانية  المعنية  بالتعليم، كان ما لا يقل عن 700 ألف من أصل مليونيّ طفل في سن الدراسة في لبنان خارج المدرسة خلال العام الدراسي السابق. وقد ارتفعت معدلات عمالة الأطفال في بعض المناطق  إلى 45% رغم إلزامية  التعليم الابتدائي بموجب القانون اللبناني و”اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل”. 

  اعتادت سمر وهي أم عزباء لطفلة واحدة تبلغ من العمر تسع سنوات، منذ التحاق طفلتها بالمدرسة على تسجيلها في إحدى المدارس الخاصة في الجنوب  لثقتها بمستوى التعليم الجيد فيها، لكن مع ارتفاع سعر الصرف و غلاء الأقساط لم تعد قادرة على تغطية تكلفة قسط المدرسة الذي وصل إلى 600 دولار أي ما يقارب 23 مليون ليرة  سنوياً دون احتساب تكلفة تسجيل الباص التي تبلغ 50 دولار شهرياً بالإضافة إلى أسعار الكتب الباهظة والقرطاسية . 

“رحنا كتير مدارس وجربنا نلاقي أرخص بس المدراس الخاصة كلها عم تكون غالية، بالأول سجلت بمدرسة أرخص شوي واشتريت كتب مستعملة. الكتاب بـ 20 دولار. محيت كل شي كان  مكتوب عليه بس لما حسبتها ما بقدر كون عم اتدين هلقد مبالغ، فقررت ارجع روح لخيار المدرسة الرسمية”، على الرغم من قرار وزير التربية عباس الحلبي بمنع استيفاء الأقساط المدرسية أو أجزاء منها بالدولار الأميركي، تتخطى المدارس الخاصة  قراره ذاك  غير مبالية بالقوانين. فأغلبها فرض  دفع جزء من القسط بالدولار أو إحتساب القسط بالعملة الوطنية وفقاً لسعر صرف السوق السوداء. 

وبلغ عدد الطلاب الذين نزحوا من  المدارس الخاصة إلى الرسمية نحو ١٥٠ ألف طالب  بحسب تقدير مدير عام وزارة التربية  عماد الاشقر. في ظل تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد وانهيار القطاعات الخاصة والعامة، يبدو القطاع التعليمي خاصة الحكومي منه  غير مهيأ لاستيعاب النزوح من التعليم الخاص بسبب غياب التجهيزات اللوجستية، وأوضاع الأساتذة الذين أصبحت رواتبهم  لا تتعدى الأربع ملايين ليرة، ما قد ينعكس على مستوى التعليم وجودته. 

مركز الدراسات اللبنانية ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” أكدا في تقرير مشترك صدر في أوائل شهر أيار/ مايو 2022 أن التمويل الأجنبي للتعليم أصبح، مع الانهيار الاقتصادي في لبنان، أكثر أهمية من أي وقت مضى ومع ذلك تراجعت المساعدات الإنسانية للتعليم منذ 2018 وتبلغ ميزانية التعليم في الخطة الإنسانية  لعام 2022 الممولة من المانحين للبنان 182 مليون دولار أي أعلى من ميزانية  التعليم المخطط لها بأكملها والتي تبلغ 125 مليون دولار.

بيب فان إسفيلد ، مدير مشارك في قسم حقوق الطفل في “هيومن رايتس ووتش” يقول: “لا يستطيع الأطفال في لبنان تحمل سرقة سنة تعليمية أخرى منهم بسبب تخبط الحكومة ولا مبالاة المجتمع الدولي بالنتائج السيئة”.

إذ إن وضع الشباب اليوم قد أصبح كارثياً  بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية التي بلغت عامها الثالث في البلاد  ولازالت تزداد تردياً مع تدهور قيمة العملة و العوامل التي نتجت عن انتشار وباء كورونا كما الانفجار المدوي في مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من مئتي شخص وأصاب أكثر من 6500 بجروح، محدثاً دماراً واسعاً في المرفأ وأحياء من العاصمة، يبدو المستقبل أمام هؤلاء مبهماً في حين لا يملك أكثرهم رفاهيات  الإختيار ولا دراسة الاختصاص الذي يرغبون فيه، لعدم قدرتهم على سداد الأقساط الجامعية التي أصبحت أرقامها خيالية. سارة  (19عاماً) أنهت  المرحلة الثانوية، تروي لـ “درج” رحلة بحثها عن الجامعة “الاقل تكلفة”  لدراسة الترجمة: “ما منوثق بقى بالجامعة اللبنانية جربت لاقي جامعة خاصة بأقساط مقبولة كان كتير صعب أقل وحدة بيوصل قسطها لـ  300 دولار ومليونين ونص   بالفصل الواحد، جربت إحصل على منحة وآخد حسم بس لازم كون تابعة لحزب سياسي معين”. رضخت سارة لغلاء الأقساط وقررت استلاف القسط الأول من أحد الأقارب وترك عملها والحصول على عمل جديد بساعات إضافية رغم الفرق الضئيل في قيمة الراتب , لكنها لا تعلم كيف ستسدد دينها أو من أين ستحصل على المال لتسدد قسط الفصل القادم: “يمكن بظل غلاء الأقساط كان الأفضل اني كون عم قدم على منحة دراسية برا البلد لأن أكيد أرخص بس هلق ما فيني ضيع سنة عليي”، تختم سارة بكثير من الأسف.

  ويبدو أن أكثر ما يشغل بال الشباب اليوم هو مغادرة البلاد إما للعمل أو للتعلم بسبب غلاء الأقساط الذي أصبح غير منطقي، فبحسب رئيس لجنة الشباب والرياضة النائب سيمون أبي رميا : «وضع الشباب اليوم كارثي، وأرقام تقرير اليونيسيف أتت صادمة: 83 في المئة من الشباب يسعون للهجرة بسبب البطالة، و77 في المئة من المهاجرين هم من فئة الشباب، و55 في المئة نسبة التسرب المدرسي وهي مرشحة للارتفاع مع بداية العام الدراسي بسبب تفاقم الأزمة الإقتصادية. كما أن 13 في المئة من الأولاد دون 18 سنة دخلوا سوق العمل لمساعدة عائلاتهم مادياً”.

تم إنتاج هذا التحقيق بدعم من وان-إيفرا

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!