fbpx

أربعون يوماً على مقتل مهسا أميني:
هنا وقائع نهار احتجاج إيراني

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يتبادل الركاب نظرات قلقة، شابتان تخلعان، فجأة، حجابيهما، وتنشغلان بالأحاديث والضحكات، كأنهما لم تفعلا شيئاً، ينظر إليهما الرجال الجالسون في المقصورة، نظرات عابرة، على عكس الأيام الماضية (قبل الانتفاضة) فقد أصبح الرجال يتحاشون النظر إلى رؤوس النساء. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هنا وقائع يوم من أيام الاحتجاجات الإيرانية التي أكملت أربعينها كتبتها سيمين فرهمند (اسم مستعار لدواعي أمنية) وترجمتها رويا زماني

أربعون يوماً على بدء الاحتجاجات الشعبية في إيران، وحتى هذه اللحظة، ما زال الشارع الإيراني يغلي غضبا.

 القمع الوحشي الذي يمارسه النظام، دفع بحركة الاعتراض إلى اتخاذ استراتيجية جديدة،  اعتمدت على الانسحاب من الميادين والشوارع الأساسية، والتمترس في وسط الأحياء السكنية والجامعات والمدارس، ومع ذلك، ما زال هناك مناطق في وسط العاصمة طهران، تشهد انتشاراً أمنياً مكثفاً. 

على سبيل المثال، شارع “إنقلاب”، خاصة المنطقة ما بين مسرح المدينة حتى ميدان “إنقلاب”، شارع كريم خان زند، ميدان “وليعصر” وبولفار “كشاورز”، والأخير يخضع لحصار أمني واستخباراتي شديد، ذلك أن النظام الإسلامي، تلقى هناك أولى صفعات الانتفاضة الشعبية وأقساها. 

تاريخياً، معروف أن بولفار “كشاورز”، نقطة اجتماع أساسية لانطلاقة أي حركة احتجاج شعبية في طهران، وبهذه الرمزية، هو بأهمية ميدان التحرير في القاهرة، خلال ثورة يناير 2011.

في الأسابيع الأولى لموجة الاعتراض الجديدة، شهد بولفار كشاورز، مقاومة عنيدة، ما استدعى أن يستخدم النظام أدوات قمعه القصوى، ففرّق المتظاهرين، ثم أبعدهم عن محيط المكان، ثم أغلقه بالدبابات والحواجز الأمنية، وحوله إلى ثكنة لميليشياته العسكرية وأجهزته الأمنية، لأنه يعلم جيداً رمزيته الثورية، وأهمية موقعه الجغرافي اجتماعياً، في وسط طهران النابض بالحركة والحياة.

أربعون يوماً على بدء الاحتجاجات الشعبية في إيران، وحتى هذه اللحظة، ما زال الشارع الإيراني يغلي غضبا.

نستعرض في هذه الجولة، أحوال بعض هذه الشوارع والميادين، في يوم احتجاج عادي، ونتحدث عن المجموعات الأمنية القابضة على فضاءاتها.

بحسب الدعوات التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الجميع بانتظار انطلاق الشرارة من مكان ما، الساعة تجاوزت الثالثة بعد الظهر، الهدوء المريب ما زال مسيطرا على الأجواء، في المترو.

يتبادل الركاب نظرات قلقة، شابتان تخلعان، فجأة، حجابيهما، وتنشغلان بالأحاديث والضحكات، كأنهما لم تفعلا شيئاً، ينظر إليهما الرجال الجالسون في المقصورة، نظرات عابرة، على عكس الأيام الماضية (قبل الانتفاضة) فقد أصبح الرجال يتحاشون النظر إلى رؤوس النساء. 

يتوقف المترو، عند محطة مسرح المدينة، نترجّل، المحطة مزدحمة كالعادة، وعلينا أن نستخدم السلم الكهربائي، لنصل عبره إلى تقاطع “وليعصر”، سيكون في استقبالنا هنا، أول مجموعة من أعداء الشعب مع كامل أدوات قمعهم.

في المنطقة المكشوفة مقابل مسرح المدينة، انتشرت مجموعة من عناصر مكافحة الشغب، وسدت الاتجاهات الأربعة نحو المكان. اللافت أنهم بدوا في وضعية دفاعية، فضربوا حول أنفسهم طوقا باستخدام صناديق معدنية. على مسافة بعيدة من تجمّعهم، ينشط باعة الشاي والحساء والهوت دوغ، ويعبر بقربهم رجال ونساء وشبان وشابات، يتبادلون الأحاديث، كأي يوم عادي، عن هذا الطقس الخريفي الرائع.

قوات مكافحة الشغب، القوة العسكرية، التي يتحرك عناصرها ككتلة حديدية سوداء ولامعة، بناء على لون ثيابهم وخوذهم وأسلوب حركتهم، لذلك من السهل تمييزهم على الفور في الشوارع. أثناء عمليات القمع، وفي هذه الأيام، أي منذ شهر تقريبا، تتولى هذه القوة مهمة حفظ الأمن في المراكز الحساسة، مثل محطات المترو ومباني الإدارات العامة.

خلف مبنى القاعة الأسطوانية لمسرح المدينة، مقابل مسجد “وليعصر”، وبطريقة مخفية، تركن ثلاث شاحنات سوداء اللون، تابعة لهذه القوة. في هذا الوقت، يحتمي العدد الأكبر من العناصر داخل باحة المسجد، يأخذون قسطاً من الراحة، يتحدثون، ينامون، يصلّون أيضا، ويتحضّرون لدورة قمع جديدة.

ومن هذه النقطة، وصولاً حتى ميدان “إنقلاب”، نلتقي كل بضعة أمتار، بمجموعة أخرى من عملاء النظام. تختلف أشكال وألوان وثياب عناصرها عن المجموعة السابقة، إنهم يمسكون طوال الوقت بالهراوات الغليظة والعصي الكهربائية ويرتدون الدروع والملابس القتالية باللون الكاكي، المكتوب عليها بخط رفيع، التعريف الشهير: “حرس الثورة الإسلامية”، لكن ليس محسوما ما إذا كان كل عناصر هذه المجموعة، من عديد الحرس. على الأرجح، بعضهم من البسيج، فمنهم من يبدو في عمر المراهقة، ما يعني أنهم متطوعون، وليسوا راشدين ليلتحقوا بالحرس. على العموم، هم يستعينون بالكمامات ليخفوا معالم وجوههم، فيضعون كمامات بيضاء طوال الوقت، ومع ذلك يمكن التعرف إليهم من عيونهم المفتوحة بطريقة مخيفة، وأجسادهم التي تدل على أثر التدريب. 

على بعد أمتار قليلة، يطالعنا مشهد آخر: شاحنة (فان) تاكسي خضراء، مزدحمة بالنساء اللواتي يرتدين الشادورات السوداء، من عناصر دورية الإرشاد، يدور عليهن رجل ملتحٍ، بكؤوس العصير البارد، وامرأة تعبر بالقرب منهن، وتقول بأعلى صوتها: “واووو، ما هذا؟ رحمتك يا الله”. لنضع في الإطار إلى جانب شاحنة النساء والعصير البارد، سيارة الإسعاف والشاحنة المزودة بثلاجة (للموتى)، آلات اجتمعت معا لقمع الناس.

المجموعة التالية، هي مجموعة رجال الاستخبارات الذين يرتدون ملابس مدنية، نجدهم يتجمهرون أمام المدخل الرئيسي لجامعة طهران، ينتشرون على طول الشارع المؤدي إلى البوابة الكبرى، عابسون، غاضبون، يبثون الرعب في الأجواء، وتعبر السيارات من أمامهم بحذر، أحدهم يستوقف رجلاً متقدماً في السن، ويسأله بغضب: “ما الذي تنظر إليه؟ هيا اذهب!”. 

رغم أنهم يرتدون ملابس مدنية، لكن يمكن التعرف إليهم من خلال ملابسهم ذاتها، فهم يرتدون قمصانا متشابهة ويضعونها فوق سراويلهم، وإذا نظرت إليهم بعناية، يمكنك أن ترصد في محيط خصورهم نتوءات، تتحرك تحت القمصان، هي في الغالب بخاخات وعصي ومسدسات. عناصر هذه المجموعة يستخدمون شاحنات صغيرة بيضاء اللون وجديدة، على زجاجها الخلفي أعلى اليسار، مكتوب عبارة “اللهم عجل لوليّك الفرج”(في إشارة إلى الإمام المهدي لدى الشيعة الإثني عشرية). هناك شاحنتان بيضاوان مركونتان حالياً، في منتصف مستديرة “وليعصر”، وعلى زجاجيهما الخلفي يوجد العبارة نفسها.

على ناصية كل التقاطعات الرئيسية في شارع “إنقلاب”، يمكن رؤية مجموعة من راكبي الدراجات النارية، الجاهزة والمجهزة على الدوام، لمكافحة الشغب. ميدان إنقلاب نفسه، ممتلئ عن بكرة أبيه، بعناصر قوات مكافحة الشغب، سواء مستخدمي الدراجات، أم مستخدمي الشاحنات.

أما في بولفار كشاورز، فالوضع مختلف، أغلب المحال التجارية مغلق، وعدد المارة قليل جدا، أيام الأسبوع صارت مشابهة لأيام العطل، السبت مثل الجمعة، ورغم خلوه، تمر كل بضع دقائق، مجموعة من راكبي الدراجات النارية، مخلّفة ضوضاء مروعة، بهدف بث الهلع. 

هنا، يمكن رؤية الرأسين الآخرين لتنين القمع، الرأس الأول هو ميليشيا عسكرية، يرتدي عناصرها بدلات بلون أخضر، كالتي استخدمتها عصابة “حماة الحرم”، الميلشيا الشيعية التي أسسها النظام الإسلامي، للقتال إلى جانب رئيس النظام السوري بشار الأسد، ، وهم مجهزون ببنادق تطلق كرات مطاطية وقاذفات حارقة وقنابل الغاز المسيل للدموع.

مقر هذه المجموعة الرئيسي في شارع حجاب، نراهم يجلسون على العشب في منتصف الشارع، ليس لديهم القلق الملازم لعناصر الحرس، ولا انضباط قوى القمع الأخرى. هم أشبه بعناصر الكوماندوس، الذين يستريحون بين العمليات، يتمازحون ويتحدثون بصوت عال، وأثناء عمليات القمع، يعتمرون قبعات سوداء قابلة للسحب إلى الأسفل، فيقتلون الناس بوجوههم المغطاة.

الرأس الثاني لتنّين القمع، رجال الاستخبارات بملابسهم المدنية، ينتشرون من  نهاية بولفار كشاورز حتى ميدان “وليعصر”، يفترشون الوسطيات، أحيانا نجدهم نياماً، وأحيانا نلمح على وجوههم التعب والملل. حين أراهم أشعر بالأسف عليهم، وأفكر بحالهم، لقد أنهكهم جمع المعلومات، ومرت عليهم عدة أسابيع شاقة، ربما من حقهم أن يشتكوا من التعب وأن يأخذوا قيلولة أيضاً، فهم يشرفون على “التحرير”!  

الساعة تشير إلى الخامسة والنصف عصرا، هنا تنتهي جولتي، عليّ أن أذهب إلى مناطق أخرى من مدينتي، لتغطية الاعتراضات الحاشدة، اليوم طهران كلها هي ميدان التحرير. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.