حظي قرار قاضٍ لبناني إحالة الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة إلى المحاكمة بتهم اختلاس 44 مليون دولار، والإثراء غير المشروع، بترحيب دعاة مكافحة الفساد، لكنّه في الوقت نفسه سلّط الضوء على محدودية نطاق القضيّة، وإمكانية تأثيرها الفعلي على ملفّ الفساد الأوسع في البلاد.
يمثّل هذا الإجراء أوّل إحالة رسمية لسلامة في لبنان، رغم خضوعه لتحقيقات جنائية في فرنسا وألمانيا وسويسرا ولوكسمبورغ وليختنشتاين، حيث تتّهمه السلطات هناك بغسل مئات ملايين الدولارات عبر حسابات “أوفشور” وشراء عقارات فاخرة. سلامة، الذي ترأّس مصرف لبنان ثلاثة عقود قبل أن يتنحّى في تموز/ يوليو 2023، ينفي كلّ التهم، ويصرّ على أن ثروته مصدرها عمله السابق ومدخّراته الشخصية.
تقول شانيز منسوس مديرة التقاضي في قسم التدفّقات المالية غير المشروعة لدى منظّمة “شيربا” الفرنسية لمكافحة الفساد، إن قرار الإحالة “يعكس الإجراءات التي بدأناها في فرنسا ولوكسمبورغ”، وتضيف أن “القضيّة قد تفتح الباب أمام تعاون قانوني أقوى مع أوروبا، وربما تُفضي إلى استعادة الأموال العامّة المنهوبة، خاصّة في ظلّ آلية فرنسية جديدة لإعادة الأصول المُصادرة إلى الشعوب المتضرّرة من الفساد”.
هذه الآلية، التي أُقرّت في عام 2023، تهدف إلى إعادة الأصول التي حصل عليها سياسيون أجانب، عبر الفساد أو الاختلاس إلى بلدانهم الأصلية، بحيث تُباع الأصول المُصادرة في فرنسا، وتُعاد عائداتها لصالح السكان المتضرّرين، وفي هذه الحالة لبنان.
لكنّ منتقدين يرون أن التهم تقتصر فقط على 44 مليون دولار تمّ تحويلها عبر مخطّط استشاري، ولا تُعالج الحجم الكامل للمخالفات المالية المشتبه فيها. فقد كشف تدقيق جنائي أجرته شركة “ألفاريز ومارسال” عن 111 مليون دولار من العمولات المشبوهة.
وتساءل المحامي الضريبي كريم ضاهر: “ماذا عن الـ67 مليون دولار المتبقّية؟ من استفاد منها؟”، مشيراً إلى أنه “في حال إدانة سلامة باختلاس 44 مليون دولار فقط، فقد يواجه عقوبة تصل إلى سبع سنوات سجن، وغرامات مالية كبيرة”.
من جهتها، أوضحت القاضية غادة عون أنها فتحت تحقيقاً في كامل مبلغ الـ111 مليون دولار، الذي تمّ تحويله عبر خمس عمليّات في خمسة مصارف مختلفة، حيث أُرسلت الأموال أولاً إلى محامييْ سلامة، بدءاً بميشال (ميكي) تويني، ثم مروان عيسى الخوري، قبل أن تصل في النهاية إلى سلامة نفسه. وتضيف عون: “أنا حقّقت بالـ111 مليون دولار، وهذا المبلغ مقسّم إلى خمس عمليّات بواسطة خمسة مصارف. التحويلات ذهبت أولاً إلى المحاميين: ميكي تويني، ثم مروان عيسى الخوري، ثم رياض سلامة. من بين هذه العمليّات الخمسة، هناك عمليّتان تم فتحهما في بيروت بعد أن كنت قد فتحت الملفّ عندي، أي بعد نحو سنة من تاريخ البدء بفتح الملفّ عندي، وهاتان العمليّتان تدخلان ضمن الـ145 عمليّة العائدة لملفّ “أوبتيموم”. أنا ادّعيت بالـ111 مليون دولار، فيما ادّعى قاضي التحقيق في بيروت بالعمليّتين البالغ قيمتهما حصراً 44 مليون دولار”.
وقد أُدرج كل من تويني والخوري في لائحة الاتّهام، وأُحيلا مع سلامة إلى المحكمة الجنائية في بيروت.
في المقابل، وصف مكتب سلامة الإعلامي التهم بأنها “مُعدّة على عجل”، و”تشوبها عيوب قانونية”، معتبراً القضيّة محاولة ذات دوافع سياسية لجعله كبش فداء لانهيار لبنان الاقتصادي.
ويرى وليد مرّوش أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية، أن دفاع سلامة يلامس الجدل الدائر حول المحاسبة، ويعكس وجهات نظر تعتبره ربما كبش فداء لفشل منظومة أوسع، يتحمّل مسؤوليتها العديد من الأطراف، ويقول: “بينما على المحكمة أن تبتّ في تهم الاختلاس المحدّدة، يجب أيضاً مواجهة الأسئلة الأوسع حول سياسات سلامة النقدية، التي يُلقى عليها باللائمة في الانهيار المالي للبنان”، لكنّه يحذّر من أن “محاكمة الرأي العامّ لسياساته قد تكون أشد وطأة على إرثه من تهم الفساد المحدّدة”.