fbpx

أحزاب العراق وميليشياته تتصارع على مطار النجف الدولي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ملف عقود العاملين في مطار النجف الذي افتتح سنة 2008، واحد من بين ملفات فساد كثيرة يتم التداول بشأنها في أروقة الحكومتين المحلية في محافظة النجف والمركزية في بغداد، فضلاً عن صراع سياسي وإداري معلن للسيطرة على إدارته والحصول على وارادته. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أنجز التقرير بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الإستقصائية

 لم يكن أمام صادق الركابي(37سنة)من النجف جنوب بغداد، خيارٌ آخر مطلع سنة 2020، فيما يقبل وظيفة إدارية بعقد مؤقت في مطار النجف الدولي، مقابل 10 آلاف دولار يدفعها لسمسار قدم نفسه إليه على أنه منتم الى التيار الصدري، أو البقاء سنوات أخرى بانتظار وظيفة تتوافق مع شهادته في إدارة الأعمال حصل عليها من جامعة بغداد سنة 2012.

 يقول  الركابي بشيء من الحزن، أن والده باع سيارته الشخصية لإكمال المبلغ المطلوب، وكانت الأمال كبيرة في أن يتمكن من إعادة المبلغ من خلال رواتبه التي سيتقاضاها:”لكن ما حدث أني أكتشفت في يومي الأول بالمطار، أنني كنت ضحية نصب واحتيال، إذ اتضح أن الوظيفة في قسم التنظيف، والراتب الشهري هو فقط 300 دولار!”.

الركابي كان واحداً من بين 1800 عامل بعقد مؤقت في مطار النجف عاشوا التجربة ذتها، وتقاضوا رواتب تراوحت بين 300 إلى 500 دولار شهرياً خلال فترة جائحة كورونا، بدلاً من 1000 و 1500 دولار وعدوا بها، إذ أخبرتهم الإدارة أنها ادخرت الفوارق المالية لرواتبهم التي وصلت إلى 9 ملايين دولار، ليكتشفوا لاحقاً أنها سرقت من خزينة المطار. 

لم تكن تلك مشكلتهم الوحيدة، يقول الركابي:”مصيرنا مجهول، فنحن لا نعلم الى من تعود مسؤولية المطار، الى سلطة الطيران المدني، أم الحكومة المحلية في النجف، ونعيش دوامة قلق دائمة من أن يتم تسريحنا فنعود الى أحضان البطالة”. 

ملف عقود العاملين في مطار النجف الذي افتتح سنة 2008، واحد من بين ملفات فساد كثيرة يتم التداول بشأنها في أروقة الحكومتين المحلية في محافظة النجف والمركزية في بغداد، فضلاً عن صراع سياسي وإداري معلن للسيطرة على إدارته والحصول على وارادته. 

صراع للسيطرة على المطار

وفي ما يبدو أنه جزء من الصراع الإداري والسياسي للسيطرة على المطار، أصدر مجلس محافظة النجف قراره رقم 17، في الجلسة(10/6)في 16نيسان/ أبريل2024، بإعفاء علي أحمد حسن، من مهام إدارة مطار النجف، وتعيين حسين عباس مهنه، محله لمدة ستة أشهر. 

وتضمن القرار كذلك، ربط المطار إدارياً بمحافظ النجف، وإخضاعه لإشراف مجلس المحافظة ورقابته، وإلزام مدير المطار الجديد بتقديم خطة تطويرية، ورؤية مستقبلية للمطار مع موازنة سنوية تعرض على مجلس المحافظة. 

برر المجلس قراره، أنه لتنظيم عمل المطار والارتقاء بأداء إدارته، مع التذكير بأن مطار النجف هو مشروع استثماري، أبرمت عقده محافظة النجف مع جهة استثمارية سنة 2008، وأن أموال إنشائه صرفت من ميزانية تنمية الإقليم الخاصة بالمحافظة، والتي بلغت أكثر من 103 مليارات دينار، تعادل الآن( نحو 80 مليون دولار).

جاء ذلك إثر عدم تنفيذ توصيات لجنة الأمر الديواني(23611) في 31/1/2024 بتسليم المطار الى مجلس محافظة النجف من سلطة الطيران المدنية. وقرار المجلس نجمت عنه ردود فعل متباينة، بدأت من المطار ذاته، إذ رفض مدير المطار المقال تنفيذ القرار وتسليم مهام عمله للمدير الجديد، لكونه لم يصدر من مرجعه أي سلطة الطيران المدني، وحدث اشتباك بالأيدي بينهما وتدخل فيه أعضاء من مجلس المحافظة.

مجلس المحافظة أمهل في أعقاب ذلك، الحكومة المركزية ومحافظ النجف مدة 24 ساعة لتنفيذ قراره وتسليم المطار للإدارة الجديدة، وتوجه قائد شرطة المحافظة مدعوماً بقوة أمنية كبيرة يوم 17/4/2024 لاستلام المطار من المدير المقال علي أحمد حسن الساعدي. 

عشيرة الساعدي تدخلت للوقوف معه، وأصدرت بياناً في 17/4/2024، ذكرت فيه أن هنالك استهدافاً شخصياً لمدير المطار، وطالبت المرجعية الدينية للتدخل لحل الموضوع، وأكدت عشيرة السواعدة في بيانها أنها ستقف مع القانون في حال وُجد فساد مالي أو إداري في المطار. 

أمهلت العشيرة الحكومة المركزية لغاية الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم التالي لحل الأمر والإبقاء على المدير السابق في منصبه، وحذر البيان من أن أي اعتداء يقع على شخص الساعدي، أي مدير المطار المقال، “سيكون اعتداءً على عشيرة السواعد عامة، واستهدافه سيؤثر على مستقبل العلاقة في محافظة النجف”.

رئاسة مجلس الوزراء أصدرت لحل المشكلة ومنع تفاقمها، أمرها الديواني المرقم 24154 في 18 نيسان/أبريل 2024، بتأييد قرار مجلس محافظة النجف، بإعفاء المدير السابق، لكنها قررت تكليف د.عباس صبار غالي، مدير عام الشركة العامة  لإدارة المطارات والملاحة الجوية بمهام تسيير أعمال المطار لحين تسمية مدير آخر بدلاً عنه. 

وذكر مصدر من داخل مطار النجف، أن سلطة الطيران المدني، عينت حسين عباس مهنه، معاوناً لمدير المطار المكلف، تماشياً مع قرار مجلس المحافظة الذي كان كلف الأخير بمهام المدير لستة أشهر، محاولة بذلك امتصاص غضب أعضاء المجلس المعترضين.

وكان مجلس محافظة النجف اعتبر تنصيب الساعدي مخالفًا للقانون، لأنه “تم بواسطة سلطة الطيران، وبغياب مجلس المحافظة بعد حله عام 2019 من مجلس النواب”، كاشفاً عن عجز مالي في إيرادات المطار يصل إلى 150 مليون دولار”.

أحزاب متورطة

أنشئ مطار على قاعدة عسكرية بتكلفة بلغت 50 مليون دولار، خصصت من ميزانية تنمية الأقليم الخاصة بمحافظة النجف، وافتتح في 20تموز/ يوليو 2008، وكان حينها نوري المالكي رئيساً للوزراء.

ومذاك، أصبح مسرحاً للتجاذبات والصراعات السياسية بين الإدارة المحلية للمحافظة والحكومات الاتحادية المتعاقبة، لكونه أحد مصادر الإيرادات المالية المهمة في النجف. 

وكانت المحافظة منحت حق إدارة المطار وتشغيله  إلى شركة العقيق الكويتية لمدة خمسة أعوام، على أن تستثمر الشركة خلال هذه المدة 50 مليون دولار من أموالها في إكمال متطلبات تشغيل المطار (أجهزة ملاحية ومعدات أرضية وشركة أمنية وسياج أمني ورخص تشغيل) وأن تكون الأرباح مناصفة بينها وبين محافظة النجف.

وفي العام 2011، وقع صراع بين مجلس محافظة النجف وشركة العقيق، فأدعى الأول أن الشركة لم تنفذ بنود العقد الخاص بها، أما الشركة فادعت أن المحافظة تقيدها فلا تستطيع تنفيذ خططها التطويرية، وتوقفت بسبب ذلك عن تشغيل المطار وطالبت باسترداد مستحقاتها البالغة 50 مليون دولار مع فوائد للفترة الزمنية التي استغرقتها في العمل، وفي عام 2012 لجأت الشركة إلى التحكيم الدولي لاسترجاع حقوقها.

وعادت شركة العقيق في كانون الأول/ ديسمبر2022، لتقيم دعوى قضائية ضد محافظ النجف الأسبق، ماجد الوائلي متهمة إياه بسرقة أموالها، وعدم إنهاء التسويات المالية بين الطرفين. 

عضو مجلس محافظة النجف أكرم شربة، يكشف عن أسباب ترك شركة العقيق للمطار، بقوله “حجم الفساد المالي في عملية إدارته يكاد لا يصدق، فشركة العقيق التي من المفترض أن تشغل المطار اصطدمت بحيتان الفساد التابعين للأحزاب التي تمتلك ميليشيات مسلحة، والتي نهبت واردات المطار، وسيطرت على الحسابات”.

في غضون ذلك، كان هنالك صراع نفوذ متفاقم للسيطرة على مطار النجف بين الأحزاب السياسية، وقد اتضح بنحو جلي بعد إصدار القضاء العراق في عام 2021، حكماً بالحبس الشديد لمدة 4 أعوام بحق مدير مطار النجف السابق جواد عبد الكاظم الكرعاوي، المعروف بـ”أبو أكثم”، بتهمة تلقيه رشاوى تتعلق بعقود استثمارية خاصة بالمطار، ثم حكم عليه مرة أخرى بالحبس لأربعة أعوام أخرى على خلفية قضية عقد المدرج الجديد في المطار، ليصبح مجموع الأحكام 8 أعوام.

ويعد “أبو أكثم” واحداً من قيادات التيار الصدري، الذي يتزعمه الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وهذا الأخير كان أصدر بيانا سنة 2017، بعد نشر هيئة النزاهة معلمات تعلقت بحجم الفساد في إدارته للمطار.

وفي 16تموز 2023، أصدرت محكمة تحقيق الكرخ الثانية، أمر قبض بحق رئيس مجلس محافظة النجف السابق، فايد الشمري استناداً إلى أحكام المادة (331) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، والتي تتعلق بجرائم الفساد والإضرار بالمال العام.

والشمري، يعد أحد قياديي حزب الدعوة الإسلامية، وهو خارج العراق منذ نحو ثلاث سنوات، وصدرت ضده الكثير من الأحكام القضائية غير المنفذة، بقضايا تتعلق بالفساد وهدر للمال العام بلغت تكلفتها أكثر من 600 مليون دولار، أثناء توليه رئاسة مجلس إدارة مطار النجف الدولي. 

ومن أبرز ملفات الفساد التي تورط بها الشمري، عقود الإعمار والترميم التي بلغت قيمتها المعلنة 72 مليون دولار، فيما تبين أن التكلفة الحقيقة كانت 22 مليون دولار فقط، وعلى سنوات عدة من التأهيل، بحسب مصدر برلماني في لجنة النزاهة النيابية. 

أضاف المصدر البرلماني قائلاً: “الكرعاوي وأعضاء مجلس المطار السابقين فايد الشمري وحسين الزاملي وكريم خصاف وخالد الجشعمي، كانوا يستلمون آلاف الدولارات كرواتب شهرية من إدارة المطار، بالإضافة الى تحويلهم مشاريعه الى حساب شركاتهم الخاصة”. 

ملفات فساد مفتوحة

عضو هيئة النزاهة في مجلس النواب هادي السلامي، يقول إن هناك نحو 50 ملف فساد متعلقاً بمطار النجف الدولي موجودة لدى هيئة النزاهة أو ينظرها القضاء، يبلغ مجموع قيمتها 100 مليون دولار.

ويذكر أمثلة على تلك الملفات: “شراء 40 حاوية نفايات لصالة المسافرين بالمطار بمبلغ 38 ألف دولار أميركي، وخلال زيارة الأربعين في العام 2021 خصصت إدارة المطار مبلغ 390 ألف دولار لشراء 3000 وجبة غداء وعشاء لموظفي المطار لمدة 20 يوماً، إذ بلغت تكلفة كل وجبة قرابة 7 دولارات”. 

ويضيف:”في عام 2019، قررت إدارة المطار إنشاء حمامات صحية  مقابل صالة الوصول، بمبلغ 105 آلاف دولار، وبعد توقف المطار عن العمل وعدم استخدام تلك الصحيات، قررت الإدارة مجدداً إجراء إعادة تأهيل للحمامات بمبلغ 70 ألف دولار”. 

كما يؤكد أن المطار تسيطر عليه “عصابات الجريمة المنظمة التابعة للأحزاب السياسية، ويعد بوابة لتهريب المخدرات والدولار في السنوات السابقة، والمحافظة أنفقت على بنائه 117 مليار دينار عراقي”. 

ويضيف: “أموال المطار التي كانت مودعة لدى المصرف العراقي للتجارة TBl سُحبت وأودعت في مصارف أهلية، منها مصرف الموصل للاستثمار والتنمية، والمصرف الإسلامي، ولا نعلم ما الغرض من هذه الخطوة؟”. 

عضو مجلس محافظة النجف أكرم شربة، يشير إلى ملفات فساد أخرى:”إدارة مطار النجف منحت شركة الأطياب العالمية للتنظيف والخدمات العامة عقد تعفير المطار خلال فترة جائحة كورونا للفترة من 17 أيلول 2020 ولغاية 31 كانون الثاني 2021، بقيمة 6 ملايين و500 ألف دولار أميركي، لمدة 4 أشهر فقط”، وذكر أن العقد الموقع بين الطرفين “تضمن في المادة 20 منه الحفاظ على سرية العقد وعدم تسريب بنوده”. 

ويشير المسؤول المحلي إلى أن “إدارة المطار عملت في عام 2019 على إعادة تأهيل حديقة بوابة المطار التي لا تتجاوز مساحتها الـ 1000م بمبلغ 382 ألف دولار”، موضحاً أن “هذه الملفات هي نقطة في بحر الفساد الحاصل في المطار”. 

وفي خضم ذلك، يتحدث الناشط المدني في النجف أو زين الحسناوي، بحسرة كبيرة عن سرقة ما يقارب 114 مليار دينار من إيرادات المطار وموازنة محافظة النجف، عبر عقود مشاريع وقعت مع شركات تابعة لأحزاب سياسية، وحملت الكثير من المغالاة في أسعارها، على حد زعمه. 

ويقول،”كلفة بناء السياج الخارجي لمطار النجف بلغت 30 مليار دينار، فيما بلغت كلفة بناء جامع المطار مبلغ 5 مليارات دينار، بالإضافة إلى تخصيص مليار دينار كل 6 أشهر لإعادة تأهيل وإدامة الحديقة الخارجية للمطار، كما بلغت كلفة إنشاء قاعة المسافرين داخل المطار مع توسعتها في السنوات الماضية، 45 مليار دينار، وكلفة نصب منظومة كاميرات المراقبة في المطار الـ 16 مليار دينار”. 

وسبق أن أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية في كانون الثاني 2023 عن تنفيذ 7 عمليات ضبط لمعاملات صرف خلافاً للقانون ومغالاة في أعمال صيانة في مطار النجف، مشيرة إلى أن مجموع المبالغ المصروفة فيها ناهزت مبلغ المليار و250 مليون دينار.

وفي شباط 2023، كشفت الهيئة أيضاً عن هدر قرابة 600 ألف دولار في أحد مشاريع مطار النجف المتعلق بتنفيذ طريق بوابة في نهاية المدرج، وإكمال امتداد السياج الخارجيّ أمام منطقة الطيران (E)، إضافة إلى صب ساحة الآليَّات في المطار، كما كشفت عن قيام إدارة المطار بتعويض أصحاب الأراضي الزراعية بمبلغ مليار و370 مليون دينار، بشكل مخالف للقانون.

معد التقرير تواصل مع إدارة المطار الجديدة بشأن ملفات الفساد، لا سيما المتعلقة منها برواتب العمال المؤقتين وحصول جهات حزبية على أموال لقاء تعيينهم في المطار، وأكد موظفٌ فيها عدم امتلاك أية معلومات عن الفترة السابقة بحكم أن المدير الجديد عُين قبل أيام فقط. 

وقال إن كل ما يعرفه أن هنالك أكثر من مئتي ملف مخالفات وفساد قد أحيلت إلى النزاهة في وقت سابق، وكلها متعلقة بإدارات سابقة لمطار النجف الدولي.

الإيرادات المفقودة

مع إعادة تشكيل مجالس المحافظات مجدداً أواخر عام 2023، دارت رحى الصراع عند مطار النجف للسيطرة عليه والتحكم في موارده، إذ يقدر نائب محافظ النجف الأسبق والمسؤول عن ملف إنشاء مطار النجف، عبد الحسين عبطان، إيرادات المطار منذ افتتاحه عام 2008 ولغاية عام 2022، بأكثر من ملياري دولار أميركي. 

ويعتقد عبطان أن عدم متابعة المؤسسات الرقابية إيرادات المطار وآليات تشغيله بنحو جدي، أدى إلى هدر كبير، مؤكداً أن هيئة النزاهة الاتحادية سجلت مخالفات جمة لكن لم يترتب عليها أي أثر قانوني، ما تسبب في تفاقم تلك المخالفات. 

لؤي الياسري محافظ النجف السابق، يتفق مع ما ذهب إليه عبطان، قائلًا: “المحافظة وكذلك خزينة الدولة الاتحادية لم يدخلها شيء من عائدات المطار على الرغم من أن الإيراد النسوي للمطار كان يصل إلى 60 مليون دولار”. 

وفي السياق ذاته، يقول مدير مطار النجف الأسبق حكمت أحمد، “عندما استلمت إدارة المطار وجدته مديوناً بمبلغ 67 مليون دولار لمقاولين وشركات استثمارية، وخزينة المطار كانت فارغة تماماً، ولا يوجد فيها دولار واحد”. 

ويقر رئيس سلطة الطيران المدني السابق، عماد الأسدي، أن “ثقافة التخبط واللامبالاة تسود مطار النجف، فضلاً عن الشبهات الكبيرة التي تحوم حول إيراداته التي لا نعلم أين ذهبت حتى الآن”. 

تضارب صلاحيات

ما يزيد من فوضى المطار، هو تداخل الصلاحيات بين مجلس محافظة النجف والحكومة الاتحادية، وسلطة الطيران المدني ووزارة النقل، إذ تعتقد كل جهة بأنها الأحق في اتخاذ القرارات الخاصة بالمطار.

ففيما تسعى سلطة الطيران المدني لتحكم قبضتها على المطار، تصر الأحزاب المحلية على السيطرة على عائداته المالية، إذ يقول مدير سلطة الطيران السابق عماد الأسدي إن “مطار النجف لا مرجعية له، خصوصا بعد انسحاب الشركة الكويتية من تشغيله”. 

لكن المسؤول الحكومي السابق أكد في الوقت ذاته أن المطار استثماري وليس تابعاً لسلطة الطيران المدني، كما أنه يوازي مطار بغداد في عدد الرحلات الجوية، مبيناً “المطارات الاتحادية هي بغداد والبصرة والموصل وذي قار الذي هو قيد الانشاء، لكن مطاري كركوك والنجف استثماريين”.

وعلى خلاف ما يقوله الأسدي، يقر مدير المطار الأسبق حكمت أحمد بأن “إدارة المطار فنياً تتبع لسلطة الطيران المدني، وإدارياً تتبع الإمانة العامة لمجلسة الوزراء باعتباره مشروعاً استثمارياً”. 

بعد انسحاب شركة العقيق الكويتية عام 2011 من عقد تشغيل مطار النجف، شكل مجلس المحافظة عام 2013، مجلساً يتولى إدارته، برئاسة فايد الشمري القيادي في حزب الدعوة الإسلامي، وأربعة أعضاء آخرين من التيار الصدري، والمجلس الأعلى، وحركة الوفاء بزعامة محافظ النجف الأسبق عدنان الزرفي، وتيار الدولة العادلة بزعامة قحطان الجبوري المقرب من زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، حسبما يقول عضو مجلس النواب السباق صادق اللبان. 

أمانة مجلس الوزراء، أصدرت سنة 2017، قراراً بحل مجلس إدارة مطار النجف، على أن تتولى سلطة الطيران المدني مهمة إدارة وتشغيل المطار موقتاً باعتباره من المنافذ الحدودية التي تخضع إلى السلطة الاتحادية وليس المحلية، وإحالة الملفات كافة إلى هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية، لكن إدارة المطار رفضت تنفيذ القرار.

فجّر القرار أزمة كبيرة بين القوى السياسية التي تشكل مجلس إدارة المطار، وبين رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي، وبعد سلسلة مفاوضات وضمانات بعدم الملاحقة القانونية، والضغط الشعبي الذي تمثل في اقتحام المطار من أهالي النجف ومنع الطائرات من الإقلاع، امتثل مجلس الإدارة لقرار العبادي وسلم إدارة المطار في 18 تموز 2018، للمدير الجديد المكلف من مجلس الوزراء علي جواد كاظم الموسوي. 

تولى الموسوي إدارة المنصب لمدة ثلاثة أشهر، الى حين إصدار مجلس الوزراء في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2018 قراراً بإنهاء تكليفه والتعاقد مع اللواء المتقاعد شاكر محسن الصبيحاوي، وتكليفه بإدارة المطار لحين اختيار البديل المناسب. 

تكليف الصبيحاوي انتهى في عهد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الذي قرر في 27 حزيران 2019، تعيين الكابتن عيسى الشمري، المقرب من التيار الصدري مديراً جديداً للمطار. وفي 17 آذار/ مارس 2021، قدم الشمري استقالته لكونه من المشمولين بإجراءات اجتثاث البعث.

 وبينت مصادر سياسية أن التيار الصدري قام بتغيير الشمري خوفاً من فقدان المنصب باعتباره من ضمن استحقاقاتهم الانتخابية. في نيسان 2021، كلف رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي الكابتن حكمت أحمد المقرب أيضاً من التيار الصدري، بمنصب إدارة المطار خلفاً للشمري. 

الكابتن أحمد، لم يكن آخر من تولى إدارة المطار وفق الاستحقاقات الحزبية والمحاصصة السياسية التي تفرضها المعادلة الانتخابية، فقد وافق رئيس مجلس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني في 10 نيسان 2023، على تكليف علي أحمد حسن الساعدي، (المدعوم من منظمة بدر بزعامة هادي العامري)، لإدارة مطار النجف بدلاً من حكمت أحمد. 

لم تتوقف سلسلة الصراعات على المنصب عند هذا الحد، فما أن انسحب التيار الصدري من العملية السياسية عام 2022، حتى نشب خلاف محتدم داخل قوى الإطار التنسيقي، بين منظمة بدر، وائتلاف دولة قانون، على منصب إدارة المطار. 

قرر مجلس محافظة النجف، برئاسة حسن العيساوي التابع لائتلاف دولة القانون، في 16 نيسان 2024، إعفاء علي أحمد حسن الساعدي من مهام مدير المطار، وتكليف حسين عباس مهنه (مرشح ائتلاف دولة القانون) بمهام مدير المطار.

ما رأي القانون بما يحصل؟

وفق خبراء قانونيين، فإن المادة سابعا/9 من قانون مجالس المحافظات رقم 21 لسنة 2008، تجيز لمجالس المحافظات إقالة الدرجات الخاصة في المحافظة بناءً على طلب خمس الأعضاء، وبقرار يصدر من الغألبية المطلقة لعدد الأعضاء أو بناءً على اقتراح المحافظ، وهو ما ينطبق على مدير مطار النجف باعتبار منصبه درجة خاصة، وفقاً لما يقوله الخبير القانوني علي التميمي. 

وتنص المادة السابعة من القانون في فقراتها الأخرى، على أن ترشيح الدرجة الخاصة يكون من المحافظ عبر طرح أسماء ثلاثة مرشحين، ويوافق المجلس عليهم بالغالبية المطلقة، وتتم إحالة الأسماء إلى الوزير المختص لاختيار أحدهم، ويسري الأمر على مدير المطار. 

ويضيف التميمي: “مهام سلطة الطيران المدني التي تعمل وفق القانون 148 لسنة 1974، بموجب اتفاقية شيكاغو 1944 الخاصة بالطيران المدني، تعطي الموافقات لعمل المطارات وتجهيزها بالمعدات ولا تعمل الطائرات إلا بموافقتها، كذلك تعطي الموافقات على إنشاء المطارات وإدارتها فنياً بموجب مواد القانون 5-6-9-16-17-18. 

ويشير الخبير القانوني كذلك إلى أن مجلس الوزراء حول إدارة المطارات في عام 2023 إلى وزارة النقل بدلاً من سلطة الطيران المدني. ويوضح: “بذلك نفهم أن سلطة الطيران مهامها الرقابة والإشراف الفني ومنح موافقات المطار، ولمجلس محافظة النجف حق إقالة وتعيين مدير المطار بناءً على اقتراح المحافظ وموافقة وزير النقل”. 

بالمقابل يصر عضو مجلس محافظة النجف اأنور الشبلي، على أن مرجعية المطار عائدة إلى حكومة النجف المحلية ولا يحق لوزارة النقل أو سلطة الطيران المدني التحكم في قراراته الإدارية. 

وبينما يحتدم الصراع للظفر بإدارة مطار النجف، يستبد القلق بالعاملين هناك، ولاسيما ذوي العقود المؤقتة  من أن تكون وظائفهم هي الثمن، وتتبخر الوعود التي سمعوها مراراً وتكراراً بتحويل عقودهم إلى درجات وظيفية ثابتة. 

ج، أ(31 سنة)يعمل بصفة عقد في المطار منذ ست سنوات، يقول بأنه شارك في تظاهرات عديدة للمطالبة بتثبيته مع مئات آخرين غيره من موظفي العقود”لم نكن نتبع سلطة الطيران المدني إلا بالأسم فقط، ومع ذلك طبقوا علينا كل القوانين والإجراءات على الرغم من أننا لسنا على الملاك الوظيفي للدولة، ومع ذلك اخترنا الصمت خوفا من فقدان عقودنا التي يمكن انهاؤها بجرة قلم”.

ولايهتم جاسم كثيراً بالجهة التي ستتولى في النهاية السيطرة على المطار وإدارته”كل ما نريده أن نذهب إلى عملنا كل يوم دون أن يراودنا القلق من أن يمنعوننا من الدخول عند الباب”. ويفكر قليلاً قبل ان يتابع:”الأحزاب تسيطر على كل شيء في المطار، ويمكن لها وبكل سهولة أن تبعدنا وتجلب آخرين تابعين لها”.

فداء زياد - كاتبة فلسطينية من غزة | 14.06.2024

عن تخمة الشعور واختبارات النجاة في غزة

ليلة اقتحام رفح، كانت حيلتي أن أستعير أقدام الطبيبة أميرة العسولي، المرأة الطبيبة التي جازفت بحياتها لتنقذ حياة مصاب، فترة حصار الجيش الإسرائيلي مستشفى ناصر في خانيونس، كي أحاول إنقاذ أخي وعائلته وأختي وأبنائها المقيمين في الجهة المقابلة لنا، لأنهم كانوا أكثر قرباً من الخطر.
20.05.2024
زمن القراءة: 13 minutes

ملف عقود العاملين في مطار النجف الذي افتتح سنة 2008، واحد من بين ملفات فساد كثيرة يتم التداول بشأنها في أروقة الحكومتين المحلية في محافظة النجف والمركزية في بغداد، فضلاً عن صراع سياسي وإداري معلن للسيطرة على إدارته والحصول على وارادته. 

أنجز التقرير بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الإستقصائية

 لم يكن أمام صادق الركابي(37سنة)من النجف جنوب بغداد، خيارٌ آخر مطلع سنة 2020، فيما يقبل وظيفة إدارية بعقد مؤقت في مطار النجف الدولي، مقابل 10 آلاف دولار يدفعها لسمسار قدم نفسه إليه على أنه منتم الى التيار الصدري، أو البقاء سنوات أخرى بانتظار وظيفة تتوافق مع شهادته في إدارة الأعمال حصل عليها من جامعة بغداد سنة 2012.

 يقول  الركابي بشيء من الحزن، أن والده باع سيارته الشخصية لإكمال المبلغ المطلوب، وكانت الأمال كبيرة في أن يتمكن من إعادة المبلغ من خلال رواتبه التي سيتقاضاها:”لكن ما حدث أني أكتشفت في يومي الأول بالمطار، أنني كنت ضحية نصب واحتيال، إذ اتضح أن الوظيفة في قسم التنظيف، والراتب الشهري هو فقط 300 دولار!”.

الركابي كان واحداً من بين 1800 عامل بعقد مؤقت في مطار النجف عاشوا التجربة ذتها، وتقاضوا رواتب تراوحت بين 300 إلى 500 دولار شهرياً خلال فترة جائحة كورونا، بدلاً من 1000 و 1500 دولار وعدوا بها، إذ أخبرتهم الإدارة أنها ادخرت الفوارق المالية لرواتبهم التي وصلت إلى 9 ملايين دولار، ليكتشفوا لاحقاً أنها سرقت من خزينة المطار. 

لم تكن تلك مشكلتهم الوحيدة، يقول الركابي:”مصيرنا مجهول، فنحن لا نعلم الى من تعود مسؤولية المطار، الى سلطة الطيران المدني، أم الحكومة المحلية في النجف، ونعيش دوامة قلق دائمة من أن يتم تسريحنا فنعود الى أحضان البطالة”. 

ملف عقود العاملين في مطار النجف الذي افتتح سنة 2008، واحد من بين ملفات فساد كثيرة يتم التداول بشأنها في أروقة الحكومتين المحلية في محافظة النجف والمركزية في بغداد، فضلاً عن صراع سياسي وإداري معلن للسيطرة على إدارته والحصول على وارادته. 

صراع للسيطرة على المطار

وفي ما يبدو أنه جزء من الصراع الإداري والسياسي للسيطرة على المطار، أصدر مجلس محافظة النجف قراره رقم 17، في الجلسة(10/6)في 16نيسان/ أبريل2024، بإعفاء علي أحمد حسن، من مهام إدارة مطار النجف، وتعيين حسين عباس مهنه، محله لمدة ستة أشهر. 

وتضمن القرار كذلك، ربط المطار إدارياً بمحافظ النجف، وإخضاعه لإشراف مجلس المحافظة ورقابته، وإلزام مدير المطار الجديد بتقديم خطة تطويرية، ورؤية مستقبلية للمطار مع موازنة سنوية تعرض على مجلس المحافظة. 

برر المجلس قراره، أنه لتنظيم عمل المطار والارتقاء بأداء إدارته، مع التذكير بأن مطار النجف هو مشروع استثماري، أبرمت عقده محافظة النجف مع جهة استثمارية سنة 2008، وأن أموال إنشائه صرفت من ميزانية تنمية الإقليم الخاصة بالمحافظة، والتي بلغت أكثر من 103 مليارات دينار، تعادل الآن( نحو 80 مليون دولار).

جاء ذلك إثر عدم تنفيذ توصيات لجنة الأمر الديواني(23611) في 31/1/2024 بتسليم المطار الى مجلس محافظة النجف من سلطة الطيران المدنية. وقرار المجلس نجمت عنه ردود فعل متباينة، بدأت من المطار ذاته، إذ رفض مدير المطار المقال تنفيذ القرار وتسليم مهام عمله للمدير الجديد، لكونه لم يصدر من مرجعه أي سلطة الطيران المدني، وحدث اشتباك بالأيدي بينهما وتدخل فيه أعضاء من مجلس المحافظة.

مجلس المحافظة أمهل في أعقاب ذلك، الحكومة المركزية ومحافظ النجف مدة 24 ساعة لتنفيذ قراره وتسليم المطار للإدارة الجديدة، وتوجه قائد شرطة المحافظة مدعوماً بقوة أمنية كبيرة يوم 17/4/2024 لاستلام المطار من المدير المقال علي أحمد حسن الساعدي. 

عشيرة الساعدي تدخلت للوقوف معه، وأصدرت بياناً في 17/4/2024، ذكرت فيه أن هنالك استهدافاً شخصياً لمدير المطار، وطالبت المرجعية الدينية للتدخل لحل الموضوع، وأكدت عشيرة السواعدة في بيانها أنها ستقف مع القانون في حال وُجد فساد مالي أو إداري في المطار. 

أمهلت العشيرة الحكومة المركزية لغاية الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم التالي لحل الأمر والإبقاء على المدير السابق في منصبه، وحذر البيان من أن أي اعتداء يقع على شخص الساعدي، أي مدير المطار المقال، “سيكون اعتداءً على عشيرة السواعد عامة، واستهدافه سيؤثر على مستقبل العلاقة في محافظة النجف”.

رئاسة مجلس الوزراء أصدرت لحل المشكلة ومنع تفاقمها، أمرها الديواني المرقم 24154 في 18 نيسان/أبريل 2024، بتأييد قرار مجلس محافظة النجف، بإعفاء المدير السابق، لكنها قررت تكليف د.عباس صبار غالي، مدير عام الشركة العامة  لإدارة المطارات والملاحة الجوية بمهام تسيير أعمال المطار لحين تسمية مدير آخر بدلاً عنه. 

وذكر مصدر من داخل مطار النجف، أن سلطة الطيران المدني، عينت حسين عباس مهنه، معاوناً لمدير المطار المكلف، تماشياً مع قرار مجلس المحافظة الذي كان كلف الأخير بمهام المدير لستة أشهر، محاولة بذلك امتصاص غضب أعضاء المجلس المعترضين.

وكان مجلس محافظة النجف اعتبر تنصيب الساعدي مخالفًا للقانون، لأنه “تم بواسطة سلطة الطيران، وبغياب مجلس المحافظة بعد حله عام 2019 من مجلس النواب”، كاشفاً عن عجز مالي في إيرادات المطار يصل إلى 150 مليون دولار”.

أحزاب متورطة

أنشئ مطار على قاعدة عسكرية بتكلفة بلغت 50 مليون دولار، خصصت من ميزانية تنمية الأقليم الخاصة بمحافظة النجف، وافتتح في 20تموز/ يوليو 2008، وكان حينها نوري المالكي رئيساً للوزراء.

ومذاك، أصبح مسرحاً للتجاذبات والصراعات السياسية بين الإدارة المحلية للمحافظة والحكومات الاتحادية المتعاقبة، لكونه أحد مصادر الإيرادات المالية المهمة في النجف. 

وكانت المحافظة منحت حق إدارة المطار وتشغيله  إلى شركة العقيق الكويتية لمدة خمسة أعوام، على أن تستثمر الشركة خلال هذه المدة 50 مليون دولار من أموالها في إكمال متطلبات تشغيل المطار (أجهزة ملاحية ومعدات أرضية وشركة أمنية وسياج أمني ورخص تشغيل) وأن تكون الأرباح مناصفة بينها وبين محافظة النجف.

وفي العام 2011، وقع صراع بين مجلس محافظة النجف وشركة العقيق، فأدعى الأول أن الشركة لم تنفذ بنود العقد الخاص بها، أما الشركة فادعت أن المحافظة تقيدها فلا تستطيع تنفيذ خططها التطويرية، وتوقفت بسبب ذلك عن تشغيل المطار وطالبت باسترداد مستحقاتها البالغة 50 مليون دولار مع فوائد للفترة الزمنية التي استغرقتها في العمل، وفي عام 2012 لجأت الشركة إلى التحكيم الدولي لاسترجاع حقوقها.

وعادت شركة العقيق في كانون الأول/ ديسمبر2022، لتقيم دعوى قضائية ضد محافظ النجف الأسبق، ماجد الوائلي متهمة إياه بسرقة أموالها، وعدم إنهاء التسويات المالية بين الطرفين. 

عضو مجلس محافظة النجف أكرم شربة، يكشف عن أسباب ترك شركة العقيق للمطار، بقوله “حجم الفساد المالي في عملية إدارته يكاد لا يصدق، فشركة العقيق التي من المفترض أن تشغل المطار اصطدمت بحيتان الفساد التابعين للأحزاب التي تمتلك ميليشيات مسلحة، والتي نهبت واردات المطار، وسيطرت على الحسابات”.

في غضون ذلك، كان هنالك صراع نفوذ متفاقم للسيطرة على مطار النجف بين الأحزاب السياسية، وقد اتضح بنحو جلي بعد إصدار القضاء العراق في عام 2021، حكماً بالحبس الشديد لمدة 4 أعوام بحق مدير مطار النجف السابق جواد عبد الكاظم الكرعاوي، المعروف بـ”أبو أكثم”، بتهمة تلقيه رشاوى تتعلق بعقود استثمارية خاصة بالمطار، ثم حكم عليه مرة أخرى بالحبس لأربعة أعوام أخرى على خلفية قضية عقد المدرج الجديد في المطار، ليصبح مجموع الأحكام 8 أعوام.

ويعد “أبو أكثم” واحداً من قيادات التيار الصدري، الذي يتزعمه الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وهذا الأخير كان أصدر بيانا سنة 2017، بعد نشر هيئة النزاهة معلمات تعلقت بحجم الفساد في إدارته للمطار.

وفي 16تموز 2023، أصدرت محكمة تحقيق الكرخ الثانية، أمر قبض بحق رئيس مجلس محافظة النجف السابق، فايد الشمري استناداً إلى أحكام المادة (331) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، والتي تتعلق بجرائم الفساد والإضرار بالمال العام.

والشمري، يعد أحد قياديي حزب الدعوة الإسلامية، وهو خارج العراق منذ نحو ثلاث سنوات، وصدرت ضده الكثير من الأحكام القضائية غير المنفذة، بقضايا تتعلق بالفساد وهدر للمال العام بلغت تكلفتها أكثر من 600 مليون دولار، أثناء توليه رئاسة مجلس إدارة مطار النجف الدولي. 

ومن أبرز ملفات الفساد التي تورط بها الشمري، عقود الإعمار والترميم التي بلغت قيمتها المعلنة 72 مليون دولار، فيما تبين أن التكلفة الحقيقة كانت 22 مليون دولار فقط، وعلى سنوات عدة من التأهيل، بحسب مصدر برلماني في لجنة النزاهة النيابية. 

أضاف المصدر البرلماني قائلاً: “الكرعاوي وأعضاء مجلس المطار السابقين فايد الشمري وحسين الزاملي وكريم خصاف وخالد الجشعمي، كانوا يستلمون آلاف الدولارات كرواتب شهرية من إدارة المطار، بالإضافة الى تحويلهم مشاريعه الى حساب شركاتهم الخاصة”. 

ملفات فساد مفتوحة

عضو هيئة النزاهة في مجلس النواب هادي السلامي، يقول إن هناك نحو 50 ملف فساد متعلقاً بمطار النجف الدولي موجودة لدى هيئة النزاهة أو ينظرها القضاء، يبلغ مجموع قيمتها 100 مليون دولار.

ويذكر أمثلة على تلك الملفات: “شراء 40 حاوية نفايات لصالة المسافرين بالمطار بمبلغ 38 ألف دولار أميركي، وخلال زيارة الأربعين في العام 2021 خصصت إدارة المطار مبلغ 390 ألف دولار لشراء 3000 وجبة غداء وعشاء لموظفي المطار لمدة 20 يوماً، إذ بلغت تكلفة كل وجبة قرابة 7 دولارات”. 

ويضيف:”في عام 2019، قررت إدارة المطار إنشاء حمامات صحية  مقابل صالة الوصول، بمبلغ 105 آلاف دولار، وبعد توقف المطار عن العمل وعدم استخدام تلك الصحيات، قررت الإدارة مجدداً إجراء إعادة تأهيل للحمامات بمبلغ 70 ألف دولار”. 

كما يؤكد أن المطار تسيطر عليه “عصابات الجريمة المنظمة التابعة للأحزاب السياسية، ويعد بوابة لتهريب المخدرات والدولار في السنوات السابقة، والمحافظة أنفقت على بنائه 117 مليار دينار عراقي”. 

ويضيف: “أموال المطار التي كانت مودعة لدى المصرف العراقي للتجارة TBl سُحبت وأودعت في مصارف أهلية، منها مصرف الموصل للاستثمار والتنمية، والمصرف الإسلامي، ولا نعلم ما الغرض من هذه الخطوة؟”. 

عضو مجلس محافظة النجف أكرم شربة، يشير إلى ملفات فساد أخرى:”إدارة مطار النجف منحت شركة الأطياب العالمية للتنظيف والخدمات العامة عقد تعفير المطار خلال فترة جائحة كورونا للفترة من 17 أيلول 2020 ولغاية 31 كانون الثاني 2021، بقيمة 6 ملايين و500 ألف دولار أميركي، لمدة 4 أشهر فقط”، وذكر أن العقد الموقع بين الطرفين “تضمن في المادة 20 منه الحفاظ على سرية العقد وعدم تسريب بنوده”. 

ويشير المسؤول المحلي إلى أن “إدارة المطار عملت في عام 2019 على إعادة تأهيل حديقة بوابة المطار التي لا تتجاوز مساحتها الـ 1000م بمبلغ 382 ألف دولار”، موضحاً أن “هذه الملفات هي نقطة في بحر الفساد الحاصل في المطار”. 

وفي خضم ذلك، يتحدث الناشط المدني في النجف أو زين الحسناوي، بحسرة كبيرة عن سرقة ما يقارب 114 مليار دينار من إيرادات المطار وموازنة محافظة النجف، عبر عقود مشاريع وقعت مع شركات تابعة لأحزاب سياسية، وحملت الكثير من المغالاة في أسعارها، على حد زعمه. 

ويقول،”كلفة بناء السياج الخارجي لمطار النجف بلغت 30 مليار دينار، فيما بلغت كلفة بناء جامع المطار مبلغ 5 مليارات دينار، بالإضافة إلى تخصيص مليار دينار كل 6 أشهر لإعادة تأهيل وإدامة الحديقة الخارجية للمطار، كما بلغت كلفة إنشاء قاعة المسافرين داخل المطار مع توسعتها في السنوات الماضية، 45 مليار دينار، وكلفة نصب منظومة كاميرات المراقبة في المطار الـ 16 مليار دينار”. 

وسبق أن أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية في كانون الثاني 2023 عن تنفيذ 7 عمليات ضبط لمعاملات صرف خلافاً للقانون ومغالاة في أعمال صيانة في مطار النجف، مشيرة إلى أن مجموع المبالغ المصروفة فيها ناهزت مبلغ المليار و250 مليون دينار.

وفي شباط 2023، كشفت الهيئة أيضاً عن هدر قرابة 600 ألف دولار في أحد مشاريع مطار النجف المتعلق بتنفيذ طريق بوابة في نهاية المدرج، وإكمال امتداد السياج الخارجيّ أمام منطقة الطيران (E)، إضافة إلى صب ساحة الآليَّات في المطار، كما كشفت عن قيام إدارة المطار بتعويض أصحاب الأراضي الزراعية بمبلغ مليار و370 مليون دينار، بشكل مخالف للقانون.

معد التقرير تواصل مع إدارة المطار الجديدة بشأن ملفات الفساد، لا سيما المتعلقة منها برواتب العمال المؤقتين وحصول جهات حزبية على أموال لقاء تعيينهم في المطار، وأكد موظفٌ فيها عدم امتلاك أية معلومات عن الفترة السابقة بحكم أن المدير الجديد عُين قبل أيام فقط. 

وقال إن كل ما يعرفه أن هنالك أكثر من مئتي ملف مخالفات وفساد قد أحيلت إلى النزاهة في وقت سابق، وكلها متعلقة بإدارات سابقة لمطار النجف الدولي.

الإيرادات المفقودة

مع إعادة تشكيل مجالس المحافظات مجدداً أواخر عام 2023، دارت رحى الصراع عند مطار النجف للسيطرة عليه والتحكم في موارده، إذ يقدر نائب محافظ النجف الأسبق والمسؤول عن ملف إنشاء مطار النجف، عبد الحسين عبطان، إيرادات المطار منذ افتتاحه عام 2008 ولغاية عام 2022، بأكثر من ملياري دولار أميركي. 

ويعتقد عبطان أن عدم متابعة المؤسسات الرقابية إيرادات المطار وآليات تشغيله بنحو جدي، أدى إلى هدر كبير، مؤكداً أن هيئة النزاهة الاتحادية سجلت مخالفات جمة لكن لم يترتب عليها أي أثر قانوني، ما تسبب في تفاقم تلك المخالفات. 

لؤي الياسري محافظ النجف السابق، يتفق مع ما ذهب إليه عبطان، قائلًا: “المحافظة وكذلك خزينة الدولة الاتحادية لم يدخلها شيء من عائدات المطار على الرغم من أن الإيراد النسوي للمطار كان يصل إلى 60 مليون دولار”. 

وفي السياق ذاته، يقول مدير مطار النجف الأسبق حكمت أحمد، “عندما استلمت إدارة المطار وجدته مديوناً بمبلغ 67 مليون دولار لمقاولين وشركات استثمارية، وخزينة المطار كانت فارغة تماماً، ولا يوجد فيها دولار واحد”. 

ويقر رئيس سلطة الطيران المدني السابق، عماد الأسدي، أن “ثقافة التخبط واللامبالاة تسود مطار النجف، فضلاً عن الشبهات الكبيرة التي تحوم حول إيراداته التي لا نعلم أين ذهبت حتى الآن”. 

تضارب صلاحيات

ما يزيد من فوضى المطار، هو تداخل الصلاحيات بين مجلس محافظة النجف والحكومة الاتحادية، وسلطة الطيران المدني ووزارة النقل، إذ تعتقد كل جهة بأنها الأحق في اتخاذ القرارات الخاصة بالمطار.

ففيما تسعى سلطة الطيران المدني لتحكم قبضتها على المطار، تصر الأحزاب المحلية على السيطرة على عائداته المالية، إذ يقول مدير سلطة الطيران السابق عماد الأسدي إن “مطار النجف لا مرجعية له، خصوصا بعد انسحاب الشركة الكويتية من تشغيله”. 

لكن المسؤول الحكومي السابق أكد في الوقت ذاته أن المطار استثماري وليس تابعاً لسلطة الطيران المدني، كما أنه يوازي مطار بغداد في عدد الرحلات الجوية، مبيناً “المطارات الاتحادية هي بغداد والبصرة والموصل وذي قار الذي هو قيد الانشاء، لكن مطاري كركوك والنجف استثماريين”.

وعلى خلاف ما يقوله الأسدي، يقر مدير المطار الأسبق حكمت أحمد بأن “إدارة المطار فنياً تتبع لسلطة الطيران المدني، وإدارياً تتبع الإمانة العامة لمجلسة الوزراء باعتباره مشروعاً استثمارياً”. 

بعد انسحاب شركة العقيق الكويتية عام 2011 من عقد تشغيل مطار النجف، شكل مجلس المحافظة عام 2013، مجلساً يتولى إدارته، برئاسة فايد الشمري القيادي في حزب الدعوة الإسلامي، وأربعة أعضاء آخرين من التيار الصدري، والمجلس الأعلى، وحركة الوفاء بزعامة محافظ النجف الأسبق عدنان الزرفي، وتيار الدولة العادلة بزعامة قحطان الجبوري المقرب من زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، حسبما يقول عضو مجلس النواب السباق صادق اللبان. 

أمانة مجلس الوزراء، أصدرت سنة 2017، قراراً بحل مجلس إدارة مطار النجف، على أن تتولى سلطة الطيران المدني مهمة إدارة وتشغيل المطار موقتاً باعتباره من المنافذ الحدودية التي تخضع إلى السلطة الاتحادية وليس المحلية، وإحالة الملفات كافة إلى هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية، لكن إدارة المطار رفضت تنفيذ القرار.

فجّر القرار أزمة كبيرة بين القوى السياسية التي تشكل مجلس إدارة المطار، وبين رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي، وبعد سلسلة مفاوضات وضمانات بعدم الملاحقة القانونية، والضغط الشعبي الذي تمثل في اقتحام المطار من أهالي النجف ومنع الطائرات من الإقلاع، امتثل مجلس الإدارة لقرار العبادي وسلم إدارة المطار في 18 تموز 2018، للمدير الجديد المكلف من مجلس الوزراء علي جواد كاظم الموسوي. 

تولى الموسوي إدارة المنصب لمدة ثلاثة أشهر، الى حين إصدار مجلس الوزراء في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2018 قراراً بإنهاء تكليفه والتعاقد مع اللواء المتقاعد شاكر محسن الصبيحاوي، وتكليفه بإدارة المطار لحين اختيار البديل المناسب. 

تكليف الصبيحاوي انتهى في عهد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الذي قرر في 27 حزيران 2019، تعيين الكابتن عيسى الشمري، المقرب من التيار الصدري مديراً جديداً للمطار. وفي 17 آذار/ مارس 2021، قدم الشمري استقالته لكونه من المشمولين بإجراءات اجتثاث البعث.

 وبينت مصادر سياسية أن التيار الصدري قام بتغيير الشمري خوفاً من فقدان المنصب باعتباره من ضمن استحقاقاتهم الانتخابية. في نيسان 2021، كلف رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي الكابتن حكمت أحمد المقرب أيضاً من التيار الصدري، بمنصب إدارة المطار خلفاً للشمري. 

الكابتن أحمد، لم يكن آخر من تولى إدارة المطار وفق الاستحقاقات الحزبية والمحاصصة السياسية التي تفرضها المعادلة الانتخابية، فقد وافق رئيس مجلس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني في 10 نيسان 2023، على تكليف علي أحمد حسن الساعدي، (المدعوم من منظمة بدر بزعامة هادي العامري)، لإدارة مطار النجف بدلاً من حكمت أحمد. 

لم تتوقف سلسلة الصراعات على المنصب عند هذا الحد، فما أن انسحب التيار الصدري من العملية السياسية عام 2022، حتى نشب خلاف محتدم داخل قوى الإطار التنسيقي، بين منظمة بدر، وائتلاف دولة قانون، على منصب إدارة المطار. 

قرر مجلس محافظة النجف، برئاسة حسن العيساوي التابع لائتلاف دولة القانون، في 16 نيسان 2024، إعفاء علي أحمد حسن الساعدي من مهام مدير المطار، وتكليف حسين عباس مهنه (مرشح ائتلاف دولة القانون) بمهام مدير المطار.

ما رأي القانون بما يحصل؟

وفق خبراء قانونيين، فإن المادة سابعا/9 من قانون مجالس المحافظات رقم 21 لسنة 2008، تجيز لمجالس المحافظات إقالة الدرجات الخاصة في المحافظة بناءً على طلب خمس الأعضاء، وبقرار يصدر من الغألبية المطلقة لعدد الأعضاء أو بناءً على اقتراح المحافظ، وهو ما ينطبق على مدير مطار النجف باعتبار منصبه درجة خاصة، وفقاً لما يقوله الخبير القانوني علي التميمي. 

وتنص المادة السابعة من القانون في فقراتها الأخرى، على أن ترشيح الدرجة الخاصة يكون من المحافظ عبر طرح أسماء ثلاثة مرشحين، ويوافق المجلس عليهم بالغالبية المطلقة، وتتم إحالة الأسماء إلى الوزير المختص لاختيار أحدهم، ويسري الأمر على مدير المطار. 

ويضيف التميمي: “مهام سلطة الطيران المدني التي تعمل وفق القانون 148 لسنة 1974، بموجب اتفاقية شيكاغو 1944 الخاصة بالطيران المدني، تعطي الموافقات لعمل المطارات وتجهيزها بالمعدات ولا تعمل الطائرات إلا بموافقتها، كذلك تعطي الموافقات على إنشاء المطارات وإدارتها فنياً بموجب مواد القانون 5-6-9-16-17-18. 

ويشير الخبير القانوني كذلك إلى أن مجلس الوزراء حول إدارة المطارات في عام 2023 إلى وزارة النقل بدلاً من سلطة الطيران المدني. ويوضح: “بذلك نفهم أن سلطة الطيران مهامها الرقابة والإشراف الفني ومنح موافقات المطار، ولمجلس محافظة النجف حق إقالة وتعيين مدير المطار بناءً على اقتراح المحافظ وموافقة وزير النقل”. 

بالمقابل يصر عضو مجلس محافظة النجف اأنور الشبلي، على أن مرجعية المطار عائدة إلى حكومة النجف المحلية ولا يحق لوزارة النقل أو سلطة الطيران المدني التحكم في قراراته الإدارية. 

وبينما يحتدم الصراع للظفر بإدارة مطار النجف، يستبد القلق بالعاملين هناك، ولاسيما ذوي العقود المؤقتة  من أن تكون وظائفهم هي الثمن، وتتبخر الوعود التي سمعوها مراراً وتكراراً بتحويل عقودهم إلى درجات وظيفية ثابتة. 

ج، أ(31 سنة)يعمل بصفة عقد في المطار منذ ست سنوات، يقول بأنه شارك في تظاهرات عديدة للمطالبة بتثبيته مع مئات آخرين غيره من موظفي العقود”لم نكن نتبع سلطة الطيران المدني إلا بالأسم فقط، ومع ذلك طبقوا علينا كل القوانين والإجراءات على الرغم من أننا لسنا على الملاك الوظيفي للدولة، ومع ذلك اخترنا الصمت خوفا من فقدان عقودنا التي يمكن انهاؤها بجرة قلم”.

ولايهتم جاسم كثيراً بالجهة التي ستتولى في النهاية السيطرة على المطار وإدارته”كل ما نريده أن نذهب إلى عملنا كل يوم دون أن يراودنا القلق من أن يمنعوننا من الدخول عند الباب”. ويفكر قليلاً قبل ان يتابع:”الأحزاب تسيطر على كل شيء في المطار، ويمكن لها وبكل سهولة أن تبعدنا وتجلب آخرين تابعين لها”.

20.05.2024
زمن القراءة: 13 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية