fbpx

وعد ترامب للعالم: حرب تجاريّة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل بات العالم محكوماً بحرب تجاريّة لا مهرب منها؟ المرجّح، للأسف، أن يكون الجواب بـ “نعم”. ذاك أنّ قفزة العولمة واتّفاقاتها التجاريّة العابرة للحدود الوطنيّة، والتي وُقّعت في عهدي بيل كلينتون وباراك أوباما، تشهد انتكاستها القويّة مع رئاسة دونالد ترامب

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هل بات العالم محكوماً بحرب تجاريّة لا مهرب منها؟

المرجّح، للأسف، أن يكون الجواب بـ “نعم”. ذاك أنّ قفزة العولمة واتّفاقاتها التجاريّة العابرة للحدود الوطنيّة، والتي وُقّعت في عهدي بيل كلينتون وباراك أوباما، تشهد انتكاستها القويّة مع رئاسة دونالد ترامب. فبخليط من الشعبويّة القوميّة والحسابات المباشرة والسريعة المردود التي يُجريها صغار التجّار والمحاسبين، قلب ترامب المعادلة تماماً. هكذا، وبعد السير نحو مزيد من التقارب والاندماج، ومحاولة تعميق هذه السيرورة وإعطائها ما تستدعيه من مضامين سياسيّة وقانونيّة، بات السائدُ فرضَ رسوم جمركيّة يقابلها فرض رسوم جمركيّة مضادّة. أمّا النتيجة فضررٌ اقتصاديّ على الجميع مرفق بتوتّر سياسيّ متصاعد.

طبعاً، لا بدّ، وعلى الدوام، من التحفّظ والاستدراك ما دام المعنيّ بالأمر هو دونالد ترامب: فالرئيس الأميركيّ يمكنه في أيّة لحظة أن ينقلب على سياسات ومواقف سبق أن تبنّاها، وعلى تعهّدات سبق أن تعهّدها. ويزداد حضور المزاجيّة في صنع القرار حين يكون الطرف الآخر مزاجيّاً بدوره، على ما هي حال الزعيم الكوريّ الشماليّ كيم جونغ أون، مثلاً لا حصراً.

مع هذا، يبقى أنّ الوجهة العريضة التي أطلقها ترامب هي وجهة حرب تجاريّة. فقد فرضت الولايات المتّحدة رسوماً ضريبيّة بنسبة 10 بالمئة على ما تستورده من الألومينيوم و25 بالمئة على استيرادها من الصلب ممّا تصدّره إليها بلدان الاتّحاد الأوروبيّ وكندا والمكسيك. وجدير بالذكر أنّ الأطراف الثلاثة صدّرت للولايات المتّحدة، العام الماضي، صلباً وألومينيوم بقيمة 23 بليون دولار من أصل 48 بليوناً هي قيمة مجمل ما تستورده أميركا من هاتين المادّتين. وبدورهم احتجّ بقوّة قادّة تلك البلدان وقرّروا اتّخاذ إجراءات انتقاميّة حيال السلع التي يستوردونها من الولايات المتّحدة. وبالفعل ردّ الاتّحاد الأوروبيّ بفرض تعريفات جمركيّة على لائحة من السلع الأميركيّة امتدّت على عشر صفحات، كما ستفرض كندا، ابتداء بـ 1 تمّوز (يوليو) المقبل، رسوماً بنسبة 25 بالمئة على ما تستورده من الولايات المتّحدة، والذي تبلغ قيمته 13 بليون دولار.

تغريدات ترامب حضرت، هنا أيضاً، بقوّة. فهو غرّد بأنّ البلدان الأخرى سرقت بلاده لسنوات من خلال التجارة، وأنّ الرسوم التي فرضها على الصلب المستورد حيويّةٌ للأمن القوميّ الأميركيّ، وتحمي صنّاع الصلب في أميركا، وأنّه “حان الوقت كي نكون أذكياء”.

لكنّ ترامب لا يكتفي بجبهة واحدة. فبعد أن بدا أنّ المخاوف من حرب تجاريّة مع الصين قد تبدّدت، عادت تغريداته لتشعلها من جديد، بحيث حذّر الصينيّون من أنّ كلّ محادثات تجاريّة مع الأميركيّين ستكون بلا جدوى في ظلّ “لجوء أميركا إلى العقوبات التجاريّة”.

فعجز الولايات المتّحدة في تجارتها مع الصين بلغ، العام الماضي، 375 بليون دولار، إذ أنّ الأولى تشتري من الثانية قرابة أربعة أضعاف ما تبيعه لها. وللسبب هذا أوفد ترامب وزيره للتجارة ويلبور روس إلى بيجينغ، بهدف خفض العجز في التجارة الثنائيّة، فيما أوحت الصين، التي تتزعّم حاليّاً جبهة الدفاع عن حرّيّة الأسواق، بأنّها ستشتري بعض الصادرات الزراعيّة الأميركيّة للحدّ من التفاوت في تبادلهما. بيد أنّ هذا لم يُطمئن ترامب وبعض المتطرّفين في إدارته ممّن أثاروا أيضاً قضيّة سرقة الملكيّة الفكريّة وحقوقها، من الكتب إلى الأقراص المدمّجة. هكذا ردّت الصين بتحدٍّ وتصعيد بادٍ في نبرتها القوميّة المعهودة.

وفيما أدّت هذه التطوّرات إلى تشاؤم واسع بين المحلّلين حيال ما يمكن أن تنتجه زيارة الوزير روس، أدلى وزير الدفاع الأميركيّ جيمس ماتيس بدلوه، مشكّكاً بنوايا الصين وتحرّكاتها في بحر الصين الجنوبيّ الذي تزعم ستّ دول مُلكيّته، بينما تؤكّد الصين مُلكيّتها شبه الحصريّة له. وهنا أيضاً ردّت الصين بأنّ من حقّها تحريك جنودها وأسلحتها “على أراضيها”، واصفة الانتقادات الأميركيّة بأنّها “غير مسؤولة”.

والحال أنّ الموقف الأميركيّ في المساجلة مع الصين ينطوي على الكثير من الصحّة، لكنّ ما يبدّد صحّته هو تلك الطريقة الصبيانيّة التي تطرح واشنطن بموجبها ما تدافع عنه، دافعةً بالأمور إلى التوتّر ومُعرقلةً إمكان التوصّل إلى حلول سلميّة مقبولة. وهذا حتّى لا ننسى أنّ ترامب نفسه قد يتخلّى في أيّة لحظة عن مواقفه وعن الغبار والضجيج اللذين ينجمان عنها.