fbpx

لماذا يخاف هؤلاء الرجال من أجساد النساء؟ 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مرة صادفت رجلاً يتحدث فقط عن الدين والله والنساء، أخبرني عن انزعاجه من منحوتات فنيّة نحتت على أشجار ضخمة في إحدى حدائق دمشق، تصور أجساد نساء نصف عارية، متسائلاً كيف لابنه أن يمرَّ من هناك من دون أن ينظر إلى هذه “المناظر”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 لم أنسَ وجه تلك السيدة، عندما وقفتْ مرتجفة أمام زوجها وهي تحمل ابنتها الرضيعة، التي لا يتجاوز عمرها بضعة أيام، كانت تنظر نحوه بثقة، بينما يحمل مسدساً موجهاً نحوها، آمراً إياها بالعودة إلى المنزل بألفاظٍ قاسية.

عندما تكون الرغبة في الرحيل والحرية أقوى من الخوف نتحول إلى كائنات عنيدة، أدركتُ ذلك بعدما أدارت المرأة ظهرها وتابعت السير غير آبهة بصوت الرصاص خلفها. هكذا تنشأ الحروب إذاً، وتبدأ معها رحلة تهجير الأبناء بين الأيادي وتحت قذائف الرصاص، حروبٌ صغيرة تربينا عليها في منازلنا وجعلتنا جنوداً هشّين في حرب بلدنا الأكبر.  

لا شك في أن كثيرين من الرجال يظنون أننا نمتلك “حقاً” جينياً في حمل الأسلحة والتباهي بها، الرغبة في جعل كل شيء تحت السيطرة، سواء بالصراخ أو التهديد جعلنا كائنات ملتحمة بالمعدن والعنف والسلطة. من يفرض لغة السلاح لا يتقن سوى الضغط على الزناد، دون التفكير بما سيحدث بعد ذلك، منذ ذلك اليوم وأنا أفكر كم أن هذا الشخص ضعيف وفارغ ليرمم خوفه بمسدس، فسألت نفسي: إذا كان الهدف من الأسلحة هو الدفاع عن النفس، أليس من المفترض أن تمتلكه النساء إذاً؟! 

“لم أنظر إلى جسد امرأة في حياتي، لم أعلم كيف تبدو حتى مرحلة عمرية متقدمة، كلما دخلت لقاءً عائلياً كان عليَّ الإعلان عن قدومي، في حين تهرع البنات للاختباء”.

مما يجب أن يخاف الرجال تحديداً؟ 

اكتفى جمهور الشارع بالفرجة، لم يتقدم أحدٌ لتقديم المساعدة، أجل.. فالرجال يخافون أيضاً من ذكورٍ يحملون الأسلحة. قد تصبح النساء بسهولة حدثاً ماضياً، كان يمكن لهذه المرأة ببساطة أن تموت، لتصبح اسماً آخر في قائمة النساء المقتولات، إلى جانب نيرة أشرف وإيمان رشيد واُخريات لم نسمع عنهن بعد. أذكر عندما كنت طالباً في المرحلة الثانوية وخلال حصة  مادة “الوطنية”، درسنا فقرة عن المساواة بين حقوق الرجل والمرأة، أذكر أني امتعضتُ من العنوان لأني كنتُ اعتقد أن حقوق المرأة أمرٌ بديهي وحاسم والحديث عنها أصبح مملاً وروتينياً وعلاه الغبار، خابَ ظني بعدما قال بعض طلاب الصف أن النساء كائنٌ أقل مكانة من الرجال، بينما اشتد الحوار وأنا  جالسٌ بصمتٍ طوال الدرس، معاهداً نفسي أن التزم الصمت طوال العام خلال حصص هذه المادة تحديداً، ليس لأني عاجزٌ عن مجادلتهم لكنّي مللت حرفياً من رائحة الغبار كلما هزّ أحدهم رأسه.

أصادف الكثير من الأشخاص خلال سفري من قريتي في السويداء إلى العاصمة دمشق للدراسة، يجلس بجانبي الرجال غالباً، إذ أن معظم شركات النقل تعتمد على نظام يمنع جلوس المرأة بجانب الرجل وذلك خوفاً عليها، أعلم أن هذه القوانين هامة لحماية صديقاتي وجاراتي وابنة عمي وأُمي من تحرش بعض الرجال.. لكن لي الحق في التعبير عن شعوري بالإستياء؟ كأن أقول للنساء في الباص مثلاً: “مرحباً.. اسمي عمر، وأنا لستُ رجلاً مخيفاً”.

الأمر مختلف بالنسبة إلى شركات النقل العامة وغير المنظمة، والتي غدت أقرب إلى “كازينوهات” متنقلة للبعض وآلات لدهس ركّابها المعلّقين في الأبواب بسبب الزحمة، كثيراً ما طَلبتْ منّي فتيات وسيدات متقدماتٌ في العمر الجلوس بجانبهم بدل رجل آخر، يبدو أن النساء يشعرن بالطمأنينة بسبب عمري الصغير وملامحي البريئة أو كما يقلن: “ابتسامتك بتفتح القلب”، أوافق بالطبع على الجلوس رغم خسارتي الجلوس قرب النافذة، غالباً ما أحصل على ضيافة مقابل هذه الخدمة الصغيرة، كالحصول على السكاكر أو الشوكولاتة، وقد أصبح صديقاً مقرباً حتى لأمهات تجاوزن الستين عاماً، أمهات يحببن الحديث طوال الطريق عن صناعة المكدوس بمواد أقل كلفة وعن قصص عن كفاحهن مع أزواج يكبرونهن  بعشرين عاماً.

أحاديث الرجال السرية

مرة صادفت رجلاً يتحدث فقط عن الدين والله والنساء، أخبرني عن انزعاجه من منحوتات فنيّة نحتت على أشجار ضخمة في إحدى حدائق دمشق، تصور أجساد نساء نصف عارية، متسائلاً كيف لابنه أن يمرَّ من هناك من دون أن ينظر إلى هذه “المناظر”، ثم يكمل: “فوق البنات المكشوفات بالطريق، كمان عم يرسموهن على الشجر”، وهكذا وبحسب طريقة تفكير هذا الرجل يجب أن ننزع الأشجار والنساء من الطرق لحين عبوره وابنه! 

لا أقتنع بمبرراته الدينية التي يدعّم بها رأيه والتي يستخدمها كثيرون غيره، سألته: “ما المشكلة في جسد النساء؟” مكملاً قبل أن يجيب: “المشكلة فينا، نحن الرجال، كيف ننظر لهن، اتركْ ابنك ينظر إلى المنحوتات، أخبره عن وجود أجساد النساء كما وجدت أجسادنا، بهذه الطريقة سيكبر دون أن يخاف من جسد المرأة وسيعتاد على النظر له بعيداً عن النظرة الشهوانية السائدة”. من المؤسف أن تقتادنا غرائزنا إلى هذا اليوم، اعتادت مجتمعاتنا على تغليف النساء كوسيلة للحماية، لكن لو كان الحجاب مضاداً للرصاص لعاشت أغلب النساء عمراٍ أطول ولم يقتلن. 

يخبرني أحد الأصدقاء، المتحدّر من عائلة محافظة جداً، أنه اعتاد منذ الصغر فصله، مع مجموعة من الأطفال الذكور، في غرفة معزولة خلال التجمعات العائلة وتَركهم هناك دون رقيب أو حسيب، يكمل: “لم يدركوا أن هذه المرحلة مهمة في اكتشاف ذواتنا، إذ ماذا يمكن أن أعرف غير أجساد مجموعة من الأولاد المشاكسين؟”. 

“لم أنظر إلى جسد امرأة في حياتي، لم أعلم كيف تبدو حتى مرحلة عمرية متقدمة، كلما دخلت لقاءً عائلياً كان عليَّ الإعلان عن قدومي، في حين تهرع البنات للاختباء”.

 يتابع صديقي: “لطالما شعرت بأني سيء وثقيل ومازال هذا الشعور يلازمني لليوم ولا يمكنني التخلص منه على الرغم من معرفتي السبب، هذه التراكمات جعلتني عديم الرغبة تجاه النساء أو بالأحرى: “لاجنسيّ” وسأواجه في المستقبل مجتمعاً كاملاً لعدم رغبتي بالزواج، لأني “مش زلمة” كما يقولون وبالتأكيد لا أستطيع الإفصاح عن السبب. بما أنهم سيرسمون حياتي كما يريدون لماذا عملوا على إنجابي؟ ألا يمكنهم الاكتفاء بحياتهم فقط!”

المرأة السورية كعنصر في الحرب

هل سمعتم بـ”كرخانة” الثورة؟ هذا المصطلح المثير ليس عنواناً جديداً في أحد أفلام البورنو وليست تسمية لكازينو ليلي بل هو تسمية لمجموعة محادثةٍ بين نشطاء يدّعون الحقوقية، إذ خرج منذ مدة قصيرة أحد الناشطين في المجال السياسي (ب.ج) وأفصح عن مجموعته “الفيسبوكية” السريّة التي رافقت الحرب السورية منذ بدايتها، تضم هذه “الكرخانة” ناشطين آخرين يحملون الأسلحة “السلمية” علناً في وجه الحرب وفي الخفاء يحملون أعضاءهم الذكورية على صور لنساء عاديات وفنانات وناشطات وحتى لصديقاتهم.

الغريب في الموضوع أنه اعترف عن هذه “المنظمة السريّة” ببرود هائل وكأنه يتحدث عن حقوقه الشخصية، والأغرب أن هؤلاء الرجال مسؤولون عن برامج تعني بحقوق المرأة في الشمال السوري، إذاً، “في الصباح أنتِ قضيتي وفي المساء سأغتصب صوركِ”. بماذا يخبرنا تصرف هؤلاء؟ هل سنكتفي باعتبار هذا الفعل أحد مفرزات الحرب أيضاً؟ 

المعارك هي فعل ذكوري والحرب في تسميتها أُنثى، لم تأت جندرة هذه الحرب عن عبث، كل القضايا العالقة وغير المحلولة والشائكة تغدو طي الإهمال: اسقاطات المجتمع على أجساد النساء لن تتوقف طالما أن الأنثى كائنٌ بدرجة أقل من الرجل، الموافقة على النظرة الدينية والسياسية والاجتماعية للمرأة تبقيها في مستوى متدن وتحت سيطرة النظرة الشهوانية، فالنساء مُلزمات بحمل الوصاية الذكورية على أجسادهن سواء بفرض ديني أو قانوني أو تحت تهديد السلاح.

خلال جلوسي مع رجال وفتيان من مناطق وأعمار مختلفة لطالما سمعتهم يقولون إن سلطتهم المفترضة على النساء فيها لذة وذكورة صارمة، إذاً كيف لهم أن يشعرون بالعدالة وأحاديثهم ونكاتهم تكاد لا تخلو من مصطلحات تمسُّ أجساد النساء ولباسهن ودورتهن الشهرية؟ّ!

 لطالما شعرت بالاشمئزاز وابتعدت عنهم، خصوصاً أولئك الذين يتصرفون أمام النساء بلطفٍ زائف بهدف التقرب منهن وحين ترحلن تتحولن إلى مادة ساخرة على ألسنة أولئك الرجال. هذه الازدواجية التي طالما رأيتها في تصرفات الرجال من حولي جعلتني أفكر ملياً بمهمتي في أن أكون رجلاً حقيقياً، رجلاً يمكن أن تشعر النساء بالأمان بالقرب منه في هذا المجتمع المرعب والمتناقض.