fbpx

الجنس السيئ  3/4: البحث عن البظر المفقود 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الرجل الكسول، الساخر، الذي يتهم المتعة البظرية بأنها “غير ناضجة” هو رجل لا يجيد اللعب، ونقصد هنا اللعب بمعناه الفلسفي، لا المادي فقط.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في هذا المقال الثالث ضمن سلسلة من 4 مقالات تتناول قضايا جنسانية في محاولة للإضاءة على نماذج مستمدة من كتاب صادر حديثاً، تناقش فيه كاتبة نسويّة مفاهيم الرجولة، والرغبة، والسياسات التي تحكمهما. ما هو دور الرغبة/ اللّذة وكيف تتحرك داخل العلاقة الحميمة وخارجها؟ أي ما هي القوى الخارجية التي تهدد “اللذّة” والوصول إليها؟ وعلى النقيض كيف بإمكان “اللذة” أن تهدد العالم الجدّي خارج السرير وعلاقات الأفراد ضمنه؟

تعد فجوة اللذة واحدة من أهم القضايا النسوية إلى جانب فجوة الأجور، فإن كانت الأخيرة صراعاً مع المؤسسة والنظام القائم لتحصل ثمن الجهد المبذول، ففجوة اللذة صراع مع الذات والآخر في الوقت ذاته، ونقصد بالآخر الشريك، خصوصاً الرجل، الذي راهناً فقط اكتشف أن لذة الآخر/ المرأة لا تنتهي حين ينزل منيه، بل هي عملية، من اللمس والهمس والمداعبة والأهم، اكتشاف البظر، عضو اللذة الذي تم تجاهله لسنوات طويلة، قبل أن يظهر إلى النور بصورة حَرفيّة.

موقف الرجال من البظر ما زال متوتراً، هناك الخائف الذي ينكر أهميته. وهناك الجاهل كلياً بوجوده، وهناك من يحاول البحث عنه ويفشل. لكن اللافت أن النماذج الثلاثة تشترك بصفة واحدة في ما يخص البظر، هي الكسل، سبب الجهل بحقيقة بسيطة مفادها أن المتعة البظرية مختلفة عن تلك القضيبية، فالأولى تحتاج وقتاً أطول، وتقنيات مختلفة عن تلك التقليدية، والأهم، هي تركز كليّاً على متعة “المرأة”، فالرجل هنا مكرّس كلياً لشريكته، سواء كان يلعق أو يرهز أو يستخدم أصابعه.

نستفيد هنا من الكتاب المصور الصادر العام الماضي “قضية البظر- L’affaire clitoris” لكل من Douna Loup وJustine Saint-Lô ، لنحاول رصد الموقف الرجولي من البظر. خصوصاً أن الاكتشاف مثلاً بحسب الكتاب، يتم بصورة فرديّة، أي أن الانثى مسؤولة عنه، وإن كان الجسد المؤنث “غابة” فالرجل عادة على حافتها، إذ لا ذكرى للبظر في الممارسات الأولى للجنس بين بطلة القصة المصورة (بولشيري- 34 سنة) وشريكها (روموس) الذي للمفارقة يعمل ممرضاً! ما نحاول قوله هو أن لا علاقة للشريك باكتشاف البظر-ضمن الحالة المثاليّة-، وما نحاول الإشارة إليه، هو لحظة المشاركة، والسعي للمتعة عبر الشريك ومعه، مع أخذ البظر في الاعتبار.

تعد فجوة اللذة واحدة من أهم القضايا النسوية إلى جانب فجوة الأجور، فإن كانت الأخيرة صراعاً مع المؤسسة والنظام القائم لتحصل ثمن الجهد المبذول، ففجوة اللذة صراع مع الذات والآخر في الوقت ذاته

انتظر واسمع التعليمات

يحاول شريك البطلة روموس تجاوز كسله، أي التعرف إلى “البظر” والقراءة والاطلاع ومعرفة البنية التشريحية للفرج والشفاه الكبرى والصغرى وما تخبئه وراءه. لكن لحظة الممارسة، هناك قاعدة لابد من اتباعها :”انتظر واسمع التعليمات أيها الرجل”، أي، تعرّف إلى جسد الشريكة خلال الممارسة، المعرفة النظريّة غير مفيدة. والأهم لا بد من الاستماع، فلكل جسد رحلته نحو اللذة، وطرائقه، وبحسب مجاز الكتاب “غابته”، والرجل في الكثير من الأحيان أعمى أو ضائع. أي لا بد من الاستكشاف، وصوت الشريكة هنا هو الدليل، تلميحاً أو إشارات أو مباشرةً. اكتشاف اللذة هنا مشترك، البظر عضو يدعو الرجل إلى التخلي عن تركيزه على الحصول على المتعة، وتبني موقف من يمنحها. لكن هذه المتعة، ليست آلية، بل رحلة، ولا توجد لحظة نتوقف بها، بل نستمر، وهنا تأتي أهمية الصوت، استمع، ولا ترتجل إلا حين يُطلب منك.

البظر واللعب

الرجل الكسول، الساخر، الذي يتهم المتعة البظرية بأنها “غير ناضجة” هو رجل لا يجيد اللعب، ونقصد هنا اللعب بمعناه الفلسفي، لا المادي فقط. هذا النموذج، أي روموس الممرض، يظهر في الكتاب المصور بوصفه في البداية عاجزاً عن الفهم، والأهم، أنه مخنوق بقضيبه نفسه، لا يريد إلا الفكاك منه.

مجاز الاختناق في الكتاب هنا لافت للنظر، المخنوق بقضيبه كأنه يسعى للإنزال وحسب، وفك “العقدة” حول جسده، تلك المتمثلة بالقضيب. أما الحاجة إلى الآخر فهي براغماتية، لا تهدف إلى دخول “الغابة”، بل الاكتفاء بشريك يغني عن “جلد عُميرة”. وهنا يظهر الكسل مرة أخرى، الاعتراف باللذة البظرية وبسبب خصوصية اللذة الأنثوية تحول الرجل إلى لوّام، مهمته تنتهي بانتهاء انتصابه، وعلى الشريكة أن تتابع وحدها بل هي من تتحمل مسؤولية عدم انصياع البظر لإيقاع القضيب. الكسل هنا يتحول إلى عدوانيّة، ولوم يخلق ذنباً لدى الشريكة، أو أن الرجل يتحول إلى دور المراقب حتى تنهي شريكته محاولاتها، بكلمات أخرى، يعتريه الملل من اللعبة.

الرعب من البظر

هناك رعب دفين لدى الرجل الذي يبحث عن البظر، يرتبط بعقدة قرينة لعقدة الخصاء، إن أردنا استخدام كلمات فرويد، قاتل البظر. وهي عقدة غياب البظر، فالأخير عضو لذة بحت، لا يمتلكه الرجل المحكوم بزمن الانتصاب (هذا إن تجاوز كل القيود المفروضة عليه وقرر اكتشاف البروستات). وهنا يظهر الرعب من لذة لا يمتلكها الرجل ولا يستطيع فهمها، فتجعله عدوانياً، أو على الأقل كسولاً، يرى عملية البحث عن البظر واستكشافه لا تنتمي إلى مهماته أو دوره ضمن اللعبة الجنسية. وهنا يمكن أن نستفيد من معنى كلمة رعب نفسها، أصلها اللغوي يعني “الشلل، عدم القدرة على الحركة”، وهذا بالضبط ما يحصل حين العجز عن تدليل البظر، الرعب-الشلل، والرغبة بالابتعاد، وعدم التحديق، وكأن البظر وجه ميدوزا الذي يتحجر من يحملق به. هذا الرعب حرم الرجال أيضاً، أشكال اللعب الجنسي المختلفة، وجعلهم “يحقدون بقضبانهم”، إن أدرنا تحوير المصطلح الشهير “يحدقون بسرتهم”.

لحظة الاكتشاف لا تعني نهاية اللعب

لا بد أن نشير إلى كريستوفر كولومبس، أو ذاك الذي اكتشف البظر لدى شريكته في النهاية (عمداً أو مصادفةً)، والذي يظن أنه الآن أصبح سيد السرير، والذي يظن أن بإمكانه اختزال اللعبة الجنسية بأكملها إلى مداعبة للبظر، وهذا أيضاً إشكالي، اكتشاف عضو اللذة لا يعني الثبات على أسلوب واحد، أي ببساطة، اكتشاف البظر لا يعني اكتشاف “قضيب” تكفي مداعبته حتى تكون الممارسة الجنسية على أكمل وجه.