fbpx

بين قانون تحرّش لا يشملهن ونظام كفالة تعسّفي:
أكثر من ثلثي العاملات الأجنبيات في لبنان ضحايا العنف الجنسي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“بشكل متكرّر، كان ربّ العمل يكشف عن أعضائه التناسلية ويستمني أمامي في أثناء عملي”… إنها شهادة إحدى العاملات الأجنبيات في لبنان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“بشكل متكرّر، كان ربّ العمل يكشف عن أعضائه التناسلية ويستمني أمامي في أثناء عملي”… واحدة من شهادات كثيرة نشرتها جمعيّة “Egna Legna“، التي تُعنى بالدفاع عن حقوق عاملات المنازل المهاجرات، على صفحتها على “انستغرام”. 

هذا الواقع الذي نقلته الشهادة، تعيشه عاملات كثيرات ممّن تعرّضن للتحرّش الجنسي أو التعنيف الجنسي في أثناء عملهم في لبنان. وهو حقيقة، واقع لا تستطيع هذه الفئات المهمشة التعبير عنه، مع غياب الحماية الواضحة لهن، من نظام الكفالة المتعسّف إلى قانون التحرّش الهشّ. 

“قال لي تم توظيفك للقيام بأعمال جنسية وتنظيف المنزل”، تقول عاملة في إحدى الشهادات المطولة والمفصلة التي نقلتها صفحة الجمعية والتي تروي تفاصيل عن يوميات العاملات وتعرضهن لانتهاكات وتحرشات جنسية عديدة.

في دراسة حديثة أجرتها جمعيّة “Egna Legna” طالت الفترة الزمنية بين عاميّ 2021 و 2022، بالشراكة  مع معهد دراسات الهجرة في الجامعة اللبنانية الأميركية بإدارة جاسمين ليليان دياب في الجامعة اللبنانية الأميركية، تظهر دلالات مقلقة على واقع العاملات الأجنبيات في لبنان، في كل بقعة جغرافية فيه. 

“68 في المئة من عاملات المنازل المهاجرات في لبنان تعرّضن على الأقل مرة واحدة للتحرّش أو العنف الجنسي خلال عملهنّ أو إقامتهنّ في لبنان”.

“68 في المئة من عاملات المنازل المهاجرات في لبنان تعرّضن على الأقل مرة واحدة للتحرّش أو العنف الجنسي خلال عملهنّ أو إقامتهنّ في لبنان”، بحسب الدراسة التي أعدتها جمعية Egna Legna” تحت إشراف جاسمين دياب، وبانشي ييمر، وتسيجيريدا بيرهانو، وآريان كيتوكو، وفرانسيكا آنكره.”نحن على يقين بأنّ عدد الضحايا أعلى بكثير، فهناك ممن لم تُفصح عن تعرّضها للتحرّش أو التعنيف الجنسي، لكن في المقابل لم تفضل عاملات الجواب عن السؤال إطلاقاً” تقول دياب.

الدراسة التي حملت عنوان “لمحة عن الأبعاد الجندرية للعنف الجنسي ضدّ عاملات المنازل المهاجرات ما بعد الأزمة”، شملت 913 عاملة من الكاميرون، أثيوبيا، الفلبين، غانا، نيجيريا، سيراليون، وسريلانكا. 25 في المئة منهنّ تمكّنّ من الإفصاح لأحد على الأقلّ عمّا تعانيه، ولكن من دون جدوى. 

الأزمة الراهنة يبدو أنّها زادت من معاناة هؤلاء المرتهنة كرامتهنّ في لبنان، أكثر ممّا كانت عليه سابقاً، والذي يقدّر عددهن الإجمالي في لبنان بنحو 250 ألف عاملة. إلى جانب الحالات التي أفصحت عن التعرض للتحرّش الجنسي، ظهرت نسبة كبيرة ممّن حُرِمنَ من الأجر، ومن إجراء مكالمات هاتفية، ومُنعن من التنقّل، وأخريات أرغمنَ على القيام بمهام خارج ما ينصّ عليه عقد العمل. ولجأت بعض العاملات المنزليّات إلى الهروب من منزل المعتدي الذي تعمل لديه. 

“في إحدى الأيام، تأخرت عن العمل، وفي عجلة من أمري، استقلّيت سيارة أجرة. عندما فتحت الباب الخلفي للحصول على مقعد، طلب مني السائق أن آخذ المقعد الأمامي. دون أن أعطيه الكثير من التفكير، فعلت. وفي الطريق، أخبرني أنه سيعطيني رحلة مجانية إذا سمحت له بلمسي، مردّداً تعليقات جنسية”، هذه شهادة أخرى لعاملة تعرّضت للعنف الجنسي في مكانٍ عام.

كثيرات تعرّضن للتحرّش من بعض سائقي الأجرة، الذين أفرغوا رغباتهم في رحلةٍ مؤقتة. وهذا ما يُنذر بالخطر، خصوصاً مع رواج النظرة إلى العاملة كـ”سلعة جنسية” لدى بعض أرباب العمل والأشخاص الذين يتعاملون مع العاملات في محلّ تجاري أو في سيّارة أجرة. إذ كشفت الدراسة أنّ 70 في المئة من المعتدين هم من أصحاب العمل الذكور، و40 في المئة من أصدقاء أصحاب العمل، و25 إلى 30 في المئة من صاحبات العمل النساء، و65 في المئة من سائقي التاكسي، و15 في المئة عناصر أمنية. 

قانون التحرش: “العاملات الأجنبيات غير مشمولات

“على الرغم من أن قانون التحرش الجنسي إيجابي لأنه يدرجه كجريمة، إلا أنّه لا يرقى إلى المعايير الدولية من خلال معالجة التحرش كجريمة فقط وإصلاح قانون العمل وفرض التعويضات المدنية”، تقول الباحثة في منظمة “هيومان رايتس ووتش” آية مجذوب.

النواقص في قانون تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه، الذي أقرّه مجلس النواب اللبناني عام 2020، يجعل من الصعب جدًا على الفئات المهمشة، مثل عاملات المنازل الأجنبيات، الاستفادة من تدابير الحماية التي يوفرها. إذ تعتبر الدراسة أنّ عدم تخصيص هذه الفئة في نصّ القانون يعتبر بمثابة استثناء لها منه.

وتضيف مجذوب أنّ القضايا الجنائية “غالبًا ما تستغرق سنوات في المحاكم”، لكن عاملات المنازل المهاجرات يخضعن لنظام تأشيرة مقيّد يجعل من الصعب عليهن البقاء في البلاد لمتابعة أي قضية. وبموجب نظام الكفالة، “العامل الذي يترك صاحب عمل، حتى لتقديم شكوى، يفقد الحق في العيش في لبنان ويواجه احتمال الاحتجاز والترحيل”. 

وهنا يكمن الترابط التعسّفي الذي يمارسه نظام الكفالة على العاملات الأجنبيات بشكلٍ خاص، مع عدم ضمّهن إلى قانون التحرّش بشكلٍ واضح. وإن أمكن التخصيص، فإن غالبيّة العاملات المنزليّات في لبنان، لا تستجيب سفاراتهن أو قنصلياتهن لنداءات الحماية، في حال لجأن إليها، وكذلك الأمر الأجهزة الأمنية اللبنانية. 

“توخّي الحذر” أو “تم حفظ الشكوى” أو “ننصحكِ بالهرب”، هي الردود التي تلقّتها العاملات عند طلبهن الحماية القانونية من الأمن اللبناني. وتلفت الباحثة جاسمين دياب إلى غياب تطبيق المقتضى القانون بحقّ المرتكبين: عند لجوء عاملة لأي جهاز أمني للحصول على العدالة، “تغيب المتابعة، وغالباً ما يتم تصديق الطرف اللبناني في القضية على حسابهن”.

“لا أتصوّر أن قانون التحرش يعطي خارطة طريق واضحة للضحية لكيفية لجوئها إلى القانون”، تقول دياب. إذ تعتبر أنّ الحل يكمن في عدم الوقوف عند إصدار القانون، إنّما التأكد من آليات تطبيقه، ووصول محتواه إلى الأفراد لإقرار العدالة.

البيئة المرهقة

“البيئة المرهقة”، هي العبارة التي استخدمتها 75 في المئة من العاملات للإشارة إلى مكان العمل الذي تعرّضن فيه للتحرّش أو العنف الجنسي. لا يمكن غض النظر عن الآثار الجسدية والنفسية التي لقيتها هذه النساء، فقد نتج عن هذا العنف الإرهاق الشديد بنسبة 75 %، تليه 55 % للجروح. وتعرّضن أخريات لعدم انتظام الدورة الشهرية أو للحمل، والاكتئاب والقلق وغيرها من الآثار النفسية.

حاولت بعض العاملات تخطّي الحوادث التي تعرضن لها لوحدهنّ في ظلّ بيئة غير حاضنة، وعدم اليقين بأي جهة قد تقدّم لهن الدعم. فاللجوء إلى القضاء غالباً ما لا يحقق لهن العدالة. اعتمدت جزءاً من العاملات على طرق خاصة لتخطّي ما تعرضن له لوحدهنّ. 

لاحظت “هيومان رايتس ووتش” تحيزاً لصاحب العمل وأكثر ميلًا لتصديق رواياتهم، من دون أي أدلة. وتقول مجذوب: “وجدنا أيضًا أنه عندما تحال قضايا الإساءة إلى المحكمة، غالبًا تنتهي إلى أحكام خفيفة جدًا بحق أصحاب العمل لا تتناسب مع خطورة الجريمة”. 

تعقيباً على كل هذه العوامل، لا تثق عاملات المنازل في قدرة السلطات اللبنانية على حمايتهن ومحاسبة أصحاب العمل على العنف الجنسي ضدهن. ولا يجوز لهن، بموجب قانون التحرّش، رفع دعاوى جنائية. أمّا غير النظاميات، اللواتي خسرنَ أوراق إقاماتهن ففضّلن “عدم جذب الانتباه” كونهنّ يتنقّلن بشكل يومي. 

عند لجوء عاملة لأي جهاز أمني للحصول على العدالة، “تغيب المتابعة، وغالباً ما يتم تصديق الطرف اللبناني في القضية على حسابهن”.

أكثر أشكال المضايقات شيوعًا في حالات التحرش هذه، هو اللمس غير المرغوب فيه أو العناق أو التقبيل وغيره من أشكال الاتصال الجسدي. وذكرت عاملات للقائمين على الدراسة أنّ عاملات المنازل غالبًا ما يتم الاتصال بهن للعمل بالجنس أو يتم الدفع لهن مقابل خدمات جنسية: “كانوا يطلبون منا ممارسة الجنس ويقدمون لنا المال عندما نسير في الشوارع، وعندما نتجاهلهم، يهينوننا”، كما جاء في إحدى الشهادات. أو كما جاء في أخرى: “كان الجميع في المنزل الجديد طيبين، لكن الزوج كان يضايقني. لم أستطع إخبار الزوجة لأنها أحبته. لم أكن أرغب في تفكيك العائلة. لكن التحرش كان يحدث مراراً وتكراراً، لدي أصدقاء يعملون لدى بعض الجيران هناك، وعندما أخبرتهم أنه يضايقني، أخبروني أنه يتحرش بهم أيضا”.

في كل فترة تظهر إلى الواجهة حالة تعسف جديدة بحق العاملات الأجنبيات في لبنان، يصفع فيها المجتمع والسلطات هذه الفئات المهمشة. من التعذيب إلى الترحيل القسري وعدم حمايتهن من التحرش الجنسي. وسبق وأن عاشت العاملات حالات تعنيف أخرى لا تقل أهمية. آخرها كانت العاملة الكينية التي احتُجزت لدى الأمن العام، وأخلي سبيلها منذ فترة قصيرة بعد معاناة مع سلطات بلادها والسلطات اللبنانية.