fbpx

لجنة المال والموازنة: مطبخ ممنوع على نوّاب التغيير

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

باختصار، وبعد كل الأدوار الخطرة التي لعبتها لجنة المال والموازنة على مدى السنوات الثلاث الماضية، بات من الأكيد أنّها ستتّجه إلى لعب أدوار أكثر خطورة وحساسيّة خلال الفترة المقبلة، بما يتصل بمصالح النخبة الماليّة التي لطالما دافعت عنها هذه اللجنة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

اليوم، تقف لجنة المال والموازنة أمام استحقاقات مفصليّة على المستوى المالي، وهو ما يفسّر انكباب الكتل النيابيّة على تطهيرها من نائب كإبراهيم منيمنة. فاللجنة تتجه خلال الفترة المقبلة إلى مناقشة قانون استعادة انتظام القطاع المالي، وقانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وهذا المسار تحديدًا هو ما سيبتّ بمصير الرساميل المصرفيّة وأموال المودعين. كما يفترض أن تشرع اللجنة بإعادة درس قانون “الكابيتال كونترول”، الذي يفترض أن ينظّم القيود على السحوبات والتحويلات. 

وإلى جانب هذه الملفّات، سيكون على اللجنة خلال الأشهر المقبلة التعامل مع مجموعة من المسارات التشريعيّة التي نصّت عليها خطّة التعافي المالي، من قبيل إعادة هيكلة مصرف لبنان وتعديل قانون النقد والتسليف، وتشكيل إدارات متخصصة بمكافحة التهرّب الضريبي وتحصيل الإلتزامات الضريبيّة المترتبة على كبار المكلّفين، بالإضافة إلى وضع التنظيمات المتعلّقة بتطوير الرقابة على المصارف وإعادة هيكلة الإدارات العامّة وتطوير آليّات مكافحة تبييض الأموال. 

باختصار، وبعد كل الأدوار الخطرة التي لعبتها لجنة المال والموازنة على مدى السنوات الثلاث الماضية، بات من الأكيد أنّها ستتّجه إلى لعب أدوار أكثر خطورة وحساسيّة خلال الفترة المقبلة، بما يتصل بمصالح النخبة الماليّة التي لطالما دافعت عنها هذه اللجنة، وبما يرتبط بأولويات اللوبي المصرفي الناشط داخل مجلس النواب. وخلال الأشهر الماضية، أبدى النائب إبراهيم منيمنة اهتمامًا بلعب دور كبير في كل هذه الملفّات، وفي وجه الأولويّات التي يضغط باتجاهها هذا اللوبي، وهو ما أثار حفيظته. وفي النتيجة، دفع منيمنة ثمن ذلك خلال انتخابات اللجان يوم الثلاثاء الماضي، ما أخرج كتلة التغييريين بشكل كامل من هذه اللجنة، وتركها ملعبًا لأحزاب الطوائف وحلفاء المصارف.

خلال انتخابات اللجان النيابيّة الأخيرة لم تبدِ الكتل الرئيسيّة في المجلس النيابي الكثير من الاهتمام بخوض معارك “كسر العظم” في ما بينها، إذ عملت وفق العرف القاضي بتجديد عضويّة اللجان كما هي، باستثناء بعض عمليّات التبديل المتفق عليها بين الجميع. لا بل عملت الكتل في تلك الجلسة وفق القاعدة التي لطالما تمسّك بها المجلس خلال الدورات الماضية، والقاضية بإبقاء توزيع عضويّة كل من هذه اللجان على مختلف الكتل النيابيّة، مع توزيع رئاسات اللجان وفق العرف الطائفي. مع الإشارة إلى أنّ المجلس ينتخب لجانه ورؤساء لجانه في العادة بمجرّد إنتهاء الانتخابات النيابيّة، فيما ينص النظام الداخلي للمجلس على إعادة انتخاب هذه اللجان في تشرين الأوّل من كل سنة، وهو ما جرى منذ يومين.

يبدو من الواضح اليوم أنّ الإصرار على إقصاء منيمنة بالتحديد، ومن لجنة المال والموازنة بالذات، يكتسب أبعاداً واضحة المعالم، لجهة نوعيّة المهام والأدوار المتصلة بهذه اللجنة

إقصاء منيمنة عن لجنة المال والموازنة

من بين جميع أعضاء اللجان المنتخبين أساسًا منذ تشكيل المجلس النيابي، وحده النائب إبراهيم منيمنة تعرّض إلى عمليّة إقصاء متعمّدة عن اللجنة التي كان عضوًا فيها، بخلاف العرف الذي سارت عليه الكتل النيابيّة، وهو ما جرى من خلال ترشيح النائب عدنان الطرابلسي في مواجهته وصب الأصوات له. 

وبذلك، خرج من اللجنة آخر النوّاب الذي خاضوا داخلها خلال فترة محدودة، لم تتخط الأربعة أشهر، معارك شرسة في ملفّات تشريعيّة وماليّة عدّة، في مواجهة اللوبي النيابي المحسوب على المصارف، وخصوصًا بما يخص الملفّات المتصلة بالانهيار الاقتصادي ومسارات التصحيح التي اشترطها صندوق النقد. وفي المقابل، دخلها النائب عدنان الطرابلسي، ممثّل جمعيّة المشاريع الإسلاميّة، التي بدأت منذ الانتخابات النيابيّة الماضية تقاربها مع المصرفي انطون الصحناوي، والذي توّج بدعمها لمرشّحه في دائرة بيروت الأولى. 

في جميع الحالات، يبدو من الواضح اليوم أنّ الإصرار على إقصاء منيمنة بالتحديد، ومن لجنة المال والموازنة بالذات، يكتسب أبعاداً واضحة المعالم، لجهة نوعيّة المهام والأدوار المتصلة بهذه اللجنة، وتعويل اللوبي المصرفي داخل المجلس عليها في ما يخص الاستحقاقات الداهمة المقبلة. ولهذا السبب تحديدًا، كان إقصاء ابراهيم منيمنة عن لجنة المال والموازنة مجرّد ترجمة عمليّة لرغبة لوبي المصارف بإقصاء آخر الأصوات المعترضة داخلها، خصوصًا بعدما ترجم أداؤه اندفاعًا صريحًا في وجه المصالح التي يدافع عنها هذا اللوبي.

هذا الحدث يعيد فتح ملف الأدوار التي لعبتها لجنة المال والموازنة طوال الفترة الماضية، على مستوى المناورات التي حصلت في جميع الملفّات الماليّة الأساسيّة. كما يفتح باب الحديث عن الأدوار المتصلة بعمل اللجنة خلال المرحلة المقبلة، والتي دفعت الكتل النيابيّة إلى العمل على إقصاء منيمنة بهذا الشكل.

لجنة المال والموازنة والأدوار المشبوهة في بدايات الانهيار

من يتابع عمل لجنة المال والموازنة منذ العام 2019، يدرك درجة اتصال نشاطها بالمعارك التشريعيّة التي خاضتها المصارف دفاعاً عن مصالحها. أولى المهام التي قامت بها اللجنة عام 2020، كانت تشكيل لجنة تقصّي حقائق خاصّة بخطّة حكومة حسّان دياب الماليّة، التي أثارت حفيظة المصارف في ذلك الوقت، بعدما نصّت على بنود تفرض شطب الرساميل المصرفيّة في المرحلة الأولى قبل الانتقال إلى تحميل أي خسائر للمودعين. 

في النتيجة، وبعد إسقاط الخطّة التي راعت معايير وشروط صندوق النقد، مضت البلاد لثلاث سنوات في السقوط الحر، في غياب أي بديل أو رهان آخر. 

بالتوازي مع لعبة إسقاط خطّة لازارد، تولّت اللجنة منذ ذلك الوقت دفن أي قانون ينظّم الضوابط والقيود على السحوبات والتحويل، بتشجيع من جمعيّة المصارف التي قادت حملة ضد تشريع من هذا النوع. وهذا تحديدًا ما فتح الباب طوال السنوات الماضية لتهريب ما تبقى من سيولة النظام المصرفي، لحساب حلقة ضيّقة من المحظيين والنافذين داخل النظامين المالي والسياسي. 

مع الإشارة إلى أنّ لجنة المال والموازنة تغاضت في المرحلة نفسها عن البحث في أي تشريعات تمنع بيع سندات اليوروبوند (أي سندات الدين السيادي المقوّمة بالعملة الصعبة) من قبل المصارف إلى أطراف أجنبيّة، رغم وجود مشروع قانون مرتبط بهذه المسألة، وهو ما سمح للمصارف بالاستمرار ببيع هذه السندات إلى صناديق المضاربة في الخارج. وفي النتيجة، وبدل أن تكون معالجة أزمة التخلّف عن دفع هذه السندات مجرّد شأن محلّي، يمكن معالجته بالتفاهم مع المصارف على إعادة هيكلة الدين العام، انتقل الجزء الأكبر من هذه السندات إلى المضاربين الأجانب الأكثر قدرة على فرض شروطهم على لبنان. وفي كل الأحوال، تشير الأرقام إلى أنّ القيمة الإجماليّة لسندات اليوروبوند التي جرى تهريبها في تلك المرحلة تجاوز 4.7 مليار دولار، بين كانون الثاني/ يناير 2019 وآذار/مارس 2020.

التواطؤ ضد مسارات التصحيح المالي

لم تقتصر الأدوار المشبوهة التي لعبتها هذه اللجنة على المراحل الأولى للانهيار. فبعد تشكيل حكومة ميقاتي، ومضي وفد الحكومة بالتفاوض مع صندوق النقد وصياغة خطّة التعافي المالي الجديدة، لعبت اللجنة الدور نفسه، وبحسب أولويّات جمعيّة المصارف نفسها. 

أول هذه الأدوار كان رفع الصوت في وجه خطّة التعافي المالي بصيغتها الأولى، التي جرى وضعها بالتفاهم مع صندوق النقد. فبعدما أبدت جمعيّة المصارف اعتراضها على هذه الخطّة، وبمجرّد إشهار الجمعيّة الحرب على نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الذي أشرف على وضع الخطّة، اجتمعت لجنة المال والموازنة برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي وعد بتصحيح الخطّة وتعديلها وإرسالها مجددًا إلى المجلس النيابي. وبالفعل، تم تعديل الخطّة لاحقًا، عبر تضمينها فكرة صندوق استرداد الودائع، الذي سيتولّى تسديد جزء من التزامات القطاع المصرفي للمودعين من المال العام، تمامًا كما طالبت جمعيّة المصارف منذ بدء الانهيار المالي.

في ملف تعديل قانون سريّة المصارف، الذي طالب به صندوق النقد الدولي كجزء من التفاهم على مستوى الموظفين مع لبنان، أشرفت اللجنة على تفخيخ مشروع القانون وتفريغه من مضامينه الأساسيّة، لحماية المستفيدين من السريّة المصرفيّة من هذه التعديلات. في ملفّ الموازنة، عملت اللجنة على تطبيع ظاهرة تعدد أسعار الصرف، من خلال اعتماد أسعار صرف مختلفة لاحتساب الرسوم والنفقات، لتفادي استحقاق توحيد أسعار الصرف. مع الإشارة إلى أنّ توحيد أسعار الصرف كان سيفرض على القطاع المصرفي التصريح عن ميزانيّاتها، وضمنها التزاماته للمودعين، بحسب سعر الصرف الفعلي المرتفع، بدل إخفاء الخسائر عبر التصريح عن هذه الخسائر بسعر الصرف الرسمي القديم.