fbpx

نساء في تحكيم مباريات الرجال: بطاقة حمراء في وجه الذكورية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تواجه الرياضيات النساء صعوبات جمة على مستوى العدد والمشاركة في العالم لكن في المنطقة العربية وبينها مصر تقف عراقيل اجتماعية وثقافية ودينية في وجه الكثيرات ممن يحاولن التقدم والتفوق رياضياً ومواجهة التنمر والتمييز اجتماعياً. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“وومن فور وومن”(النساء للنساء) عبارة استخدمها الحكم الدولي المصري السابق لكرة القدم أحمد الشناوي ليعبر عن رفضه تحكيم السيدات مباريات كرة القدم للرجال، وذلك تعليقاً على إسناد تحكيم مباراة فريقي “سموحة” و”فاركو” في الجولة الأخيرة من الدوري المصري لموسم 2021/2022 إلى طاقم تحكيم نسائي بالكامل بقيادة الحكمة شاهندا المغربي. 

الشناوي في مداخلة طويلة في قناة “اون تايم سبورت” التي تحتكر بث مباريات الدوري المصري، برّر هذا الرفض بأن للسيدات مباريات خاصة بهن (يقصد كرة القدم النسائية) وأنها بذلك تأخذ مكان حكام رجال يجب أن تكون لهم الأولوية بحسب تعبيره.

اعتبر الشناوي ان مثل هذه القرارات تقتل الطموح عند الحكام من الرجال، بعد تقدم الكثير منهم بالشكوى له، ورغم أنه لم يشاهد المباراة التي قامت المغربي بتحكيمها لكنه أكد على أن الحقوق يجب أن تعود لأصحابها وأن تبقى النساء في ملاعب النساء.

الشناوي الذي يعمل محللاً تحكيمياً في مختلف القنوات الرياضية المصرية منذ سنوات عديدة تساءل في تصريحاته عما إذا كان الاتحاد الإفريقي لكرة القدم يعين الحكمات في مباريات للرجال أم النساء، متناسياً أو متجاهلاً أن الاتحاد الإفريقي ذاته قام منذ أشهر قليلة فقط بإسناد إحدى مباريات بطولة كأس الأمم الإفريقية للرجال، لحكمات، حين أسند مهمة تحكيم مباراة زيمبابوي وغينيا في الدور الأول إلى طاقم تحكيم نسائي بالكامل، بقيادة الرواندية سليمة موكانسانجا، وبمساعدة كل من الكاميرونية كارين أتيمزابونج، والمغربية فتيحة جيرمومي، بالإضافة إلى وجود حكمة مغربية أخرى هي بشرى كاربوبي لتنفيذ تقنية الفيديو “VAR”.

وومن فور وومن”(النساء للنساء) عبارة استخدمها الحكم الدولي المصري السابق لكرة القدم أحمد الشناوي ليعبر عن رفضه تحكيم السيدات مباريات كرة القدم للرجال

تتجوزيني يا شاهندا؟

تواجه الرياضيات النساء صعوبات جمة على مستوى العدد والمشاركة في العالم لكن في المنطقة العربية وبينها مصر تقف عراقيل اجتماعية وثقافية ودينية في وجه الكثيرات ممن يحاولن التقدم والتفوق رياضياً ومواجهة التنمر والتمييز اجتماعياً. 

شاهندا واحدة من مئات الرياضيات في مصر والمنطقة اللواتي لم تكن مسيرتهن سهلة. 

بدأت شاهندا المغربي رحلتها مع كرة القدم لاعبة في أندية مختلفة مثل “سموحة” و”مصر المقاصة” و”الطيران”، كما مثلت منتخب مصر، قبل أن تقرر الاتجاه الى مجال التحكيم في سن مبكرة. كان الظهور الأول لها كحكمة في موسم 2014/2015، حين قامت بالتدرج في مستويات كرة القدم المصرية المختلفة للنساء والرجال، حكّمت مباريات في الدرجات الأقل وأيضا مباريات للناشئين والشباب، بالإضافة إلى مشاركتها في معسكرات الحكام المصريين المختلفة، والتي تلقت فيها التدريبات نفسها التي يتلقاها الحكام الذكور.

وعبر تاريخها واجهت المغربي العديد من المواقف بسبب كونها أنثى، حيث كان اللاعبون يتخوفون في البداية ثم يبدأ ذلك الشعور في التلاشي تدريجيا مع فرضها لشخصيتها في الملعب، ذكرت أنه ذات مرة في احدى المباريات بين فريقي “الترام” و”الأوليمبي” قام أحد اللاعبين بالصراخ في وجهها في بداية اللقاء، بيد أنها ردت عليه بجدية ما جعله يلتزم بتعليماتها هو وزملائه ومنافسيه حتى نهاية اللقاء. تقول إنها لا تستخدم الحدة في كل الأوقات، مفضلة أن تنوع في ردود فعلها بين الحدة وبين النظرات أو حتى الابتسامات الخفيفة حتى تعبر بالمباراة إلى بر الأمان.

أغرب ما واجهته كان في إحدى المباريات عندما اتجه مدرب أحد الفرق لزميلتها المساعدة وقال لها إنه يريد أن يتقدم لخطبتها، وهو الأمر الذي اعتبرته مزيجاً من الهزل والجد واعتذرت بحسم عن قبول طلبه.

وتنوعت ردود الفعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول قيام شاهندا بتحكيم مباريات الرجال، فهناك من أشاد بها وبتجربتها متمنياً لها التوفيق، وهناك من تخوّف من قدرتها البدنية تعليقا على إحدى المباريات التي كانت فيها حكما رابعاً بقوله: “والله عيب الحكام الرجاله يشيلوا صفاره وراية، والست تشيل اللوحه بتاع التغييرات التقيله”. أما التحذير الذي لم تلتفت إليه شاهندا فكان تعليقاً على قرب تعيينها حكماً لإحدى مباريات الدوري الممتاز، حيث قال التعليق: “انتي شكلك محترمة وبنت ناس وانا بقولك بلااااش تحكمي في الممتاز”.

لكمة على وجه دالما كورتادي

قبل شهر من الهجوم الذكوري على شاهندا، كان الوضع مغايراً في إحدى مباريات دوري الدرجة الثالثة الأرجنتيني، حيث كانت المباراة بين فريقي “ديبورتيفو جارمينسي” و”إنديبيندينسيا” بقيادة الحَكَمة دالما كورتادي، والتي احتسبت خطأ على اللاعب كريستيان تيروني لاعب “جارمينسي”، إلا أن الأخير انفعل بشدة عليها وعندما أشهرت في وجهه إنذار البطاقة الصفراء قام بلكمها على وجهها حتى سقطت على الأرض. نُقلت دالما إلى المستشفى، واضطرت قوات الشرطة لاقتحام الملعب وإلقاء القبض على اللاعب المعتدي، وطبعا ألغيت المباراة في حينها.

“يجب أن يطرد للأبد، يجب ألا يلعب في أي ناد مرة أخرى، إنه شخص عنيف وبالتأكيد هو كذلك في حياته الخاصة، لقد شاهدت ما فعل بالفيديو، لا يمكن لأي شخص عاقل أن يتصرف هكذا، يجب أن يدفع ثمن فعلته”، بهذه الكلمات عبرت دالما عن رؤيتها لما حدث من تيروني، مطالبة بعقابه أشد العقوبة، ولكن يبدو السؤال هنا، هل لو كان حكم المباراة رجلاً وفعل ما فعلته دالما، هل كان رد فعل تيروني سيكون مماثلاً؟

إنجلترا السباقة!

صنعت ويندي تومس التاريخ، عندما أصبحت أول حكمة تدخل طاقم تحكيم مباراة رجال، عندما اختيرت كحكمة رابعة في مواجهة “بورنموث” ضد” ريدينج” في دوري القسم الثالث الإنجليزي عام 1991، قبل أن تصبح أيضاً أول امرأة  تتواجد في أرض الملعب في مباراة بالدوري الإنجليزي الممتاز، عندما اختيرت حكمة مساعدة في مباراة “ليدز يونايتد” ضد “كوفنتري سيتي” في أيلول/ سبتمبر من العام 1999، بيد أنها لم تسلم من الانتقادات في إطلالتها الأولى، حيث هوجمت بشدة من قبل جوردان ستراخان المدير الفني لفريق “كوفنتري سيتي” وقتها، بسبب احتسابها الهدف الرابع لمصلحة “ليدز” رغم أنه سجل من موقع تسلل بحسب تقديره، حيث ألمح ستراخان في تصريحاته بأن اختيارها جاء لاعتبارات ليست فنية، وهو ما رد عليه رئيس رابطة الحكام الإنجليزية وقتها بيتر ويلز بأنها تصريحات غير مسؤولة، ولا يجب أن تتم الإشارة إلى “جنس” الحكم بأي طريقة كانت.

ورغم الانتقادات، أكملت ويندي توماس مشوارها في عالم تحكيم مباريات الرجال، حتى وصلت إلى قمته محلياً بتواجدها كحكم مساعد في المباراة النهائية لبطولة كأس رابطة المحترفين الإنجليزية عام 2000، والتي جمعت بين فريقي “ليستر سيتي” و”ترانمير روفرز”، في مشهد غير مسبوق في عالم كرة القدم للرجال.

ايمي فيرن..”سيدة” ماذا تفعل هنا؟

وعندما نذكر حكمات كرة القدم الإنجليزيات، يجب أن نقف عند اسم إيمي فيرن صاحبة الإسهامات الأكبر في هذا المجال، حيث أصبحت أول حكمة تقود مباراة في كرة القدم للرجال، عندما كانت تؤدي وظيفتها كحكمة مساعدة في المباراة التي جمعت “كوفنتري سيتي” ضد “نوتينغهام فوريست” ضمن دوري الدرجة الأولى الإنجليزي عام 2010، عندما أصيب حكم الساحة وقتها توني بيتس، قامت “فيرن” بإدارة ما تبقى من مباراة كحكمة ساحة، لتصبح العشرون دقيقة الأخيرة من المباراة تاريخية بالنسبة إلى التحكيم النسائي في كرة القدم للرجال.

ولم تسلم إيمي فيرن في مشوارها في ملاعب كرة القدم من العنصرية، ففي تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2006 صدرت تصريحات مثيرة للجدل من المدرب مايك نويل، المدير الفني لفريق “لوتون تاون الإنجليزي”، انتقد فيها الحكمة إيمي فيرن التي شاركت في إدارة مباراة فريقه التي خسرها أمام كوينز بارك رينجرز بثلاثة أهداف لاثنين، حيث قال نويل: “إنها لا يجب أن تكون هنا، هذه ليست لعبة هواة، هي سيدة ماذا تفعل هنا”، ولم يكتف نويل بهذه العبارات بل أردف قائلا: “أعرف أن حديثي هذا يبدو عنصريا ضد النساء، وأنا بالفعل عنصري ضد النساء”. 

وعلى الرغم من أن نويل اعتذر بعد ذلك وقال إن فيرن قبلت اعتذاره، إلا أن القرار الرسمي لم يتجاوز تغريمه 6500 جنيه إسترليني، مع الاكتفاء بإنذاره، وهو ما وصف وقتها من وسائل الإعلام المحلية بأنه عقاب مخفف للغاية، وظهر أيضا التساؤل ذاته: هل لو كان الحكم الذي أسيء إليه رجلاَ، سيتم الاكتفاء بعقوبة مالية هزيلة مثل هذه، من دون حتى إيقاف المدرب لمباراة أو اثنتين؟

“هل تعرف النساء قانون التسلل؟ .. بالتأكيد لا”

في يناير كانون الثاني من العام 2011، وأثناء مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم بين “ولفرهامبتون” و”ليفربول”، دار حديث على الهواء بين مذيعي قناة “سكاي سبورتس” الناقلة للمباراة حول الحكمة شون ميسي والتي كانت محكمة مساعدة ضمن طاقم إدارة اللقاء، حيث قال المعلق أندي جراي لزميله ريتشارد كيز: “هل يمكن أن تصدق هذا؟ امرأة تقوم بدور الحكم المساعد؟ النساء لا يعرفن قانون التسلل”، ليرد عليه كيز بقوله: “بالتأكيد لا يعرفونه”. وبعد نهاية المباراة اشتدت الحملة الإعلامية على الثنائي، مؤكدين أن تلك التصريحات تشير إلى تمييز جندري ضد النساء، ورغم أن جراي وزميله كيز قد أكدا أنهما كانا يتصوران أن الميكروفون مغلق وقت هذا الحديث، إلا أن هذا التبرير لم يكف لإنقاذهما، حيث دفعا وظيفتيهما ثمن هذا الحوار القصير الذي لم يتجاوز ثوان معدودات، إذ قامت شبكة “سكاي سبورتس” بإنهاء التعاقد معهما بعد ثلاثة أيام فقط من الواقعة، و ظل جراي بدون عمل لأكثر من عامين ونصف العام بعدها، حتى تم التعاقد معه لستوديو الدوري الإنجليزي الممتاز في قناة “بي إن”(الجزيرة) القطرية في آب/اغسطس من العام 2013.

وانتظرت الحكمات الإنجليزيات حتى نيسان/أبريل من عام 2021، حتى تقوم حكمة بإدارة مباراة في كرة القدم الإنجليزية، تلك التي قادتها ريبيكا ولش في دوري الدرجة الثانية الإنجليزي بين فريقي “هاراجوت تاون” و”بورت فيل”، قبل أن تقوم ولش في يناير كانون الثاني من عام 2022 بإدارة أول مباراة لطاقم تحكيم نسائي في بطولة كأس الاتحاد الإنجليزي بين فريقي “بيرمنغهام سيتي” و”بلايموث”.

تواجه الرياضيات النساء صعوبات جمة على مستوى العدد والمشاركة في العالم لكن في المنطقة العربية وبينها مصر تقف عراقيل اجتماعية وثقافية ودينية في وجه الكثيرات.

“الأيقونة” ستيفاني فرابار 

ربما سيتم التأريخ لمشاركة النساء في تحكيم كرة القدم للرجال بفترة ما قبل فرابار وما بعد فرابار، فالحكمة الفرنسية المولودة في عام 1983 ستكون “أول” سيدة تشارك في إدارة مباريات كأس العالم لكرة القدم للرجال، والتي ستنطلق في قطر في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، حيث اختيرت رسميا من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” ضمن صفوة حكام العالم لإدارة مباريات العرس الكروي العالمي. ولم يكن هذا الاختيار وليد الصدفة، ولم يكن حتى مفاجئاً لجماهير كرة القدم، التي عرفت “فرابار” حكمة لمباراة كأس السوبر الأوروبية، التي جمعت بين ليفربول وتشيلسي الإنجليزيين في ملعب “فودافون بارك” في مدينة اسطنبول التركية.

 في آب/ أغسطس من العام 2019  نالت فرابار الثناء على قدراتها في تحكيم تلك المباراة الكبيرة، ما دفع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لاختيارها لإدارة مباراة في دوري أبطال أوروبا بين “يوفينتوس” الإيطالي و”دينامو كييف” الأوكراني في كانون الأول/ديسمبر 2020، ثم يسند إليها تحكيم مباراة في تصفيات كأس العالم للقارة الأوروبية بين هولندا ولاتفيا في مارس آذار 2021.

ومن يدري ربما نجدها تطلق صافرة بداية المباراة النهائية لكأس العالم المقبلة في استاد “لوسيل” في الثامن عشر من ديسمبر كانون الأول المقبل.

شاهندا ليست الأولى عربياً، درصاف قادت المسيرة!

في الكثير من الإنجازات المرتبطة بالمرأة العربية، تبدو تونس دائما في الريادة، وفي مجال تحكيم مباريات كرة القدم للرجال، حفرت درصاف القنواطي اسمها بحروف من ذهب في هذا المجال، حين أصبحت أول امرأة عربية وإفريقية تدير مباراة في المستوى الأعلى لكرة القدم للرجال، تلك المباراة التي جمعت بين “الترجي” و”النادي البنزرتي” في حزيران/يونيو 2019، قبل أن تتواجد ضمن طاقم حكام المباراة النهائية لبطولة كأس تونس بين “الاتحاد المنستيري” و”الترجي” في أيلول/سبتمبر 2020. ومع توالي نجاحاتها، مازالت درصاف تحلم بالوصول إلى كأس العالم، وهو ربما الحلم الذي تحلم به شاهندا أيضاً حسبما قالت في تصريحاتها عقب إدارتها لمباراة الدوري المصري الممتاز.