تبدو إيران قوة صاعدة في الشرق الأوسط، لكن نظامها يفسد اقتصادها.
للمرة الثانية خلال أشهر عدة، تنطلق “دورية الدولار” الإيرانية في الشوارع. إذ فقدت عملة البلاد- الريال الإيراني- ثلث قيمتها في السوق السوداء منذ شهر سبتمبر/ أيلول. وانخفضت في التاسع من شهر أبريل/ نيسان، إلى مستوى قياسي بلغ 61000 ريال، مقابل الدولار (بينما كان المعدل الرسمي 37850 فقط). وفي اليوم التالي، فرضت الحكومة سعراً موحداً بلغ 42 ألف ريال مقابل الدولار، وتعهدت باعتقال أي شخص يشتري أو يبيع الريال مقابل ما يستحقه بالفعل- كما فعلت خلال أزمة العملة السابقة، والتي بدأت في شهر فبراير/ شباط الماضي.
ومع ذلك، يخالف البعض هذه القواعد ويطالب بمبلغ 56000 ريال أو ما يقاربه مقابل الدولار. اصطفت طوابير طويلة أمام الصرافات القليلة التي تعتمد السعر الرسمي، والتي شهدت نقصاً مفاجئاً في الدولارات. يعكس انعدام الثقة في الريال انعدام الثقة في الاقتصاد. إذ إن سوق الإسكان يعاني من الركود والقطاع المصرفي مهتز. لذا يستغل الإيرانيون العملات الأجنبية لأنها واحدة من الاستثمارات القليلة الجيدة المتاحة.
حدث شيء مشابه عام 2012. خضعت إيران في ذلك الوقت لعقوبات قاسية وعانت من معدل تضخم سنوي يبلغ نحو 25 في المئة. اعتقد العديد من الإيرانيين أن تلك الأيام انتهت عندما وقّعت إيران عام 2015 اتفاقاً مع القوى العالمية التي فرضت قيوداً على برنامجها النووي، مقابل تخفيف العقوبات. وتوقع الرئيس حسن روحاني جذب مبالغ كبيرة من الاستثمارات الأجنبية واسترداد 50 مليار دولار من الأصول المجمدة، أي ما يعادل 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
لم تتحقق كل هذه الفوائد. وسارعت الحكومة الإيرانية إلى إلقاء اللوم على دونالد ترامب، الرئيس الأميركي، الذي يهدد بالانسحاب من الاتفاق (وربما يفعل ذلك الشهر المقبل). بلا شك يثبط الخوف من فرض عقوبات جديدة، الاستثمار في إيران. وكذلك الحال بالنسبة إلى العقوبات الأميركية (المتعلقة بجوانب أخرى من سلوك إيران) التي لا تزال قائمة وتثني البنوك الكبيرة عن التعامل في المعاملات الإيرانية. سجلت إيران عام 2016 مبلغ 3.3 مليار دولار فقط من التدفقات الأجنبية. بينما سجلت إسرائيل، بناتج محلي إجمالي مماثل وعشر عدد سكان إيران، مبلغاً وقدره 12.3 مليار دولار.
لكن كان من المحتمل أن يعاني اقتصاد إيران الفاسد منعدم الشفافية حتى من دون وجود ترامب. إذ تمتلك الشركات المرتبطة بالحرس الثوري عوائد تعادل حصة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي. وتمتد إمبراطوريتهم إلى مجالات البناء والتعدين والاتصالات. وتمتلك المؤسسة المرتبطة بالمرشد الأعلى أصولاً تبلغ قيمتها 95 مليار دولار، وفقاً لتحقيقات أجرتها “رويترز” عام 2013، ما أدى ببنوك كثيرة إلى حافة الإفلاس، ويعود ذلك جزئياً إلى المخططات الهرمية التي أزعجت ملايين الفقراء من الإيرانيين. وقال رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان في أبريل/ نيسان إن نحو 30 مليار دولار من رؤوس الأموال فرت من البلاد في نهاية العام الماضي.
من الخارج تبدو إيران قوة صاعدة باستخدامها الوكلاء لتوسيع انتشارها عبر الشرق الأوسط. إذ تؤسس في سوريا وجوداً عسكرياً دائماً. وجرّت منافستها السعودية إلى حرب مدمرة في اليمن بتكلفة بسيطة عليها. لكن في الداخل، يبدو النظام هشاً بشكل متزايد. وفي أواخر ديسمبر/ كانون الأول، خرج آلاف الإيرانيين إلى الشوارع على نحو غير متوقع للتنفيس عن إحباطاتهم. ووجد استطلاع للرأي أجرته جامعة “ميريلاند” أن 69 في المئة من الإيرانيين يعتقدون أن الاقتصاد في حال سيئة، وارتفعت هذه النسبة من 49 في المئة قبل عامين. يلوم ثلُثاهم سوء الإدارة والفساد، لا العقوبات. كما يعتقد نصفهم تقريباً أن إيران تنفق الكثير من المال على المغامرات الأجنبية.
توقفت الاحتجاجات بعد أن قتل النظام واحتجز متظاهرين كثيرين، لكنه يحارب الآن السخط على جبهات أخرى. وقد ألقي القبض على عشرات الشابات لنزعهن الحجاب في الأماكن العامة، احتجاجاً على مواصفات الزي الرسمي. ووقعت في شباط، اشتباكات مميتة بين الشرطة والصوفيين الذين يتعرضون للمضايقات من قبل السلطات منذ فترة طويلة. بعد صخب نادر الحدوث في البرلمان هذا الشتاء، تراجع روحاني عن خطط خفض الدعم.
وفوق كل ذلك يلوح في الأفق سؤال مهم بشأن من سيخلف علي خامنئي، المرشد الأعلى البالغ من العمر 78 عاماً والذي تردد أنه يعاني من سرطان البروستاتا. أحرج المرشح المفترض- إبراهيم رئيسي- نفسه العام الماضي عندما خاض الانتخابات الرئاسية، وخسر بفارق 19 نقطة. وأياً كان من سيتولى المسؤولية فسوف يرث بلداً شاباً مضطرباً، وقد أسيئت إدارته منذ عقود. خلّف الاتفاق النووي آمالاً بالتغيير. لكن، قد تُشكل التوقعات التي لم تتحقق تهديداً كبيراً للنظام أكثر مما تسببت به العقوبات على الإطلاق.
هذا الموضوع تم اعداده وترجمته عن موقع The Economist لمراجعة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي.