fbpx

تركيا وايران قطعتا تدفق مياه “دجلة الخير” على العراق   

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تركيا وإيران، بدأتا عملياً بتعطيش العراق الذي لم يعد يملك ما يمكّنه من التأثير على السياسات التركية والايرانية سوى الترجّي والانتظار. وسيخسر البلد أكثر من 50% من المياه المتدفقة إلى أراضيه وتتحول مساحات منها تزيد عن 700 ألف هيكتار من أراض زراعية خصبة إلى اليباب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حدثان مائيان متزامنان يعطشان العراق، ويغرقانه في أزمة إنسانية، وبيئية وسياسية لن تكون آثارها أقل كارثية من آثار احتلال داعش لأجزاء واسعة من البلد عام 2014. الحدث الأول هو بدء تركيا بالعمل في سد أليسو الذي أنشئ على نهر دجلة بالقرب من الحدود العراقية. ويعتبر أليسو من السدود العملاقة عالمياً إذ يتميز بطاقة تخزينية عالية تصل إلى 12.2 مليار متر مكعب من المياه ويستغرق ملؤه سنوات عدة. وقد بدت آثار التخزين، على نهر دجلة في بغداد والموصل وانخفض منسوب المياه الى حدٍ تجرّأ فيه مواطنون عراقيون عبور النهر في بغداد مشياً على الأقدام، وظهر ذلك في مقطع فيديو نشره الناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي وأعادت نشره وكالات عربية وعالمية.

وتقع أهم مدن العراق على دجلة “الخير” كمدن الموصل، وبيجي، وتكريت، وسامراء، وبعقوبة، والعاصمة بغداد، والحلة،، والمدائن، والكوت، والعمارة والقرنة وغيرها، ناهيك عن سدود ومنشآت كهربائية أقيمت على مجرى النهر، ما سيحرم هذه المدن والمنشآت وغيرها من مياه الشرب والرّي وتوليد الطاقة. وسيخسر البلد مسطحات مائية كثيرة بما فيها من ثروات طبيعية وحضارية، منها الأهوار الجنوبية التي تتغذى غالبيتها من النهر. أما شمالاً، وفي سد الموصل تحديداً، انخفضت نسبة المياه أكثر من 3 مليارات متر مكعب عن العام الماضي، وتبين صور تم التقاطها عبر الأقمار الصناعية مدى تأثير التحكم التُركي في تدفق المياه إلى العراق.

أما الحدث الثاني فهو قيام إيران بقطع تدفق مياه أحد روافد نهر دجلة في إقليم كُردستان وهو نهر الزاب الصغير، مصدر مياه الشرب والزراعة والري والطاقة لمحافظتي السليمانية وكركوك. وأعلنت مديرية السدود في إقليم كُردستان بأن قطع مياه الزاب الصغير قد تسبب في أزمة مياه الشرب في قضاء قلعة دوزيه (قلعة نهرين) بمحافظة السليمانية، أكما اعلنت مديرية المياه في المحافظة عن إيقاف توزيع المياه في محطة (خاسه) وذلك بسبب عدم وصول المياه اليها، ودعت المواطنين الى التقنين الى ان تُحَل الأزمة.  ونشر ناشطون صور صادمة لعدد ضخم من الأسماك الميتة جراء تجفيف النهر. وقد قطعت الحكومة الإيرانية تدفق المياه في صيف عام 2017 للمرة الأولى بحجة تخزين المياه في سدود أنشأتها على النهر. وتكمن جذور الأزمة في ضعف العراق حيال سياسات إيران التي هي تُركيا أخرى فيما خص المياه الدولية وتتصرف كصاحبة الحق الكُلّي للماس الأزرق دون ان تكون هناك اتفاقات ثنائية أو دولية توقفها عن انتهاك حقوق الآخرين.

يشير الحدثان إلى أن الجارتين القويتين، تركيا وإيران، بدأتا عملياً بتعطيش العراق الذي لم يعد يملك ما يمكّنه من التأثير على السياسات التركية والايرانية سوى الترجّي والانتظار. وسيخسر البلد أكثر من 50% من المياه المتدفقة إلى أراضيه وتتحول مساحات منها تزيد عن 700 ألف هيكتار من أراض زراعية خصبة إلى اليباب. ويقول وزير الموارد المائية العراقي حسن الجنابي: ” لدينا اتفاق مع تركيا بشأن حصة المياه التي تُخزن والكميات التي ستطلق، ويستمر هذا الاتفاق حتى تشرين الثاني المقبل”. وهناك اجتماع في الشهر ذاته بين العراق وتركيا في مدينة الموصل لمراجعة الاتفاق والنظر به وفق المعطيات الجديدة كما يقول الوزير العراقي، الذي يعرف مسبقاً بأن الاتفاقات الثنائية بين البلدين لا تتجاوز وعود شفهية يكرر فيها المسؤولون الأتراك بأن بلادهم “لن تُعَطّش العراق”. وهنا ما على رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي ووزيره حسن الجنابي إلا أن يعلن ما قاله لهما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اجتماع جرى بتاريخ 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2017: ” لا تذكروا لي مصطلحات الأمم المتحدة مثل الأنهار الدولية، وحقوق المياه الدولية والمفاوضات حول المياه، لا تعترف تركيا بهذه المصطلحات التي عفى عليها الزمن”. وتعتزم الحكومة التركية في الوقت الحالي سحب مبادرة (السلام الأزرق) في الشرق الأوسط، والتي تمولها حكومات أوروبية مثل السويد وسويسرا، من مركز Strategic Foresight Group ذاك ان هذا الأخير وهو مركز هندي للاستبصار الفكري الاستراتيجي حول قضايا المياه في العالم، يعمل وفق تلك التعريفات التي وضعتها الأمم المتحدة عام 1997 وترفضها تركيا.

كان كلام أردوغان واضحاً حيال المياه والكميات التي تحددها تركيا للعراق، انما احتفظ به رئيس الوزراء العراقي لنفسه وكأن ما سمعه مزحة وليس توجيه فوهة سلاح المياه نحو بلده. ويبدو ان وزير الموارد المائية حسن الجنابي أكثر وضوحاً فيما خص سياسات تركيا وإيران المائية حيث قال في مؤتمر لاهاي للأمن الكوني نهاية عام 2017: “ان تركيا وإيران تبنيان السدود وتتصرفان بمنابع الأنهار دون أخذ العراق واحتياجاته وحقوقه المائية في الحسبان”.

ولا يريد المسؤولون الشيعة، وبينهم حيدر العبادي، الحديث عن أضرار السدود الإيرانية على أنهار الزاب الكبير وألوَند وسيروان في إقليم كُردستان، ونهري الكارون والكرخ في الجنوب العراقي، وهي بالإضافة إلى أنها أضرار بالغة، عرّت نية إيران خلال مؤتمر دولي عقد حول المياه في العاصمة طهران بداية العالم الحالي. وقال مساعد وزير الخارجية عباس عراقجي في المؤتمر ذاته بأن سياسة بلاده القادمة تستوجب منع الأنهار الدولية من الخروج، أي حبس المياه داخل الأراضي الإيرانية أو تغيير مجراها نحو مناطق الجفاف.

ولحفظ ماء الوجه أصدر العراق بياناً خجولاً حيال هذا التعطيش الثنائي، إنما ليس من خلال جهة سيادية مثل وزارة الموارد المائية، أو وزارة الخارجية أو رئاسة الحكومة، بل من خلال المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية التي حذرت من ” النقص الملحوظ في مياه نهري دجلة والفرات بسبب الإجراءات المائية المتبعة من الدول المجاورة للعراق، والتي ساهمت في شكل كبير في انخفاض منسوب المياه وجفاف أنهار بأكملها، إضافة الى ما تعانيه المنطقة من قلّة أمطار وارتفاع درجة الحرارة”. باختصار شديد، العراق في طريقه نحو العتمة والجفاف.

هذا الموضوع تم انجازه بدعم من مؤسسة Rosa-Luxemburg-Stiftung’s Beirut Office 

 

[video_player title=”تركيا وايران تنتهجان سياسة القضاء على موارد العراق المائية .. ونهر دجلة مثالاً ” link=”https://www.youtube.com/watch?v=GhuFBRJ-aW0&feature=youtu.be”]