fbpx

سوريا: وثائق تكشف كيف تذهب مئات ملايين الدولارات من الأمم المتحدة إلى زعماء ميليشيات النظام؟ 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كشفت وثائق جديدة أن الأمم المتحدة قدمت ما يقرب من 137 مليون دولار للشركات السورية المرتبطة بمنتهكي حقوق الإنسان ومنتفعي الحرب والأشخاص الخاضعين للعقوبات وغيرهم من الشخصيات المرتبطة بنظام بشار الأسد في عامي 2019 و 2020.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وأشارت الوثائق إلى أن الشركات التي تلقت أموال مشتريات الأمم المتحدة في سوريا شملت كيانات يملكها زعيم ميليشيا خاضع للعقوبات على صلة بمذبحة خارج دمشق وأفراد عائلة رجل أعمال يُزعم أنه استفاد من المتاجرة بأنقاض المباني التي قصفتها القوات الحكومية.  

وذهب ما يقرب من ربع أموال الأمم المتحدة التي تم تحليلها في التقرير المتعمق إلى الشركات المملوكة لأشخاص فرضت عليهم الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو بريطانيا عقوبات بسبب صلاتهم بنظام الأسد أو أي تورط آخر في الصراع، وفقاً للدراسة التي نشرتها يوم الثلاثاء منظمتان غير ربحيتين.

كتب معدو التقرير: “عندما يتم إساءة استخدام المساعدات الإنسانية وتشويهها بشكل منهجي، تحت ذريعة حماية حياد العمليات الإنسانية، فقد تصبح سلاحاً خطيراً في أيدي الحكومة ضد شعبها”. 

ومن المعروف منذ فترة طويلة أن الأمم المتحدة تقدم التمويل للشركات المرتبطة بنظام بشار الأسد، الذي أشرف على حرب أهلية استمرت عقداً من الزمان وأسفرت عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص وأجبرت حوالي سبعة ملايين شخص على الفرار من ديارهم. 

على سبيل المثال، أنفق موظفو الأمم المتحدة عشرات الملايين من الدولارات للإقامة في فندق فورسيزونز في دمشق، الذي يمتلك معظمه سامر فوز، وهو رجل أعمال برز خلال الصراع. وكانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على فوز في عام  2019 ، قائلة إنه “استفاد من فظائع الصراع السوري في مؤسسة مدرة للربح”، وكان “يدعم بشكل مباشر نظام الأسد القاتل”.

وشكلت الدراسة الجديدة – التي نشرها البرنامج السوري للتطوير القانوني (SLDP) ومقره لندن ومرصد الشبكات السياسية والاقتصادية (OPEN) – أول محاولة رئيسية لتحليل مقدار أموال المشتريات التي تذهب من الأمم المتحدة إلى منتهكي حقوق الإنسان أو الشخصيات التي تخضع للعقوبات أو المرتبطة بطريقة ما بنظام الأسد في خضم الصراع. 

وقال التقرير إن ما يقرب من نصف إنفاق الأمم المتحدة في عامي 2019 و2020 ذهب إلى ما وصفه بشركات ذات مخاطر “عالية” أو “عالية جدًا”، بما في ذلك تلك الشركات المملوكة للمنتفعين من الحرب والأشخاص الخاضعين للعقوبات وحلفاء النظام البارزين، بعد استبعاد الموردين الذين تم حجب هوياتهم “لأسباب أمنية” أو “لأسباب تتعلق بالخصوصية”. 

قام الصحفيون من OCCRP وشريكها الإعلامي، الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية (سراج)، بالمساعدة في البحث، وسمح لهم الوصول إلى التقرير، وأجروا تحليلاً خاصاً لبيانات مشتريات الأمم المتحدة، والتي غطت أكثر من 7000 عقد تم تنفيذها من عام 2015 إلى عام 2021. 

من خلال فحص أكبر 18 مورداً خلال تلك السنوات الست، حدد فريق OCCRP-SIRAJ ثلاثة عشر شركة مملوكة من قبل أفراد خاضعين للعقوبات أو آخرين لهم صلات بنظام الأسد، مما يؤكد العديد من النتائج الرئيسية في التقرير الذي نشره OPEN و SLDP. 

ووجدوا أيضاً أن في عامي 2015 و 2017 ، حوالي 1.4 مليون دولار من تمويلات الأمم المتحدة تم تقديمها إلى الأمانة السورية للتنمية، وهي مؤسسة أنشأتها زوجة الرئيس السوري أسماء الأسد، وفقا لخدمة التتبع المالي التابعة للأمم المتحدة.

وأعرب كارستن فيلاند، وهو دبلوماسي ألماني ومؤلف كتاب “سوريا وفخ الحياد: معضلات إيصال المساعدات الإنسانية من خلال الأنظمة العنيفة”، عن قلقه إزاء النتائج التي توصل إليها. 

وقال لـ OCCRP “إنه لأمر مروع للغاية أنه لم تبذل العناية الواجبة والكافية من قبل الأمم المتحدة للتحقق من أين جاءت هذه المنظمات، ومعرفة ما إذا كانت ذراعاً خفية لشخص آخر”.

وقال فرانشيسكو جاليتيري، رئيس فريق مكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا، إن الأمم المتحدة قدمت المساعدة الإنسانية لإدامة الفئات السورية الأكثر حاجة بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية أو من المسؤول عن المنطقة التي يقيمون فيها “مع الالتزام الصارم بمبادئ المنظمة الأممية: الحياد والاستقلال والنزاهة”.

لذلك فإن “الادعاء بأن الأمم المتحدة تعمل في سوريا بالحد الأدنى من معايير الشفافية هي جملة غير مدققة ظرفيا”.

وأوضح غاليتيري قائلاً: “تبذل جميع وكالات الأمم المتحدة جهودًا حثيثة لضمان فهم متعمق لمجموعة العوامل ذات الصلة بحساسية النزاع وممارسات العناية الواجبة في سوريا ، لضمان أن تكون البرامج والإجراءات التشغيلية ذات الصلة على دراية بالمخاطر ولا تسبب بأي أذى”.

وأضاف: “نجري أيضاً بشكل مستمر مراجعتنا الداخلية للادعاءات، وفي حال إشارة الأدلة إلى تورط البائعين والموردين في الممارسات المحظورة، فإن الأمم المتحدة  تفك ارتباطها. وفي عدة مناسبات أنهت كيانات الأمم المتحدة العقود”. 

وقال جاليتيري إنه تم تعزيز العناية الداخلية الواجبة في العامين الماضيين بما في ذلك إنشاء وحدة إدارة المخاطر التي تعمل على “تعزيز التنسيق بين الوكالات وتبادل الممارسات بشأن إجراءات العناية الواجبة”.

وأكد أنه بإمكان أي جهة مانحة طلب أي معلومات تتعلق بأي عقد من خلال الطرق الرسمية المتبعة لإجراء عمليات التدقيق.

وقال جاليتيري إن المزيد من المشتريات الاممية باتت تذهب إلى البائعين الإقليميين والدوليين “من أجل تعظيم القيمة او الفائدة مقابل المال، حيث انخفض في العام الماضي معدل المعاملات التي منحت داخل سوريا وباتت تقتصر على السلع الأكثر فعالية من حيث تكلفة  الشراء في سوريا أو ما يمكن أن تكون متوفرة هناك ”.   

 

صعود أمراء الحرب 

حافظت الحكومة السورية على قبضة محكمة على الاقتصاد لعقود من الزمن، حيث يهيمن حلفاء وأقارب عائلة الأسد الحاكمة على القطاعات الرئيسية مثل البترول والاتصالات والبنية التحتية والعقارات.

منذ انتفاضة عام 2011 والحرب الأهلية التي تلت ذلك، أصبح النظام السوري أكثر اعتماداً على فئة جديدة من المستفيدين من الحرب ووكلائها لمساعدته على الالتفاف على العقوبات والحفاظ على السيطرة على المصادر القليلة المتبقية من العملة الأجنبية. 

وفي الوقت نفسه، أصبحت سوريا واحدة من أكبر متلقي المساعدات الإنسانية في العالم. ومنذ عام 2011، تدفق أكثر من 40 مليار دولار من أموال المساعدات إلى البلاد، أكثر من نصفها كان من خلال الأمم المتحدة، وفقا للباحثين

تُظهر دراسة SLDP و OPEN أن الكثيرين في الدائرة المقربة من النظام قد استفادوا من تدفق من أموال المساعدات. 

على سبيل المثال، تلقت شركة تدعى “صقر الصحراء ذ.م.م” Desert Falcon LLC، يديرها فادي أحمد، أكثر من مليون دولار في عامي 2019 و2020  من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ووكالة اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” ضمن مجموعة متنوعة من الفئات بما في ذلك “الملابس” و”المعدات المكتبية” و”الإلكترونيات” و”مكونات التصنيع”. 

في عام 2012، تولى أحمد، المعروف أيضا باسم “فادي صقر”، قيادة ميليشيا قوات الدفاع الوطني الموالية للحكومة في دمشق. وقالت الدراسة أن الميليشيا شاركت في العام التالي في مذبحة راح ضحيتها عشرات الأشخاص في حي التضامن بالعاصمة السورية. 

المالك الشريك لـ Desert Falcon هو بلال النعال ، الذي كان عضواً في البرلمان السوري منذ عام 2020. ووجدت الدراسة أن شركة أخرى مملوكة له ، وهي شركة النعال ذ.م.م Al-Naal LLC ، تلقت كذلك أكثر من 1.2 مليون دولار من أموال المساعدات ، من اليونيسف والأونروا، تحت فئات تشمل تقديم  “الملابس” و”المواد الورقية” و”المعدات الطبية”. 

هناك شركة أخرى، هي جوبيتر للاستثمارات ش.م Jupiter for Investments SA ، حصلت على أكثر من نصف مليون دولار من اليونيسف مقابل “خدمات الإدارة والتنظيم”، مملوكة لعائلة حليف النظام محمد حمشو، بما في ذلك أربعة أقارب يخضعون للعقوبات.  واتهم حمشو الذي تفرض عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات بالاتجار في أنقاض المنازل المدمرة والعمل كواجهة لماهر شقيق الأسد الذي يرأس الفرقة الرابعة المدرعة التابعة للجيش. 

وقالت الدراسة إن أجنحة الشام، وهي شركة طيران سورية خاصة تخضع لعقوبات فرضت عليها من قبل الولايات المتحدة،  حصلت على عقد من برنامج الغذاء العالمي. وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على الشركة ومالكها  بسبب أزمة اللاجئين على الحدود البيلاروسية في عامي 2021 و 2022 لكن تم رفع العقوبات في بداية العام.

ارتبطت مجموعة متنوعة من الشركات الأخرى التي تتلقى أموالاً من الأمم المتحدة بعائلة الأسد، بما في ذلك العديد من أقارب وشركاء ابن عم الأسد، قطب الأعمال الخاضع للعقوبات رامي مخلوف، الذي تم تجريده من العديد من أصوله ووضعه قيد الإقامة الجبرية بسبب نزاع مع السلطات السورية على مدار العامين الماضيين. 

في وقت سابق من هذا الشهر، ذكرت وكالة أسوشيتد برس بشكل منفصل أن موظفين في منظمة الصحة العالمية التابع للأمم المتحدة في سوريا اتهموا رئيستهم بسوء إدارة ملايين الدولارات واستخدام أموال الوكالة لشراء هدايا لمسؤولي الحكومة السورية. 

يعد تدفق العملات الأجنبية الناجم عن الإنفاق على المساعدات الإنسانية نعمة للحكومة السورية، التي تكافح من أجل تدبير السيولة وسط العقوبات الدولية، وانهيار القطاعات الاقتصادية الأكثر إنتاجية، والأزمة المالية في لبنان المجاور.

وتطلب الحكومة السورية من وكالات الأمم المتحدة تبديل العملات بسعر الصرف الرسمي، وهو أقل بكثير من أسعار السوق السوداء.  وقال كرم شعار، المؤلف المشارك في تقرير OPEN-SLDP، إنه وجد في بحث سابق  أن الأمم المتحدة حولت حوالي 340 مليون دولار بالسعر الرسمي في عام 2020، وهو ما كان في المتوسط أقل بنسبة 50 في المائة من  سعر السوق السوداء في  ذلك العام. 

نتج عن الفارق ما يقارب 170  مليون دولار من أموال المانحين “المحولة” إلى سوريا، على الرغم من أنه ليس من الواضح بالضبط كيف حولت الحكومة هذه المبالغ المتحققة، وإلى أين، بحسب ما قال.

إجمالاً ، أنفقت الأمم المتحدة أكثر من 406 ملايين دولار في عمليات شراء في سوريا في عامي 2019 و2020، مع ذهاب حوالي 75 مليون دولار إلى موردين تم حجب هوياتهم.  

ومن بين الباقين، حللت دراسة SLDP و OPEN أكبر 100 مورد في العام 2019 وفي العام 2020 من القطاع الخاص و”المختلط”.

وبالاعتماد على سجلات الشركات بحسب  الجريدة الرسمية السورية، فضلا عن مراجعة مصادر المعلومات المفتوحة والمواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي، تم تقسيم الموردين إلى أربعة مستويات من المخاطرة، استناداً إلى دليل كتبه البرنامج السوري للتطويرالقانوني وهيومن رايتس ووتش ونشر بداية العام الحالي

وشمل تصنيف  الشركات “عالية المخاطر للغاية” تلك التي لها صلات بانتهاكات حقوق الإنسان، والجماعات شبه العسكرية، وقطاع الأمن الخاص، وتدمير الممتلكات المدنية، وتطوير الأراضي التي تم فيها تهجير الناس قسراً، ودعم القوات المسلحة السورية والحكومة السورية منذ عام 2011.

وشملت الشركات “عالية المخاطر” تلك التي حصلت على عقود من الدولة السورية أو احتكرت قطاعات معينة، أو كانت مملوكة لأعضاء البرلمان أو غيرهم من المسؤولين المحليين، أوتبرعات لكيانات سورية، أو شاركت في الحصار الاقتصادي للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة. 

ووجدت الدراسة أن حوالي 36 في المائة من الأموال التي حللتها ذهبت إلى شركات “عالية المخاطر للغاية”، في حين ذهب 10.3 في المائة أخرى إلى الشركات “عالية المخاطر”، و30.5 في المائة إلى “المتوسطة”، و22.9 في المائة إلى الشركات “منخفضة المخاطر”. 

وقال ويلاند، الدبلوماسي الألماني الذي عمل مع الأمم المتحدة، إن الإصلاح الشامل سيكون ضروريًا للخروج من “فخ الحياد” والتأكد من أن أموال الأمم المتحدة لن تذهب إلى موردين مثل أولئك المدرجين في التقرير.

وقال: “إنه شيء صعب للغاية وعلى  صلة كبيرة بالسياسة، لدرجة أنه يجب أن يتخذ  قرار الإصلاح من شخص في أعلى الهرم”.  وختم قائلا: “إن هذا لم يحدث. لم أر أي إرادة حقيقية لمعالجة مثل هذه القضايا”.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!