fbpx

أصوات من غزة…  وقائع اليوم الـ 25 للحرب 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

 يبدو أن هناك عدم فهم إسرائيلي للشعب الفلسطيني وقدراته وصبره وصموده أمام الاحتلال وجرائمه، وإنكاره حقوق الفلسطينيين وعدم الاعتراف لا فقط بحقهم في تقرير المصير والحرية، بل في حقّهم بالحياة. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

المقال السابق أخذ من الوقت ثلاثة أيام كي أرسله لـ”درج” بسبب ضعف الإنترنت، والأصحّ غيابه، بعدما ذهبت إلى بيت أخي القريب لإرساله الى الصديق حازم الذي حثّني على الكتابة بعد الاطمئنان علينا. قال لي، أكتب ثم أكتب ثم أكتب، أصواتكم مهمة جداً. لم أستطع الرد عليه أو الحديث معه، لانقطاع الانترنت. كلمات حازم القليلة شجّعتني على الكتابة صباح اليوم الـ25 للحرب.

بثينة (أم محمد)  صاحبة البيت الذي نزحنا إليه، هي شقيقة زوجتي كوثر، وتربطني بها صلة قرابة، وقد استضافتنا هي وابنها محمد في بيتها. تعاني بثينة من الضغط والسكري، وظلت مريضة طوال اليوم بعدما ذهبتْ لشراء الخبز من المخبز القريب، حيث انتظرت 3 ساعات تحت أشعة الشمس، لكنها لم تنجح في جلب ولو حتى ربطة خبز واحدة. 

تحاول سيدة البيت المضيف أن تحافظ على روتينها اليومي في تنظيف البيت وترتيبه كما كانت تفعل قبل الحرب، تتمسك بطقوسها اليوميّة على الرغم  من مرضها. تحاول النوم  ساعات محدودة في ظل عدم تمكّن الجميع من النوم المتواصل إثر أصوات الطائرات والانفجارات القريبة والقصف المستمر، ومحاولة معرفة مكان سقوط القذيفة. تقول: “ليش يا رب كل هذا في الناس المساكين”.

تستيقظ مبكراً هي ومحمد لتجهيز احتياجات البيت الأساسية من خبز ومواد غذائية، ورصد النقص فيها. يذهب محمد الى السوق القريب  لشراء الخضروات والاحتياجات، وتعبئة مياه الشرب. وخلال ساعات النهار، تذهب بثينة للاطمئنان على الأصدقاء والجيران وأحوالهم.

صباح يوم الـ25 من الحرب، استيقظ عادل مبكراً وطلب أن نخرج من البيت، ولو في ظل الخوف والرعب، مصرّاً على أن طفليه، لميس (3 سنوات) وعادل (سنتان)، يجب أن يمارسا حياتهما بصورة “طبيعيّة”، وأن يلعبا بعدما تغلبا على خوفهما من صوت الطائرات والقصف، (هذا الظاهر لي، لكن لا أعلم إن كان ذلك حقيقياً أم لا).

 وجودنا في بيتهم دفع بثينة ومحمد الى خلق أجواء من الحب والحياة، وحركتهما الدائمة في البيت، وإصرارهما على الخروج من البيت والشراء من البقالية المجاورة للمنزل، يحويان نوعاً من مقاومة الموت. لا أنكر أن لهما الفضل في تغلبي على خوفي، إذ شجعاني على الخروج من البيت، والمشي معهما في الحارة على رغم صوت الطائرات والقصف المدفعي من النطفة الشرقية للحدود، القصف الذي نسمعه على الرغم من أننا نبعد عن الحدود نحو  6 كيلومترات أو أكثر، فعرض قطاع غزة من مدينة رفح طوله 11 كيلومتراً تقريباً مقارنة بالوسط والجنوب حيث العرض 8 كيلومترات.

في صباح اليوم، توجهت بثينة بالسؤال الى دعاء (زوجة محمد) قائلةً: “شو أخبار أصحابنا يلي نزحوا لبيت أبوكي؟”، فأجابت دعاء: “موجودين في البيت ويساعدوا أمي  بالتحضير والعجين ليعملوا الخبر على النار”، هذه حال الكثير من العائلات التي يتوافر لها الطحين، إذ تقوم بالخبز على الصاج في المنزل لصناعة  ما نسميه نحن خبز الصاج (أو العويص).

 سائق سيارة نقل المياه، الذي يستخدم زيت الطهي كوقود، يعمل منذ السابعة صباحاً حتى آخر ساعات المغرب. يقول بعد انتهاء الحرب إنه سيسافر إلي مصر  لتمضية إجازة عند أقاربه المصريين.

بعد 25 يوماً من الحرب، تزداد الأحوال كارثيةً، فمؤسسات الإغاثة عاجزة عن العمل بشكل حقيقي ومُنظم.

منذ بداية الأسبوع الماضي، أصبحت حركة السيارات أقل بسبب نفاد البنزين والطاقة الشمسية، لذا يستخدم الناس والباعة العربات التي تجرها الجمبو، أما السيارات التي توصل المياه الى البيوت فتعمل بزيت الطهي ذي الرائحة الكريهة حين يحترق، وبالطبع لا يهتم الناس لتأثيراته الضارة في ظل دخان الصواريخ وغبارها ورائحة البارود وغيرها من المواد السامة والقاتلة والتي نستنشقها يومياً.

استعراض القوة العسكرية بفجور والغرور الغبي الذي يتبناه الإعلاميون والمحللون الإسرائيليون، قائمان على سياسة مرسومة أساسها التحريض والكراهية والكذب والهجوم على الفلسطينيين في غزة، وصل من الغباء إلى حد مطالبة سكان القطاع بإعادة النظر في  قلوبهم وعقولهم وأفكارهم حول المقاومة والعلاقة  مع إسرائيل، من دون الإشارة إلى القتل واستهداف المدنيين المتعمّد.

 يبدو أن هناك عدم فهم إسرائيلي للشعب الفلسطيني وقدراته وصبره وصموده أمام الاحتلال وجرائمه، وإنكاره حقوق الفلسطينيين وعدم الاعتراف لا فقط بحقهم في تقرير المصير والحرية، بل في حقّهم بالحياة. 

منذ يومين، بدأ الخطاب الداخلي الإسرائيلي يتغيّر على رغم الحديث عن الوحدة والقوة، فهناك جرأة غير مسبوقة في الإعلام الإسرائيلي ولدى المحللين على انتقاد بنيامين نتانياهو والهجوم عليه، واتهامه بأنه المسؤول عما يجري منذ توليه الحكم، إذ وُصف بأنه رجل ضعيف بل ويخاطر بحياة الرهائن الإسرائيليين لدى “حماس”. وازدادت حدة الانتقاد بعدما صرّح بأنه لم يتلقّ أي إنذار أو تحذير من شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) أو من الشاباك حول هجوم “طوفان الأقصى”.

حذّر الصليب الأحمر من انهيار الأوضاع الإنسانية في غزة، وكأن الأوضاع ليست منهارة. لا أعلم ماذا يفعل  الصليب الأحمر  ووكالات الأمم المتحدة، التي لم تنفك خلال السنوات الماضية عن الاستعداد وكتابة الخطط للاستجابة العاجلة في ظل الحروب وتهيئة المدارس كمراكز إيواء، إذ ذهبت سدىً كل الأموال والوقت اللذين بُذلا على التدريب والاستعداد، في أول غارة جوية من الطائرات الحربية الإسرائيلية.

اختفى جميع المسؤولين الدوليين الغربيين العاملين في قطاع غزة، وهربوا وتركوا الموظفين العرب من دون حول ولا قوة، ولم يستطيعوا حتى المطالبة بحمايتهم، بل إن تأثيرهم معدوم، وأصبحت المطالب فقط عبر بيانات من دون جدوى، بينما الناس يدفعون الثمن بحياتهم، ناهيك بفشل هذه المنظمات وموظفيها في توفير الحد الأدنى من المواد الأساسية للاجئين في مراكز الإيواء ومدارس أونروا.

الليلة الماضية كانت صعبة، سيطر الخوف علينا (بخاصة كوثر) بعد قصف منزلين مجاورين لمنزل ابنتي يافا، التي اتصلت بنا مفزوعة وهي تتحدث عن الضرر الذي لحق بالمنزلين. يافا قررت البقاء في مدينة غزة مع زوجها وعائلته. لم ننم الليلة ونحن نتابع معها وضع الحي الذي تقطنه، فالخطر قائم دوماً في ظل جنون القصف والقتل والكراهية بذريعة “استهداف البنية التحتيّة لحماس”.

بعد 25 يوماً من الحرب، تزداد الأحوال كارثيةً، فمؤسسات الإغاثة عاجزة عن العمل بشكل حقيقي ومُنظم، خصوصاً مع الحديث عن دخول بعض شاحنات المساعدات الإنسانية من معبر رفح،  تلك التي لم يشعر الناس بوجودها كونها لا تلبي أبداً حاجات مليوني فلسطيني من سكان القطاع، ناهيك بأن “المساعدات” التي دخلت لم تتجاوز المعلبات الغذائية، التي لا تلبي جوع غالبية الناس الذين أصبحوا غير قادرين على الصمود.

01.11.2023
زمن القراءة: 5 minutes

 يبدو أن هناك عدم فهم إسرائيلي للشعب الفلسطيني وقدراته وصبره وصموده أمام الاحتلال وجرائمه، وإنكاره حقوق الفلسطينيين وعدم الاعتراف لا فقط بحقهم في تقرير المصير والحرية، بل في حقّهم بالحياة. 

المقال السابق أخذ من الوقت ثلاثة أيام كي أرسله لـ”درج” بسبب ضعف الإنترنت، والأصحّ غيابه، بعدما ذهبت إلى بيت أخي القريب لإرساله الى الصديق حازم الذي حثّني على الكتابة بعد الاطمئنان علينا. قال لي، أكتب ثم أكتب ثم أكتب، أصواتكم مهمة جداً. لم أستطع الرد عليه أو الحديث معه، لانقطاع الانترنت. كلمات حازم القليلة شجّعتني على الكتابة صباح اليوم الـ25 للحرب.

بثينة (أم محمد)  صاحبة البيت الذي نزحنا إليه، هي شقيقة زوجتي كوثر، وتربطني بها صلة قرابة، وقد استضافتنا هي وابنها محمد في بيتها. تعاني بثينة من الضغط والسكري، وظلت مريضة طوال اليوم بعدما ذهبتْ لشراء الخبز من المخبز القريب، حيث انتظرت 3 ساعات تحت أشعة الشمس، لكنها لم تنجح في جلب ولو حتى ربطة خبز واحدة. 

تحاول سيدة البيت المضيف أن تحافظ على روتينها اليومي في تنظيف البيت وترتيبه كما كانت تفعل قبل الحرب، تتمسك بطقوسها اليوميّة على الرغم  من مرضها. تحاول النوم  ساعات محدودة في ظل عدم تمكّن الجميع من النوم المتواصل إثر أصوات الطائرات والانفجارات القريبة والقصف المستمر، ومحاولة معرفة مكان سقوط القذيفة. تقول: “ليش يا رب كل هذا في الناس المساكين”.

تستيقظ مبكراً هي ومحمد لتجهيز احتياجات البيت الأساسية من خبز ومواد غذائية، ورصد النقص فيها. يذهب محمد الى السوق القريب  لشراء الخضروات والاحتياجات، وتعبئة مياه الشرب. وخلال ساعات النهار، تذهب بثينة للاطمئنان على الأصدقاء والجيران وأحوالهم.

صباح يوم الـ25 من الحرب، استيقظ عادل مبكراً وطلب أن نخرج من البيت، ولو في ظل الخوف والرعب، مصرّاً على أن طفليه، لميس (3 سنوات) وعادل (سنتان)، يجب أن يمارسا حياتهما بصورة “طبيعيّة”، وأن يلعبا بعدما تغلبا على خوفهما من صوت الطائرات والقصف، (هذا الظاهر لي، لكن لا أعلم إن كان ذلك حقيقياً أم لا).

 وجودنا في بيتهم دفع بثينة ومحمد الى خلق أجواء من الحب والحياة، وحركتهما الدائمة في البيت، وإصرارهما على الخروج من البيت والشراء من البقالية المجاورة للمنزل، يحويان نوعاً من مقاومة الموت. لا أنكر أن لهما الفضل في تغلبي على خوفي، إذ شجعاني على الخروج من البيت، والمشي معهما في الحارة على رغم صوت الطائرات والقصف المدفعي من النطفة الشرقية للحدود، القصف الذي نسمعه على الرغم من أننا نبعد عن الحدود نحو  6 كيلومترات أو أكثر، فعرض قطاع غزة من مدينة رفح طوله 11 كيلومتراً تقريباً مقارنة بالوسط والجنوب حيث العرض 8 كيلومترات.

في صباح اليوم، توجهت بثينة بالسؤال الى دعاء (زوجة محمد) قائلةً: “شو أخبار أصحابنا يلي نزحوا لبيت أبوكي؟”، فأجابت دعاء: “موجودين في البيت ويساعدوا أمي  بالتحضير والعجين ليعملوا الخبر على النار”، هذه حال الكثير من العائلات التي يتوافر لها الطحين، إذ تقوم بالخبز على الصاج في المنزل لصناعة  ما نسميه نحن خبز الصاج (أو العويص).

 سائق سيارة نقل المياه، الذي يستخدم زيت الطهي كوقود، يعمل منذ السابعة صباحاً حتى آخر ساعات المغرب. يقول بعد انتهاء الحرب إنه سيسافر إلي مصر  لتمضية إجازة عند أقاربه المصريين.

بعد 25 يوماً من الحرب، تزداد الأحوال كارثيةً، فمؤسسات الإغاثة عاجزة عن العمل بشكل حقيقي ومُنظم.

منذ بداية الأسبوع الماضي، أصبحت حركة السيارات أقل بسبب نفاد البنزين والطاقة الشمسية، لذا يستخدم الناس والباعة العربات التي تجرها الجمبو، أما السيارات التي توصل المياه الى البيوت فتعمل بزيت الطهي ذي الرائحة الكريهة حين يحترق، وبالطبع لا يهتم الناس لتأثيراته الضارة في ظل دخان الصواريخ وغبارها ورائحة البارود وغيرها من المواد السامة والقاتلة والتي نستنشقها يومياً.

استعراض القوة العسكرية بفجور والغرور الغبي الذي يتبناه الإعلاميون والمحللون الإسرائيليون، قائمان على سياسة مرسومة أساسها التحريض والكراهية والكذب والهجوم على الفلسطينيين في غزة، وصل من الغباء إلى حد مطالبة سكان القطاع بإعادة النظر في  قلوبهم وعقولهم وأفكارهم حول المقاومة والعلاقة  مع إسرائيل، من دون الإشارة إلى القتل واستهداف المدنيين المتعمّد.

 يبدو أن هناك عدم فهم إسرائيلي للشعب الفلسطيني وقدراته وصبره وصموده أمام الاحتلال وجرائمه، وإنكاره حقوق الفلسطينيين وعدم الاعتراف لا فقط بحقهم في تقرير المصير والحرية، بل في حقّهم بالحياة. 

منذ يومين، بدأ الخطاب الداخلي الإسرائيلي يتغيّر على رغم الحديث عن الوحدة والقوة، فهناك جرأة غير مسبوقة في الإعلام الإسرائيلي ولدى المحللين على انتقاد بنيامين نتانياهو والهجوم عليه، واتهامه بأنه المسؤول عما يجري منذ توليه الحكم، إذ وُصف بأنه رجل ضعيف بل ويخاطر بحياة الرهائن الإسرائيليين لدى “حماس”. وازدادت حدة الانتقاد بعدما صرّح بأنه لم يتلقّ أي إنذار أو تحذير من شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) أو من الشاباك حول هجوم “طوفان الأقصى”.

حذّر الصليب الأحمر من انهيار الأوضاع الإنسانية في غزة، وكأن الأوضاع ليست منهارة. لا أعلم ماذا يفعل  الصليب الأحمر  ووكالات الأمم المتحدة، التي لم تنفك خلال السنوات الماضية عن الاستعداد وكتابة الخطط للاستجابة العاجلة في ظل الحروب وتهيئة المدارس كمراكز إيواء، إذ ذهبت سدىً كل الأموال والوقت اللذين بُذلا على التدريب والاستعداد، في أول غارة جوية من الطائرات الحربية الإسرائيلية.

اختفى جميع المسؤولين الدوليين الغربيين العاملين في قطاع غزة، وهربوا وتركوا الموظفين العرب من دون حول ولا قوة، ولم يستطيعوا حتى المطالبة بحمايتهم، بل إن تأثيرهم معدوم، وأصبحت المطالب فقط عبر بيانات من دون جدوى، بينما الناس يدفعون الثمن بحياتهم، ناهيك بفشل هذه المنظمات وموظفيها في توفير الحد الأدنى من المواد الأساسية للاجئين في مراكز الإيواء ومدارس أونروا.

الليلة الماضية كانت صعبة، سيطر الخوف علينا (بخاصة كوثر) بعد قصف منزلين مجاورين لمنزل ابنتي يافا، التي اتصلت بنا مفزوعة وهي تتحدث عن الضرر الذي لحق بالمنزلين. يافا قررت البقاء في مدينة غزة مع زوجها وعائلته. لم ننم الليلة ونحن نتابع معها وضع الحي الذي تقطنه، فالخطر قائم دوماً في ظل جنون القصف والقتل والكراهية بذريعة “استهداف البنية التحتيّة لحماس”.

بعد 25 يوماً من الحرب، تزداد الأحوال كارثيةً، فمؤسسات الإغاثة عاجزة عن العمل بشكل حقيقي ومُنظم، خصوصاً مع الحديث عن دخول بعض شاحنات المساعدات الإنسانية من معبر رفح،  تلك التي لم يشعر الناس بوجودها كونها لا تلبي أبداً حاجات مليوني فلسطيني من سكان القطاع، ناهيك بأن “المساعدات” التي دخلت لم تتجاوز المعلبات الغذائية، التي لا تلبي جوع غالبية الناس الذين أصبحوا غير قادرين على الصمود.

01.11.2023
زمن القراءة: 5 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية