fbpx

من الوعظ إلى “الشبحنة”:
كيف تعاظم أنصار الداعية عبد الله رشدي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حتى يقبل المسلم العادي بكل الهراء الفكري الذي يروج له عبد الله رشدي عليه أن يقبل بأن هناك مؤامرة من العلمانيين والنسويات على المجتمع وأساسه: الأسرة، وبالتالي سيقف وراء الشيخ الأسد قاهر أعداء الدين والأسرة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في أوائل نيسان/ أبريل 2015، ظهر عبد الله رشدي في مناظرة عاصفة مع الباحث والكاتب إسلام البحيري على قناة “القاهرة والناس”، وحين أراد الإعلامي أسامة كمال، مُقدم برنامج “القاهرة 360” أن يقدمه على أنه “ممثل الأزهر رسمياً في المناظرة”، كان عبد الله رشدي يؤكد بشكل متكرر أنه لا يمثل إلا نفسه.

 بدا حينها واثقاً من نفسه بشكل مصطنع يفضحه شيءٌ من التوتر، وهو يحاول إخفاءه، لكن سرعان ما انخرط في الحوار بمجرد أن فُتح باب الجدال حول احتكار الأزهر الاشتغال والتفكُّر في الدين.

كسب قلب “المينستريم”: قل الأشياء بهدوء… وابتسم

في المناظرة كان عبد الله كثيراً ما يُفلت ضحكة ساخرة. كان ذلك غريباً على شيخ أزهري جاد، لكن أثبتت الأيام أن الضحكة الساخرة سلاح يفحم به الشيخ “المودرن” صاحب القوام الرياضي والرداء الأنيق، خصومه. 

في مقابلته مع البحيري التي باتت الأكثر شهرة من بين مقابلاته الإعلامية، كرس موقع المعلم الجالس على أريكة أمامه تلميذ مشاغب، لدرجة أنه استوقف خصمه أكثر من مرة يسأله عن معنى أمر عقائدي، وفي كل مرة تلجلج إسلام في الرد، كانت ابتسامة الشيخ تتمدد حتى الانتشاء.

فعبد الله حصل حينها على ما يشبه الصدقية الشرعية مثل أي شيخ يرى أن لـ”العوام” حدوداً يجب ألا يتخطوها أبداً عند الحديث في أمور الشرع. 

عبدالله رشدي

يمكن لمس هذا المزاج بسهولة عند الاطلاع على صفحات رشدي على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يسود شعور الأستاذية بينه وبين متابعيه وكأنما مريدوه يحتاجون دوماً الى شيخ وقائد وسيّد.

في السنوات الأولى التي أعقبت ثورة يناير 2011 وفي ذروة الصراع الدامي بين السلطة والإخوان، كان مناخ من الإجهاد النفسي يسيطر على الأجواء العامة في البلاد، وبعد 40 عاماً من تبشير  جنود ورؤساء أركان الصحوة الإسلامية بالتقوى الفردية والاحتجاج الديني معاً، بدا أن المزاج الديني العام في مصر قد تغير بلا رجعة، لكنه لم يتحول إلى العلمانية أبداً، إذ كان هناك حرص حتى في الأوساط التي يفترض فيها التحرر والليبرالية على حماية “بيضة” الإسلام من التطاول العلماني.

أعود مجدداً الى مقابلة رشدي مع البحيري والتي كانت تأسيسية لما وصل إليه الرجل من نفوذ وسطوة على عقول كثيرين.

في تلك المناظرة كان عبد الله رشدي ذكياً بتمكنه من السيطرة على هدوئه واتزانه وتحدُّثه بلغة عربية سليمة، بينما يتحدث خصمه بلهجة عامية هجومية ومُحتدة، وبانفعال. ولأن العلمانية بصيغة صدامية والتي ميزت خطاب إسلام بحيري منذ البداية كانت فوق طاقة كثر على التجاوب في ظل الإجهاد الفكري الديني العام، فقد كانت إطلالة عبد الله رشدي الهادئة والواثقة، مريحة ومرشحة لنيل قبول واسع من الجمهور الذي رأى في الأزهر حصناً أخيراً للاحتماء من تقلبات الإيديولوجيا والسياسة في البلاد.

هكذا أصبح عبد الله ضيفاً متكرراً في مناظرات لاحقة وفيها اختفى التوتر نهائياً، وحاول إبداء ثقة توحي بأنه لم يتردد أبداً، بل كان مفعماً بيقين لاهوتي لا يملكه  إلا رجل لم يخطئ مرةً في حياته، ولم تتلبّسه يوماً حالة من الندم العابر على شيء، وقد عمل أنصاره على تركيب فيديو مُجمّع يتم تداوله على نطاق واسع وهو “يحط على خصوم” أو ينال منهم.

ولم يتوقف الشيخ العصري عند الهدوء ولا اختيار ملابس عصرية مع فورمة جيم، بل امتد لاختيار نطاقات الصراع، فلم يتحدث في بداياته عن المرأة من قريب أو بعيد، وهو ما أكسبه تأييدا متسرعا لشريحة واسعة بين النساء.

 إتقان لعبة الإيديولوجيا

في خضم الصدام السياسي الذي أعقب ثورة “25 يناير” كان المزاج العام بحاجة إلى شخصيات شعبوية، ولهذا السبب بالتحديد اكتسح المرشح الإخواني المفوّه حازم أبو إسماعيل المشهد السياسي في سنوات ما بعد الثورة. يعتقد أنه لولا لجوء النخبة العسكرية للحيل القانونية المعقدة لكان أبو اسماعيل رئيس مصر المعزول بدلاً من محمد مرسي. لاحقاً سيتضح مدى اعتزاز عبد الله رشدي بالشيخ الراديكالي المعتقل حالياً.

بعد المناظرة، كان الشعب بأكمله يعرف أن شخصاً ما اسمه عبد الله رشدي، أوقف جماح إسلام البحيري الذي يهاجم علناً رموزاً إسلامية، ظلت محل توقير وتبجيل من الأزهر والدعاة لقرون، لكن الشيخ لم يحظ بتأييدٍ حقيقي سوى من الأزهريين المخلصين، وكان لماضيه السياسي المتقلب من تأييده للراديكالي الإسلامي حازم أبو إسماعيل، لدعم الفريق أحمد شفيق إلى تأييد نظام السيسي لاحقاً، دور في نفور جمهور الصحوة الإسلامية منه حينذاك.

فبهزيمة الإسلام السياسي عام 2013، فقد الإسلامويون القدرة على إنتاج أي ممارسة سياسية ذات معنى، ومع تمكُّن النظام من تثبيت قدميه بدعمٍ خليجي، تحوّل القطاع الإسلامي الاحتجاجي إلى جمهور متشظٍّ، لا تجمعه سوى منطلقات بالغة العمومية وذكريات عن زمن النصر والابتلاء.

وقد أسفر التهشُّم التدريجي للتنظيم، على مدار أعوام (من 2013 إلى 2016) في خضم الصراع الدامي مع الدولة، عن تحول كوادر الصحوة الإسلامية إلى “يتامى سياسيين” بالمعنى الواقعي للكلمة: “ضائعون”، وفي حاجة إلى أبٍ وراعٍ وشرنقة تحميهم من تقلُّب الأيام.

في خضم هذا الأفق الضبابي، لم يكن باستطاعة داعية أزهري “مدجن سياسياً” أن يجذبهم، بل انبروا للتصدي لقضاياهم بأنفسهم، وانخرطوا في الهجوم الدونكيشوتي على المجال الجيوثقافي المسمى بالغرب بحجة الدفاع عن نبي الإسلام، ففي تلافيف العقل الإسلامي تكمن فكرة المظلومية كعصا سحرية لنيل التعاطف وتجنب الهجوم، وقد أتت إعادة نشر رسوم “شارلي إيبدو” عام 2015 كضوء في ليل الشتات الإسلامي. هنا مادة الإسلاموية وأساسها: إنهم يتطاولون على رموزنا، نحن مضطهدون، لنتّحد.

بعدها تمكن النظام السياسي من تثبيت أقدامه، بالتحديد منذ 2016، وحينها وصل يتامى الصحوة إلى ذروة الاستنزاف، ولم تعد فكرة الهجوم على الغرب جاذبة لتعاطف ولا حامية من هجوم، فكان لا بد من اصطفاء “عدوٌ قريب سهل” وكان العلمانيون هم أنسب خيار، ولأن عبدالله رشدي كان قد اصطفى العلمانيين أيضا على رأس قائمة أعدائه، فقد تلاقت الأهواء الأصولية أخيراً، فكانوا في الصف الثاني من داعميه، وبقيّ الصف الأول محجوزاً لأزهريّ الريف.

تمكَّن عبد الله رشدي من لعبة الأيديولوجيا دون تفكير كثير، فالأكثر أهمية في ما يتعلق بأي ظاهرة أيديولوجية هو كيف يمكن أن تخلق عقدة لمنظومة أفكارها بمجرد أن يقبل بها المتلقي سيقبل بكلّ ما في المنظومة من هراء وسذاجة ولاعقلانية واضحة وضوح الشمس.

حتى يقبل المسلم العادي بكل الهراء الفكري الذي يروج له عبد الله رشدي عليه أن يقبل بأن هناك مؤامرة من العلمانيين والنسويات على المجتمع وأساسه: الأسرة، وبالتالي سيقف وراء الشيخ الأسد قاهر أعداء الدين والأسرة. 

المؤامرة العلمانية/ النسوية، إذاً، هي عقدة عبد الله رشدي: العلمانيون يتآمرون على الإسلام تآمراً صليبياً والنسوية تستهدف الأسرة، وبمجرد اقتناع المسلم بهذه العقدة سيقبل تفاصيل لا نهائية يقدمها هذا الخطاب مهما وصلت درجة لا عقلانيته.

من “أنا ابن الأزهر الحاني” إلى “أسد الدعوة” 

بمجرد التصدي لبعض الدعوات النسوية تمكن عبد الله رشدي من كسب الجمهور الإسلامي المعادي لحرية المرأة بدون مجهود كبير، فكان الغاضبون من الخطاب النسوي الصاعد، المجبرون على الصمت لأنهم لا يملكون خطاباً مضاداً، حشوداً جاهزة للتورط في الحرب على من سماهم اليمين الديني “النواشز وخرابين البيوت” (في إشارة إلى النسويات)، في ظل اتساع حضور المرأة في المجال العام وفرض قضاياها على النقاش العمومي.

قبل ثورة 2011، كانت النسوية معزولة في دوائر محدودة الانتشار والتأثير، لذا لم يكن هناك من “الدعاة الجدد” (النسخ المتدينة من فضل شاكر) من يستفزه خطاب تحرير المرأة، ولم يكن هناك من ينافسهم على توجيه مصائر النساء.

كان “الشيوخ الموف” أو المجموعة غير المتدينة الوحيدة في كلية الدراسات الإسلامية، ملائمين تماماً للعالم حولنا، ومناسبين بالكاد للحظة النيوليبرالية السائدة برعاية جمال مبارك ونخبة رجال الأعمال الجدد من حوله، ولتسليع الدين وتحويله لتنمية بشرية ومكمل روحي لتجربة رومانسية صالح للاستهلاك من الشرائح الشابة.

لكن عبد الله رشدي، وقد عاصر نهاية الهدوء الجنائزي لعهد مبارك، لمس بيديه تحولات الوضع، لماذا يمكن أن أكون “شيخ حريم” (كما يطلق أنصاره على الشيوخ المؤيدين لحقوق المرأة حالياً) مكللاً بالعار ومتهماً بالخضوع للأنثى و”عبادة الفرج” من الجمهور الإسلامي/ الذكوري العريض، دون بادرة تأييد أو حماية من الجمهور الليبرالي، إذا كنتُ قادراً على كسب جمهور يتيم يحتاج لرمز يحتشد خلفه بعد تلاشي ظاهرة الصحوة الإسلامية وانخفاض مستوى شعبية “النسخ المتدينة من فضل شاكر”؟!

أدرك عبد الله أن المجال العام بصدد فراغ شاسع، بعد هزيمة الإخوان ينتظر مَنْ يملأه، فقرر أن يبني مملكته على أكتاف الجيل الذي ربته الصحوة الإسلامية وانكسرت أمام عينيه، من دون أن يتجاوز أفقها وقاموسها وحساسياتها الأخلاقية المفرطة، في ما يخص العفة والذكورية.

لكن ما أخطأ فيه هو ظنه بإمكانية أن يقوم الأزهر بهذا الدور في ملء الفراغ، فالأزهر مثله مثل كل المؤسسات التقليدية المعزولة، نسبياً، عن تقلبات الرأي العام (كالجيش والقضاء)، تحمي ذاتها بتجنب تخطي الحدود الأيديولوجية المسموحة لها منذ نحو قرن في الصفقة التاريخية بين الدولة والأزهر أو ما عرف بدستور 1923، فتخلى عبد الله عن هاشتاغ #الأزهر_قادم الذي كان يُذيل به منشوراته كلها بلا استثناء.

وفي فترة كان يعتصرها تغيير طبقي عاصف يمكن تسميته بتقليب التربة الطبقي بعد قرار التعويم (تشرين الثاني/ نوفمبر 2016) الذي هز الجسد الرئيسي للطبقة الوسطى بعنف، مع تغيير اجتماعي موازٍ تمثل شيوع الإلحاد والعلاقات الجنسية الرضائية، أصبح الهوس الأصولي الذي يقوده الشيخ مبرراً أمام الجمهور المحافظ، فحاول الشيخ وخلفه حشودٌ شتى السيطرة على مجال عام يجنح للتحرر.

قليل من متابعة الحسابات الشخصية لجمهور الشيخ، يكشف أن هؤلاء هم الأقل حظاً في المجتمع، فمعظمهم ينحدر من محافظات على هامش اهتمام الدولة منذ عقود طويلة، وكان بعضها مثل الفيوم وبني سويف والمنيا، معاقل تاريخية للإسلام السياسي بسبب التهميش الفادح، وبالتالي، فإن تبنيهم وجهة نظر دينية مقدسة، والهجوم على العلمانيين والنسويات من خريجي الجامعات الأجنبية أو العاملين في الوظائف الذهنية والذين يقطنون في أحياء راقية، هو ربما ما يمنحهم الشعور بالأهمية والتفوق على هؤلاء “الأدنى في سلم القيم”، الأكثر حظاً في شؤون الدنيا.

متعلمو الريف هؤلاء كانوا الوقود التاريخي للإسلام الحركي منذ ثلاثينات القرن الماضي، وهم النواة الصلبة لجمهور “الشيخ المفوّه” الذي تمكن عبر خطاب مؤثر ويقيني من جذب قطاعات متشككة من الطبقة الوسطى المترددين بشأن تعقيدات الحياة وفقاً للنموذج الليبرالي، فكانوا بحاجة ماسة إلى إجابات قاطعة ويقينية وبسيطة ومباشرة من الشيخ الواثق.

من الوعظ إلى “الشبحنة”

“في أواخر ثمانينات القرن الماضي، كان الشيخ محمد الغزالي يصلي في مسجد تحت سيطرة الجماعة الإسلامية، وإلى جانبه كان أحد المتحمسين الدينيين قد انتهى لتوه من الصلاة، ولمح الشاب إصبع الشيخ يتحرك لحظة النطق بالشهادتين في التحيات، فأمسك الشاب المتحمس بأصبع الشيخ الوقور وأنزله بعنف. بعد انتهائه من الصلاة التفت الغزالي إلى الشاب وقال له: يا ولدي لماذا أنزلت أصبعي هكذا؟ قال الشاب الملتحي: ألا تعلم أن تحريك الإصبع في الصلاة بدعة؟ً فرد الغزالي: وهل كسره واجب؟!”.

على مدار 4 أعوام بالتمام والكامل من دراسة العقيدة والشرع في الأزهر، كنا نستمع لهذه القصة مرة بعد مرة، كي نتعلم: أولاً، الصبر على المختلفين مهما بلغ أذاهم لنا، ثانياً، ألا نسمح ولو للحظة بأن يضيع وقارنا كحاملين محتملين للعلوم الشرعية في معمعة الصراعات التي ستواجهنا حتماً.

بالذكاء البدهي، فهم عبد الله رشدي أن الحفاظ على الصورة المتوارثة للشيخ الوقور، في مناخ “الشبحنة” السائدة، كفيل بتقليص حضورك في المجال العام لأدنى حد، وسيحصل “شبح” غيرك على تلك المكانة بسهولة، فأن تكون “سرسجي الدعوة” (كما يطلق عليه خصومه) أفضل كثيراً من الانزواء مع مجموعة معزولة من المهذبين.

ولـ”السرسجة” دلالة مهمة هنا، فهي لغوياً تطلق على الشباب المهمشين في المناطق الشعبية، الذين يرتدون نسخاً مقلدة من العلامات التجارية، ويتحدثون بأسلوب ينم عن طاقات عنف هائلة مع تحريك عدائي للأيدي، ويفضلون دس الأخصام على طريقة “ويجز“، على رغم من أن مثلهم الأعلى الممثل محمد رمضان.

فعبد الله رشدي نسخة مقلدة من “براند” الشيوخ المناهضين للعلمانية (مثل محمد عمارة ومحمد الغزالي) الذين طالما انخرطوا في مناظرات لا تنقطع مع العلمانيين، لكن نسخته صالحة لجذب أهل الأرياف من ذوي التعليم المتدني، وللقطاع المتدين (ولو على سبيل التعويض النفسي) من الأوساط الشعبية التي تهوى الشخصيات التسلطية التي تسحق أعداءها دون ذرة شفقة.

أما النسخ الأصلية فكانت على العكس من ذلك تماماً، فلم تكن مساجلات هؤلاء مع العلمانيين تهدف إلى “قصف جبهتهم” (وهو تعبير خليجي يشير إلى إفحام الخصم عبر رد غير متوقع)، بل لإثبات صلاحية الإسلام كأساس للبناء الحضاري، والاستغناء عن “استيراد النهضة الأوروبية” والاستعاضة عنها بما أسماه المفكر الجزائري مالك بن بني “التجديد في الإسلام” عبر اقتباس ما يتلائم من الثقافة الأوروبية مع الإطار العقائدي للإسلام، مع إعداد النفوس وتهذيب الأخلاق.

وعلى أنقاض هذا “البناء النهضوي/التوفيقي” الذي تفجّر بفعل سقوط الإسلام السياسي وبفعل تناقضاته الداخلية، أقام عبد الله مملكته التي تبدو تراجعاً حاداً عن النسخ الأصلية التي تنتمي بكامل الاستحقاق إلى سياق الصحوة الإسلامية التي كثيرا ما وصفت بـ”الرِدَة والتخلف”.

والمفارقة أن أنصاره لا يتورعون عن ذكر سبب تأييدهم له على ما يمثله من تداعي فكري وأخلاقي، وحجتهم الأساسية هي أننا في عالم فاسد، وبالتالي يجب أن يكون لدينا من يرد الصاع بعشرة أمثاله، “فديننا ليس دين ضعف، نحن الأعز والأعلى من أي أحد وما دوننا دون” فالشعور بالاستعلاء سمة أساسية من سمات الأصولية، مع توفر قناعة بأنهم الأفضل أخلاقاً واستقامة.

وقد امتد مناخ الشبحنة الرشدية هذا إلى القطاعات المتعلمة من الطبقة الوسطى أيضاً، فحتى الذين لا يبالون بالشيخ ولا بما يمثله، يحتفون بطريقة “مرمغته” للخصوم وتشبيحه على “تويتر” تماما كما يحتفلون بمراوغات ميسي لخصومه في الدوري الفرنسي، وقد يبدو الأمر مسلياً فعلاً، إلا أن خلف “اللعبة الحلوة” التي تنال تأييداً واسعاً من جمهور وسائل التواصل، يكمن ترهيب لا يمكن إغفاله، فيكفي أن يصطفي الشيخ عدواً حتى تجعله الحشود اليمينة هدفاً مستباحاً، لا يحيا بعدها بصورة طبيعية أبداً كما حصل مع الكاتب جوني ويليام آرثر الذي تعرض للضرب من أنصار الشيخ في الحياة الواقعية.

ولا تكتفي تلك الحشود بالتكتل والهجوم على خصوم الشيخ الفكريين، فحين نشرت بعض المواقع الصحفية المصرية تصريحاً للسيدة جيهان التي تتهم الشيخ عبد الله رشدي باغتصابها، قالت فيه إن الاعتداء عليها استمر 15 دقيقة، تلقف أنصار الشيخ هذا التصريح المرير بالسخرية منها والاحتفاء بشيخهم “أسد حتى في السرير”، دون ذرة تفكير في إمكانية أن تكون جيهان ضحية حقيقية، وفي أن طول مدة الاعتداء تكشف عن تجربة مأساوية وليست دليلاً على فحولة و”لا شبحنة”، إذا صح ما جاء في البلاغ الذي قدمته ضده والذي تم تحويله لنيابة أمن الدولة العليا.

ولا تزال أهم مفردة لغوية في قاموس أنصار الشيخ هي كلمة “دَشْمِل” أي (حطِّم) وهي تكشف عن عدوانية منفلتة لا يمكن التعايش معها، فهم يؤمنون بأن تصوراتهم عن الحياة مستوحاة رأساً من منهج الله الذي أراده لعباده، ومن ثم لا بد للجميع أن يخضعوا لها وإلا تم تحطيمهم، حتى ولو كانوا ضحايا لاغتصاب يعاقب عليه الشرع الذي تتمسك به، ظاهرياً، الفئة المختارة من أنصار الشيخ.