fbpx

نساء الخلافة الخطيرات وأطفالهن:
التطرف ينمو تحت نظر العالم في مخيم “الهول”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قضية مخيمات الروج والهول لن يحلها الوقت بل سيزيدها تعقيداً وخطراً، وتجاهل المسؤوليات سيرمي بأخطار جسيمة على سوريا والعراق بشكل خاص والعالم عموماً. الصمت إزاء بؤر تُربي الأطفال على الفكر المتطرف يبدو كمن يرحب بعودة “داعش” في أي وقت.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ليست مخيمات “الهول” و”روج”، المتروكة في الشمال السوري، بالمخيمات العادية، إنها خليط مرعب من الضحايا والجلادين، المراهقين العنيفين، وأطفال لا يعرفون شيئاً خارج هذه المخيمات، جنسيات من نحو 60 بلداً، تكوّن بعض أخطر المخيمات في العالم، ليس لأن جزءاً من قاطنيها ينتمون إلى تنظيم الدولة “داعش” وحسب، بل لأن أجيالاً تولد في كل عام، متشربة الفكر الجهادي والعنف والقتل والحرمان والجوع. 

هل لنا تخيل حجم الرعب الذي قد يخرج في أي لحظة من تلك المخيمات؟

مخيمات شمال سوريا

تعود قصة المخيمات إلى الصدارة، بعد تصريح الزعيم الاسترالي المعارض بيتر داتون الذي قال إن لديه “مخاوف جسيمة” من أن إعادة النساء والأطفال الأستراليين من معسكرات الاعتقال السورية، تشكل خطراً كبيراً لا يمكن تخفيفه”، معتبراً أن هؤلاء قد يشكلون خطراً على سلامة الأستراليين. وتجدر الإشارة إلى أن عدداً لا بأس به من الاستراليين يعودون إلى أصول لبنانية. وخلال عمله وزيراً للشؤون الداخلية، أشرف دوتون على إعادة ثمانية أيتام أستراليين، من بينهم مراهقة حامل، من المخيمات السورية عام 2019. ولكن بعد هذه المهمة الناجحة، رفضت الحكومة السابقة إخراج المزيد من مواطنيها، متعللة بمخاوف أمنية.

وندد مكتب وزيرة الداخلية كلير أونيل بتصريحات زعيم المعارضة، واعتبر أن مهمة الإعادة المخطط لها تتم “بما يتفق مع النصائح الأمنية”، وبحسب “الغارديان”، فالكثير من النساء- على الأرجح أقل من نصف المجموعة- يمكن أن يتعرضن للاعتقال عند العودة إلى أستراليا.

الكثير من الدول تماطل أو تكتفي بإعادة عدد محدد من رعاياها، والسبب الرئيسي للمماطلة هو انتماء بعض النساء إلى تنظيم “داعش”، وهو ما تعتبره بعض الدول الغربية، تهديداً لسلامة مواطنيها.

تضم مخيمات الهول وروج في شمال شرقي سوريا أكثر من 60 ألف شخص، الغالبية العظمى منهم من النساء والأطفال. معظم هؤلاء من السوريين والعراقيين الذين وصلوا إلى المخيم فارين من العنف والصراع الذي تسبب فيه داعش، إضافة إلى نساء وأطفال من نحو 60 دولة أخرى عاشوا في مناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، وتم نقلهم إلى المخيمات بعد حملات عسكرية لطرد “داعش” من 2017 إلى أوائل 2019. ويقسم مخيم الهول، وهو أكبر المخيمات إلى قطاعات، ويقع على بُعد نحو 45 كيلومتراً شرق مدينة الحسكة. تعيش العائلات العراقية في كل من القطاع الأول والثاني والثالث والسابع، بينما تتوزع العائلات السورية على القطاع الخامس والسادس والثامن، وتجمع إدارة المخيم المهاجرات الأجنبيات وأطفالهن في قطاع خاص، ويخضع المخيم لحماية أمنية مشددة من قوات الأمن الداخلي “الأسايش”، وتمنع عمليات الخروج من المخيم إلا بإذن خطي وبرفقة عناصر منه.

جيل “داعش” في المخيم

ليست أستراليا وحدها مَن لا ترغب بإعادة مواطنيها المحتجزين في مخيمات الاعتقال، الكثير من الدول تماطل أو تكتفي بإعادة عدد محدد من رعاياها، والسبب الرئيسي للمماطلة هو انتماء بعض النساء إلى تنظيم “داعش”، وهو ما تعتبره بعض الدول الغربية، تهديداً لسلامة مواطنيها.

 لكن الأمر لا يقف عند هؤلاء النساء، فالظروف المعيشية تسحق الأطفال والمراهقين، وانتشار الأفكار المتطرفة يدخلهم مرغمين في دوامة تنظيم الدولة، وبذلك تترك الدول الأوروبية بؤرة التطرف تكبر بعيداً منها وكأن ذلك سنجّيها منها، متجاهلةً أن انفجار قنبلة التطرف سيصل إلى أبوابها أيضاً. وكان محلل استخبارات العمليات الخاصة السابق في ADF والذي أصبح الآن خبيراً في مكافحة التطرف العنيف، شين هيلي قال: “داعش تزدهر في المخيمات. تلك الأيديولوجية موجودة في كل مكان. هؤلاء الأطفال ما زالوا يعيشون في تلك الفقاعة، وهم محتجزون في هذا العالم”.

اليوم يتمركز التطرف في القطاع المخصص لعائلات التنظيم، إذ إنه وفي عمق القسم المخصص للأجانب وخارج سيطرة حراس المخيم قريباً من جبل الباغوز آخر معاقل “داعش” التي انهارت، تنمو بذور التنظيم على مهل، إذ تنقل النساء المنتميات إلى “داعش” عقائدهن إلى الأجيال الأخرى.

قامت امرأة آذربيجانية بخنق حفيدتها البالغة 14 سنة حتى الموت، لرفضها ارتداء النقاب خارج خيمتها، بحسب جريدة “الغارديان”. وعلى الرغم من أنه لا يُسمح للنساء بالحصول على هواتف محمولة، فقد ظهرت مقاطع فيديو دعائية من المخيم يتعهد فيها الأطفال بالولاء لـ”داعش” أمام العلم الأسود للتنظيم. لتتحول الظروف اللاإنسانية التي يعيشها سكان المخيم والحرمان والاكتظاظ إلى صرخة وسببٍ مباشر لحشد مؤيدي التنظيم حول العالم. ليس هذا وحسب، فوفق شهادات سكان نشرتها “الغارديان”، فإن بعض النساء الآتيات من التنظيم يثرن الرعب في قلوب السكان فقد يحرقن خيمة ببساطة لو انزعجن من صاحبها ويدفعن بأطفالهن لضرب السكان بالحجارة، أي أنهن بالفعل استطعن فرض نوع من السيطرة على المخيم.

الأطفال والتعذيب

الأوضاع في المخيمات، ولا سيما في الهول، قاسية، الخدمات محدودة ومرهقة للغاية والمأوى غير كافٍ، بعض الأطفال يعانون من إصابات لم يتم علاجها للآن، جرائم القتل تحدث أمامهم، كمياتٌ مرعبة من العنف والمشقة والحرمان والصدمات يعاني منها الأطفال في هذه المخيمات كل يوم. كثر منهم تيتموا أو انفصلوا عن عائلاتهم خلال سنوات الصراع والهجمات، وهم يعيشون الآن في مراكز الرعاية الموقتة داخل المخيمات. ووفقاً لتقرير “منظمة إنقاذ الطفولة:، يموت طفلان كل أسبوع في مخيم الهول، وخلصت المنظمة الحقوقية إلى أن “الظروف والمخاطر التي يواجهها هؤلاء الأطفال والنساء في كل من مخيمي الهول وروج ترقى إلى مستوى التعذيب”.

هؤلاء الأطفال لا يحتاجون سوى إلى فرصة للحياة حتى يستطيعوا الاندماج في البيئات الآمنة، تشير التقارير إلى أن الأطفال الأستراليين الذين أُعيدوا إلى منازلهم، عام 2019، يعيشون الآن حياة طبيعية في المجتمع، ويذهبون إلى المدرسة ويمارسون الرياضة.

الأوضاع المزرية لسكان المخيم المرتبطين بـ”داعش”، والتي باتت تتكشف عبر التقارير الإخبارية والنساء الهاربات، بدأت تتسبب في الحشد من جانب التنظيم المتطرف في الخارج، فقام “حراس الدين” وهو الفصيل الذي بات يمثل فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا، بجمع التبرعات المالية من أنصاره في سوريا وخارجها، خلال العامين الماضيين، بهدف دفعها لشبكات التهريب، مقابل إخراج عائلات أجنبية مرتبطة بالتنظيم ومحتجزة داخل المخيم، ثم نقلها وتأمين أماكن لاستقرارها في محافظة إدلب.

نساء “داعش” الخطيرات

مقاومة “داعش” لم تنتهِ واليوم يستخدم التنظيم النساء والأطفال للحفاظ على وجوده وحماية عقيدته، فعلى رغم أن المخيم محاط بسياج ومراقب بحراسة مشددة، إلا أن الجميع يعلمون من يمتلك ميزان القوى في المخيم، إذ تقوم مجموعة أساسية من النساء التونسيات والصوماليات والروسيات في جبل الباغوز بإصدار أوامر للنساء الأخريات في المخيم، تستخدم النساء داخل المخيم السكاكين التي وزعتها المنظمات الإغاثية لمهاجمة “قوات سوريا الديمقراطية: والسكان.

الخليط الكبير لسكان المخيم والخلفيات المختلفة لقاطنيه، تجعل الحلول أكثر صعوبة، فليست كل النساء هن من الملتحقات بالتنظيم عن طيب خاطر، على سبيل المثال كشفت التحقيقات التي أجرتها Reprieve، أن ما لا يقل عن 63 في المئة من البريطانيات اللواتي يعشن في المخيم هن ضحايا للاتجار، بما في ذلك أنهم تعرضوا إلى الاستغلال الجنسي وغيره من أشكال الاستغلال، وكانت وزارة الخارجية قالت إن بريطانيا تمكنت من إعادة أول امرأة بريطانية وطفلها، وهي المرة الأولى التي يتم فيها إعادة شخص بالغ، بعد التأكد من أنها ضحية للاتجار بالبشر، إذ نقلها أحد أقاربها الذكور إلى سوريا عندما كانت فتاة صغيرة. كما يعيش الكثير من السوريين والعراقيين، الذين فرّوا من التنظيم أو عاشوا مكرهين تحت حكمه، جنباً إلى جنب مع عائلات وأطفال عناصر “داعش”، وهو ما يرمي بأعباء نفسية مرعبة عليهم إذ يجبرون على العيش مع عائلات جلاديهم وقتلة أحبتهم.

التخوف من “داعش” ليس وهماً، فالعمليات الأمنية الأخيرة، لقوى الأمن الداخلي و”قسد”، ضد خلايا ومجموعات موالية لتنظيم «داعش» داخل مخيم «الهول»، أفضت عن إلقاء القبض على 226 شخصاً من المشتبه بهم، وبينهم 36 امرأة متشددة يُعتقد أن بعضهن شاركن في جرائم قتل وترهيب داخل المخيم. كما أدّت العملية إلى العثور على 25 خندقاً ونفقاً سرياً، وتدمير خيم ونقاط وخنادق المخصصة للتواري عن الأنظار.

الأوضاع في الداخل معقدة للغاية وتحاول النساء الفرار، إذ تزوجت مئات النساء الأجنبيات اللواتي تربطهن صلات بتنظيم الدولة الإسلامية في مخيم الهول رجالاً قابلنهم عبر الإنترنت وتم تهريب المئات منهن عبر الرشاوى النقدية التي قدمها أزواجهن الجدد، ويتم الدفع عبر شبكات تحويل مصرفية ضخمة مرتبطة في مدينة إدلب ويمكن أن يكلف الخروج من الهول ما يصل إلى 15000 دولار، بحسب الجنسية وعدد الأطفال وطريقة التهريب التي يمكن تحملها، ويتم ترتيب العمليات على أسس عرقية ولغوية: فالوسيط الناطق بالروسية، على سبيل المثال، عادة ما يتعامل مع المتحدثين الآخرين بالروسية حصراً. يذكر أنه لا توجد للآن تقديرات رسمية لعدد النساء اللائي استطعن مغادرة الهول بهذه الطريقة. 

قضية مخيمات الروج والهول لن يحلها الوقت بل سيزيدها تعقيداً وخطراً، وتجاهل المسؤوليات سيرمي بأخطار جسيمة على سوريا والعراق بشكل خاص والعالم عموماً. الصمت إزاء بؤر تُربي الأطفال على الفكر المتطرف يبدو كمن يرحب بعودة “داعش” في أي وقت.