fbpx

سوريات يهربن من الفقر نحو تطبيقات البثّ المباشر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

انتشرت وبشدّة على صفحات ومجموعات سورية في مواقع التواصل الاجتماعي، حملات تسويقية لنوع من التطبيقات (آسيوية المنشأ غالباً) مخصّصة للبث المباشر، حملات تَعِدك بالثراء العاجل بشروط بسيطة: جهاز محمول، وشبكة إنترنت جيّدة، وأن تكوني “فتاة يتراوح عمرها بين الـ18 والـ40 عاماً، وذات مظهر لائق”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“الشغل مو عيب، العيب هو أنّك تمدّ إيدك للناس”، بهذه العبارة تردّ أمل.ج (36 عاماً)، أرملة وأمّ لطفلين ونازحة من درعا إلى دمشق، على من ينتقد طبيعة عملها كمقدّمة محتوى على أحد تطبيقات البثّ المباشر.

وتضيف أمل في حديث لـ”درج”، أن الوضع المعيشي في تردّ مستمرّ منذ سنوات، مشيرة إلى ارتفاع كبير في تكاليف معيشة السوريين في مناطق سيطرة النظام، وإلى عدم تناسب دخل معظم الموظّفين والعاملين في تلك المناطق (متوسّط رواتب لا يتجاوز الـ25 دولاراً) مع الأثمان المرتفعة للسلع والخدمات.

في ظل الوضع السابق، انتشرت وبشدّة على صفحات ومجموعات سورية في مواقع التواصل الاجتماعي، حملات تسويقية لنوع من التطبيقات (آسيوية المنشأ غالباً) مخصّصة للبث المباشر، حملات تَعِدك بالثراء العاجل بشروط بسيطة: جهاز محمول، وشبكة إنترنت جيّدة، وأن تكوني “فتاة يتراوح عمرها بين الـ18 والـ40 عاماً، وذات مظهر لائق”.

لجأت سوريات كثيرات إلى العمل في هذه التطبيقات باطراد، وسط انخفاض غير مسبوق بالقوّة الشرائية للرواتب في القطاعين العام والخاص، وكثيراً ما يكون عامل الاستقطاب الأبرز لهؤلاء الفتيات هو الدخل الذي يتقاضونه بالدولار، والذي من شأنه أن يصنع فارقاً في جودة حياتهنّ وأسرهنّ.

لا يخلو هذا العمل من منغّصات وتحدّيات اجتماعية ونفسية، ترخي بظلالها على العاملات في هذه التطبيقات سواء تعلّق الأمر في ما يواجهنه خلال ساعات العمل أو خارجها.

فرصة في الجائحة

بدأت قصّة أمل مع تطبيق “بيغو لايف” bigo live في خريف عام 2020، في ظلّ الحجر الصحّي. تقول: “أثناء تصفّحي فيسبوك ظهر لي منشور يتضمّن فرصة عمل يتراوح الأجر فيها بين الـ100 والـ800 دولار شهرياً، فيما لم أكن أملك حتّى بدل إيجار شقتي أو مصاريف مدرسة الأولاد”. كانت أمل مستوفية لشروط العمل المحدّدة بدقّة: “فتاة في الثلاثينات، مستقلّة، ولديها شبكة إنترنت جيّدة، متفرّغة، وذات مظهر لائق”.

دفعها الوضع المادي العاثر الى الاستفسار عن التفاصيل فوراً، وعن ذلك تحكي لـ”درج”: “تركتُ تعليقاً على المنشور؛ فتواصلتْ معي المسوّقة، وأجرت معي مقابلة عمل عن بُعد، فحصتْ خلالها مَظهري، والإنترنت، والإضاءة، ثمّ أعطتني نبذة عن تطبيق البيغو لايف، وأشارت إلى أن عملي يشبه عمل مذيعات التلفاز؛ فكلّ ما عليّ القيام بهِ هو تسجيل الدخول إلى التطبيق، والجلوس أمام الكاميرا، واختيار موضوع للحديث حوله، ولاحقاً التفاعل مع المشاهدين والمعلّقين بحسب أسئلتهم وطلباتهم”.

وعن طلبات المشاهدين، تقول أمل: “غالباً ما تكون الطلبات في إطار التحدّيات أو الأسئلة والإجابات. وبالتأكيد هناك الكثير من الطلبات الجنسية، ولكنّي أحظر -قدر المستطاع- هؤلاء الداعمين واستقطاب غيرهم”.

الهدف الأساسي لكلّ مضيفة (عاملة) على هذه التطبيقات هو تحقيق ما يسمّى بـ”التارغت”؛ وهو عبارة عن مجموعة من ساعات البثّ الأسبوعي التي يفرضها التطبيق على المُضيفات اللواتي يُردنَ الحصول على مبلغ  80 دولاراً شهرياً(الحد الأدنى)، ويكون قابلاً للزيادة كلّ ما زاد عدد الداعمين، مع إمكانية حصول كل مضيفة على مبلغ 10 دولارات مقابل كل فتاة تنجح في ضمّها إلى التطبيق.

تخفٍّ ومضايقات

لجأت أمل إلى استخدام اسم مستعار لحسابها على “بيغو لايف” لإخفاء هويتها الحقيقية خشية المجتمع وانتقاداته. وعن ذلك تقول لـ”درج”: ” معظم المشاهدين والمتفاعلين على التطبيق هم من دول الخليج العربي والعراق والمغتربين العرب، ولكن ما يعنيني هو ألّا يتم تداول اسمي الحقيقي لكي لا يصل الى أفراد مجتمعي الضيّق، لأن ذلك من شأنه أن يسبّب لي مضايقات في محيطي الاجتماعي والأسري”.

وبحسب شهادات لسوريات يعملن كمضيفات في هذه التطبيقات، فإنّ مسألة الكشف عن أسمائهنّ الحقيقية تثير حساسية، لما يمكن أن تسبّبه من مشكلات نظراً الى التصوّر التقليدي الذي تتبنّاه شرائح واسعة من المجتمع حول ظهور الفتيات في تسجيلات مصوّرة على مواقع التواصل الاجتماعي عموماً، وعلى هذه التطبيقات “سيئة الصيت” (على حدّ تعبير أمل) بشكل خاصّ.

“غالباً ما تكون الطلبات في إطار التحدّيات أو الأسئلة والإجابات. وبالتأكيد هناك الكثير من الطلبات الجنسية، ولكنّي أحظر -قدر المستطاع- هؤلاء الداعمين واستقطاب غيرهم”.

ابتزاز واستغلال جنسي

تتعرَّض “المضيفات” على هذه التطبيقات الى طيف واسع من المضايقات ليس أقلّها التحرّش اللفظيّ من المشاهدين، والطلبات “المشبوهة” كما تصفها ولاء (22 عاماً، طالبة جامعية ومضيفة من سوريا على تطبيق لايكي).

فعلى رغم تأكيد المشرفات للمضيفات أنّ العمل يتضمّن الدعم والحماية من كلّ أنواع الابتزاز المحتملة؛ إلّا أنّ المضيفات يتعرَّضن لمحاولات ابتزاز من الداعمين (المشاهدين) بفيديوهات مسجّلة مقتصّة من فيديوهاتهن المباشرة، إمّا لغرض العبث والأذى النفسي، أو لأغراض الاستغلال الجنسي والمادّي.

تقول ولاء في حديث لـ”درج”: “اضطررت إلى الانتقال من شقّتي في ريف دمشق حين علمتُ أنّ جاري في الطابق الثاني هو من يبتزّني، بعدما كان واحداً من الداعمين في ما مضى من دون أن أتعرَّف على هويته”.  

ويتجاوز عدد تطبيقات البث المباشر اليوم 30 تطبيقاً، ومن أبرزها في سوريا “تانغو tango”  و”لايكي likee” و”ميغو migo” و”بيغو لايف bigo live”، وتختلف هذه التطبيقات من حيث الدخل، وساعات البثّ المطلوبة، وكم النقاط الواجب تحقيقها.

وتحقّق تطبيقات البث أرباحها من خلال الإعلانات، ورفع القيمة السوقية للمنصّة أو التطبيق نفسه عن طريق زيادة عدد مستخدميه، وأيضاً من خلال تفاعل الداعمين عبر إرسال الهدايا للمضيفين داخل التطبيق، والتي تُحتسب قيمتها من أرصدتهم في التطبيق.

طوق نجاة

تحوّل العمل في تطبيقات البثّ المباشر إلى طوق نجاة لسوريات كثيرات، فبحسب شهادات أدلت بها سوريات يعملن في هذه التطبيقات لـ”درج”، فإنّ الدخل الشهري المقطوع لعملهنَّ يتراوح بين 750 ألف ليرة و3 ملايين ليرة (50-200 دولار)  إذ يتفوق متوسّط دخل العاملات في هذه التطبيقات متوسّط الرواتب في القطاعين العام والخاص في مناطق سيطرة النظام بنحو 3 إلى 4 أضعاف.

على الرغم من أنَّ هذا الدخل بالكاد يغطّي 15 في المئة من تكلفة المعيشة الشهرية في سوريا، والتي قدَّرتها دراسة نشرتها صحيفة قاسيون المحلية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بـ١٢ مليون ليرة (قرابة 850 دولاراً) لأسرة من 5 أفراد، غير أن هذا العمل يشهد إقبالاً ملحوظاً من الفتيات في ظلّ شحّ فرص العمل.

كيف تنتشر هذه التطبيقات؟

لا تقتصر عمليات الترويج لتطبيقات البثّ المباشر على المسوّقين المعتمدين الذين ينشرون الإعلانات ويتواصلون مع المضيفات على مواقع التواصل الاجتماعي، بل يشارك في عملية الترويج مشاهير الوسط الفنّي ومؤثّرو مواقع التواصل الاجتماعي كـ”البلوغرز”.

ومن جملة هؤلاء، مجموعة من الممثّلين السوريين مثل ليليا الأطرش ورنا الأبيض وديمة بياعة، ويزن السيّد الذي صرّح في برنامج “في فخّ” على منصّة يوتيوب في حزيران/ يونيو 2021، أنّه تقاضى من تطبيق “بيغو لايف” مبلغ 200 مليون ليرة (نحو 13500 دولار) خلال شهر واحد فقط.

يمرّ عمل هذه التطبيقات في سوريا بالوكلاء بالضرورة، على رغم أنّهم جماعات غير مرخّصة ولا تملك سجلاً تجارياً ويتم تسميتها بالوكلاء مجازاً، وتنحصر مهمّة الوكيل في دول الجوار (لبنان غالباً) في استلام الأجور والمستحقّات من التطبيقات ونقلها إلى سوريا. 

وتتراوح نسبته من مجمل الأرباح بين 20 و50 في المئة تبعاً لبنود الاتفاق بينه وبين المُضيفة، وغالباً ما يرسل الوكيل المبلغ الشهري لوسيط في سوريا، ليرسل الوسيط المال بدوره إلى مستحقّيه في المحافظات عبر شركات الحوالات المالية.

الجانب القانوني

لا يعدّ العمل على تطبيقات البث المباشر تُهمة أو جريمة، ولا توجد مواد قانونية تحول دون مزاولته، لكن لا يحمي القانون العاملات في هذا المجال من المضايقات والتحرّش أو الخديعة والابتزاز.

كوثر (19 عاماً) طالبة أدب عربي في جامعة دمشق ومضيفة سابقة في برنامج “ميغو”، تقول لـ”درج”: “عملت في تطبيق ميغو ثلاثة أشهر، ولكن كلّما طالبت الوكيل بحقوقي المادية ادّعى أن الرواتب لم تصله بعد، وفي آخر مرّة تواصلت معه لم يردّ على اتصالاتي، وبذلك أكون عملت ثلاثة أشهر بالمجان”.  

وأشار خبير قانوني سوري (رفض الكشف عن اسمه)، الى أن المسوّقات (المشرفات) يكنّ عرضة للادعاء عليهن بتهمة “الحضّ على الفجور” وفقاً للفقرة الأولى من المادّة 509 من قانون العقوبات السوري، والتي تنصّ على الآتي: “من اعتاد حضّ شخص أو أكثر، ذكراً كان أو أنثى، لم يتم الحادية والعشرين من عمره، على الفجور أو الفساد أو على تسهيلهما له أو مساعدته على إتيانهما، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 75 إلى 600 ليرة”.

لكن هذه المادة تشمل من هم تحت سن الـ21، وكلمة الفجور تحوي نوعاً من الغموض، والحالة التي يمكن أن يتدخل فيها القانون هي “الابتزاز” الذي لا بد من إثباته بالصور والوثائق، في حين أن القانون السوري لا ينظّم عمل هذه التطبيقات، ولا يمتلك “العاملون” فيها أي صفة قانونيّة، ما يتركهم ضحية النصب والاحتيال، في ظل أزمة إنسانية هي الأشدّ وطأة منذ 12 عاماً، إذ يرزح 90 في المئة منهم تحت خطّ الفقر، بينما يواجه نصف السكان آثار انعدام الأمن الغذائي وفقاً لتقارير أممية.

فداء زياد - كاتبة فلسطينية من غزة | 14.06.2024

عن تخمة الشعور واختبارات النجاة في غزة

ليلة اقتحام رفح، كانت حيلتي أن أستعير أقدام الطبيبة أميرة العسولي، المرأة الطبيبة التي جازفت بحياتها لتنقذ حياة مصاب، فترة حصار الجيش الإسرائيلي مستشفى ناصر في خانيونس، كي أحاول إنقاذ أخي وعائلته وأختي وأبنائها المقيمين في الجهة المقابلة لنا، لأنهم كانوا أكثر قرباً من الخطر.
21.05.2024
زمن القراءة: 6 minutes

انتشرت وبشدّة على صفحات ومجموعات سورية في مواقع التواصل الاجتماعي، حملات تسويقية لنوع من التطبيقات (آسيوية المنشأ غالباً) مخصّصة للبث المباشر، حملات تَعِدك بالثراء العاجل بشروط بسيطة: جهاز محمول، وشبكة إنترنت جيّدة، وأن تكوني “فتاة يتراوح عمرها بين الـ18 والـ40 عاماً، وذات مظهر لائق”.

“الشغل مو عيب، العيب هو أنّك تمدّ إيدك للناس”، بهذه العبارة تردّ أمل.ج (36 عاماً)، أرملة وأمّ لطفلين ونازحة من درعا إلى دمشق، على من ينتقد طبيعة عملها كمقدّمة محتوى على أحد تطبيقات البثّ المباشر.

وتضيف أمل في حديث لـ”درج”، أن الوضع المعيشي في تردّ مستمرّ منذ سنوات، مشيرة إلى ارتفاع كبير في تكاليف معيشة السوريين في مناطق سيطرة النظام، وإلى عدم تناسب دخل معظم الموظّفين والعاملين في تلك المناطق (متوسّط رواتب لا يتجاوز الـ25 دولاراً) مع الأثمان المرتفعة للسلع والخدمات.

في ظل الوضع السابق، انتشرت وبشدّة على صفحات ومجموعات سورية في مواقع التواصل الاجتماعي، حملات تسويقية لنوع من التطبيقات (آسيوية المنشأ غالباً) مخصّصة للبث المباشر، حملات تَعِدك بالثراء العاجل بشروط بسيطة: جهاز محمول، وشبكة إنترنت جيّدة، وأن تكوني “فتاة يتراوح عمرها بين الـ18 والـ40 عاماً، وذات مظهر لائق”.

لجأت سوريات كثيرات إلى العمل في هذه التطبيقات باطراد، وسط انخفاض غير مسبوق بالقوّة الشرائية للرواتب في القطاعين العام والخاص، وكثيراً ما يكون عامل الاستقطاب الأبرز لهؤلاء الفتيات هو الدخل الذي يتقاضونه بالدولار، والذي من شأنه أن يصنع فارقاً في جودة حياتهنّ وأسرهنّ.

لا يخلو هذا العمل من منغّصات وتحدّيات اجتماعية ونفسية، ترخي بظلالها على العاملات في هذه التطبيقات سواء تعلّق الأمر في ما يواجهنه خلال ساعات العمل أو خارجها.

فرصة في الجائحة

بدأت قصّة أمل مع تطبيق “بيغو لايف” bigo live في خريف عام 2020، في ظلّ الحجر الصحّي. تقول: “أثناء تصفّحي فيسبوك ظهر لي منشور يتضمّن فرصة عمل يتراوح الأجر فيها بين الـ100 والـ800 دولار شهرياً، فيما لم أكن أملك حتّى بدل إيجار شقتي أو مصاريف مدرسة الأولاد”. كانت أمل مستوفية لشروط العمل المحدّدة بدقّة: “فتاة في الثلاثينات، مستقلّة، ولديها شبكة إنترنت جيّدة، متفرّغة، وذات مظهر لائق”.

دفعها الوضع المادي العاثر الى الاستفسار عن التفاصيل فوراً، وعن ذلك تحكي لـ”درج”: “تركتُ تعليقاً على المنشور؛ فتواصلتْ معي المسوّقة، وأجرت معي مقابلة عمل عن بُعد، فحصتْ خلالها مَظهري، والإنترنت، والإضاءة، ثمّ أعطتني نبذة عن تطبيق البيغو لايف، وأشارت إلى أن عملي يشبه عمل مذيعات التلفاز؛ فكلّ ما عليّ القيام بهِ هو تسجيل الدخول إلى التطبيق، والجلوس أمام الكاميرا، واختيار موضوع للحديث حوله، ولاحقاً التفاعل مع المشاهدين والمعلّقين بحسب أسئلتهم وطلباتهم”.

وعن طلبات المشاهدين، تقول أمل: “غالباً ما تكون الطلبات في إطار التحدّيات أو الأسئلة والإجابات. وبالتأكيد هناك الكثير من الطلبات الجنسية، ولكنّي أحظر -قدر المستطاع- هؤلاء الداعمين واستقطاب غيرهم”.

الهدف الأساسي لكلّ مضيفة (عاملة) على هذه التطبيقات هو تحقيق ما يسمّى بـ”التارغت”؛ وهو عبارة عن مجموعة من ساعات البثّ الأسبوعي التي يفرضها التطبيق على المُضيفات اللواتي يُردنَ الحصول على مبلغ  80 دولاراً شهرياً(الحد الأدنى)، ويكون قابلاً للزيادة كلّ ما زاد عدد الداعمين، مع إمكانية حصول كل مضيفة على مبلغ 10 دولارات مقابل كل فتاة تنجح في ضمّها إلى التطبيق.

تخفٍّ ومضايقات

لجأت أمل إلى استخدام اسم مستعار لحسابها على “بيغو لايف” لإخفاء هويتها الحقيقية خشية المجتمع وانتقاداته. وعن ذلك تقول لـ”درج”: ” معظم المشاهدين والمتفاعلين على التطبيق هم من دول الخليج العربي والعراق والمغتربين العرب، ولكن ما يعنيني هو ألّا يتم تداول اسمي الحقيقي لكي لا يصل الى أفراد مجتمعي الضيّق، لأن ذلك من شأنه أن يسبّب لي مضايقات في محيطي الاجتماعي والأسري”.

وبحسب شهادات لسوريات يعملن كمضيفات في هذه التطبيقات، فإنّ مسألة الكشف عن أسمائهنّ الحقيقية تثير حساسية، لما يمكن أن تسبّبه من مشكلات نظراً الى التصوّر التقليدي الذي تتبنّاه شرائح واسعة من المجتمع حول ظهور الفتيات في تسجيلات مصوّرة على مواقع التواصل الاجتماعي عموماً، وعلى هذه التطبيقات “سيئة الصيت” (على حدّ تعبير أمل) بشكل خاصّ.

“غالباً ما تكون الطلبات في إطار التحدّيات أو الأسئلة والإجابات. وبالتأكيد هناك الكثير من الطلبات الجنسية، ولكنّي أحظر -قدر المستطاع- هؤلاء الداعمين واستقطاب غيرهم”.

ابتزاز واستغلال جنسي

تتعرَّض “المضيفات” على هذه التطبيقات الى طيف واسع من المضايقات ليس أقلّها التحرّش اللفظيّ من المشاهدين، والطلبات “المشبوهة” كما تصفها ولاء (22 عاماً، طالبة جامعية ومضيفة من سوريا على تطبيق لايكي).

فعلى رغم تأكيد المشرفات للمضيفات أنّ العمل يتضمّن الدعم والحماية من كلّ أنواع الابتزاز المحتملة؛ إلّا أنّ المضيفات يتعرَّضن لمحاولات ابتزاز من الداعمين (المشاهدين) بفيديوهات مسجّلة مقتصّة من فيديوهاتهن المباشرة، إمّا لغرض العبث والأذى النفسي، أو لأغراض الاستغلال الجنسي والمادّي.

تقول ولاء في حديث لـ”درج”: “اضطررت إلى الانتقال من شقّتي في ريف دمشق حين علمتُ أنّ جاري في الطابق الثاني هو من يبتزّني، بعدما كان واحداً من الداعمين في ما مضى من دون أن أتعرَّف على هويته”.  

ويتجاوز عدد تطبيقات البث المباشر اليوم 30 تطبيقاً، ومن أبرزها في سوريا “تانغو tango”  و”لايكي likee” و”ميغو migo” و”بيغو لايف bigo live”، وتختلف هذه التطبيقات من حيث الدخل، وساعات البثّ المطلوبة، وكم النقاط الواجب تحقيقها.

وتحقّق تطبيقات البث أرباحها من خلال الإعلانات، ورفع القيمة السوقية للمنصّة أو التطبيق نفسه عن طريق زيادة عدد مستخدميه، وأيضاً من خلال تفاعل الداعمين عبر إرسال الهدايا للمضيفين داخل التطبيق، والتي تُحتسب قيمتها من أرصدتهم في التطبيق.

طوق نجاة

تحوّل العمل في تطبيقات البثّ المباشر إلى طوق نجاة لسوريات كثيرات، فبحسب شهادات أدلت بها سوريات يعملن في هذه التطبيقات لـ”درج”، فإنّ الدخل الشهري المقطوع لعملهنَّ يتراوح بين 750 ألف ليرة و3 ملايين ليرة (50-200 دولار)  إذ يتفوق متوسّط دخل العاملات في هذه التطبيقات متوسّط الرواتب في القطاعين العام والخاص في مناطق سيطرة النظام بنحو 3 إلى 4 أضعاف.

على الرغم من أنَّ هذا الدخل بالكاد يغطّي 15 في المئة من تكلفة المعيشة الشهرية في سوريا، والتي قدَّرتها دراسة نشرتها صحيفة قاسيون المحلية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بـ١٢ مليون ليرة (قرابة 850 دولاراً) لأسرة من 5 أفراد، غير أن هذا العمل يشهد إقبالاً ملحوظاً من الفتيات في ظلّ شحّ فرص العمل.

كيف تنتشر هذه التطبيقات؟

لا تقتصر عمليات الترويج لتطبيقات البثّ المباشر على المسوّقين المعتمدين الذين ينشرون الإعلانات ويتواصلون مع المضيفات على مواقع التواصل الاجتماعي، بل يشارك في عملية الترويج مشاهير الوسط الفنّي ومؤثّرو مواقع التواصل الاجتماعي كـ”البلوغرز”.

ومن جملة هؤلاء، مجموعة من الممثّلين السوريين مثل ليليا الأطرش ورنا الأبيض وديمة بياعة، ويزن السيّد الذي صرّح في برنامج “في فخّ” على منصّة يوتيوب في حزيران/ يونيو 2021، أنّه تقاضى من تطبيق “بيغو لايف” مبلغ 200 مليون ليرة (نحو 13500 دولار) خلال شهر واحد فقط.

يمرّ عمل هذه التطبيقات في سوريا بالوكلاء بالضرورة، على رغم أنّهم جماعات غير مرخّصة ولا تملك سجلاً تجارياً ويتم تسميتها بالوكلاء مجازاً، وتنحصر مهمّة الوكيل في دول الجوار (لبنان غالباً) في استلام الأجور والمستحقّات من التطبيقات ونقلها إلى سوريا. 

وتتراوح نسبته من مجمل الأرباح بين 20 و50 في المئة تبعاً لبنود الاتفاق بينه وبين المُضيفة، وغالباً ما يرسل الوكيل المبلغ الشهري لوسيط في سوريا، ليرسل الوسيط المال بدوره إلى مستحقّيه في المحافظات عبر شركات الحوالات المالية.

الجانب القانوني

لا يعدّ العمل على تطبيقات البث المباشر تُهمة أو جريمة، ولا توجد مواد قانونية تحول دون مزاولته، لكن لا يحمي القانون العاملات في هذا المجال من المضايقات والتحرّش أو الخديعة والابتزاز.

كوثر (19 عاماً) طالبة أدب عربي في جامعة دمشق ومضيفة سابقة في برنامج “ميغو”، تقول لـ”درج”: “عملت في تطبيق ميغو ثلاثة أشهر، ولكن كلّما طالبت الوكيل بحقوقي المادية ادّعى أن الرواتب لم تصله بعد، وفي آخر مرّة تواصلت معه لم يردّ على اتصالاتي، وبذلك أكون عملت ثلاثة أشهر بالمجان”.  

وأشار خبير قانوني سوري (رفض الكشف عن اسمه)، الى أن المسوّقات (المشرفات) يكنّ عرضة للادعاء عليهن بتهمة “الحضّ على الفجور” وفقاً للفقرة الأولى من المادّة 509 من قانون العقوبات السوري، والتي تنصّ على الآتي: “من اعتاد حضّ شخص أو أكثر، ذكراً كان أو أنثى، لم يتم الحادية والعشرين من عمره، على الفجور أو الفساد أو على تسهيلهما له أو مساعدته على إتيانهما، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 75 إلى 600 ليرة”.

لكن هذه المادة تشمل من هم تحت سن الـ21، وكلمة الفجور تحوي نوعاً من الغموض، والحالة التي يمكن أن يتدخل فيها القانون هي “الابتزاز” الذي لا بد من إثباته بالصور والوثائق، في حين أن القانون السوري لا ينظّم عمل هذه التطبيقات، ولا يمتلك “العاملون” فيها أي صفة قانونيّة، ما يتركهم ضحية النصب والاحتيال، في ظل أزمة إنسانية هي الأشدّ وطأة منذ 12 عاماً، إذ يرزح 90 في المئة منهم تحت خطّ الفقر، بينما يواجه نصف السكان آثار انعدام الأمن الغذائي وفقاً لتقارير أممية.

21.05.2024
زمن القراءة: 6 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية