fbpx

في كردستان: عاطل من العمل على خاصرته مسدس

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يمرّ العنصر الأمني الأول قائلاً لطبيبة متظاهرة اسمها شايان كاكا حسن بأنها “كذّابة”، وحين تسأله شايان عما يفعله هو يجيبها، “أنا عاطل عن العمل وجئت إلى هذه الحديقة من الضجر، كان لدي موعد هنا”. وحين يمرّ العنصر الثاني يطلب من الطبيبة أن تغلق جهاز التلفون وتتوقف عن التصوير صارخاً بها، “ألا تخجلين”، فترد هي بدورها، “لماذا أغلق الجهاز، مم أخجل، ألا تخجلون أنتم من عملكم”. ينتهي المشهد الذي التقطته كاميرا الهاتف بلكمة على وجه الطبيبة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تسود نكتة سياسية في عاصمة إقليم كُردستان، أربيل، مفادها أن القوات الأمنية تتظاهر بدل الموظفين المطالبين برواتبهم الشهرية في ساحات المدينة. جاءت هذه النكتة بعدما فاق انتشار أعداد عناصر الأمن والمخابرات أعداد المتظاهرين في الأيام الماضية. ويعلّق الناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي بأن السلطات توفر الوقت وأجرة المواصلات للموظفين، وترسل قواتها الأمنية للاحتجاج مكانهم. بعد ذلك بوقت قصير، سادت قنوات الإعلام والسوشيال ميديا تعليقات ساخرة عن عنف بعض العاطلين عن العمل، الذين قاموا بالاعتداء على المتظاهرين والمتظاهرات، ذلك بعدما نشرت أخبار وصور بسرعة البرق عن أشخاص انتحلوا صفات “المارّة” بين المتظاهرين في قطاعات التربية والصحة، الذين سرعان ما أُكتشف أمرهم، وأظهرت لقطات فيديو سجلها المتظاهرون، أنهم في الأصل عناصر من الأجهزة الأمنية.

ما حصل بين المتظاهرين كان بمثابة بث حيّ للعنف المنظم في أربيل الخاضعة لسيطرة الحزب الديمقراطي الكُردستاني: يمرّ العنصر الأمني الأول قائلاً لطبيبة متظاهرة اسمها شايان كاكا حسن بأنها “كذّابة”، وحين تسأله شايان، وهي الطبيبة في مشفى نانَكَلي لأمراض السرطان في أربيل، عما يفعله هو يجيبها، “أنا عاطل عن العمل وجئت إلى هذه الحديقة من الضجر، كان لدي موعد هنا”. وحين يمرّ العنصر الثاني يطلب من الطبيبة أن تغلق جهاز التلفون وتتوقف عن التصوير صارخاً بها، “ألا تخجلين”، فترد هي بدورها، “لماذا أغلق الجهاز، مم أخجل، ألا تخجلون أنتم من عملكم”. ينتهي المشهد الذي التقطته كاميرا الهاتف بلكمة على وجه الطبيبة شايان، من قبل العنصر الأمني المعروف في كُردستان بـ (آسايش)، وإغلاق كاميرا جهازها الموبايل قسراً. نكتشف فيما بعد من خلال الصور بأن العنصر الأمني لم يكتف باللكمات، بل غرس كعب حذائه في قدمي متظاهرة أخرى في نفس الوقت.

على بعد أمتار من المكان ذاته، يظهر عنصران أمنيان آخران في مقطع فيديو آخر، يضربان معلماً متقدماً في السنّ، بركلات صدمت الجميع. يقول المعلم، “ما الذي فعلته، لماذا تضربني”. لم يُسمع شيئ من العنصرين الأمنيين، إنما بدت ركلاتهم بمثابة ردٍّ بلغ مسامع وعيون المجتمع الكُردي.

يبدو أن الاستعجال في كتابة سيناريو التواجد في ساحة الاحتجاجات باسم “العاطلين عن العمل”، أفقد رجال الأمن فنون التخفّي والتقمص، ناهيك بنسيان تلك الجملة السرطانية التي طالما غطت الأنشطة الأمنية، والتعامل مع الاحتجاجات المدنية تحديداً: سرّي وفوري. ذاك ان نشطاء السوشيال ميديا، وبعد الحدث بزمن قصير، توصلوا إلى حسابات “العاطلين عن العمل” على الفايسبوك، حيث فضحتهم صورهم بأسلحتهم ومسدساتهم في مكاتبهم كما في الأماكن العامة ورحلات التسلية. الشيء الآخر الذي فضح العنصر الأمني الأول، هو أنه خرج عن تقمص شخصية العاطل العمل في لحظة الغضب، إذ يبدو مسدسه واضحاً حين يرفع يديه ويقول للمعلمة بأنها “كذّابة” وأنها جاءت إلى هنا لأغراض سياسية. لو عدنا إلى سيرة هذا العنصر الأمني من خلال حسابه على الفيسبوك، قبل اختراقه وتشويه مضمونه، نكتشف بأنه من طبقات العامة، يمزج بين السذاجة والعنف في بوستاته على الفيسبوك حيث يكتب في بوست يعود لعام 2016 : “لا أحب المعارك، ولكن من يرفع أصبعه أقطعها له، كي لا يتجرأ مرة أخرى أن يخرج يديه من جيوبه”.

في اليوم الثاني من الاحتجاجات التي سادها الصمت، تمت السيطرة على شبكات التواصل الاجتماعي ولم يستطع المتظاهرون تهريب أية صورة عما جرى، وقد فاقت أعداد القوات الأمنية أعدادهم، ناهيك عن حصر تجمعات الموظفين من أجل دفع رواتبهم الشهرية في أمكنة منفصلة عن بعضها. وفي اليوم ذاته، نُشرت صورة مزيقة للمعلم الذي ضُرب في اليوم السابق والجرح على وجهه، بينما كان الضرب في منطقة حساسة بين الفخذين. انشغل الجميع بالصورة المزيفة وهي في الأصل لرجل تونسي تم الاعتداء عليه داخل محله التجاري في العاصمة تونس، انما فاق سرعة انتشارها على الفايسبوك سرعة كشف المستور فيما خص قصة العاطلين عن العمل. وقد صار تصحيح نشر الصورة والبحث عن مصدرها أهم من البحث عن أحوال المعلم موسى عبدالواحد الصحية. كان هذا الهدف ربما، أي نسيان الضحية من خلال صورة مزيفة التقطها ونشرها المساندون له قبل الجميع.

كان الكاتب والصحفي الكُردي هوشنك وزيري واحداً من بين الموقوفين وقضى ١٢ساعة في أحد مراكز الشرطة في أربيل. ويروي وزيري من خلال تغريدات نشرها على موقع تويتر كيف صادر عناصر الأمن جهاز موبايله الشخصي، وقاموا بمسح جميع الصور ومقاطع الفيديو التي سجلها أثناء الاحتجاجات. يقول الكاتب في إحدى تغريداته: لم يكن مسموحًا لنا بإجراء مكالمات، كان هناك بيننا معلم (62 عاما) تم تعذيبه من قبل عناصر الأمن، ولم يأكل المعلم الذي قضى ثلاث عقود ونصف عقد من عمره في التدريس منذ 24 ساعة، ولم يملك في جيبه سوى أربعة دولارات. قال له المعلم أثناء الاحتجاز “كنت أفكر بشنق نفسي في حديقة شانَدَر بحزامي”.

انها قصة صناعة الاستبداد تحت يافطة البطالة، القمع والأخبار المزيفة. لقد أصبح للعاطل عن العمل في كُردستان العراق اسم آخر، اسم يحمل معه آليات تركز العنف.

هذا الموضوع تم انجازه بدعم من مؤسسة Rosa-Luxemburg-Stiftung’s Beirut Office 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!