fbpx

المخدّرات في لبنان (1): بضاعة الفقراء ومقبرة شبابهم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

صناعة المخدرات أمر معروف وقديم في لبنان منذ ما قبل الحرب. اليوم ومع الحديث الرسمي عن تشريع زراعة الحشيشة كان لنا جولات ولقاءات لفهم كيف تغلغلت هذه المادة في المجتمع اللبناني بمختلف شرائحه، بحيث باتت مادة يتهافت عليها الأغنياء والفقراء على حدّ سواء..

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تكررت في الأشهر الأخيرة عمليات الكشف عن شبكات ترويج وإتجار بالمخدرات في لبنان بكميات وأحجام ضخمة ليس فقط لجهة المواد والمبالغ التي استثمرت فيها بل أيضاً لحجم الجهات التي تستهلكها ومدى انتشارها في البلد وخارجه. وصناعة المخدرات أمر معروف وقديم في لبنان منذ ما قبل الحرب. اليوم ومع الحديث الرسمي عن تشريع زراعة الحشيشة كان لنا جولات ولقاءات لفهم كيف تغلغلت هذه المادة في المجتمع اللبناني بمختلف شرائحه، بحيث باتت مادة يتهافت عليها الغني والفقير على حدّ سواء..

فيما يلي تحقيق هو الأول من جزأين سنتناول فيه حكايات أشخاص تورطوا في هذه الآفة وقضاة عملوا على ملفاتها..

ليس المقصود إيراد قصة نجاح للأجهزة الأمنية في كشف تاجر مخدرات، ولا مادة إعلامية تنتصر فيها السلطة السياسية في بسط سيادتها على العشوائيات في ضواحي بيروت…

هنا إخفاق في كل هذا، ففيما يلي حكايات الشارع وما يعانيه، هنا استنسابية القضاء والتوقيف العشوائي…

هنا قاضٍ قدم استقالته، وآخر خسر درجات بسبب قضية…

مخدرات الفقراء… الأكثر خطراً

في لبنان من الشائع الحديث عن تمايزات اجتماعية بين اللبنانيين سواء طائفية أو طبقية… لكن في تحقيقنا هذا لا تتعلق هذه التمايزات بأنماط الحياة كملبس ومأكل لكنها تمايزات طبقية تتعلق بنوع المخدرات وكيفية تعاطيها.

مخدرات الفقراء هي أنواع يتم تركيبها محلياً، ويأتي بعضها من الخارج على هيئة أدوية… وتعتبر أكثر خطورة من أي نوع آخر بسبب تركيباتها الكيماوية من جهة، وبسبب استخدام بعض المواد خارج وصفها الطبي، بغرض الكيف، من جهة أخرى.

كان لـ “درج” حديث مع أحد الشباب وهو (م.ن) وهو سبق أن عانى من الإدمان لفترة طويلة. هو في أواخر العشرين من عمره ويروي كيف بدأت علاقته بالمخدرات، “بدأت رحلتي مع دواء الترامال، مدفوعاً بحبي للتجربة، أحببت مفعوله، ودمرني، وأدخلني السجن… بالنسبة إلي الترامال جرني إلى دواء الليفوتريل، وهي حبة مهدئة لل”مجانين”، ولكن إذا تناولها الشخص الطبيعي يصبح مفعولها عكسياً وخطيراً، ويدخل الشخص في مزاج خارج وعيه، ولا يمكن أن يتذكر ما حصل معه، وقد حدثت جرائم بسبب ذلك… ولا يمكنك الإقلاع عن هذا الدواء عبر النوم، فالحبة تعمل أكثر عندما ينام ويستيقظ الجسم… تحتاج وقتاً طويلاً للإقلاع عنها… حتى أدوية مثل كاريزول وكناكيمو لم أعد اتعاطاها… الآن أنا مدمن سيلفيا”.

أمضيت في السجن 5 سنوات… المتغير الوحيد هو المجتمع الذي خرجت منه، حياتي التي جُمدت لخمس سنوات… وبعدها يريد القاضي والمجتمع وكل من يملك حقاً في التصنيف والمحاسبة والحكم أن أخرج إلى الحياة وكأن شيئاً لم يكن!

الترويج والاستهداف

يقول (م.ن): “التجار والمروجون، يستهدفون المناطق التي تضم أحياء فقيرة، أسعارها تختلف بحسب حجم المبيع، مثلاً بـ20000 ليرة لبنانية أي ما يعادل  13.22 لم دولار أميركي، تحصل على غرام ونصف الغرام من المخدر، أي ما يكفي لـ5 سجائر… هذا بالنسبة إلى المبتدئين، ولكن من أدمن، يمكن أن يلف الغرام ونصف الغرام في سيجارة واحدة”.

ويوضح أن “من أكثر المواد المصنعة في لبنان، الكابتغون، المعروفة بمخدرات الحرب، وغالباً ما تكون مطابخ هذه المواد في مناطق جردية بعيداً من متناول الدولة، وموادها يتم تهريبها إلى لبنان عبر شخصيات ذات نفوذ، لكنني لم أقترب من هذه الحبوب أبداً”.

ويتابع قائلاً، ” المتورطون في هذه المسائل يعلمون جيداً أنه إذا استيقظ المجتمع ستكون هناك تبعات… يهم هؤلاء أن ينام الشارع وألا يستيقظ على حقوقه، يفرضون علينا الفقر وتوابعه من دون أن يفسحوا لنا كفقراء، كجزء من المجتمع، أن نتطور أو ننتبه إلى وضعنا الصحي والاجتماعي”.

ويوضح: “ليست هناك حبوب نظيفة، هناك سوء استعمال للأدوية وتحويل عملها من علاج لمواد تخدير، بالفعل هو خلل للجسم، ولكن المدمن المتعاطي يشعر أنه في مرحلة الكيف… لكن من يستعمل هذه المواد المضرة غير الفقراء؟”.

هناك من يريدك أن تبقى في المخدرات…

يسرد (م.ن) لـ “درج” محاولته استرجاع حياته الاجتماعية بعد السجن، “يفترش الرصيف المجاور لبيتي، عدد من باعة الخضار بشكل غير قانوني، تحت رعاية أحد المسؤولين الحزبيين في منطقتي، ما شجعني بعد خروجي من السجن، على أن افترش الأرض أيضاً لأبيع البطيخ فتكون تجارة نظيفة بعيداً من المخدرات التي سجنتني ٥ سنوات… إلا أن المسؤول رفض تغطيتي كحال الباعة الآخرين، الذين يدفعون له بدورهم شبه خوات لحمايتهم ولكن كل هذا برضاه… في حالتي لم يرضَ أن أكون واحداً من هؤلاء بسبب علاقتي بالمخدرات… ولأن ملفي لم يغلق في القضاء لا أستطيع مزاولة أي مهنة بشكل قانوني خارج الشارع الذي اقطن فيه… عدت إلى تجارة المخدرات ولو بشكل بسيط وتافه، فقط لأؤمن قوت يومي”.

القضاء أخطأ بحقي

يتابع (م.ن) قصته قائلاً، “ذكرت أعلاه أنني دخلت السجن، وهذا من نحو سبع سنوات، الإعلام والأمن يقولان إنه ألقي القبض عليّ كمروج ومتعاطٍ ومنتمٍ إلى شبكة مخدرات، أياً يكن… لكن ليس هناك من يدقق في عملية التوقيف ومسار المحاكمة، مثلاً من يحتجز لأول مرة في المخدرات لا يعلم أو ليس لديه ثقافة قانونية في موضوع المخدرات من جهة الحقوق، فكيف لي أن أعرف أنه من حقي طلب العلاج، وإن علمت ذلك يكون قد فات الآوان بعد أن أمضيت في السجن 5 سنوات… المتغير الوحيد هو المجتمع الذي خرجت منه، حياتي التي جُمدت لخمس سنوات… وبعدها يريد القاضي والمجتمع وكل من يملك حقاً في التصنيف والمحاسبة والحكم أن أخرج إلى الحياة وكأن شيئاً لم يكن! هل من الطبيعي أن أعاشر خلال 5 سنوات مجرمين وتجار وقتلة وأن أتعرض للضرب والمضايقة اليومية وأخرج من دون حس أو رغبة في الانتقام؟ الانتقام من كل من حولي… هل أخرج بصحة نفسية عادية؟ هل أكمل حياتي بشكل طبيعي؟ ماذا عن السمعة التي تحبسني يومياً في غرفتي، ليس هناك من يقبل بتشغيلي أو توظيفي ولو بأدنى المعايير… السؤال يطرح نفسه، بعد أن خرجت كيف أعيش وأؤمن مصروفي؟ ما الذي أملكه غير التخفي في الحي الذي أقطنه وأحصل على قوت يومي بالعمل غير الشرعي كتجارة المخدرات؟”.

ويشير إلى أن “القضاء لا يعي هذه المسائل، يستسهل الحكم… الأسوأ أن الخروقات القانونية في الأحكام مخيفة، مثلاً من سمح للقاضي بأن يعبث بهاتفي من دون إشارة من النيابة العامة؟ هل من الطبيعي استدراج كل من هاتفني أو هاتفته ولو بغرض لا يتعلق بالمخدرات أن يتحول إلى متهم وقد يدخل السجن ظلماً؟ هل هذا يعقل… نحن في دوامة أبدية تدور خنقاً على أعناقنا، نحن الشباب الذي لم يعرض علينا القاضي العلاج بحسب القانون الذي أدركناه بعد أن فات الآوان…”.

موضوع المخدرات لا يقتصر على العقاب، لا بل الجزء الأهم منه هو العلاج. وفعلياً كل الأموال المصروفة على الأجهزة الأمنية إن كانت بدعم دولي أو من خزينة الدولة، فهي تصب في شق العقاب مع تهميش واضح في شق العلاج… كما أن الفوضى السياسية التي أرخت بثقلها على القضاء جعلت من المقاربة القضائية لملف الإدمان أمراً يشوبه الكثير من الخلل بحيث غالباً ما يتم إهمال الشق العلاجي لدى المتعاطي.

المخدرات في الجامعات

عام 2013 ضجّت وسائل الإعلام اللبنانية بأحد ملفات المخدرات المتورط فيه أبناء شخصيات نافذة، في جامعات خاصة مختلفة، بحيث سجل للمرة الأولى انتقال أحد المحامين العامين الاستئنافين إلى مكتب المخدرات لمتابعة التحقيقات الأولية شخصياً. هذا الملف أثر على قاضيين، فالأول قدم استقالته والثاني خفضت درجاته نتيجة الارباك في متابعة الملف قضائياً…

في هذا الملف لم تكن المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، مطبقة حرفياً، فاكتفى الضابط العدلي بذكر المادة على المحضر، مختصراً أن المشتبه به، لا يريد الاستفادة من حقوقه…

يقول أحد الضباط العدليين المتقاعدين الذي عمل لفترة طويلة في مجال مكافحة المخدرات (ب.ق) لـ “درج”، “يعمل مكتب المخدرات وفق نشاط عناصره، يمكن أن يوقف المكتب في الشهر أكثر من 100 حالة ويمكن ألا يوقف إلا 10 أشخاص… وبالمناسبة التعاطي في يومنا هذا لا يقتصر على الإدمان، فهناك trendللتعاطي كنمط حياة أي Life Style، تعبر عن رفاهية الشخص، طبعاً تختلف أنواع المخدرات، مثلاً الكوكايين والماريجوانا والـ M.D.M.Aوالـ Extacy والـ Magic Mashroumللميسورين، والحشيش والسيلفيا والكناكيمو والكاريزول والهيرويين للطبقة الفقيرة الموجودة في العشوائيات”. ويوضح (ب.ق)، “غالباً ما نضبط الماريجوانا والـ M.D.M.Aفي الجامعات الخاصة بحوزة الطلاب الميسورين وغالباً ما يكون سعر الغرام من الكوكايين نحو 100 دولار أميركي، لكنه ليس خاماً، فهو مؤلف من 60 في المئة خاماً والبقية مادة تسمى الضربة”.

يشرح (م.ن)، أنواع مخدرات الفقراء، التي يسهل الحصول عليها في العشوائيات… وهو مختلف عما يستطيع شباب الجامعات الخاصة والأغنياء شراءه.

ما هو “الكاريزول”؟

يتابع (م.ن) حديثه شارحاً ما يعرفه عن مادة الكاريزول: “هي حبوب مرخية للعضل، بالفعل هي دواء يستورد من سوريا، إنما هناك حديث أن تصنيعها أصبح سهلاً في لبنان، ويتم طبخها أيضاً في مناطق نائية وبعيدة من عين الأجهزة الأمنية”. “أتت هذه الحبوب لتحل مكان لاغفليكس، وهو دواء لتشنج العضل، لكن طريقة استعمال الدواء غيّرت مفهوم الدواء من علاج إلى مادة مخدرة للكيف، إذ يتم تناولها بجرعات مضاعفة، وتتم مضاعفة استعمالها مع تعود الجسم على تناول جرعات مكثفة، أي يمكن أن يكتفي الشخص في اليوم الأول بـ5 حبوب ليرتخي ويشعر بالكيف، أو ما يشابه شعور الثمل عند الإكثار من الكحول، لكن بعد أيام لن يتفاعل الجسم مع الحبوب الخمس، فيضاعف الشخص الكمية، ليحصل على شعور جديد، وهكذا دوليك، إلى أن يصل إلى تناول ظرف في جلسة واحدة وربما علبة كاملة… وهنا يتلاعب التجار بأسعارها من 5000 إلى 15000 ليرة لبنانية، للظرف الواحد، ما يعادل 4.3 إلى 10 دولارات أميركية”.

“السيلفيا”

يقول (م.ن): “أنا شخصياً مدمن على هذه المادة، وهي مكونة من مادة الكتامين، “بنج الأحصنة”، ترش هذه المادة على ورق الدخان أو أي عشبة قابلة للاشتعال السريع لا يكون لها طعم ولا مفعول، ومن بعدها تخلط المادة مع العشبة ومن ثم يتم تيبيسها، من ثم تتقسم على أكياس صغيرة، ويتم ترويجها، لكن في الأساس هذه المادة مضرة، فهي ليست نبتة طبيعية مثل الحشيش، الحشيش لا يمكنك الإدمان عليه، بينما السيلفيا الإدمان عليها غير محال”… ويوضح الشاب لـ “درج”، “تكفيك سحبة واحدة من السيلفيا، لتحصل على نوع من الكيف، فمدمن السيلفيا يفضل سيجارة منها على كيلو من الحشيش”!

مريض أم مجرم

صدر أخيراً عن النيابة العامة التمييزية تعميم للنيابات العامة، بترك كل مشتبه به بتعاطي المخدرات، في حال أبدى رغبته في الخضوع للعلاج فيستعاض عن التوقيف الاحتياطي، بالإحالة إلى لجنة العلاج من الإدمان تحت اشراف القضاء المختص… السؤال الذي يطرح نفسه، كيف للمحتجز أن يعي حقوقه وكيف يستفيد منها، في ظل غياب تطبيق نص المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، إذ إن مراجعة بسيطة لمحاضر التحقيق تدل على عدم استفادة الأشخاص الخاضعين للتحقيق من الحقوق المنصوص عنها في هذه المادة. وقد اخترنا عينة عشوائية من محاضر التحقيق الأولية، لدى الضابطة العدلية تبين أن من أصل ٢٠٠ شخص هناك ٦ أشخاص استفادوا من هذه الحقوق التي اقتصرت على الاتصال الهاتفي بذويهم أو ذكر اسم محامٍ على المحضر… ماذا عن الآخرين؟

 

 الجزء الثاني – لبنان: التدخّل السياسي في المخدّرات أقوى من القضاء والعلاج