fbpx

“تحملُ بيتك على ظهرك وترحل”…حكاية هروب من رفح

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“كانت عملية الإخلاء والطرد بالقوة من رفح سريعة جداً. الجميع يضحكون علينا: الولايات المتحدة ومصر…في النهاية، إسرائيل تفعل ما تريد”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عميرة هَس-هآرتس 17/05/2024

ترجمة معاوية موسى ومصطفى ابراهيم

“تضاعف سعر الخيام، الخوف رهيب الشيء الأكثر أهمية هو الماء” هكذا يلخص حسام وعائلته (اسم مستعار) الوضع في رفح، استعداداً للمغادرة إلى الملجأ للمرة السادسة خلال سبعة أشهر ونصف الشهر.

يقول حسام: “كانت عملية الإخلاء والطرد بالقوة من رفح سريعة جداً. الجميع يضحكون علينا: الولايات المتحدة التي قالت طوال خمسة أشهر إنها تعارض الهجوم البري في رفح ومصر، وإن ذلك غير مقبول بالنسبة إليها”.

“في النهاية، إسرائيل تفعل ما تريد، وحينها ندرك أن لا الولايات المتحدة ولا مصر يهمهما الأمر حقاً، وأنهما لا تعترضان حقاً. إنهم لا يريدون فرض أي شيء على إسرائيل. كل شيء كلام فقط”.

يتابع حسام: “نحن الآن في تل السلطان (حي السعودي للاجئين غرب رفح بجوار شاطئ البحر)، في منزل أخت زوجتي، بعدما أمضينا يومين في مخيم الشابورة للاجئين. العلاقات دافئة، لكن العيش صعب مع هذه الكثافة، 14 شخصاً في شقة صغيرة، حتى لو كانوا أقرباء”.

 “الآن، نستعد للنزوح السادس، فيما انتقل اثنان من أشقائي إلى منطقة أخرى في وسط القطاع للإقامة في منزل استأجروه من أحد اصدقائهم. بنات العائلة ونساؤها سيتوجهن الى شقة في دير البلح يملكها أحد أفراد عائلة زوجتي، أنا وأولادي سنسكن في خيمة على الساحل”.

يضحك حسام ويقول: “هذه ترتيبات برجوازية، نحن نازحون برجوازيون،  (هي معلمة وهو موظف متقاعد) لدينا خيار الانفصال الى قسمين، الاختيار بين شقة وخيمة، على رغم أن هناك أناساً يفضلون بقاء جميع أفراد الأسرة معاً، حتى يكون هناك دائماً شخص ما في الخيمة فلا يتمكن أحد من سرقة شيء منها”. 

يصف حسام الترتيبات قائلاً :”اشتريت خيمة بمبلغ 3500 شيكل بعدما كان ثمنها 1500. أحياناً، كانت منظمات الإغاثة بجميع أنواعها توزع الخيام، حتى أنني ساعدت الناس في الحصول على خيمة عندما كنا لا نزال نعيش في منزل أخي، وشعرت أن وضعنا مستقر نسبياً”.

يضيف :”بصرف النظر عن أصوات الانفجارات والقصف وصوت الزنانة الذي أصابنا بالجنون، تمكّنا من الحفاظ على نوع من التوازن العقلي. المشكلة هي أنه ليس من الواضح لنا كيف تُوزَّع الخيام. هناك دائما فوضى، والمعايير ليست واضحة.  في النهاية، هناك دائماً خيام تصل إلى السوق، والأسعار ترتفع وتنخفض حسب الطلب”.

يؤكد حسام لنا:”لا تأخذونا كمثال. هناك أناس ليس لديهم المال لشراء خيمة أو أجرة عربة يجرها حمار أو سيارة للانتقال إلى المواصي (الشريط الساحلي الذي تسميه إسرائيل منطقة إنسانية)، وليس لديهم مال ليأكلوا، فبقوا حيث كانوا، من رفح إلى دير البلح وبلدة الزوايدة،الطريق كله مليء بالخيام. لا مكان تستطيع فيه أن تضع قدميك”.

يقو حسام :”أخي، صاحب الأيدي الذهبية، ينظم الآن الأشياء لخيمتنا، كما نظم في خيمته وخيم أصدقائنا: بحيث يكون فيها كهرباء (من خلال الألواح الشمسية، نعم )، وماء (أي خزان مياه وصنبور ماء، نعم )، ودش وحمام  (خارج الخيمة بالطبع)، وأيضاً حفريات لمياه الصرف الصحي، وهي عبارة عن حفرة امتصاصية، كما كانت الحال في مخيمات اللاجئين قبل أن يكون هناك نظام للصرف الصحي. إنها حفرة مغطاة. كما يضع بعض الناس عدداً قليلاً من إطارات السيارات في الحفرة، ويبطنونها بالرمل، فيتسرب الماء إليها”.

يتابع” لكن، هناك أناس آخرون، ليسوا (برجوازيين) مثلنا، يعتبرون الخيمة بمثابة قماش للاحتماء والحصول على بعض الخصوصية” .

يقول حسام ساخراً “لدينا مروحة للخيمة. يضحك، ألم أقل لك أننا برجوازيون. من نزوح إلى نزوح، الناس يأخذون أشياء أكثر من المنزل. تعلمنا شيئاً من كل نزوح. الإنسان يجمع بيته على ظهره، وينزح. بالفعل الأمر كذلك. وهكذا، ستجد الآن من يأخذ الثلاجة وخزان المياه، أو من يفكك  أثاث البيت – حتى لا يُسرق، وحتى لا يُدمّر إذا قصفته إسرائيل – أو يأخذ ما اشتروه في النزوح السابق، لأن لا مال لشراء ثلاجة كل شهرين”.

يتابع :”من يملك الألواح الشمسية والبطاريات يحملها معه عند النزوح. في الأشهر الأخيرة، وصلت أنظمة الطاقة الشمسية إلى رفح من مناطق مختلفة، فُكِّكت وبيعت، واشترت الناس ألواحاً شمسية. كذلك، تم تزويد الحارات بنظام شمسي يمكن من خلاله شحن الهواتف والإنارة. الآن، أصبح النظام أكثر تنظيماً مما كان عليه في البداية”. 

يقول حسام:”أنا  لا أكتب مقالاتي على الكمبيوتر، بل على الهاتف فقط، لقد اعتدت على ذلك. يمكننا أن ننتقل إلى شقة فارغة في خان يونس يملكها أشخاص نعرفهم. لكن اتضح أنه لا ماء فيها وأن كل شيء حولها مدمر ولا يوجد سوى عدد قليل من الناس، وهذا مخيف أيضاً بعض الشيء. ندرة الماء هي المشكلة الأكبر، لا سيما أن الصيف اقترب وبدأت الحرارة تشتدّ. الناس على استعداد للنوم في الخارج، طالما أنه قريب نوع ما من إمدادات المياه، وأن الحمامات تحتوي على الماء”.

“تكاثر الذباب والبعوض بسبب الحر والقمامة والصرف الصحي في الشوارع، وهما هنا أسراب. الذباب في النهار، البعوض في الليل. لا مكان للهروب منهما، إنه أمر مزعج للغاية. من ناحية أخرى، هنا في تل السلطان، القصف بعيد ولا نسمعه أو نسمعه بشكل خافت”.

“لقد أعددنا مكاناً لأنفسنا في المواصي على بحر خان يونس. وسنكون معاً في بعض خيام العائلة ومع بعض سكان برير (القرية الأصلية التي هجرنا منها، واليوم تسمى برور حايل )”. وفي هذا النزوح، يفضل الناس العودة وتنظيم مكان واحد لأقاربهم وجيرانهم من مخيم اللاجئين، والذين عادة ما يكونون من القرية الأصلية نفسه. وأفترض أن أولئك الذين غادروا القرى الأخرى منذ عام 1948، منظمون أيضاً بالطريقة نفسها”.

“لقد كانت تجربة العيش مع النازحين الذين لا ينتمون إلى العائلة ذاتها أو القرية الأصلية صعبة للغاية. لم يُكتب عنه الكثير أو يتم الحديث عنه علناً، لكنه أدى إلى توترات ومشاجرات كثيرة. كانت هناك شكاوى كثيرة هنا في رفح على عدد من  النازحين، الذين جاؤوا من الشمال. لا يعني ذلك عدم وجود مشاجرات وتوترات مع أفراد الأسرة أو القرية الأصلية، ولكنْ هناك طرق لحلّها بشكل منطقي”.

“من الصعب أن تعيش في منزل غير منزلك، في بيت الآخرين حتى لو كانوا أقرباءك، حتى لو كانوا عائلتك أو أباك  أو أخاك. ذلك يفقدك شيئاً من خصوصيتك وإنسانيتك. لا يمكنك التحدث بصوت عالٍ، ولا الجدال. لا أحد يتصرف كما هو على طبيعته، بل بطريقة مزيفة ومحسوبة وغير طبيعية. هناك دائماً أشخاص أنانيون يفعلون ما يريدون ويتعين عليك الصمت”.

“ما يرفع من منسوب التوتر هو عدم توافر السجائر. أحاول الإقلاع عن التدخين، لكن الأمر صعب. منذ يومين أو ثلاثة، سمعنا أن السجائر ستدخل مع باقي المنتجات من الضفة الغربية: هذه ليست شحنات مساعدات، بل بضائع يشتريها تجارنا من الضفة الغربية. لكن حسب ما رأيته في السوق، كانت هناك منتجات إسرائيلية، على سبيل المثال، العنب والأفوكادو والخوخ والبطيخ. وهاجم المتطرفون الإسرائيليون هذه القوافل ودمروا المواد الغذائية، لكن إسرائيل سمحت للقوافل بالوصول فقط بسبب المحكمة في لاهاي، بدليل أنه لم تصل أي شحنات مساعدات في الآونة الأخيرة.”

“لا نعرف إلى أين سيطردوننا  إذا قرر الإسرائيليون اجتياح تل السلطان والمواصي أيضاً. نحن نعيش طوال الوقت، منذ ثمانية أشهر تقريباً، في خوف رهيب، مع عدم القدرة على حماية الأطفال والزوجة . علماً أن منزلنا  الذي تركناه في غزة قد دُمر، وربما منزل أخي الذي تركناه في الأسبوع الماضي أصيب بأضرار أيضاً، ومنزل ابنتي في غزة دُمر نصفه، ستقولين إنني أتحدث إليك بشكل طبيعي”. 

“الصعوبات المادية لا تقارن بتلك النفسية، لكن من الصعب وصف المشاعر الداخلية. هذا الانتقام المستمر من الإسرائيليين، يجعلنا نشعر أنهم ليسوا بشراً. لسنا نحن من فقد إنسانيتنا، بل الإسرائيليون. هكذا يتصرّف شعب الله المختار: اللهمّ نفسي فقط وليس الآخرين”.

فداء زياد - كاتبة فلسطينية من غزة | 14.06.2024

عن تخمة الشعور واختبارات النجاة في غزة

ليلة اقتحام رفح، كانت حيلتي أن أستعير أقدام الطبيبة أميرة العسولي، المرأة الطبيبة التي جازفت بحياتها لتنقذ حياة مصاب، فترة حصار الجيش الإسرائيلي مستشفى ناصر في خانيونس، كي أحاول إنقاذ أخي وعائلته وأختي وأبنائها المقيمين في الجهة المقابلة لنا، لأنهم كانوا أكثر قرباً من الخطر.
18.05.2024
زمن القراءة: 5 minutes

“كانت عملية الإخلاء والطرد بالقوة من رفح سريعة جداً. الجميع يضحكون علينا: الولايات المتحدة ومصر…في النهاية، إسرائيل تفعل ما تريد”

عميرة هَس-هآرتس 17/05/2024

ترجمة معاوية موسى ومصطفى ابراهيم

“تضاعف سعر الخيام، الخوف رهيب الشيء الأكثر أهمية هو الماء” هكذا يلخص حسام وعائلته (اسم مستعار) الوضع في رفح، استعداداً للمغادرة إلى الملجأ للمرة السادسة خلال سبعة أشهر ونصف الشهر.

يقول حسام: “كانت عملية الإخلاء والطرد بالقوة من رفح سريعة جداً. الجميع يضحكون علينا: الولايات المتحدة التي قالت طوال خمسة أشهر إنها تعارض الهجوم البري في رفح ومصر، وإن ذلك غير مقبول بالنسبة إليها”.

“في النهاية، إسرائيل تفعل ما تريد، وحينها ندرك أن لا الولايات المتحدة ولا مصر يهمهما الأمر حقاً، وأنهما لا تعترضان حقاً. إنهم لا يريدون فرض أي شيء على إسرائيل. كل شيء كلام فقط”.

يتابع حسام: “نحن الآن في تل السلطان (حي السعودي للاجئين غرب رفح بجوار شاطئ البحر)، في منزل أخت زوجتي، بعدما أمضينا يومين في مخيم الشابورة للاجئين. العلاقات دافئة، لكن العيش صعب مع هذه الكثافة، 14 شخصاً في شقة صغيرة، حتى لو كانوا أقرباء”.

 “الآن، نستعد للنزوح السادس، فيما انتقل اثنان من أشقائي إلى منطقة أخرى في وسط القطاع للإقامة في منزل استأجروه من أحد اصدقائهم. بنات العائلة ونساؤها سيتوجهن الى شقة في دير البلح يملكها أحد أفراد عائلة زوجتي، أنا وأولادي سنسكن في خيمة على الساحل”.

يضحك حسام ويقول: “هذه ترتيبات برجوازية، نحن نازحون برجوازيون،  (هي معلمة وهو موظف متقاعد) لدينا خيار الانفصال الى قسمين، الاختيار بين شقة وخيمة، على رغم أن هناك أناساً يفضلون بقاء جميع أفراد الأسرة معاً، حتى يكون هناك دائماً شخص ما في الخيمة فلا يتمكن أحد من سرقة شيء منها”. 

يصف حسام الترتيبات قائلاً :”اشتريت خيمة بمبلغ 3500 شيكل بعدما كان ثمنها 1500. أحياناً، كانت منظمات الإغاثة بجميع أنواعها توزع الخيام، حتى أنني ساعدت الناس في الحصول على خيمة عندما كنا لا نزال نعيش في منزل أخي، وشعرت أن وضعنا مستقر نسبياً”.

يضيف :”بصرف النظر عن أصوات الانفجارات والقصف وصوت الزنانة الذي أصابنا بالجنون، تمكّنا من الحفاظ على نوع من التوازن العقلي. المشكلة هي أنه ليس من الواضح لنا كيف تُوزَّع الخيام. هناك دائما فوضى، والمعايير ليست واضحة.  في النهاية، هناك دائماً خيام تصل إلى السوق، والأسعار ترتفع وتنخفض حسب الطلب”.

يؤكد حسام لنا:”لا تأخذونا كمثال. هناك أناس ليس لديهم المال لشراء خيمة أو أجرة عربة يجرها حمار أو سيارة للانتقال إلى المواصي (الشريط الساحلي الذي تسميه إسرائيل منطقة إنسانية)، وليس لديهم مال ليأكلوا، فبقوا حيث كانوا، من رفح إلى دير البلح وبلدة الزوايدة،الطريق كله مليء بالخيام. لا مكان تستطيع فيه أن تضع قدميك”.

يقو حسام :”أخي، صاحب الأيدي الذهبية، ينظم الآن الأشياء لخيمتنا، كما نظم في خيمته وخيم أصدقائنا: بحيث يكون فيها كهرباء (من خلال الألواح الشمسية، نعم )، وماء (أي خزان مياه وصنبور ماء، نعم )، ودش وحمام  (خارج الخيمة بالطبع)، وأيضاً حفريات لمياه الصرف الصحي، وهي عبارة عن حفرة امتصاصية، كما كانت الحال في مخيمات اللاجئين قبل أن يكون هناك نظام للصرف الصحي. إنها حفرة مغطاة. كما يضع بعض الناس عدداً قليلاً من إطارات السيارات في الحفرة، ويبطنونها بالرمل، فيتسرب الماء إليها”.

يتابع” لكن، هناك أناس آخرون، ليسوا (برجوازيين) مثلنا، يعتبرون الخيمة بمثابة قماش للاحتماء والحصول على بعض الخصوصية” .

يقول حسام ساخراً “لدينا مروحة للخيمة. يضحك، ألم أقل لك أننا برجوازيون. من نزوح إلى نزوح، الناس يأخذون أشياء أكثر من المنزل. تعلمنا شيئاً من كل نزوح. الإنسان يجمع بيته على ظهره، وينزح. بالفعل الأمر كذلك. وهكذا، ستجد الآن من يأخذ الثلاجة وخزان المياه، أو من يفكك  أثاث البيت – حتى لا يُسرق، وحتى لا يُدمّر إذا قصفته إسرائيل – أو يأخذ ما اشتروه في النزوح السابق، لأن لا مال لشراء ثلاجة كل شهرين”.

يتابع :”من يملك الألواح الشمسية والبطاريات يحملها معه عند النزوح. في الأشهر الأخيرة، وصلت أنظمة الطاقة الشمسية إلى رفح من مناطق مختلفة، فُكِّكت وبيعت، واشترت الناس ألواحاً شمسية. كذلك، تم تزويد الحارات بنظام شمسي يمكن من خلاله شحن الهواتف والإنارة. الآن، أصبح النظام أكثر تنظيماً مما كان عليه في البداية”. 

يقول حسام:”أنا  لا أكتب مقالاتي على الكمبيوتر، بل على الهاتف فقط، لقد اعتدت على ذلك. يمكننا أن ننتقل إلى شقة فارغة في خان يونس يملكها أشخاص نعرفهم. لكن اتضح أنه لا ماء فيها وأن كل شيء حولها مدمر ولا يوجد سوى عدد قليل من الناس، وهذا مخيف أيضاً بعض الشيء. ندرة الماء هي المشكلة الأكبر، لا سيما أن الصيف اقترب وبدأت الحرارة تشتدّ. الناس على استعداد للنوم في الخارج، طالما أنه قريب نوع ما من إمدادات المياه، وأن الحمامات تحتوي على الماء”.

“تكاثر الذباب والبعوض بسبب الحر والقمامة والصرف الصحي في الشوارع، وهما هنا أسراب. الذباب في النهار، البعوض في الليل. لا مكان للهروب منهما، إنه أمر مزعج للغاية. من ناحية أخرى، هنا في تل السلطان، القصف بعيد ولا نسمعه أو نسمعه بشكل خافت”.

“لقد أعددنا مكاناً لأنفسنا في المواصي على بحر خان يونس. وسنكون معاً في بعض خيام العائلة ومع بعض سكان برير (القرية الأصلية التي هجرنا منها، واليوم تسمى برور حايل )”. وفي هذا النزوح، يفضل الناس العودة وتنظيم مكان واحد لأقاربهم وجيرانهم من مخيم اللاجئين، والذين عادة ما يكونون من القرية الأصلية نفسه. وأفترض أن أولئك الذين غادروا القرى الأخرى منذ عام 1948، منظمون أيضاً بالطريقة نفسها”.

“لقد كانت تجربة العيش مع النازحين الذين لا ينتمون إلى العائلة ذاتها أو القرية الأصلية صعبة للغاية. لم يُكتب عنه الكثير أو يتم الحديث عنه علناً، لكنه أدى إلى توترات ومشاجرات كثيرة. كانت هناك شكاوى كثيرة هنا في رفح على عدد من  النازحين، الذين جاؤوا من الشمال. لا يعني ذلك عدم وجود مشاجرات وتوترات مع أفراد الأسرة أو القرية الأصلية، ولكنْ هناك طرق لحلّها بشكل منطقي”.

“من الصعب أن تعيش في منزل غير منزلك، في بيت الآخرين حتى لو كانوا أقرباءك، حتى لو كانوا عائلتك أو أباك  أو أخاك. ذلك يفقدك شيئاً من خصوصيتك وإنسانيتك. لا يمكنك التحدث بصوت عالٍ، ولا الجدال. لا أحد يتصرف كما هو على طبيعته، بل بطريقة مزيفة ومحسوبة وغير طبيعية. هناك دائماً أشخاص أنانيون يفعلون ما يريدون ويتعين عليك الصمت”.

“ما يرفع من منسوب التوتر هو عدم توافر السجائر. أحاول الإقلاع عن التدخين، لكن الأمر صعب. منذ يومين أو ثلاثة، سمعنا أن السجائر ستدخل مع باقي المنتجات من الضفة الغربية: هذه ليست شحنات مساعدات، بل بضائع يشتريها تجارنا من الضفة الغربية. لكن حسب ما رأيته في السوق، كانت هناك منتجات إسرائيلية، على سبيل المثال، العنب والأفوكادو والخوخ والبطيخ. وهاجم المتطرفون الإسرائيليون هذه القوافل ودمروا المواد الغذائية، لكن إسرائيل سمحت للقوافل بالوصول فقط بسبب المحكمة في لاهاي، بدليل أنه لم تصل أي شحنات مساعدات في الآونة الأخيرة.”

“لا نعرف إلى أين سيطردوننا  إذا قرر الإسرائيليون اجتياح تل السلطان والمواصي أيضاً. نحن نعيش طوال الوقت، منذ ثمانية أشهر تقريباً، في خوف رهيب، مع عدم القدرة على حماية الأطفال والزوجة . علماً أن منزلنا  الذي تركناه في غزة قد دُمر، وربما منزل أخي الذي تركناه في الأسبوع الماضي أصيب بأضرار أيضاً، ومنزل ابنتي في غزة دُمر نصفه، ستقولين إنني أتحدث إليك بشكل طبيعي”. 

“الصعوبات المادية لا تقارن بتلك النفسية، لكن من الصعب وصف المشاعر الداخلية. هذا الانتقام المستمر من الإسرائيليين، يجعلنا نشعر أنهم ليسوا بشراً. لسنا نحن من فقد إنسانيتنا، بل الإسرائيليون. هكذا يتصرّف شعب الله المختار: اللهمّ نفسي فقط وليس الآخرين”.

18.05.2024
زمن القراءة: 5 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية