fbpx

أية صورة للفلسطينيين:  عدي التميمي
أم القيادات البائسة في حضرة بشار الأسد؟    

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كنّا امام مشهدين معبرين ومتفارقين في حكاية الفلسطينيين في بطولاتهم وتضحياتهم وفِي إهانتهم واستغلال كفاحهم، شتان بين الصورتين، الصورة الأولى صورة الحرية والبطولة البهية والصورة الثانية صورة الاستبداد والخذلان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

     تصدرت المشهد الفلسطيني صورتان لخصّتا أحوال الفلسطينيين وأوضاع حركتهم الوطنية، الأولى هي صورة الفدائي الشاب عدي التميمي، المقاوم العنيد، والثانية هي تلك التي جمعت قيادات الفصائل البائسة برئيس النظام السوري بشار الأسد، المعزول في قصره، مع ابتسامات لا في محلها ولا ثمة أي معنى لها.

    الصورة الأولى، أعادت الى الذاكرة صورة الفدائي الأول، التي مثلت انطلاق الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة (١٩٦٥)، واستنهضت الشعب الفلسطيني من نكبته وشتاته وحيرته، بنزاهتها وحيويتها وبهائها، كأنها رسالة احتجاج على تخبط وتفكك وتكلّس الحركة الوطنية الفلسطينية، وعلى خبوها، وتحولها المرضي من حركة تحرر وطني إلى سلطة تحت الاحتلال، في عودة الى الحكاية المؤسسة والجامعة لهوية الشعب الفلسطيني.

    هذا الفدائي الشاب حليق الرأس حماه شباب فلسطين في منطقتهم بحلق شعر رؤوسهم، ليس لإخفائه عن جنود الاحتلال فقط، وإنما ليقولوا لإسرائيل إن كل شاب في فلسطين هو عدي، او هو مشروع مقاومة، كأن في ذلك تكرار لاعتمار الفلسطينيين “الحطّة” الفلسطينية، لحماية الثوار من جيش الاحتلال البريطاني، إبان الثورة الفلسطينية الكبرى (١٩٣٦-١٩٣٩). 

    صورة، او فكرة، عدي من مخيم شعفاط بين رام الله والقدس، هي ذاتها فكرة رعد حازم في جنين، وابراهيم النابلسي في نابلس، والشباب في القدس والخليل وغزة وحيفا والجليل، وهي بمثابة رد طبيعي على عسف الاحتلال وجرائمه، واستباحته حياة الفلسطينيين وامتهانه اهانة كرامتهم، تماما مثلما هي بمثابة رد طبيعي وعفوي على ترهل الحركة الوطنية الفلسطينية، وعلى شيخوخة القيادات الفلسطينية، بمعنى كهولتها، وتشبّثها بالقيادة وبالسلطة، حتى باتت عبئاً على الشعب الفلسطيني، وعامل كبح لتطور كفاحه.

    ثمة معنى ايضا لتصويب عدي على جيش الاحتلال، في العمليتين، وليس على سواه من أهداف، فهذا الخيار هو الأكثر جرأة وقوة وإيلاما لإسرائيل، التي تستبيح مدن الفلسطينيين ومخيماتهم وقراهم  ليل نهار، بلا مبالاة بالسلطة، بل لتعمد الحطّ من قيمتها ومكانتها. 

    بيد إن الأمانة، كما المسؤولية، الأخلاقية والكفاحية والسياسية، إزاء هؤلاء  الشباب، الذين صنعوا أسطورتهم، تقتضي تأكيد أن بطولاتهم الفردية ليست بديلا للكفاح الجمعي للشعب الفلسطيني، بل هي نتاج الفراغ الكفاحي، بعد أن باتت الفصائل، التي تحول دورها إلى التصفيق لهم فقط، عاجزة أو فاقدة للأهلية النضالية، كما هي نتاج افتقاد الفلسطينيين لاستراتيجية كفاحية ملائمة، وفاعلة، ومستدامة، تمكنهم من مراكمة تضحياتهم وبطولاتهم، واستثمارها في إنجازات سياسية معينة، وليس في مجرد أوهام أو شعارات، صاروخية او نارية أو دولتية أو سلطوية. 

هذا الفدائي الشاب حليق الرأس حماه شباب فلسطين في منطقتهم بحلق شعر رؤوسهم، ليس لإخفائه عن جنود الاحتلال فقط، وإنما ليقولوا لإسرائيل إن كل شاب في فلسطين هو عدي.

    أما الصورة الثانية النشاز، فكانت عكس أو ضد الأولى، إذ أتت كممحاة للذاكرة الفلسطينية، ولتاريخ الكفاح الفلسطيني، ولمعنى فلسطين، كونها قضية حرية وكرامة وعدالة، وليست مجرد قطعة أرض أو قضية سلطة. 

    في هذا المشهد البائس والغريب عن التاريخ الفلسطيني شاء “المخرج” ان يتصدر ممثل نظام “الولي الفقيه” في ايران الفصائل الفلسطينية، في حين حلت حركة “حماس” في مكانة المقعد الثاني كإمتهان لها، ولعرض عودتها الى “بيت الطاعة”. اما ممثل حركة فتح فبالكاد كان يمكن ملاحظة حضوره، من ناحية السياسة والمكانة والدور، وفِي مايخص الفصائل الاخرى (خاصة “اليسارية”) فقد أضحت لزوم ما لا يلزم إلا لمقتضيات الصورة والبروتوكول، فحتى شعبها لم يعد يبالي بها، وبالكاد يتذكر شيئا عنها، سيما ان معظمها ملحق بفتح او بحماس او بالنظام السوري.

    وفِي الحقيقة، لا أحد يمكنه فهم هذا اللقاء سوى أنه أتى لإذلال حماس، وإظهار تقلبها، وانتهازيتها، كفصيل فلسطيني بات سلطة في إقليمه، ومرتهناً لعلاقاته الإقليمية، وكفصيل ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي، ليس لديه مانع من النكوص عن مواقفه، إلى درجة الخنوع لنظام استبدادي يقتل شعبه، في تنكر لعذابات السوريين والفلسطينيين، ومآسيهم، كأن هذا التيار غير معني بقيم الحرية والعدالة والكرامة، وأن كل ما يهمه هو مصالحه السلطوية.

    من جهة أخرى، فإن تلك الصورة تحاول تبييض صفحة النظام السوري في جرائمه ضد شعبه، وضد الشعب الفلسطيني، من مسؤوليته عن تضييع الجولان (١٩٦٧)، إلى التدخل في لبنان (١٩٧٦)، ضد الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، مرورا بحرب المخيمات (١٩٨٥-١٩٨٧) في برج البراجنة وصبرا وشاتيلا، عبر ذراعها حركة “أمل”، ثم مسؤوليته عن نشوء فصيل “فتح الاسلام” في مخيم نهر البارد (٢٠٠٧)، مع كل محاولات الهيمنة على منظمة التحرير، حتى أن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أشهر شعار القرار الوطني الفلسطيني المستقل في وجه نظام الأسد تحديدا، الذي قام بطرده من سوريا (١٩٨٣) واعتقال معظم كوادر ومنتسبي فتح في ذلك البلد في حينه.

    إلا أن الأكثر تلاعبا ورياء وزيفا، اعتبار ان تلك الزيارة أتت لتعضيد محور “المقاومة والممانعة”، الذي يضم مع نظام الأسد النظام الإيراني (و”حزب الله”)، في حين تلك حجة مكشوفة، وبالغة السذاجة، ولا تنطلي على أحد. كلنا نعلم، أن النظام السوري لم يطلق، بل ولا يسمح بإطلاق، ولو رصاصة على اسرائيل منذ حرب ١٩٧٣، وبالطبع فهو لن يسمح بفتح معسكرات او قواعد لا لحماس ولا لغيرها. والأهم من كل ذلك أن هذا النظام وحليفه الإيراني لا يردان البتة على اعتداءات اسرائيل عليهما، في سوريا ولبنان وإيران ذاتها، منذ سنوات، إذ يكتفيان بالتصريحات “العنترية” فقط، وبالقول المثير للسخرية بأن “الرد سيكون في المكان والزمان المناسبين”، في حين إنهما يشنان حربا وحشية ومدمرة وبلا توقف عَلى الشعب السوري  منذ أكثر من عشرة أعوام!

   إلى ذلك، ليس لهذا المحور ولا حد أدنى من الصدقية، ومن المشين لتلك الفصائل، وبخاصة حركة حماس، التزلف لهكذا نظام وتمكينه (مع النظام الإيراني) من ركوب واستغلال القضية الفلسطينية، ففي ذلك استهتار بعذابات وتضحيات الشعب الفلسطيني، كما في ذلك تفريغ واهانة لمعنى التحرر الفلسطيني، بتجريده من قيم الحرية والعدالة والكرامة. 

أما الحجة الأخرى ومفادها مواجهة موجة التطبيع مع اسرائيل فهي مجرد ادعاء اذ ان لحماس علاقات مع معظم تلك الأنظمة (وضمنها تركيا)، وكذلك النظام السوري ذاته، ثم ان عدوانية وجرائم اسرائيل الاستعمارية والعنصرية لا تغطي ولا تبرر جرائم النظامين السوري والإيراني، المسؤولان عن الخراب والتشقق المجتمعي في العراق وسوريا ولبنان، واللذان قدما أكبر خدمة لإسرائيل في كل ذلك، بحيث أضحت بمثابة الدولة الامنة في محيطها لعقود، والعكس صحيح ايضا، بمعنى ان لكل جريمة حسابها، ولكل مجرم حسابه.

هذه الزيارة تعني، بالتأكيد، أن تلك الفصائل، وضمنها حماس أساسا، تنحاز للنظام ضد شعب سوريا، كأن ضحايا الظلم الفلسطينيين يتنكرون لضحايا مثلهم، او كأن التحرر الفلسطيني يمكن أن يكون على حساب عذابات السوريين والعراقيين واللبنانيين (والفلسطينيين)، علما أن كل قصة الممانعة والمقاومة مجرد ادعاء وتغطية على نظم الاستبداد والفساد.

   وفِي ما يخص حركة حماس تحديدا فإن موقفها لم يكن سليماً تماماً لا في السابق ولا حاليا (بعد تلك الزيارة المذلة والباهتة)، ففي السابق ظنت ان لحظتها زفت محمولة على رياح الربيع العربي، الذي اعتبرته بمثابة ربيع إسلامي، لذا فعندما تبين ان ماحدث ليس كذلك عادت وانكفأت، وتراجعت عن مواقفها السابقة بخفة، تنم عن غياب الروح المبدئية، والقيم الأخلاقية النبيلة.

     وعلى العموم فإن مشكلة حركة حماس الأساسية والتاريخية، انها لم تقدم النموذج الأفضل إزاء فتح، لا كحركة تحرر وطني، ولا كسلطة، بل خسرت في الصراع على النموذج، في هاتين المسألتين، إن بتحوّلها إلى سلطة، او بارتهانها للداعمين الخارجيين، حتى ولو كان على حساب القضية والشعب الفلسطينيين. 

ماذا ستقول حماس وباقي الفصائل للسوريين؟ ثم ماذا ستقول للفلسطينيين في سوريا اللاجئين والمشردين ولأهالي المعتقلين والمغيبين والشهداء؟ وماذا ستقول لضحايا مجزرة جورة التضامن ومعظمهم من مخيم اليرموك (ابريل ٢٠١٣)؟ وماذا يعني  يحيى الحوراني /ابو صهيب الذي قضى وعشرات آخرين من حماس في مخيم اليرموك؟ بل وماذا ستقول بشأن نبش “مقبرة الشهداء” في مخيم اليرموك، التي نبشت من قبل القوات الروسية، تحت علم الفصائل وبصرها، وبعلم نظام المقاومة والممانعة، بحثا عن رفاة جنود اسرائيليين غزوا لبنان وقتلوا (١٩٨٢)؛ حيث تم العثور على رفاة احدهم (زكريا باومل) وأخذت الى موسكو (٢٠١٩) حيث تم تسليمها لنتنياهو هناك بمراسم عسكرية احتفائية وتحت العلمين الاسرائيلي والروسي؟

   هكذا كنّا امام مشهدين معبرين ومتفارقين في حكاية الفلسطينيين في بطولاتهم وتضحياتهم وفِي إهانتهم واستغلال كفاحهم، شتان بين الصورتين، الصورة الأولى صورة الحرية والبطولة البهية والصورة الثانية صورة الاستبداد والخذلان.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.