fbpx

إصلاحيون ومتشددون: هل تعاود إيران
سياسة العصا والجزرة لإنهاء الاحتجاجات؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تعد الانتخابات التي تتم هندستها، وتبادل الأدوار بين الإصلاحيين والمتشددين، لها فائدة، أو تحقق نتائجها، كما في السابق، لا سيّما في ظل القناعة التامة بأنّ المرشد أمسى مصدر السلطة وهو صاحب القرار النهائي، بل والمسؤول الفعلي عن المآلات السياسية والاقتصادية والأمنية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مع أربعينية الشابة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، والتي قضت بعد ساعات من اعتداء أفراد دورية شرطة الأخلاق عليها، على خلفية ما اعتبروه “حجاباً سيئاً”، فإنّ النظام، في طهران، بات يخرج من نطاق التقليل من شأن الاحتجاجات، التي تتزايد وتيرتها دون أيّ مؤشر على انحسارها، إلى تهديد حلفائه، لا سيّما المحسوبين على التيار الإصلاحي.

خشية النظام، أو بالأحرى إعلانه الصريح رفض دعم الحراك الاحتجاجي على لسان النخبة الإيرانية، السياسية والثقافية والرياضية، يؤشر إلى اعترافه، ضمناً، بوجود أزمة سياسية تلاحق نظامه، بدلاً من الاعتماد على سردية الدور المشبوه للقوى الأجنبية في التعبئة المجتمعية. 

ومع تنامي التظاهرات في معظم مدن وأقاليم في البلاد، بل وقدرتها على المناورة، وكسب تأييد أطراف عدة داخل قطاعات متفاوتة، انبعث متغير مهم ولافت، اضطر المسؤولون في إيران إلى المكاشفة عن جزء من الأزمة. لكن موقف الحكومة يشي باضطرابات وعدم وضوح تام في مسألة التعامل (أو إيجاد بدائل وآليات) مع الأحداث المتفاقمة. 

عدوى الاحتجاجات، التي انتقلت إلى الشوارع والمدارس والجامعات، حققت نجاحات مؤثرة على مستوى تعرية عنف الملالي وفقدانه الشرعية والفعالية، فضلاً عن عدم قدرة القمع، الذي بلغ درجاته القصوى، على إنهاء موجة الغضب الهائلة أو تحقيق أفق آخر.

كما أنّ قيادات التيار الإصلاحي لم تنأَ بنفسها عن الأحداث التي جرت منذ وفاة أميني. بينما كشفت عن رفضها التعاطي الأمني ليس مع الحادث الأخير، فقط، إنّما تعميم الإدارة الأمنية للأوضاع السياسية والمجتمعية والثقافية في إيران، وهو ما فرض اتجاهاً متشدداً ورؤية منغلقة لا انفتاح فيها. 

فخخ حادث مقتل أميني وتداعياته المتواصلة، حتى اللحظة، الصراع بين التيارين الأصولي والمتشدد.

ومع بدايات الأزمة، تحديداً مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2022، عقدت جلسة في جامعة طهران، ضمت أكاديميين (نحو 90 أستاذاً جامعياً)، فضلاً عن مسؤولين سابقين وحاليين، منهم وزير الخارجية السابق، محمد جواد ظريف، وأمين المجلس الأعلى للثورة الثقافية، الشيخ سعيد رضا عاملي. 

وفي هذه الجلسة، التي استمرت نحو أربع ساعات، تباينت مواقف الأكاديميين والسياسيين تجاه الأزمة الحالية. لكن غلبت على الحاضرين انتقادات مباشرة للرؤية الأمنية، والتعامل الخشن، مع مجمل الأوضاع التي يجري فرضها قسراً، إضافة إلى المطالبة بضرورة الإفراج عن الطلبة المعتقلين.

بعض المحسوبين على التيار الأصولي، أكدوا أنّ هناك قوى إقليمية (تمت الإشارة للسعودية وولي العهد محمد بن سلمان)، ودولية، تعادي الجمهورية الإسلامية وتعمد إلى جعلها منبوذة ضمن سياسة التخويف من “إيران” “والثورة الإسلامية” و”الإسلاموفوبيا”. وذلك كرد فعل على رفض الملالي الالتحاق في تبعية للغرب والولايات المتحدة.

وفي حين أكد وزير الخارجية الإيراني السابق، أنّ فلسفة الحكم تتجه، أكثر فأكثر، إلى فرض سياساتها وقيمها بالإكراه والقوة، فإنّ أمين المجلس الأعلى للثورة الثقافية، عزا الاحتجاجات القائمة إلى تغييب جيل كامل من الإيرانيين الذين لم يجدوا وسيلة ثقافية وإعلامية تنقل لهم قيم “الولي الفقيه”. وانتقد رضا عاملي وزارتي الإرشاد والتربية التعليم، وكذا هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية.

كما اعتبر رئيس كلية القانون والعلوم السياسية في جامعة طهران، إبراهيم متقي، أنّ هناك “أطراف تسعى للانتقام من الجمهورية الإسلامية”، مشيراً إلى أنّه “قبل خمسة أعوام تحدث محمد بن سلمان (ولي العهد السعودي) عن إدخال الأزمة إلى الداخل الإيراني. واليوم تمكنت أموال بن سلمان من زعزعة الأمن في إيران”.

فخخ حادث مقتل أميني وتداعياته المتواصلة، حتى اللحظة، الصراع بين التيارين الأصولي والمتشدد. هذا الصراع الذي يعود إلى متن السياسة الإيرانية بعد عمليات إجهاض وتأميم محمومة من قبل الأطراف القريبة من المرشد والحرس الثوري وقد تمكنوا من التمفصل في مؤسسات الدولة وأجهزتها، التشريعية والتنفيذية والقضائية. 

وقد اتخذ القياديان في التيار الإصلاحي، وهما تحت الإقامة الجبرية، مير حسين موسوي ومهدي كروبي، مواقف متشددة، بخلاف الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي. إذ تجاوزت مواقفهما فكرة المحاسبة للقتلة وتقديمهم للعدالة. وقال كروبي: “لقد فرض أسلوب الحكم أعباء ثقيلة على البلاد والشعب في الساحتين المحلية والدولية”. وتابع: “هذا البلد ليس ملكاً مطلقاً لفرد، وليس من المقرر أن يذبح كل شيء، بما في ذلك الشريعة والقانون والأخلاق، تماشياً مع الحكم الفردي”.

ولطالما كانت الاحتجاجات في إيران مجالاً لتصفية الحسابات بين مكونات النظام الإيراني من الإصلاحيين والمتشددين. فقد شن الإصلاحيون “هجوماً عنيفاً على حكومة رئيسي من أجل إضعاف قوته”، وفق الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، محمود حمدي أبو القاسم. 

ويتابع أبو القاسم لـ”درج: “يحاول الإصلاحيون استعادة الزخم الذي يؤهلهم للحضور السياسي (أو المنافسة)، مجدداً، بعدما تم استبعادهم، بصورة كاملة، من المؤسسات المنتخبة، سواء مجلس الشورى بعد انتخابات شباط/ فبراير 2020، أو انتخابات الرئاسة في حزيران/ يونيو 2021”.

ومن ثم، هدد مسؤولون في الحكومة الإيرانية من تداعيات الاصطفاف مع الاحتجاجات، والتصعيد ضد الإجراءات السياسية والأمنية. وهو ما ينذر بإنهاء النظام برمته سياسياً. وقال محمود حسين بور، محافظ مازندران، شمال إيران، إنّ “البعض يسأل ماذا سيحدث في المستقبل؟ أقول: “على الجميع، الإصلاحيين والأصوليين، أن يفتحوا آذانهم، إذا حدث شيء ما للنظام فلا يعتقد أيّ شخص أنّه سينجو، بل سيتم شنقه قبل غيره”.

إذاً، فالاحتجاجات على مقتل أميني تبدو نقطة تحول في التعبئة الاجتماعية، خلال هذه المرحلة، وفق تحليل أبو القاسم. ويردف: “المحتجون في إيران، أظهروا تحدياً طال أمده للنظام. وبعد أكثر من أربعين يوماً على اندلاع التظاهرات، فإنها ما تزال تشهد زخماً مستمراً. كما أنّ النساء والشباب (الفئات أقل من عشرين عاماً) يظهرون تحدياً مباغتاً للسلطة وللقواعد التي حاول تأطيرها نظام الولي الفقيه”.

واللافت أنّ المسيرات الاحتجاجية تعمد إلى التنقل في مساحات غير مكشوفة، أو تقليدية، بينما تستخدم آليات وتكتيكات جديدة لتفادى المواجهة مع قوات الأمن. ومستفيدة من إمكانية الوصول إلى الإنترنت الذي وفرته شركة “ستار لينك”، بعدما رفعت الولايات المتحدة القيود على الوصول إلى خدمات الانترنت الفضائي.

وفي ما يبدو أنّ النظام لا يتورع عن استخدام القوة والبطش في مواجهة الاحتجاجات، بل وإدارته للأحداث من خلال الحيل الأمنية. وبالتزامن مع تصاعد الاحتجاجات في أربعينة الفتاة الكردية الإيرانية، وقع هجوم مسلح وغامض في مدينة شيراز على يد “داعشي/تكفيري”، بحسب وصف الصحف المقربة من الحرس الثوري. وذلك قبل تبني التنظيم الإرهابي الهجوم على حسابه في “تلغرام”. 

ووظفت الصحف المقربة من الحرس الثوري، ومنها “كيهان” و”جوان”، الحادث لافتعال صلة عضوية بينه وبين التظاهرات التي تشكل بيئة حاضنة لتسلل العناصر “الإرهابية” بحسب النظام الذي يجهد لإيجاد وسيلة لإجهاض الاحتجاجات ضده. 

إنها محاولة لتكرار سيناريو سوريا لقمع الاحتجاجات ضد النظام بوصمها بالتطرف.

فيما طالب المرشد الإيراني، علي خامنئي، الإيرانيين بضرورة “الاتحاد” إثر الهجوم، متوعداً المتورطين  بأنّهم “سيعاقَبون بالتأكيد”.

وفي بيان بثه التلفزيون الرسمي، قال المرشد الإيراني: “علينا جميعاً التصدي للعدو وعملائه الخونة أو الجهلاء. يجب على أجهزة الأمن والقضاء والنشطاء في مجال الفكر والشعب الاتحاد ضد الاستخفاف بأرواح الناس وأمنهم ومقدساتهم”.

ويكاد لا يختلف موقف الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، عن المواقف السابقة التي عمدت إلى الاستعانة بالحادث للتشويش والتعمية على الاحتجاجات التي هي جزء من مؤامرة يقودها “أعداء” الجمهورية الإسلامية.

وقال رئيسي: “تظهر الواقعة أنّ أعداء إيران، بعد فشلهم في إحداث انقسام في صفوف الأمة الموحدة، ينتقمون بالعنف والإرهاب. هذا الشر بالتأكيد لن يمر دون حساب، وهيئات الأمن وإنفاذ القانون ستلقن مخططي هذا الهجوم درساً قاسياً”.

كما أنّ تفاقم الأوضاع داخل الجامعات الإيرانية، اضطر الحكومة إلى وضع ضوابط أمنية متشددة من خلال عسكرة الجامعات. حيث إنّ هناك جملة اعتبارات سيتم تحديدها، من جانب ممثلين عن الشرطة (والشرطة السيبرانية) والقضاء، واستخبارات الحرس الثوري، ضمن اشتراطات قبول الطلبة في الجامعات، وفق ما أعلن عبد الرسول بور عباس، رئيس منظمة “سنجش” التابعة لوزارة العلوم الإيرانية. 

وعلى ما يبدو، أنّ استمرار الحراك في ظل الظروف المحيطة به، محلياً وإقليمياً ودولياً، يجعل النظام قلقاً بشأن تزايد فرص صعود هذه الموجة بالقدر الذي قد يهدد بقاء النظام. وهو ما أرغم النظام على تنفيذ الإقامة الجبرية ضد بعض العناصر، مثل فائزة رفسنجاني، النائبة السابقة في البرلمان وابنة الرئيس الراحل أكبر هاشمي. 

وبالعودة إلى الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، فهناك انعطافة من جانب النظام في ما يخص التعاطي مع التظاهرات. فيسعى إلى “بدء حوار على الأرض مع المحتجين، ومحاولة تصفية الغضب الجماهيري. وهو ما ظهر في لقاءات المسؤولين مع أسرة أيقونة الاحتجاجات مهسا أميني، واجتماع الرئيس مع النخب والإعلاميين من التيارات والانتماءات، من أجل كسب موقفهم، وتوجيه خطابهم نحو التهدئة بدلاً من التصعيد”.

ويختم: “الحراك الاحتجاجي فرض نفسه بقوة على السلطة. وكشف عن متغيرات تحتاج للتهدئة، حتى لا يصل إلى ثورة كاملة، تطيح بحكم الولي الفقيه. وأيّ مبررات غير الإصلاح لن تكون مقنعة للشارع الذي يبدو أنه تمرد على قواعد اللعبة التقليدية التي حصره فيها النظام، على مدى أكثر من أربعة عقود”. 

ولم تعد الانتخابات التي تتم هندستها، وتبادل الأدوار بين الإصلاحيين والمتشددين، لها فائدة، أو تحقق نتائجها، كما في السابق، لا سيّما في ظل القناعة التامة بأنّ المرشد أمسى مصدر السلطة وهو صاحب القرار النهائي، بل والمسؤول الفعلي عن المآلات السياسية والاقتصادية والأمنية.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!