fbpx

خيارة ونصف وجبة السجين في لبنان… ولا ماء ولا طعام ولا محاكمات!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تلقي الأزمة الاقتصادية بثقلها على المساجين في لبنان منذ 2019، إذ أدت إلى تقليص الخدمات والوجبات الغذائية، ليصبح الحصول على وجبة طعام واحدة كافية يومياً، أشبه بحلم الكثير من السجناء، بخاصة أولئك الذين لا يملكون المال لشراء الطعام من حانوت السجن، ولا تملك عائلاتهم القدرة المادية لتأمين حاجاتهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“ماذا كان الغداء اليوم؟”، هكذا باشرتُ الحديث مع أحد نزلاء سجن رومية في لبنان، وهي ليست المرة الأولى التي نجري فيها حديثاً حول معاناة السجناء، حتى تحولنا إلى صديقين في سجنين مختلفين، إنما داخل جمهورية صغيرة واحدة تتولى تدمير حياة مواطنيها، بأشكال متنوعة.

“خيارة ونصف هذه كانت حصة كل واحد منا لوجبة الغداء اليوم”، قال صديقي السجين قبل أن يضيف، “بتعرفي بطلوا عم يجيبولنا خبز بحجة الأزمة”.

تلقي الأزمة الاقتصادية بثقلها على السجون ونزلائها، مع تقليص الخدمات والوجبات الغذائية، بحسب ما أفادنا عدد من السجناء. علماً أن لبنان يضم ثلاثة سجون مركزية، سجن القبة في طرابلس، سجن زحلة في البقاع وسجن رومية في بعبدا الذي يعتبر أكبرها، إضافة إلى سجون فرعية أخرى عدا السجون الأربعة المخصصة للنساء. 

تعاني جميع هذه السجون، بخاصة المركزية منها، من مشاكل كثيرة بسبب الاكتظاظ الذي يصل إلى 300 في المئة، إذ يبلغ عدد السجناء في سجن رومية مثلاً 4000 سجين، بينما لا تتعدى قدرته الاستيعابية الـ1200 سجين. وهو ما أدى مع الوقت إلى انعكاسات سلبية على الخدمات المقدمة للسجناء، ساهمت في توسّعها الأزمة الاقتصادية التي يواجهها لبنان منذ الـ2019. فالحصول على وجبة طعام واحدة كافية يومياً على الأقل، بات أشبه بحلم الكثير من السجناء، بخاصة أولئك الذين لا يملكون المال لشراء الطعام من حانوت السجن، ولا تملك عائلاتهم القدرات المادية لتأمين حاجاتهم.

“حتى مي للشرب والحمام ما في، وطبابة ما في، ومحاكمات ما في”، هكذا يروي أحد السجناء الذي ينتظر منذ نحو 3 سنوات انعقاد جلسة لإصدار حكم بقضّيته.

طعام سيئ وخدمات معدومة

“وجبة الغداء تكون في معظم الأحيان عبارة عن حبة من الخضار أو البطاطا يتشارك فيها كل سجينين معاً مع خبز يابس لا يصلح للأكل غالباً”. أما بالنسبة إلى المياه فيشير السجين إلى أن المياه الموجودة داخل السجن غير صالحة للشرب أو الاستحمام لأنها سيئة جداً، ناهيك بالافتقار إلى الخدمات الطبية، “فالسجين الذي يعاني من وعكة صحية أو أمراض مزمنة، عليه أن يشتري الأدوية والعلاج على نفقته الخاصة، لأن الخدمات الصحية شبه مفقودة في السجون”.

يقول أحد العاملين في أحد السجون المركزية إن “كميات الطعام التي يتم تحضيرها كل يوم لا تكفي لإطعام كل السجناء، لا سيما في ظل الاكتظاظ الحاصل، فالغرفة التي تتسع لـ20 شخصاً، يمكث فيها أكثر من 60 شخصاً، وبالتالي فمن الطبيعي ألا يكون الطعام كافياً”.

ويتابع: “الطعام الذي يتم طهيه كل يوم يُوزع على غرف السجن عبر أوعية صغيرة وغير مخصصة لوضع الطعام داخلها، ولكل غرفة من هذه الغرف مسؤول يطلَق عليه لقب (شاويش) يتولى توزيع الطعام على السجناء”. ويشير إلى وجود محسوبيات تلعب دوراً في طريقة التوزيع. 

أما عن المياه الموجودة داخل السجن، فيلفت إلى أنها كلسية، وبالتالي يواجه السجناء مشكلة في استخدامها، كما أن تمديدات القساطل الخاصة بها قديمة جداً، ولا تخضع لأي صيانة، ففي حال طرأ أي عطل عليها يتبنى أحد السجناء الميسورين عملية إصلاحها على نفقته الخاصة، في غياب الدولة. 

وبالنسبة إلى مياه الشرب المخصصة للسجناء، يلفت العامل إلى مبادرات قامت بها جمعيات لمعالجة المياه ووضع فلاتر لتصبح صالحة للشرب، لكنها مبادرات غير كافية، ويضطر معظم السجناء إلى شراء المياه من خارج السجن.

في هذا السياق، يشير المحامي والحقوقي محمد صبلوح إلى أن الفحوصات التي أجرتها راهناً “الهيئة الوطنية للبحوث والإنماء” على عينات مياه أُخذت من سجن رومية بعد وضع فلاتر لها، أظهرت أنها مسرطنة وغير صالحة للشرب والاستعمال.

إجحاف في المعاملة وحقوق مسلوبة

تؤكد الناشطة الحقوقية ونائبة رئيس جمعية لجان أهالي الموقوفين، والمتحدثة باسم أهالي السجناء، رائدة الصلح، أن السجناء محرومون من أبسط حقوقهم.

فعلى الصعيد الطبي، “السجين يدفع فاتورة الأدوية والكشوفات الطبية والمستشفيات وأي تغطيات طبية أخرى قد يحتاجها من دون أن تعترف الدولة بتكلفة أي منها، إذ تخلّت عن دورها كلياً تجاه السجناء”.

أما بالنسبة إلى الطعام الذي تقدّمه إدارة السجن، فتقول الصلح إنه يفتقد الجودة كما أنه غير كاف لجميع السجناء. وتضيف أن أسعار دكانة السجن أصبحت مرتفعة جداً ولا تخضع لأي رقابة، وهو ما يمنع نسبة كبيرة من السجناء من اللجوء إلى الحانوت، فيضطرون إلى الاكتفاء بطعام السجن. 

وتشير الصلح إلى أن المياه الموجودة داخل السجن غير صالحة أبداً، لا للشرب ولا للاستحمام، علماً أنها قد تسببت بأمراض جلدية كثيرة للسجناء نتيجة لتلوّثها.

في هذا السياق، يشير صبلوح، إلى أن وضع السجناء الصعب يعود إلى فترة ما قبل ثورة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، فنسبة 80 في المئة من السجناء كان أهلهم يحضرون ما يحتاجونه من طعام، أما النسبة المتبقية من السجناء والتي تتراوح بين 20 و25 في المئة، فلا حل أمامهم سوى تناول طعام السجن.

أما الآن وبسبب الأزمة الاقتصادية والارتفاع الجنوني في أسعار السلع، بات معظم السجناء مجبرين على الاكتفاء بما تُقدمه إدارة السجن من وجبات، وهنا يتخوف صبلوح من أن السجون مهددة بتوقف إمدادات الطعام عنها في حال لم تدفع الدولة ما عليها من مستحقات.   

يضيف صبلوح أن “الوضع الصحي داخل السجون هو الأكثر خطورة، فالدولة لم تعد تقدم خدمات طبية للسجناء على رغم أنها ملزمة بالقيام بذلك، كما أصبحت تضع السجناء الذين يعانون من مضاعفات وبحاجة الى رعاية صحية في مبنى لوحدهم، كي لا يخبر السجناء الذين يملكون أجهزة خليوية عن وضعهم، بالتالي تصبح الدولة مضطرة لمعالجتهم. فبحسب صبلوح فإن الدولة تنظر إلى السجناء على أنهم مجرد أرقام لا أشخاص لهم حقوق”.

في نيسان/ أبريل الماضي، توفي السجين مصطفى الصوص، أحد من نزلاء المبنى دال في سجن رومية. 

وبحسب شهادة بعض السجناء هناك، كانت حالة مصطفى تتطلّب إدخاله إلى المستشفى، لكن إدارة السجن لم تكترث لوضعه ولم تهتم بمعالجته، مؤكدين أنه توفي نتيجة الإهمال الطبي. لكننا لم نستطع التحقق من الأمر، لصعوبة الوصول إلى معلومات موثوقة، إنما ما أكدته جميع المصادر هو أن الوضع الطبي في السجون يرثى له.

الاكتظاظ في السجون

تشير الناشطة الحقوقية ونائبة رئيس جمعية لجان أهالي الموقوفين، والمتحدثة باسم أهالي السجناء، رائدة الصلح، إلى أن مشكلة الاكتظاظ في السجون سببها تأخير المحاكمات لعدد كبير من المساجين، الذين يبقون في السجون لسنوات من دون أن تصدر أحكام بحقهم، وربما يكون بعضهم أبرياء أو تهمهم بسيطة، لكنهم يمضون سنوات من دون أن ينظر أحد إلى حالهم.

 في هذا السياق، يشير أحد السجناء إلى أن هناك دائماً حججاً وأعذاراً كي لا تُعقد جلسات المحاكمات، منها عدم توافر مادة المازوت، أو أن عديد عناصر الدرك غير كاف، أو أن القضاة في حالة اعتكاف وغيرها من الأسباب.

المحامي محمد صبلوح يوضح أنه “بسبب التوقيفات العشوائية، وتوقُّف المحاكمات، زادت نسبة الاكتظاظ في السجون، منوهاً إلى وجود سجناء مرّ على توقيفهم أكثر من 3 سنوات من دون محاكمة بحجة النقص في أعداد القضاة”.

ويضيف أنه بسبب عدم قدرة السجون على استيعاب المزيد من السجناء، تحولت النظارات إلى سجون على رغم أن مساحتها صغيرة وغير مخصّصة أصلاً لذلك. 

وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، كان أعلن في وقت سابق أن “السجون تضم أكثر من 8000 سجين، المحكومون منهم تبلغ نسبتهم 20.9 في المئة فقط، أي أن 79.1 في المئة من المساجين، هم غير محكومين”.

حقوق السجناء مكرّسة في الدستور اللبناني

يلتزم لبنان دستورياً ومعنوياً بتطبيق القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، والمستخلصة من شرعة حقوق الإنسان العالمية، والتي تنطبق على الأفراد جميعاً. وتتضمن هذه الحقوق:

الحق في الحياة وسلامة الفرد، الحق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة السيئة، الحق في الصحة، الحق في احترام الكرامة الإنسانية، الحق في التنفيذ العادل للقوانين، الحق في عدم التعرض للتمييز والتفرقة من أي نوع كانت، الحق في التحرر من الاستعباد، الحق في حرية الرأي والفكر، الحق في احترام الحياة العائلية، وأخيراً الحق في التنمية الذاتية.

في الحقيقة، تصطدم شرعة الحقوق هذه بالواقع، فمعظم البنود لا يتم تطبيقها، وهو ما يؤدي إلى تجدّد الاحتجاجات والصرخات من خلف القضبان، بسبب حرمان السجناء من أبسط حقوقهم… حتى “بدل السجن سجنين”، كما أخبرنا أحد السجناء!

فداء زياد - كاتبة فلسطينية من غزة | 14.06.2024

عن تخمة الشعور واختبارات النجاة في غزة

ليلة اقتحام رفح، كانت حيلتي أن أستعير أقدام الطبيبة أميرة العسولي، المرأة الطبيبة التي جازفت بحياتها لتنقذ حياة مصاب، فترة حصار الجيش الإسرائيلي مستشفى ناصر في خانيونس، كي أحاول إنقاذ أخي وعائلته وأختي وأبنائها المقيمين في الجهة المقابلة لنا، لأنهم كانوا أكثر قرباً من الخطر.
15.05.2024
زمن القراءة: 6 minutes

تلقي الأزمة الاقتصادية بثقلها على المساجين في لبنان منذ 2019، إذ أدت إلى تقليص الخدمات والوجبات الغذائية، ليصبح الحصول على وجبة طعام واحدة كافية يومياً، أشبه بحلم الكثير من السجناء، بخاصة أولئك الذين لا يملكون المال لشراء الطعام من حانوت السجن، ولا تملك عائلاتهم القدرة المادية لتأمين حاجاتهم.

“ماذا كان الغداء اليوم؟”، هكذا باشرتُ الحديث مع أحد نزلاء سجن رومية في لبنان، وهي ليست المرة الأولى التي نجري فيها حديثاً حول معاناة السجناء، حتى تحولنا إلى صديقين في سجنين مختلفين، إنما داخل جمهورية صغيرة واحدة تتولى تدمير حياة مواطنيها، بأشكال متنوعة.

“خيارة ونصف هذه كانت حصة كل واحد منا لوجبة الغداء اليوم”، قال صديقي السجين قبل أن يضيف، “بتعرفي بطلوا عم يجيبولنا خبز بحجة الأزمة”.

تلقي الأزمة الاقتصادية بثقلها على السجون ونزلائها، مع تقليص الخدمات والوجبات الغذائية، بحسب ما أفادنا عدد من السجناء. علماً أن لبنان يضم ثلاثة سجون مركزية، سجن القبة في طرابلس، سجن زحلة في البقاع وسجن رومية في بعبدا الذي يعتبر أكبرها، إضافة إلى سجون فرعية أخرى عدا السجون الأربعة المخصصة للنساء. 

تعاني جميع هذه السجون، بخاصة المركزية منها، من مشاكل كثيرة بسبب الاكتظاظ الذي يصل إلى 300 في المئة، إذ يبلغ عدد السجناء في سجن رومية مثلاً 4000 سجين، بينما لا تتعدى قدرته الاستيعابية الـ1200 سجين. وهو ما أدى مع الوقت إلى انعكاسات سلبية على الخدمات المقدمة للسجناء، ساهمت في توسّعها الأزمة الاقتصادية التي يواجهها لبنان منذ الـ2019. فالحصول على وجبة طعام واحدة كافية يومياً على الأقل، بات أشبه بحلم الكثير من السجناء، بخاصة أولئك الذين لا يملكون المال لشراء الطعام من حانوت السجن، ولا تملك عائلاتهم القدرات المادية لتأمين حاجاتهم.

“حتى مي للشرب والحمام ما في، وطبابة ما في، ومحاكمات ما في”، هكذا يروي أحد السجناء الذي ينتظر منذ نحو 3 سنوات انعقاد جلسة لإصدار حكم بقضّيته.

طعام سيئ وخدمات معدومة

“وجبة الغداء تكون في معظم الأحيان عبارة عن حبة من الخضار أو البطاطا يتشارك فيها كل سجينين معاً مع خبز يابس لا يصلح للأكل غالباً”. أما بالنسبة إلى المياه فيشير السجين إلى أن المياه الموجودة داخل السجن غير صالحة للشرب أو الاستحمام لأنها سيئة جداً، ناهيك بالافتقار إلى الخدمات الطبية، “فالسجين الذي يعاني من وعكة صحية أو أمراض مزمنة، عليه أن يشتري الأدوية والعلاج على نفقته الخاصة، لأن الخدمات الصحية شبه مفقودة في السجون”.

يقول أحد العاملين في أحد السجون المركزية إن “كميات الطعام التي يتم تحضيرها كل يوم لا تكفي لإطعام كل السجناء، لا سيما في ظل الاكتظاظ الحاصل، فالغرفة التي تتسع لـ20 شخصاً، يمكث فيها أكثر من 60 شخصاً، وبالتالي فمن الطبيعي ألا يكون الطعام كافياً”.

ويتابع: “الطعام الذي يتم طهيه كل يوم يُوزع على غرف السجن عبر أوعية صغيرة وغير مخصصة لوضع الطعام داخلها، ولكل غرفة من هذه الغرف مسؤول يطلَق عليه لقب (شاويش) يتولى توزيع الطعام على السجناء”. ويشير إلى وجود محسوبيات تلعب دوراً في طريقة التوزيع. 

أما عن المياه الموجودة داخل السجن، فيلفت إلى أنها كلسية، وبالتالي يواجه السجناء مشكلة في استخدامها، كما أن تمديدات القساطل الخاصة بها قديمة جداً، ولا تخضع لأي صيانة، ففي حال طرأ أي عطل عليها يتبنى أحد السجناء الميسورين عملية إصلاحها على نفقته الخاصة، في غياب الدولة. 

وبالنسبة إلى مياه الشرب المخصصة للسجناء، يلفت العامل إلى مبادرات قامت بها جمعيات لمعالجة المياه ووضع فلاتر لتصبح صالحة للشرب، لكنها مبادرات غير كافية، ويضطر معظم السجناء إلى شراء المياه من خارج السجن.

في هذا السياق، يشير المحامي والحقوقي محمد صبلوح إلى أن الفحوصات التي أجرتها راهناً “الهيئة الوطنية للبحوث والإنماء” على عينات مياه أُخذت من سجن رومية بعد وضع فلاتر لها، أظهرت أنها مسرطنة وغير صالحة للشرب والاستعمال.

إجحاف في المعاملة وحقوق مسلوبة

تؤكد الناشطة الحقوقية ونائبة رئيس جمعية لجان أهالي الموقوفين، والمتحدثة باسم أهالي السجناء، رائدة الصلح، أن السجناء محرومون من أبسط حقوقهم.

فعلى الصعيد الطبي، “السجين يدفع فاتورة الأدوية والكشوفات الطبية والمستشفيات وأي تغطيات طبية أخرى قد يحتاجها من دون أن تعترف الدولة بتكلفة أي منها، إذ تخلّت عن دورها كلياً تجاه السجناء”.

أما بالنسبة إلى الطعام الذي تقدّمه إدارة السجن، فتقول الصلح إنه يفتقد الجودة كما أنه غير كاف لجميع السجناء. وتضيف أن أسعار دكانة السجن أصبحت مرتفعة جداً ولا تخضع لأي رقابة، وهو ما يمنع نسبة كبيرة من السجناء من اللجوء إلى الحانوت، فيضطرون إلى الاكتفاء بطعام السجن. 

وتشير الصلح إلى أن المياه الموجودة داخل السجن غير صالحة أبداً، لا للشرب ولا للاستحمام، علماً أنها قد تسببت بأمراض جلدية كثيرة للسجناء نتيجة لتلوّثها.

في هذا السياق، يشير صبلوح، إلى أن وضع السجناء الصعب يعود إلى فترة ما قبل ثورة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، فنسبة 80 في المئة من السجناء كان أهلهم يحضرون ما يحتاجونه من طعام، أما النسبة المتبقية من السجناء والتي تتراوح بين 20 و25 في المئة، فلا حل أمامهم سوى تناول طعام السجن.

أما الآن وبسبب الأزمة الاقتصادية والارتفاع الجنوني في أسعار السلع، بات معظم السجناء مجبرين على الاكتفاء بما تُقدمه إدارة السجن من وجبات، وهنا يتخوف صبلوح من أن السجون مهددة بتوقف إمدادات الطعام عنها في حال لم تدفع الدولة ما عليها من مستحقات.   

يضيف صبلوح أن “الوضع الصحي داخل السجون هو الأكثر خطورة، فالدولة لم تعد تقدم خدمات طبية للسجناء على رغم أنها ملزمة بالقيام بذلك، كما أصبحت تضع السجناء الذين يعانون من مضاعفات وبحاجة الى رعاية صحية في مبنى لوحدهم، كي لا يخبر السجناء الذين يملكون أجهزة خليوية عن وضعهم، بالتالي تصبح الدولة مضطرة لمعالجتهم. فبحسب صبلوح فإن الدولة تنظر إلى السجناء على أنهم مجرد أرقام لا أشخاص لهم حقوق”.

في نيسان/ أبريل الماضي، توفي السجين مصطفى الصوص، أحد من نزلاء المبنى دال في سجن رومية. 

وبحسب شهادة بعض السجناء هناك، كانت حالة مصطفى تتطلّب إدخاله إلى المستشفى، لكن إدارة السجن لم تكترث لوضعه ولم تهتم بمعالجته، مؤكدين أنه توفي نتيجة الإهمال الطبي. لكننا لم نستطع التحقق من الأمر، لصعوبة الوصول إلى معلومات موثوقة، إنما ما أكدته جميع المصادر هو أن الوضع الطبي في السجون يرثى له.

الاكتظاظ في السجون

تشير الناشطة الحقوقية ونائبة رئيس جمعية لجان أهالي الموقوفين، والمتحدثة باسم أهالي السجناء، رائدة الصلح، إلى أن مشكلة الاكتظاظ في السجون سببها تأخير المحاكمات لعدد كبير من المساجين، الذين يبقون في السجون لسنوات من دون أن تصدر أحكام بحقهم، وربما يكون بعضهم أبرياء أو تهمهم بسيطة، لكنهم يمضون سنوات من دون أن ينظر أحد إلى حالهم.

 في هذا السياق، يشير أحد السجناء إلى أن هناك دائماً حججاً وأعذاراً كي لا تُعقد جلسات المحاكمات، منها عدم توافر مادة المازوت، أو أن عديد عناصر الدرك غير كاف، أو أن القضاة في حالة اعتكاف وغيرها من الأسباب.

المحامي محمد صبلوح يوضح أنه “بسبب التوقيفات العشوائية، وتوقُّف المحاكمات، زادت نسبة الاكتظاظ في السجون، منوهاً إلى وجود سجناء مرّ على توقيفهم أكثر من 3 سنوات من دون محاكمة بحجة النقص في أعداد القضاة”.

ويضيف أنه بسبب عدم قدرة السجون على استيعاب المزيد من السجناء، تحولت النظارات إلى سجون على رغم أن مساحتها صغيرة وغير مخصّصة أصلاً لذلك. 

وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، كان أعلن في وقت سابق أن “السجون تضم أكثر من 8000 سجين، المحكومون منهم تبلغ نسبتهم 20.9 في المئة فقط، أي أن 79.1 في المئة من المساجين، هم غير محكومين”.

حقوق السجناء مكرّسة في الدستور اللبناني

يلتزم لبنان دستورياً ومعنوياً بتطبيق القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، والمستخلصة من شرعة حقوق الإنسان العالمية، والتي تنطبق على الأفراد جميعاً. وتتضمن هذه الحقوق:

الحق في الحياة وسلامة الفرد، الحق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة السيئة، الحق في الصحة، الحق في احترام الكرامة الإنسانية، الحق في التنفيذ العادل للقوانين، الحق في عدم التعرض للتمييز والتفرقة من أي نوع كانت، الحق في التحرر من الاستعباد، الحق في حرية الرأي والفكر، الحق في احترام الحياة العائلية، وأخيراً الحق في التنمية الذاتية.

في الحقيقة، تصطدم شرعة الحقوق هذه بالواقع، فمعظم البنود لا يتم تطبيقها، وهو ما يؤدي إلى تجدّد الاحتجاجات والصرخات من خلف القضبان، بسبب حرمان السجناء من أبسط حقوقهم… حتى “بدل السجن سجنين”، كما أخبرنا أحد السجناء!

15.05.2024
زمن القراءة: 6 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية