fbpx

“إلدورادو”: مقهى المثليين الذي كرهه النازيون…؟! 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في أواخر عشرينات القرن الماضي، شكّل ملهى “إلدورادو” الليلي نافذة العاصمة برلين لحياة الكويريين الألمان إلى العالم. تلك كانت بحسب الوثائقي “إلدورادو: كل ما يكرهه النازيون”، الذي تعرضه منصّة “نيتفلكس”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في أواخر عشرينات القرن الماضي، شكّل ملهى “إلدورادو” الليلي نافذة العاصمة برلين لحياة الكويريين الألمان إلى العالم. تلك كانت بحسب الوثائقي “إلدورادو: كل ما يكرهه النازيون”، الذي تعرضه منصّة “نيتفلكس”، مرحلة عاش فيها مثليون ومثليات وكويريون وكويريات وعابرون جنسيون ومزدوجو الجنس، حرياتهم الجنسية كما لو أنهم يعيشون اليوم في العام 2023 في البلدان الديمقراطية.

لكن ذلك حصل فقط لوقت قصير. كانت مرحلة قصيرة، لكن يمكن وصفها بـ”الذهبية” لمجتمع الميم-عين، الذي كان يعيش آنذاك في تلك المدينة، وكان لكثيرين الحظ في ارتياد ملهى “إلدورادو” الذي كان يشهد عروضاً راقصة ليلية واختلاطاً جنسياً بين الهويات الجنسية المختلفة، وكثير من المؤدين من الكوير(والدراغ كوين) على مسرح “إلدورادو” أصبحوا من نجوم تلك الحقبة، بينهم كلير والدوف، أشهر المغنيات الألمانيات آنذاك.

المؤرخ كلاوس مولير يقول في الوثائقي، إن “إلدورادو أمّن حرية جديدة، إذ سمح لمثليين ومثليات وعابرين وعابرات ومزدوجي الجنس بأن يكونوا أحراراً في هذا المكان، وأن يختاروا هوياتهم الجنسية ويعبروا عنها بحرية”. في تلك الفترة الوجيزة من تاريخ ألمانيا والعالم، كانت هناك حريات صحافية في برلين، وكانت هناك صحف مخصصة للمثليين الرجال والمثليات من النساء. كما كانت هناك صحف مخصصة للعابرات والعابرين جنسياً. 

شارلوتا شارلاك، مثقفة يهودية أميركية – ألمانية، سافرت حول العالم وعاشت في أميركا وألمانيا وفرنسا، وهي واحدة من أوائل الأشخاص في العالم التي تخضع لعملية جراحية لتغيير الجنس في العالم، كانت من رواد “إلدورادو”. ثلاث نساء في تلك الحقبة خضعن لعمليات عبور جنسي في “معهد العلوم الجنسية”، الذي كان من أوائل معاهد البحث الخاصة بعلم الجنس، واستمر عمله من العام 1919 وحتى العام 1933.

كان الأطباء في المعهد قد فاوضوا الشرطة على إعطاء العابرات بطاقات تشير الى أن وضعهن شرعي وقانوني ويخضعن للعلاج في المعهد، وبالتالي يحق لهن أن يلبسن الثياب بحسب الهوية الجنسية التي اخترنها، وكانت هذه المرة الأولى في العالم التي يكون فيها اعتراف قانوني بأوضاع العابرين والعابرات جنسياً/ الترانس، وأصبح بامكان الكوير والترانس أن يعيشوا في الضوء وفي العلن. حدث ذلك كله في ألمانيا العشرينات والثلاثينات، كما يوثقه الفيلم الذي يحكي حكاية الحرية الجنسية التي صبّ عليها النازيون جام كراهيتهم ورهابهم وحقدهم وإجرامهم بعد وصول هتلر إلى السلطة في العام 1933. وبعد وصول النازيين الى الحكم، شهدت ألمانيا أسوأ اضطهاد معادٍ للمثلية في تاريخ البشرية، كما يؤكد الوثائقي، وكان “إلدورادو” وكل الذين كانوا يرتادونه هدفاً لآلة الرعب النازية الهوموفوبية. 

إرنست رووم، الضابط النازي الشرس والإجرامي المقرّب من هتلر، كان من رواد “إلدورادو”. كان مثلياً وكانت مثليته مدار أحاديث وإشاعات في أوساط النازيين. وكان هتلر على دراية بهذه الإشاعات حول رووم، لكنه كان يبدي فائدة رووم العسكرية والسياسية بالنسبة إليه. وقد كتب هتلر أن حياة رووم الخاصة لا تهمه، طالما أن رووم ينفذ أوامره بدقة، لكن هذا الرجل سرعان ما يقع ضحية حزبه الهوموفوبي، بعد سيطرة الحزب النازي وإقفال ملهى “إلدورادو”، وخسر الكثيرون والكثيرات الحماية والوظائف والحرية التي كانوا يتمتعون بها، وتحول المكان الى مساحة يستخدمها النازيون للتسويق لأفكارهم.

كل مساحة الحرية التي كانت تزهر في المكان انتهت بين ليلة وضحاها. ويبرز لنا الفيلم أن مجتمع الميم- عين كان لا يزال موجوداً آنذاك، لكن كان على أفراده أن يعيشوا حياتهم في السر والعتمة، وأن يحاولوا تجنّب المصير الذي لاحق أكثر من 100 ألف مثلي اعتُقلوا في مرحلة حكم هتلر وحزبه النازي. أكثر من خمسين ألفاً منهم أُعدموا، فيما وُضع الآلاف في مخيمات الاعتقال وكانوا يتعرضون للاضطهاد من باقي السجناء في المعتقلات، وأخضع بعضهم لتجارب طبية، لم ينج منها الكثير منهم. وعُرض على بعضهم خيار الإخصاء لإطلاق سراحهم، لكن بعد خصيهم تم الاحتفاظ بهم في المعتقلات. 

مورست أبشع الجرائم بحق أفراد مجتمع الميم – عين. إذ دمّر الحزب النازي معهد العلوم الجنسية ولاحق أطباءه، وأتلف جميع الأبحاث. أما المكتبة التي تحتوي على آلاف الكتب البحثية، فقد حُرقت في ساحة عامة بمشاركة مئات النازيين المسعورين. يحكي الفيلم حكايات شخصيات واجهت وحش النازية وكراهيته المتضخمة تجاه المثلية والعبور الجنسي، ويدخل في تفاصيل حميمة لشخصيات ناضلت للدفاع عن حرياتها الجنسية في ظل موجة كراهية عاتية، مثل حكاية شارلوتا شارلاك وصديقتها الحميمة، وما اضطرا إلى مواجهته، وكيف نجت شارلوتا بعد اعتقالها من النازيين. 

حتى مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، ظلت القوانين الألمانية ظالمة للمثليين وتجرّم المثلية في برلين الغربية. إذ اعتُقل واضطُّهد وحوكم آنذاك، أكثر من مئة ألف شخص بتهم المثلية، حُكم أكثر من نصفهم بالسجن بسبب ميولهم الجنسية. المادة 175 من القانون الألماني، التي تجرم المثلية، والتي كانت معتمدة في القوانين النازية، ظلت نفسها حتى العام 1969 ليصار الى تعديلها لاحقاً، ثم أزيلت من القانون نهائياً في العام 1994. 

“إلدورادو” تحوّل اليوم الى متجر للمأكولات العضوية في برلين، حيث “يمكنك أن تذهب اليوم الى المكان الذي كان في الثلاثينات مسرحاً لعروض الدراغ كوين، لتشتري ثمار الأفوكادو باهضة الثمن”، كما تقول إحدى شخصيات الفيلم، الذي يحاول أن يحذّرنا، في خضمّ أحداثه، وعلى لسان ناشطة كويرية، من أننا حتى في أيامنا هذه، “يمكننا أن نتمتّع بهذا النوع من الحريات، ثم كما في ألمانيا النازية، يمكن بسبب رهاب المثلية، أن نحرم منه فجأة وبسرعة”.

وكأن هذه الناشطة تحاول أن تحذر من يعيشون الحريات الجنسية في مجتمعات تحكمها أحزاب هوموفوبية، كما هي الحال مع لبنان و”حزب الله” الذي يشنّ اليوم حملة تحمل في طيّاتها نبرة نازية، من أن الأمور يمكن أن تنقلب فجأة إلى سعار جماعي إذا لم يناضل الناس لمنع خطاب الكراهية والهوموفوبية والاستبداد من السيطرة والانتشار.

هاني عضاضة | 29.06.2024

عن الجندي الإسرائيلي ومسار نزع الأنسنة عن الفلسطينيين

ما الذي يقود عدداً متزايداً من الجنود الإسرائيليين، إلى ارتكاب الفظاعات في غزة وتوثيقها بأنفسهم؟ وأية استراتيجيات تتبعها إسرائيل لتشكيل الذات الإنسانية الإسرائيلية وصوغها، لتنتج هذا النموذج للجندي الذي يرتكب أعمالاً مروعة؟
27.07.2023
زمن القراءة: 4 minutes

في أواخر عشرينات القرن الماضي، شكّل ملهى “إلدورادو” الليلي نافذة العاصمة برلين لحياة الكويريين الألمان إلى العالم. تلك كانت بحسب الوثائقي “إلدورادو: كل ما يكرهه النازيون”، الذي تعرضه منصّة “نيتفلكس”

في أواخر عشرينات القرن الماضي، شكّل ملهى “إلدورادو” الليلي نافذة العاصمة برلين لحياة الكويريين الألمان إلى العالم. تلك كانت بحسب الوثائقي “إلدورادو: كل ما يكرهه النازيون”، الذي تعرضه منصّة “نيتفلكس”، مرحلة عاش فيها مثليون ومثليات وكويريون وكويريات وعابرون جنسيون ومزدوجو الجنس، حرياتهم الجنسية كما لو أنهم يعيشون اليوم في العام 2023 في البلدان الديمقراطية.

لكن ذلك حصل فقط لوقت قصير. كانت مرحلة قصيرة، لكن يمكن وصفها بـ”الذهبية” لمجتمع الميم-عين، الذي كان يعيش آنذاك في تلك المدينة، وكان لكثيرين الحظ في ارتياد ملهى “إلدورادو” الذي كان يشهد عروضاً راقصة ليلية واختلاطاً جنسياً بين الهويات الجنسية المختلفة، وكثير من المؤدين من الكوير(والدراغ كوين) على مسرح “إلدورادو” أصبحوا من نجوم تلك الحقبة، بينهم كلير والدوف، أشهر المغنيات الألمانيات آنذاك.

المؤرخ كلاوس مولير يقول في الوثائقي، إن “إلدورادو أمّن حرية جديدة، إذ سمح لمثليين ومثليات وعابرين وعابرات ومزدوجي الجنس بأن يكونوا أحراراً في هذا المكان، وأن يختاروا هوياتهم الجنسية ويعبروا عنها بحرية”. في تلك الفترة الوجيزة من تاريخ ألمانيا والعالم، كانت هناك حريات صحافية في برلين، وكانت هناك صحف مخصصة للمثليين الرجال والمثليات من النساء. كما كانت هناك صحف مخصصة للعابرات والعابرين جنسياً. 

شارلوتا شارلاك، مثقفة يهودية أميركية – ألمانية، سافرت حول العالم وعاشت في أميركا وألمانيا وفرنسا، وهي واحدة من أوائل الأشخاص في العالم التي تخضع لعملية جراحية لتغيير الجنس في العالم، كانت من رواد “إلدورادو”. ثلاث نساء في تلك الحقبة خضعن لعمليات عبور جنسي في “معهد العلوم الجنسية”، الذي كان من أوائل معاهد البحث الخاصة بعلم الجنس، واستمر عمله من العام 1919 وحتى العام 1933.

كان الأطباء في المعهد قد فاوضوا الشرطة على إعطاء العابرات بطاقات تشير الى أن وضعهن شرعي وقانوني ويخضعن للعلاج في المعهد، وبالتالي يحق لهن أن يلبسن الثياب بحسب الهوية الجنسية التي اخترنها، وكانت هذه المرة الأولى في العالم التي يكون فيها اعتراف قانوني بأوضاع العابرين والعابرات جنسياً/ الترانس، وأصبح بامكان الكوير والترانس أن يعيشوا في الضوء وفي العلن. حدث ذلك كله في ألمانيا العشرينات والثلاثينات، كما يوثقه الفيلم الذي يحكي حكاية الحرية الجنسية التي صبّ عليها النازيون جام كراهيتهم ورهابهم وحقدهم وإجرامهم بعد وصول هتلر إلى السلطة في العام 1933. وبعد وصول النازيين الى الحكم، شهدت ألمانيا أسوأ اضطهاد معادٍ للمثلية في تاريخ البشرية، كما يؤكد الوثائقي، وكان “إلدورادو” وكل الذين كانوا يرتادونه هدفاً لآلة الرعب النازية الهوموفوبية. 

إرنست رووم، الضابط النازي الشرس والإجرامي المقرّب من هتلر، كان من رواد “إلدورادو”. كان مثلياً وكانت مثليته مدار أحاديث وإشاعات في أوساط النازيين. وكان هتلر على دراية بهذه الإشاعات حول رووم، لكنه كان يبدي فائدة رووم العسكرية والسياسية بالنسبة إليه. وقد كتب هتلر أن حياة رووم الخاصة لا تهمه، طالما أن رووم ينفذ أوامره بدقة، لكن هذا الرجل سرعان ما يقع ضحية حزبه الهوموفوبي، بعد سيطرة الحزب النازي وإقفال ملهى “إلدورادو”، وخسر الكثيرون والكثيرات الحماية والوظائف والحرية التي كانوا يتمتعون بها، وتحول المكان الى مساحة يستخدمها النازيون للتسويق لأفكارهم.

كل مساحة الحرية التي كانت تزهر في المكان انتهت بين ليلة وضحاها. ويبرز لنا الفيلم أن مجتمع الميم- عين كان لا يزال موجوداً آنذاك، لكن كان على أفراده أن يعيشوا حياتهم في السر والعتمة، وأن يحاولوا تجنّب المصير الذي لاحق أكثر من 100 ألف مثلي اعتُقلوا في مرحلة حكم هتلر وحزبه النازي. أكثر من خمسين ألفاً منهم أُعدموا، فيما وُضع الآلاف في مخيمات الاعتقال وكانوا يتعرضون للاضطهاد من باقي السجناء في المعتقلات، وأخضع بعضهم لتجارب طبية، لم ينج منها الكثير منهم. وعُرض على بعضهم خيار الإخصاء لإطلاق سراحهم، لكن بعد خصيهم تم الاحتفاظ بهم في المعتقلات. 

مورست أبشع الجرائم بحق أفراد مجتمع الميم – عين. إذ دمّر الحزب النازي معهد العلوم الجنسية ولاحق أطباءه، وأتلف جميع الأبحاث. أما المكتبة التي تحتوي على آلاف الكتب البحثية، فقد حُرقت في ساحة عامة بمشاركة مئات النازيين المسعورين. يحكي الفيلم حكايات شخصيات واجهت وحش النازية وكراهيته المتضخمة تجاه المثلية والعبور الجنسي، ويدخل في تفاصيل حميمة لشخصيات ناضلت للدفاع عن حرياتها الجنسية في ظل موجة كراهية عاتية، مثل حكاية شارلوتا شارلاك وصديقتها الحميمة، وما اضطرا إلى مواجهته، وكيف نجت شارلوتا بعد اعتقالها من النازيين. 

حتى مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، ظلت القوانين الألمانية ظالمة للمثليين وتجرّم المثلية في برلين الغربية. إذ اعتُقل واضطُّهد وحوكم آنذاك، أكثر من مئة ألف شخص بتهم المثلية، حُكم أكثر من نصفهم بالسجن بسبب ميولهم الجنسية. المادة 175 من القانون الألماني، التي تجرم المثلية، والتي كانت معتمدة في القوانين النازية، ظلت نفسها حتى العام 1969 ليصار الى تعديلها لاحقاً، ثم أزيلت من القانون نهائياً في العام 1994. 

“إلدورادو” تحوّل اليوم الى متجر للمأكولات العضوية في برلين، حيث “يمكنك أن تذهب اليوم الى المكان الذي كان في الثلاثينات مسرحاً لعروض الدراغ كوين، لتشتري ثمار الأفوكادو باهضة الثمن”، كما تقول إحدى شخصيات الفيلم، الذي يحاول أن يحذّرنا، في خضمّ أحداثه، وعلى لسان ناشطة كويرية، من أننا حتى في أيامنا هذه، “يمكننا أن نتمتّع بهذا النوع من الحريات، ثم كما في ألمانيا النازية، يمكن بسبب رهاب المثلية، أن نحرم منه فجأة وبسرعة”.

وكأن هذه الناشطة تحاول أن تحذر من يعيشون الحريات الجنسية في مجتمعات تحكمها أحزاب هوموفوبية، كما هي الحال مع لبنان و”حزب الله” الذي يشنّ اليوم حملة تحمل في طيّاتها نبرة نازية، من أن الأمور يمكن أن تنقلب فجأة إلى سعار جماعي إذا لم يناضل الناس لمنع خطاب الكراهية والهوموفوبية والاستبداد من السيطرة والانتشار.

27.07.2023
زمن القراءة: 4 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية