fbpx

“صحافة سامسونغ” في مصر:
لا تراخيص للمواقع التي لا تلتزم “أجندة” السلطة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يعرف أحد حتى الآن المعايير التي اختار بها المجلس الأعلى المواقع المرخصة، أو مصير باقي المواقع المعلق ترخيصها حتى الآن دون رد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل عشرة أشهر أعلن موقع “المنصة”، وهو موقع مصري مستقل يعالج قضايا ثقافية وسياسية وجندرية من خارج المقاربات السائدة في الإعلام المصري، عن حاجته لموظفة في منصب محررة. 

تقدمتُ للوظيفة وبعد اختبارات أولية وخلال مقابلة مع إدارة التحرير وقسم الموارد البشرية وجه إلي سؤال ما إذا كنت أعرف أن الموقع تم اقتحامه من قبل قوات الأمن قبل نحو عامين وأنه تم إلقاء القبض على رئيسة التحرير، واتهامها بإدارة موقع من دون ترخيص؟ وهل أدرك المخاطر المنطوية على العمل في هذا الموقع؟

السؤال كان مباشراً وواضحاً في دوافعه الإدارية والتحريرية،إلا أنه أثار العديد من المخاوف عندي حول كيفية قضاء مهامي اليومية كصحفية ملتزمة مهنياً وأخلاقياً، وأن أعرف في الوقت نفسه أن كلمة أو عبارة ما سأكتبها قد تثير حنق أي مسؤول وقد تؤدي إلى حملة أمنية مشابهة لما حصل للموقع عام 2020.

قد يكون هذا التخوف مطروحاً على أي صحافية أو صحافي يعمل في المجال الإعلامي الحالي في مصر والذي بات بشكل غير مسبوق خاضعاً لأجندة النظام. 

كيف سيكون الحال بصحافية في موقع لم يتجاوز عمره سبع سنوات وغير خاضع لمعايير وسائل الإعلام التقليدية الحالية في مصر؟

مصر تقبع في المرتبة 166 (من أصل 180 بلداً) على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته منظمة “مراسلون بلا حدود”.

ماذا حصل؟

في فبراير/ شباط 2020، اقتحمت قوات الأمن المصرية موقع “المنصة”، وألقت القبض على رئيسة التحرير نورا يونس، ووجهت النيابة لها عدة اتهامات وكان من بين هذه الاتهامات إدارة موقع بدون ترخيص. والموقع كان قدم في العام 2018 إلى المجلس الأعلى للإعلام كل الوثائق اللازمة للحصول على هذا الترخيص دون الحصول على أي رد.

بدت الخطوة تصعيداً مباشراً من السلطة لجهة التضييق على وسائل الإعلام المستقلة من خلال فرض عراقيل إدارية متكررة، فمن جهة يطلب من المنصات تسوية أوضاعها القانونية، لكن من جهة ثانية لا يتم التجاوب، ما يمنح الجهات المعنية ذريعة للشروع في إجراءات قانونية.

الصحافية نورا يونس كانت أسست المنصة عام 2015، وسبق لها أن تولت إدارة صحيفة “المصري اليوم” كما ساهمت بإنجاز محتوى مع صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية . 

تؤكد نورا لـ”درج” أن الاوراق المطلوبة تم تقديمها منذ عام 2018 لكن لا جواب حتى اليوم، “تقدمنا بطلب الترخيص بمجرد دعوة المجلس الأعلى للإعلام المواقع للحصول على تراخيص، وكانت المهلة لتقديم الأوراق أسبوعين فقط، تصارعنا مع الوقت لجمع الأوراق واستيفاء الشروط التي من بينها رفع الحد الادنى لرأس المال لـ 100 ألف جنيه، وهو مبلغ تعجيزي لجمعه في أسبوعين لا سيما وأن رأس المال الأصلي ألفين جنيه فقط، كما سددنا الرسوم المقدرة بـ 50 ألف جنيه، وتقدمنا بالطلب في نهاية شهر تشرين الأول/اكتوبر  من عام 2018، وكان المفترض أن يصل لنا رد من المجلس خلال 90 يوماً على الأكثر، لكن لم يصلنا الرد ونحن نقترب من إتمام السنة الرابعة في انتظار الترخيص”.

في منتصف شهر آب/ أغسطس 2020، ومع صدور اللائحة التنفيذية لقانون الإعلام والصحافة، تقدم موقع “المنصة” بطلب استكمال ترخيص وتوفيق أوضاع وفقاً للاستمارات الجديدة التي أصدرها المجلس، لكن الطلب لحق بسابقه وظل دون رد، ما استدعى إرسال الموقع خطابات مسجلة بعلم الوصول دون ردّ أيضا.

موقع “المنصة” محظور في مصر منذ 2017، شأنه في ذلك شأن موقع “مدى مصر” المستقل، الذي اعتُقلت رئيسة تحريره لينا عطاالله لعدة ساعات في أيار/مايو الماضي، وقبل ذلك في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، حيث تم اقتحام مقره وبالتالي تفتيشه.

مصر تقبع في المرتبة 166 (من أصل 180 بلداً) على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته منظمة “مراسلون بلا حدود”.

إعلام مصر في عهد صحافة “سامسونغ”


في العام 2019, تسبب خطأ فادح لمذيعة مصرية على قناة ”إكسترا نيوز“ الفضائية بسخرية واسعة، وذلك أثناء قراءة المقدمة لخبر إعلان وفاة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، فقد ظهرت على المذيعة علامات الدهشة والحيرة عقب قراءتها عبارة ”تم إرساله من جهاز سامسونغ”، لتثير سخرية الكثيرين. 

بدا واضحاً أن الخبر أرسل من هاتف ”سامسونغ“، لكن ما كان على المذيعة قراءة هذه العبارة، لأنها ليست من نص الخبر، بل هي لازمة تظهر اوتوماتيكاً كدلالة على نوع الهاتف الذي تم إرسال الخبر منه.

أثارت الواقعة حينها موجة من الإنتقادات للإعلام المصري الذي بات خاضعاً بشكل كبير لأجندة السلطة والذي يتلقى على الأرجح توجيهات من جهات نافذة لاسيما وأن نفس النص الذي قرأته المذيعة المذكورة تم نشره على فضائيات وصحف أخرى بنفس الصياغة.

رغم المفارقة الساخرة للحادثة لكنها كانت دلالة بارزة عن القيود التي تمارس على الصحافة في مصر حاليا، وبالتالي فإن عمل الصحافة المستقلة دون عقبات قانونية وأمنية ليست بسيطة.

بعد شهور قضتها بسمة محمد في البحث عن وظيفة صحفية، وجدت ضالتها في إعلان عن مقابلة للعمل في إحدى المواقع الإخبارية الناشئة.

 خاضت بسمة مقابلة العمل بحماس بالغ وفي المقابلة الثانية أخبرها مدير تحرير الموقع الإخباري أن العمل سيكون خلال 3 أسابيع، انتظرت بسمة شهراً كاملاً قبل أن يتم إخبارها أن المشروع توقف حتى إشعار آخر بسبب عدم حصوله على ترخيص للعمل، لأن تمويله يعتمد على مستثمرين لا يمكنهم المخاطرة بغرامات أو مصادرة الموقع والشركة الصادرة منه، أو أي عقوبات ينص عليها القانون.

تنص المادة رقم 70 من الدستور المصري على حق المصريين سواء كانوا أشخاص طبيعيين أو اعتباريين في إنشاء الصحف ووسائل الإعلام الرقمي، على أن تصدر هذه الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذي يقره القانون، إلا أن هذا الحق لم يمنع النيابة المصرية من توجيه اتهام إدارة موقع بدون ترخيص لاثنين من مؤسسي المواقع الإخبارية المستقلة، رغم قيام هذه المواقع بإجراءات ترخيص المنظمة بالقانون رقم 180 لسنة 2018 المعني بتنظيم الإعلام.

تجربة “مدى مصر”

في  نهاية شهر أغسطس / آب الماضي، نشر موقع “مدى مصر” وهو موقع إخباري مستقل محجوب داخل مصر، نشرة إخبارية روتينية تضمنت خبرا حول حزب “مستقبل وطن” المقرب من السلطة، حيث نقل الخبر عن مصادر اقتراب حملة تطهير داخل صفوف الحزب، وعقب نشر هذا الخبر توالت البلاغات من نواب الحزب بالبرلمان ضد 3 صحفيات هن بيسان كساب ورنا ممدوح وسارة سيف بعدة بلاغات بينها نشر أخبار كاذبة.

أثناء جلسة التحقيق مع الصحفيات الثلاث، وجهت النيابة إلى رئيس تحرير الموقع الصحافية لينا عطا الله تهمة إدارة موقع بدون ترخيص، رغم قيام إدارة الموقع بتقديم كافة الأوراق الخاصة بتقنين الموقع للمجلس الأعلى للإعلام منذ إصدار قانون تنظيم الإعلام.

بحسب  تصريح حسن الأزهري المستشار القانوني لموقع “مدى مصر” لـ”درج”، فإن إدارة الموقع تقدمت بكافة الأوراق القانونية الخاصة بترخيص الموقع أو توفيق أوضاعه طبقاً للقانون الجديد عقب إصدار القانون في آب/اغسطس 2018، وذلك رغم عدم صدور اللائحة التنفيذية للقانون، وفي شباط/فبراير 2020 صدرت اللائحة التنفيذية، وتم منح مهلة للمواقع لتوفيق أوضاعها دون تحديد هل التقدم لكافة المواقع أو المواقع التي لم تتقدم بأوراقها قبل ذلك، ومع ذلك تقدم الموقع مرة أخرى بطلب استكمال أوراقه، وتقدم بكافة الأوراق مرة أخرى للمجلس الأعلى للإعلام المنوط به إصدار تراخيص المواقع بحسب القانون ولائحته التنفيذية.  

لم يتلق موقع “مدى مصر” أي ردود من المجلس الأعلى للإعلام رغم نص القانون على أن يتم البت في طلب الترخيص خلال 90 يوماً،  وأن يكون الرفض معللاً، ما دفع إدارة الموقع إلى إرسال خطاب بعلم الوصول للاستعلام على موقف الترخيص من عدمه بداية 2021، دون تلقي رد.

رفض المجلس الأعلى ترخيص الموقع في جلسته بتاريخ 3 يناير/ كانون الثاني 2021، فوجهت النيابة لرئيسة التحرير تهمة إدارة موقع دون ترخيص، قبل الإفراج عنها بكفالة مالية قدرها 20  ألف جنيه، والافراج عن الصحافيات الثلاثة بكفالة مالية قدرها 5 آلاف جنيه مصري.

الحجب رداً

“الردّ دائما يكون الحجب” يقول الصحفي وعضو مجلس نقابة الصحفيين الاسبق خالد البلشي، رئيس تحرير موقع “درب” الصادر عن حزب “التحالف الشعبي الاشتراكي”، كما أسس وأدار موقعي “كاتب” و”البداية” قبل ذلك.

لم يحتج البلشي في تجاربه السابقة إلي أي جهود للحصول على ترخيص، حيث لم يكن مطلوبا ذلك، فموقع البداية بدأ العمل وحجب في 2017، أي قبل صدور القانون، بينما تجربة موقع “كاتب” الصادر عن “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان”،  بدأت العمل قبل شهرين من إصدار القانون 180 لسنة 2018 ، وتم حجب بعد 10 ساعات فقط من العمل، ليتم إعلان تجميد العمل بالموقع في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.

أما تجربة “درب” فصدرت في آذار/مارس 2020، عقب شهر واحد من صدور اللائحة التنفيذية لقانون 180 لسنة 2018، التي صدرت في شباط/فبراير 2020، لذلك قام حزب التحالف الشعبي، الصادر عنه الموقع بتقديم طلب ترخيص، لاسيما أن قانون الاحزاب المصري يعطي لكل حزب سياسي قائم الحق في إصدار صحيفتين سواء ورقية أو الكترونية، إلا السلطات قامت بحجب الموقع بعد شهر واحد فقط من إصداره، ولم يتم حتى الآن الرد على طلب الترخيص بحسب البلشي.

بحسب  دليل أوضاع المواقع الإلكترونية الصادر عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير، فإن القانون يستلزم عدة خطوات لإصدار ترخيص للموقع الالكتروني، من بينها ملئ استمارة التسجيل، التي تتضمن عدد من البيانات منها اسم الصحيفة أو الموقع الإلكتروني.

اسم مالك الشركة الصادر عنها الموقع، ولقبه وجنسيته ومحل إقامته، اللغة التي تُنشر بها الصحيفة أو الموقع الإلكتروني.

نوع المحتوى، السياسة التحريرية، مصادر التمويل، نوع النشاط، الفئة المستهدفة من الجمهور، الهيكل التحريري والإداري، بيان الموازنة، عنوان الشركة، اسم رئيس التحرير، مكان بث الموقع الإلكتروني، اسم مسؤول الاتصال، ورقم تليفون وبريد إلكتروني للتواصل.

وطبقاً للقانون، فإن الأوراق المطلوبة هي بطاقة ضريبية وسجل تجاري للشركة يتضمن بيان رأس مال الشركة الذي لا بد أن لا يقل عن مائة ألف جنيه، وصحيفة حالة جنائية لمالك الشركة، وعقد إيجار أو تمليك لمقر الموقع، وإيصال دفع 50 ألف جنيه رسوم للمجلس الأعلى للإعلام.

وينص القانون على إخطار المجلس للمواقع التي قدمت طلباً غير مستوفي الشروط خلال 30 يوماً من تقديم الطلب، وبحسب القانون فيجب أن يكون رفض المواقع مسبباً، وضمن هذه الأسباب ما قاله وكيل المجلس الأعلى للإعلام السابق عبد الفتاح الجبالي من أن المواقع التابعة للكيانات الارهابية أو المحرضة ضد الدولة محرومة من الترخيص، وهو سبب فضفاض للرفض.

أثناء جلسة التحقيق مع الصحفيات الثلاث، وجهت النيابة إلى رئيس تحرير الموقع الصحافية لينا عطا الله تهمة إدارة موقع بدون ترخيص، رغم قيام إدارة الموقع بتقديم كافة الأوراق الخاصة بتقنين الموقع للمجلس الأعلى للإعلام منذ إصدار قانون تنظيم الإعلام.

الكيل بمكيالين 

اعتبر محمد سعد عبد الحفيظ عضو مجلس نقابة الصحفيين المصريين، أن المجلس الأعلى للإعلام ارتكب تمييزاً وكيلا بمكيالين تجاه المواقع، ففي الوقت الذي امتنع فيه عن منح مواقع مثل “المنصة” و”مدى مصر” الترخيص، أصدر تراخيص لعشرات المواقع الإخبارية الاخرى، رغم تقدم “المنصة” و”مدى مصر” بطلب الترخيص عقب إصدار القانون في العام 2018 أي قبل ثلاث سنوات، وفي حالة موقع “مدى مصر” التي حضرت التحقيق مع رئيسة تحريره بصفتي النقابية فإن المجلس خالف القانون بصورة صريحة، حيث من المفترض أن في حالة رفض المجلس منح الترخيص لأي موقع أن يخطر إدارة الموقع بالرفض وأسبابه، ولكن النيابة هي من أبلغتنا برفض إصدار الترخيص”.

“حتى وأن اخطرت المجلس إدارة الموقع برفض ترخيص الموقع، فهذا يعني أن المجلس أخطأ في تطبيق القانون، باخطار الموقع بعد 3 سنوات من التقدم بالطلب وليس كما نص القانون بعد 3 أشهر، كما أن القانون نص على أن يكون الرفض مسبباً فلا يوجد رفض دون سبب، وهذا يعني أنه حتى القانون المعيب الذي لا يرضينا لا يتم تطبيقه، وهذا يعني أيضا أن تهمة إدارة موقع بدون ترخيص هي تهمة غير صحيحة، لأن القانون يعتبر عدم الرد خلال المهلة الزمنية وهي 90 يوماً بمثابة رد بالموافقة، وأن هذه التهمة موجودة فقط للمواقع التي لا تسير وفقاً للكتالوج وتنشر ما لا يجب أن ينشر من وجهة نظر السلطة، لا سيما أن هذه المواقع قائمة ومقرها معروف، فإذا كانت تدار بدون ترخيص لماذا تركت تعمل كل هذه الفترة؟”

قبل اتهام لينا عطا الله بإدارة موقع بدون ترخيص بشهرين كاملين، احتفل المجلس الأعلى للإعلام بمنح التراخيص لنحو 100 موقع مصري في حزيران/يونيو 2022، من دون تحديد مصير باقي المواقع التي تقدمت بطلبات لتوفيق الأوضاع أو الترخيص، في غياب أي إحصاء لهذه المواقع، والمقبول والمرفوض منها، وأسباب الرفض. 

لا يعرف أحد حتى الآن المعايير التي اختار بها المجلس الأعلى المواقع المرخصة، أو مصير باقي المواقع المعلق ترخيصها حتى الآن دون رد، كما لا تعلم كلاً من نورا يونس ولينا عطا الله أي قضية ستتسبب في تحريك الاتهام الموضوع في أحد الأدراج، في انتظار تغطية صحفية أو مجرد خبر يخالف كتالوج “صحافة سامسونغ”.