fbpx

شيرين عبد الوهاب…
محاكمة مجتمعية لامرأة باسم الصحة النفسية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مع كل سقوط لم تتهرب شيرين ولم تنكر حاجتها للدعم، لكنها لم تتخيل أن رحلتها مع الدعم النفسي ستنقلب إلى تكبيل وإرغام وضرب ثم عزل داخل مصحة ليلاحقها وصم الإدمان مجتمعياً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تشفع لشيرين عبد الوهاب ألقابها التي نالتها بعد مسيرة كفاح فنية شاقة، فــ“صوت مصر الأول” أصبح الآن مجبراً على السكوت إلى أجلٍ غير مسمى، بعد تعرضها للضرب من شقيقها وآخرين داخل مسكنها، قبل اقتيادها عنوة إلى المصحة النفسية، بحسب ما صرح محاميها للنيابة العامة.

في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر، ظهرت شيرين بصحبة ابنتها تتشاركان الغناء عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، كانت تختبر مرحلة جديدة من التعافي الهادئ بعد تجربة انفصال قاسية، خاضت خلالها كل المظاهر المرتبكة علناً وبلا خجل، بداية من قص شعرها، وبكت على مسرح قرطاج، ثم أبدت برغم كل شيء استعدادها لإطلاق ألبوم جديد.

لكن يبدو أن رحلة شيرين بكل ارتباكها وضجيجها وصدقها سُلبت منها ببساطة، بعد ظهور أوصياء جدد، هذه المرة كان الوصي شقيقاً وليس زوجاً، وكأنه اعتبرها منزوعة الأهلية وتحت “الولاية” وعليها ارتداء عباءة المرأة “المختلة”، “الهستيرية” و”المدمنة”، عباءة أرغمت النساء على ارتدائها لقرون في حال علت أصواتهن أو اتسمن بحدة الطباع والاستقلالية. 

“هل عشان هو دكتور إدمان لازم أكون أنا بتعالج من الإدمان؟ هو صديقي من زمان، وفي إدمان أدوية وأكل وعادات سيئة، مش مخدرات بس، مفيش مخدرات أنا فلة وشمعة منورة”.

يذكرنا وضع شيرين في المصحة بوضع النساء قبل قرنين من الزمان، إبان العصر الفيكتوري، حين تعالت شوفينية الرجال والطب النفسي المبكر، والتي عاقبت النساء لكسرهن الأعراف الاجتماعية بالإجبار على دخول المصحة النفسية. وبحسب مقال تاريخي، فإن النساء كن يتعرضن للعقاب بالإلحاق بالمصحة إذا عانين من الإرهاق أو الإفراط في التعليم أو التدخين أو متلازمة ما قبل الحيض أو رفض الزواج أو ممارسة دوافع جنسية غير تقليدية (مثل العادة السرية) أو تبني آراء سياسية معارضة، وقد كان الإجبار على المصحة يتعلق بفرض السيطرة على حياة النساء وأجسادهن تحت ستار الطب.

ما بدا صادماً في قصة شيرين عبد الوهاب أنها برغم شهرتها لم تنجُ من ممارسات لا ترى حرجاً في سلب حريات النساء ببساطة بعد إبلاغ “الولي” المتمثل في الزوج أو الأب أو الأخ، عن أي ادعاء يخص سلوكهن ليصبح ذلك مبرراً لإدخالن المصحة النفسية باتصال هاتفي لا يستغرق سوى دقائق. 

المحامي ياسر سعد يقول لــ”درج”، “الدستور المصري في مادتيه 84 و99 من قانون العقوبات وقانون مكافحة المخدرات، يعتبر احتجاز مواطنة داخل مستشفى بحجة أنها مريضة أو تعاني من الإدمان هو قرار النيابة العامة وحدها بعد عرض المريضة على لجنة من مستشفى الأمراض النفسية ومعالجة الإدمان وعرض تقريرها الطبي على النيابة، لتقوم بإصدار قرارها باحتجاز المريضة لعلاجها وإلا أصبح احتجازها جريمة يعاقب محتجزها بغض النظر عن درجة قرابته أو درجته العلمية”.

ضرب شقيق شيرين بالقانون عرض الحائط ولم تجد المصحة أي مشكلات في تبني رواية الأخ الذي أودع شقيقته الفنانة المشهورة بين أربعة حيطان، وربما تطول فترة احتجازها لفترة تتراوح بين عام وثلاث سنوات.

يضيف سعد لـ”درج”: “طبقاً لقانون مكافحة المخدرات رقم 182 لسنة 1960 يتم إيداع المدمن في إحدى المصحات دون تقييد الإيداع بحد أدنى، فإذا استدعى الأمر استمرار إيداعه مدة تزيد على سنة كان ذلك بحكم من المحكمة، بشرط ألا تتجاوز مدة الإيداع في مجموعها ثلاث سنوات. إلى أن تأمر اللجنة المختصة بوقف إلزامه بهذا التردد وجعل العلاج في هذه الدور شاملاً العلاج الطبي والنفسي والاجتماعي بما يعنيه العلاج الأخير من متابعة حالة المريض اجتماعياً، حتى يتحقق اندماجه الصحيح في المجتمع، وتحقيقاً لهذا الغرض نصت الفقرة على أن يكون إنشاء هذه الدور بقرار من وزير الصحة بالاتفاق مع وزير الشؤون الاجتماعية”.

واستحدث القانون حكماً في الفقرة الخامسة، قرر بمقتضاه جزاء على مغادرة المحكوم عليه المصحة أو انقطاعه عن التردد على دور العلاج بغير موافقة اللجنة المختصة حيث أناط بالنيابة العامة أن ترفع الأمر في هذه الحالة إلى المحكمة التي تستعيد سلطتها في توقيع العقوبة عليه وفقاً لحكم الفقرة الأولى أو باتخاذ ما تراه من إجراءات مناسبة بما في ذلك إيداعه أو إعادة إيداعه في المصحة.

مبادئ الأمم المتحدة لحماية الأشخاص المصابين بمرض عقلي وتحسين العناية بالصحة العقلية، تنص على أنه لا يجوز أبداً أن يكون النزاع الأسري أو المهني، أو عدم الامتثال للقيم الأخلاقية أو الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية أو المعتقدات الدينية السائدة في المجتمع المحلي لشخص ما، عاملاً مقرراً في تشخيص المرض العقلي.

على مدار مشوارها الفني، أعطت شيرين احتراماً وتفهماً لدور المساعدة النفسية ولو على نحو مبالغ، وهو ما ظهر في مشهد تقبيلها يد طبيبها النفسي في مهرجان قرطاج، لأنه ساعدها على النهوض مجدداً بعد كل انتكاستها العاطفية، ومع كل سقوط لم تتهرب شيرين ولم تنكر حاجتها للدعم، لكنها لم تتخيل أن رحلتها مع الدعم النفسي ستنقلب إلى تكبيل وإرغام وضرب ثم عزل داخل مصحة ليلاحقها وصم الإدمان مجتمعياً.

ولدت شيرين وعاشت حتى مراهقتها في حي القلعة الشعبي، حيث يسهل إشهار سيف الولاية ببساطة على أعناق النساء إذا فكرن في كسر الأعراف، ظنت شيرين أن نجاحها واستقلاليتها المادية كفيلان كي تعبر بصوت عال عن رفضها سطوة الزوج المعنف والمجتمع المتنمر والوسط الفني غير المتضامن والرحلة الشاقة كي تظل إنسانة لا مجرد تمثال للشمع، لكن مع كل دفعة بوح كان الثمن يأتي باهظاً، والآن هي تدفع أثمان كل ما مضى مرةً واحدة.

شيرين حوكمت مجتمعياً على شكل جسدها، ولم يفهم كثيرون معنى أن تعاني فنانة مهمة من العنف الزوجي، استقبلت شيرين أذى متلاحقاً على مدار العامين الماضيين، إذ يراها المجتمع فنانة “هستيرية”، غافلاً عن حجم شروره وتناقضاته، وفي النهاية تقبع شيرين في المصحة فيما يواصل محاكموها رجمها إلى النهاية. 

المجتمع الفيكتوري- الذي بات يشبهه مجتمعنا اليوم- كان يؤكد ضرورة على نقاء المرأة كي تشبه قطعة كريستال وفي حال خُدشت تصبح أكثر عرضة من الرجال للأمراض النفسية، وعلى أساس الفروق بين الجنسين في العصر الفيكتوري، كان من الشائع أن يتم تشخيص المريضات على أنهن وحدهن يعانين من الهستيريا، وأن أعضاءهن التناسلية منبع هذه “الهستيريا”، حتى إن بعض المصحات النفسية كانت تتبع إجراء استئصال أرحام النساء لشفائهن!

قبل أشهر علقت شيرين على ما أشيع حول تعاطيها بعض الحبوب المخدرة لتتمكن من النوم وقالت خلال لقائها في برنامج “صاحبة السعادة”، الذي تقدمه الفنانة إسعاد يونس على قناة dmc: “أنا كنت لازم عشان أنام آخد حاجة تأهلني للنوم، وأول ما أصحى آخد أدوية للمعدة والحساسية، دلوقت عايشة من غير حتى برشام صداع، والبركة في الدكتور نبيل عبدالمقصود”، وأضافت: “هل عشان هو دكتور إدمان لازم أكون أنا بتعالج من الإدمان؟ هو صديقي من زمان، وفي إدمان أدوية وأكل وعادات سيئة، مش مخدرات بس، مفيش مخدرات أنا فلة وشمعة منورة”.

تصريحات ياسر قنطوش، محامي شيرين عبد الوهاب، كانت آخر التصريحات التي أثارت الجدل، إذ قال في تصريحات صحافية لبرنامج “حديث القاهرة”: “اللي عمله شقيق شيرين كان قانونياً، وأنا محامي شيرين وكل اللي يهمني مصلحتها، وأربأ بنفسي أن يستخدمني أحد ضد الفنانة شيرين”.