fbpx

“هذه الحكومة مهووسة بالصحافيين”…
الهند تواصل حلقات التجسس عبر “بيغاسوس”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
CPJ

“بعد اكتشاف مشروع بيغاسوس، على رغم أن اسمي في حد ذاته لم يكن مستهدفاً، إلا أن أصدقائي وأفراد عائلتي لم يشعروا بالأمان الكافي للاتصال بي أو التحدث بشكل عرضي عن الحكومة. لأنهم يشعرون أنه يجري تصويرهم بالفيديو [أو التقاط صور لهم أو تسجيل حديثهم]”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كونال ماجومدر

يقول إم. كيه. فينو  – المحرر المؤسس في موقع الأخبار الهندي غير الربحي المستقل The Wire – إنه اعتاد تنصت السلطات على هاتفه خلال مسيرته المهنية. لكن هذا لم يقلل من صدمته في العام الماضي، عندما علم أنه – إلى جانب خمسة آخرين على الأقل من موقع The Wire- كانوا من بين أولئك المدرجين كأهداف محتملة للمراقبة بواسطة برنامج بيغاسوس، وهو شكل تطفلي من برامج التجسس التي تمكن المستخدم من الوصول إلى المحتوى الموجود على هاتف الهدف وتسجيل المكالمات وتصوير الفيديو سراً باستخدام كاميرا الجهاز.

قال فينو لـ”لجنة حماية الصحافيين” في مقابلة هاتفية: “في ما مضى، كانت السلطات تتجسس على محادثة واحدة وتستغلها؛ ولم يكن بإمكانهم أن يروا ما تفعله في غرفة نومك أو حمامك. لكن تبيّن أن المدى الذي يمكن أن يصلوا إليه صادم”.

كان الصحافيون الهنود من بين العشرات حول العالم الذين علموا من مشروع بيغاسوس في تموز/ يوليو 2021 أنهم- إلى جانب نشطاء حقوقيين ومحامين وسياسيين- كانوا بالفعل ضمن قائمة الأهداف المحتملة للمراقبة من خلال بيغاسوس، وهو برنامج التجسس الذي طورته مجموعة إن إس أو الإسرائيلية. (تنفي الشركة أي صلة بقائمة أهداف المشروع وتقول إنها تبيع منتجاتها فقط إلى الحكومات التي خضعت للفحص بهدف منع الجريمة أو الإرهاب).

وجد مشروع بيغاسوس أن هواتف اثنين من المحررين المؤسسين لموقع The Wire- هما فينو وسيدهارث فارادارجان- قد تأكد من خلال التحليل الجنائي الرقمي اختراقها ببرنامج بيغاسوس. كما تم إدراج أربعة صحافيين آخرين مرتبطين بالموقع الإخباري؛ هم: المحرر الديبلوماسي ديفيروبا ميترا، والمساهمون روهيني سينغ، وبريم شانكار جها، وسواتي شاتورفيدي، باعتبارهم أهدافاً محتملة.

تنفي الحكومة الهندية أنها انخرطت في عمليات مراقبة غير مصرح بها، لكنها لم تعلق بشكل مباشر على تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في كانون الثاني/ يناير، يفيد بأن رئيس الوزراء ناريندرا مودي وافق على شراء “بيغاسوس” خلال زيارته إسرائيل عام 2017. لم تتعاون الحكومة الهندية مع تحقيق مستمر تجريه لجنة خبراء عينتها المحكمة العليا في البلاد للتحقيق في الاستخدام غير القانوني لبرامج التجسس. وفي أواخر آب/ أغسطس، كشفت المحكمة أن اللجنة عثرت على برامج ضارة في خمسة من أصل 29 جهازاً فحصتها، لكنها لم تتمكن من تأكيد أنها تابعة لبرنامج بيغاسوس.

ومع ذلك، لم يكن لدى الصحافيين الهنود الذين قابلتهم لجنة حماية الصحافيين أي شك في أن الحكومة تقف وراء أي مساعٍ للتجسس عليهم. وقالت المراسلة الاستقصائية شاتورفيدي لـ”لجنة حماية الصحافيين” عبر تطبيق مراسلة: “هذه الحكومة مهووسة بالصحافيين الذين لا يحبون التملق. إن منشوراتي الصحافية ونشاطي الصحافي كله لم يكونا أبدا موجهين بصورة شخصية ضد أي شخص. أنا لا أفهم سبب شخصنة الحكومة للنشاط الصحافي”. بالنسبة إلى شاتورفيدي، كان التجسس انتهاكاً للخصوصية؛ “إنه أمر شنيع، لا توجد كلمات لوصف بشاعته”.

“في ما مضى، كانت السلطات تتجسس على محادثة واحدة وتستغلها؛ ولم يكن بإمكانهم أن يروا ما تفعله في غرفة نومك أو حمامك. لكن تبيّن أن المدى الذي يمكن أن يصلوا إليه صادم”.

عموماً، وجد مشروع بيغاسوس أن ما لا يقل عن 40 صحافيا كانوا من بين 174 هندياً وُضعوا ضمن قائمة الأهداف المحتملة للمراقبة. ستة من هؤلاء مرتبطون بموقع The Wire، كان هذا الموقع هو غرفة الأخبار الأكثر استهدافاً في البلاد. لطالما كان The Wire، شوكة في حلق “حزب بهاراتيا جاناتا” الحاكم بسبب تقاريره عن شبهات فساد مسؤولي الحزب، وشبهة ترويج الحزب العنف الطائفي، واستخدامه المزعوم للتكنولوجيا لاستهداف منتقدي الحكومة عبر الإنترنت. ونتيجة لذلك، استهدفت حكومات ولايات عدة، التي يتزعمها حزب “بهاراتيا جاناتا” ومسؤولو الحزب والشركات التابعة لهم صحافيي الموقع، ولاحقوهم بتحقيقات الشرطة وقضايا التشهير وسرقة المعلومات الشخصية عبر الإنترنت والتهديدات.

لم يرد المتحدثون باسم وزارة الداخلية الهندية والناطقون باسم “حزب بهاراتيا جاناتا” على رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية لـ”لجنة حماية الصحافيين” التي تطلب منهم التعليق. ولكن بعد جلسة الاستماع الأخيرة للمحكمة العليا، انتقد المتحدث باسم الحزب غوراف باتيا المعارضة “لمحاولتها خلق جو من الذعر” في الهند، وتابع قائلاً “كانوا [يقصد حزب المؤتمر المناوئ للحزب الحاكم] يحاولون نشر دعاية مفادها أن خصوصية المواطنين مستباحة. وقد أوضحت المحكمة العليا أنه لم يُعثر على دليل قاطع يظهر وجود برنامج تجسس بيغاسوس في 29 هاتفاً تم فحصها”.

احتجزت الشرطة الهندية أحد النشطاء في حزب معارض خلال تظاهرة في مومباي في شباط/ فبراير 2022 تتهم حكومة مودي باستخدام برنامج تجسس “بيغاسوس” لمراقبة المعارضين السياسيين والصحافيين والنشطاء. (وكالة الأنباء الفرنسية/ رفيق مقبول).

وكما الحال في عدد من غرف الأخبار الأخرى حول العالم، دفعت كشوفات مشروع بيغاسوس موقع The Wire إلى إدخال بروتوكولات أمان أكثر صرامة، بما في ذلك استخدام البرامج المشفرة، لحماية الصحافيين ومصادرهم.

قال أجوي أشيرواد ماهبراشاستا- المحرر السياسي في The Wire- لـ”لجنة حماية الصحافيين” في مقابلة عبر الهاتف إنه كجزء من الإجراءات الجديدة، “لن نتحدث (عن المقالات أو المواضيع الحساسة) على الهاتف”. وأثناء العمل في مشروع بيغاسوس، كانت غرفة الأخبار في The Wire شديدة الحذر؛ “عندما كنا نلتقي، نضع هواتفنا في غرفة منفصلة. كما أننا لم نستخدم حواسيبنا العامة الموجودة في المكتب”.

أخبر فينو “لجنة حماية الصحافيين” أن اجتماعات التحرير الدورية في The Wire، تُعقد عبر مكالمة فيديو، لكن مناقشة المواضيع والمقالات الحساسة تُجرى شخصياً. وسأل: “نتخذ الاحتياطات المعتادة مثل إعادة التشغيل من حين إلى آخر، ونبقي الهواتف بعيدة عندما نلتقي بأي شخص؛ ماذا يمكن أن نفعل أكثر من ذلك؟”.

أخبرت شاتورفيدي “لجنة حماية الصحافيين” عبر تطبيق المراسلة أنها باشرت بسرعة في استخدام هاتف جديد عندما علمت من مصادر استخباراتية محلية أنها ربما كانت تحت المراقبة. وبصفتها صحافية استقصائية، كان اهتمامها المباشر بعد الكشف عن مشروع بيغاسوس هو تجنب تعريض مصادرها للخطر. وقالت: “في دلهي، لم يعد كل من أعرفه في موقع قوة يقبل التحدث في مكالمات عادية؛ إن جنون الشك والاضطهاد لم يتوقف فقط عندنا نحن الذين استهدفنا بيغاسوس”.

وقالت أرفا خانوم شرواني – التي تقدم عرضاً سياسياً شهيراً لـThe Wire، وتُعرف باسم ناقدة سياسة اليمين الهندوسي، للجنة حماية الصحافيين إن مصادرها السياسية كانت أول من تحرك للتواصل معها عبر منصات مراسلة مشفرة حتى قبل الكشف عن المعلومات لأنهم “أدركوا أن شيئاً كهذا كان يحدث”.

وبالمثل، أخبرت روهيني سينغ لجنة حماية الصحفيين بأنها لا تجري أي محادثات تتعلق بتحقيقاتها عبر الهاتف، وأنها تترك الهاتف بعيداً عندما تلتقي بأشخاص في الخارج؛ وأضافت: “الأمر لا يتعلق بحماية نفسي؛ في النهاية سيكون المقال مقالي وعليه اسمي؛ أنا في الأساس أحمي الأشخاص الذين قد يعطونني معلومات”.

يقول الصحافيون أيضاً إنهم قلقون بشأن سلامة أفراد أسرهم.

تقول شرواني: “بعد اكتشاف مشروع بيغاسوس، على رغم أن اسمي في حد ذاته لم يكن مستهدفاً، إلا أن أصدقائي وأفراد عائلتي لم يشعروا بالأمان الكافي للاتصال بي أو التحدث بشكل عرضي عن الحكومة. لأنهم يشعرون أنه يجري تصويرهم بالفيديو [أو التقاط صور لهم أو تسجيل حديثهم]”.

وقالت شاتورفيدي للجنة حماية الصحفيين إن عائلتها “مرعوبة” منذ الكشف عن المعلومات؛ وقالت: “كان والداي في الخدمة الحكومية، ولا يمكنهم تصديق أن هذا هو البلد نفسه الذي يخدمانه منذ سنين”.

أعرب كل من فينو وشرواني عن مخاوفهما بشأن كيفية تأثير جو الخوف على تغطية الصحافيين الأقل خبرة في بداية حياتهم المهنية؛ وقال فينو: “لقد تأثرت المتعة البسيطة في ممارسة الصحافة؛ وقد يؤدي هذا إلى الرقابة الذاتية. عندما يتعرض شخص ما لهجوم شديد، يمكن لهذا الصحفي أن يبدأ في التصرف بطريقة تبعده عن الخطر”.

وقالت شرواني: “بالنسبة لشخص مثلي لديه هوية وحياة مهنية مرموقة، سأتمكن من إقناع الناس (للتحدث معي)، ولكن بالنسبة إلى الصحافيين الأصغر سناً، سيكون من الصعب جداً الاتصال بالسياسيين والتحدث معهم. إذ سيترسخ لديهم على الفور أن كل ما سيقولونه يجب أن يكون مسجلاً، لذلك ستشاهد تحقيقات تستند إلى مصادر أقل فأقل”.

وهو ما وافق عليه أشيرواد قائلاً: “إنني أنتقد بشدة هذه الحكومة، وهذا أمر معروف. موقفي الآن هو أنني لن أقول أي شيء على انفراد، لا أكون قادراً على التحدث به في الأماكن العامة”.