fbpx

بريطانيا: نكون أو لا نكون!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تبدو الحياة السياسيّة البريطانيّة اليوم وكأنّها تعيش على إيقاع مصيريّ. العبارة الشكسبيريّة الشهيرة من “هملت”، “نكون أو لا نكون”، تشبه أوضاع بريطانيا كما لم تشبهها منذ الحرب العالميّة الثانية والتحدّي الهتلريّ.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تبدو الحياة السياسيّة البريطانيّة اليوم وكأنّها تعيش على إيقاع مصيريّ. العبارة الشكسبيريّة الشهيرة من “هملت”، “نكون أو لا نكون”، تشبه أوضاع بريطانيا كما لم تشبهها منذ الحرب العالميّة الثانية والتحدّي الهتلريّ.

هذه “المصيريّة” تتضح في مسائل ثلاث على الأقلّ:

– فالاقتصاد البريطانيّ قد يتغيّر تغيّراً نوعيّاً (وفي الغالب إلى الأسوأ، كما يقول معظم التقديرات) بسبب استفتاء بريكزيت والخروج من الاتّحاد الأوروبيّ. يزيد في احتدام الأمر هذا عدم توصّل البريطانيّين والأوروبيّين حتّى الآن إلى اتّفاق نهائيّ وواضح في صدد شروط المرحلة المقبلة التي سيُطبّق فيها الانفصال. وكانت رئيسة الحكومة تيريزا ماي قد تقدّمت بما عُرف بخطّة تشيكرز (اسم المقرّ الصيفيّ للحكومة) التي رفضها الاتّحاد الأوروبيّ في قمّته الأخيرة في سالزبورغ، ما حدا بماي إلى مناشدة الأوروبيّين أن “يحترموا” بريطانيا. أسوأ من ذلك أنّ الذين يراهنون على إحلال الولايات المتّحدة الأميركيّة محلّ أوروبا اقتصاديّاً يصطدمون بالنزعة القوميّة والحمائيّة التي يعبّر عنها دونالد ترامب والتي تحدّ من إمكان التعويل على واشنطن.

– وحدود البلد نفسها قد تغدو موضوعاً مطروحاً على الطاولة بسبب اتّصال العلاقة البريطانيّة – الأوروبيّة بالعلاقة المستقبليّة بين شمال إيرلندا، وهو جزء من المملكة المتّحدة، وجمهوريّة جنوب إيرلندا، وهي بالطبع عضو في الاتّحاد الأوروبي. والموضوع هذا قد يفضي إلى تفجير العلاقة بين المملكة المتّحدة واسكتلندا حيث توجد نزعة انفصاليّة قويّة تبنّاها، في الاستفتاءات السابقة، أقلّ قليلاً من نصف السكّان.

– والحياة الحزبيّة ليست، بدورها، على ما يرام. فأكثريّة البريطانيّين، كما بيّن استقصاء للرأي نشرته “الأوبزرفر” قبل أسبوع، تحبّذ قيام حزب ثالث قويّ، وهو ما لم يستطع أن يكونه “حزب الديمقراطيّين الليبراليّين”. أمّا السبب فيعود إلى ضعف الثقة بالقائدين تيريزا ماي، زعيمة “المحافظين” ورئيسة الحكومة، وجيريمي كوربن، زعيم “العمّال” المعارض. وحاليّاً، مع ابتداء موسم المؤتمرات الحزبيّة السنويّة، التي تنعقد أواخر كلّ صيف، سوف نسمع قادة الأحزاب وهم يتشدّدون في مواقفهم، وفي إبدائهم الحرص على “الوطن والحزب”، لكنّنا أيضاً سوف نسمع الكثير عن التصدّعات الداخليّة: فماي تواجه تحدّياً كبيراً مصدره البريكزيتيّون المتشدّدون، وعلى رأسهم وزير الخارجيّة السابق بوريس جونسون، لكنّها أيضاً تواجه تحدّياً أصغر من مؤيّديها الذين يطالبونها بممارسة زعامة “أقوى”. وفي الحالات جميعاً، ستكون مرشّحة للسقوط إذا لم تتوصّل إلى تسوية واضحة المعالم مع الاتّحاد الأوروبيّ. أمّا كوربن فيعيش تناقضاً صعباً بين قوّته في حزبه، والتوسّع العدديّ لمحازبيه، وبين ضعفه على المستوى الشعبيّ والانتخابيّ. والتناقض هذا يغدو أكثر حدّة في ظلّ تزايد المطالبين، داخل حزب العمّال نفسه، بإجراء استفتاء ثانٍ على بريكزيت، وهو ما يرفضه كوربن كما ترفضه ماي. لكنّ ما هو أخطر أنّ التصدّع لا يطال القيادات فحسب، إذ تتنامى الميول الانفصاليّة داخل الحزبين لدى أوساط لم تعد تجد فيهما “بيتها السياسيّ” المرغوب.

إذاً: الاقتصاد، وتركيب البلد وحدوده، والحياة الحزبيّة الناهضة تقليديّاً على نظام الحزبين… كلّها موضع مراجعة جدّيّة وعميقة. وهذا يعني أنّ بريطانيا نفسها كما عهدناها تغدو موضوعاً للمراجعة.

لقد باتت تلك الجزيرة “الإمبراطوريّةَ التي لا تغيب عنها الشمس” بفضل الثورة الصناعيّة في أواسط القرن الثامن عشر وما تلاها من توسّع استعماريّ. واحتلالُ الموقع الأوّل في العالم ومحيطاته هو ما استمرّ حتّى الحرب العالميّة الأولى التي باشرت تفكيك الإمبراطوريّات فيما شرعت الويلسونيّة تُخرج الولايات المتّحدة إلى العالم. وإذ أكملت الحرب العالميّة الثانية هذه الوجهة بتسليم زمام الكون إلى الولايات المتّحدة والاتّحاد السوفيّاتيّ، وكانت بريطانيا خسرت الهند في 1947 قبل أن تنهزم في السويس في 1956، فإنّ بناءها “دولة الرفاه” حافظ على الكيان السياسيّ البريطانيّ كتعبير عن نموذج ديمقراطيّ ناجح ومحترم. وهذا ما يبدو أنّه يتغيّر اليوم، وكلّ شيء يتغيّر ما عدا التغيّر نفسه، وما عدا – كما يقول المؤمنون – وجه ربّك ذا الجلال.

إقرأ أيضاً:

الصراع من أجل الليبرالية في أوروبا 

النازية الألمانية قد تحصل هنا أيضاً

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.