fbpx

بيروت: الحرامي سرق السيدة
في ساحة ساسين ويوصد باب المصرف في وجهها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تريد السيدة أن تقتحم المصرف على غرار ما فعل مودعون غيرها. هي لا تقوى على ذلك أصلاً، وليس بيدها سلاح. فقط صوتها الذي يكشف عن حاجة ملحة لمبلغ هو جزء صغير من وديعتها!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 صباحاً، وبينما كنت متوجهاً إلى ممارسة الرياضة، وعابراً من ساحة ساسين في بيروت، حيث انتصب مؤخراً تمثال كبير للعذراء، في سياق ظاهرة استنبات نصب الأئمة والقديسين في ساحات المدن اللبنانية، وإذ بسيدة تقف على باب مصرف “لبنان والمهجر” الموصد والمحروس من قبل رجلي أمن، وتصرخ في وجهيهما فيما هما يصدان محاولاتها الدخول عنوة إلى المصرف. 

السيدة وقفت على مدخل البنك تجادل بأن موعد سحبها ما سُمح لها من سحبه من وديعتها قد حان، وأن إقفال المصرف أبوابه في وجهها بعد أن سطا على وديعتها، هو الخطوة الأخيرة لتكتمل السرقة.

المشهد صار عادياً في لبنان، لكنه لا يكف عن دفعنا إلى التفكير بالانتقام. هل يستيقظ صاحب المصرف في الصباح على شعور بالعجز، على نحو ما شعرت السيدة التي التقيتها في الصباح؟ كاذبون وسارقون وعديمو الضمير والأخلاق، يستيقظون في الصباح وينعمون بما جنت أيديهم، فيما يوصدون أبواب مصارفهم في وجه أصحاب الحق، ممن يحاولون انتزاع القليل لتصريف حاجاتهم.

أصحاب المصارف الذين يخوضون معارك لمنع رفع السرية المصرفية عن الحسابات المشبوهة، ولإصدار قانون “الكابيتال كونترول” الذي يشرع لهم سرقاتهم، بعد أن أمضوا ثلاث سنوات من دون هذا القانون، ما سمح لهم بالقيام بتحويل حساباتهم وحسابات أهل السلطة الفاسدة إلى الخارج، هؤلاء أقفلوا اليوم أبواب مصارفهم في وجه المودعين، فيما أبقوا على عملياتهم الداخلية ليتمكنوا من جمع الدولارات من الأسواق ومعاودة بيعها. 

السيدة وقفت على مدخل البنك تجادل بأن موعد سحبها ما سُمح لها من سحبه من وديعتها قد حان، وأن إقفال المصرف أبوابه في وجهها بعد أن سطا على وديعتها، هو الخطوة الأخيرة لتكتمل السرقة.

الأسى على وجه السيدة عند ساحة ساسين يمثل فعلاً ما يعيشه معظم اللبنانيين. لا شيء أوضح من الظلم الذي لحقها! هي في عقدها السادس تقريباً، ومن المرجح أنها أمضت عشرات السنوات من العمل والادخار من أجل تعليم ابن أو تأمين تقاعد أو ضمان طبابة، وإذ بسارق غني يسطو على سنوات الشقاء والتعب. هم لم يسرقوا رقماً أو مبلغاً أو حساباً، لكنهم سرقوا سنوات من الشقاء، وهم سرقوا الماضي والحاضر والمستقبل، وبهذا المعنى يجب أن نستعد لمواجهة تضمر هذه الظلامة. 

رجل الأمن الذي يمنع السيدة من دخول المصرف يتقاضى راتبه من وديعتها! المصارف لا تنتج أرباحاً هذه الأيام، هي صروح للإنفاق مما تبقى من الودائع. فأي ظلم هذا؟ السيدة في ساحة ساسين هي من يدفع لرجل الأمن، الذي يمنعها من دخول المصرف، راتبه! 

صاحب المصرف لا ينفق من حسابه الخاص فلساً واحداً.

لا تريد السيدة أن تقتحم المصرف على غرار ما فعل مودعون غيرها. هي لا تقوى على ذلك أصلاً، وليس بيدها سلاح. فقط صوتها الذي يكشف عن حاجة ملحة لمبلغ هو جزء صغير من وديعتها! حالها كحال مئات الآلاف من المودعين. المصارف وأصحابها منشغلون اليوم بمنع رفع السرية المصرفية وبتأمين حضور في الحكومة العتيدة، وفي هذا الوقت لا بأس بإيصاد الأبواب في وجه المودعين من حين إلى آخر ريثما تنجح السلطة بتحميل هؤلاء الحصة الأكبر من الخسارة.

لكن الرهان على استسلام المودعين لـ”ستاتيكو المنهبة” بحيث يصبح مشهد السيدة في ساحة ساسين عادياً وجزءاً من يومياتنا، لن يستقيم، ليس لأن المودعين “أبطالاً”، إنما لأنّ القبول غير إنساني، ولأنّ السرقة أصابت ثلاثة أجيال من اللبنانيين، ولأن من ينعم بعائدات السرقة يعيش بينهم وهم يعاينون تنعمه بمدخراتهم أمام أعينهم. 

الحرامي مقيم بيننا، ويعقد اجتماعات في جمعية المصارف، ويصدر بيانات، وتتولى محطات التلفزيون كلها بث إعلانات عن “الحاجة الملحة إليه”، وتظهر إعلانات مصرفه كـ”سبونسر” لمعظم البرامج السياسية في التلفزيونات، فيما السيدة العاجزة عن اقتحام المصرف لا تجد من يلاقيها لينقل قصة ابنها العالق في فرنسا منتظراً أقساط جامعته.      

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!