fbpx

البلديات اللبنانيّة وتحدّيات التمويل والسيطرة السياسيّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

بدلاً من البحث عن حلول للأزمة، تواصل الأحزاب السياسية الطائفية دورها في تعزيز النظام الزبائني وتفكيك المرافق والإدارات العامة بهدف تحقيق منافع وفيرة على حساب المصلحة العامة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“يُنشر هذا التقرير في “درج” بالتعاون مع المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية DRI، ضمن مشروع الأصوات المستقلّة: دعم صناعة المحتوى المبتكر والمتمحور حول المواطنين والمواطنات في الإعلام اللبناني”.

تعاني السلطات اللامركزية، البلديات واتحاداتها، من نقص حاد في التمويل. إذ لعبت عوامل عدة مترافقة مع الأزمة الاقتصادية والمالية المستمرة دوراً كبيراً في تقييد وتقليص قدرتها على توفير الخدمات والتخطيط لمشاريع طويلة الأمد. وما زاد الأمر سوءاً هو تحميل البلديات والاتحادات عبء التعامل مع أزمة “اللجوء السوري” في لبنان في ظل غياب تام لأي خطة وطنية لمعالجة القضية. ناهيك بانتشار وباء كوفيد-19، الذي أضاف تحدّيات اقتصادية مقلقة، ومن ثم تفجير مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، فشكّل ضربةً قاسية سلطت الضوء على ملفات عدة، لا سيّما تردّي البنى التحتية والخدمات العامة، وسط تعثّر للمساءلة والمحاسبة.

بدلاً من البحث عن حلول للأزمة، تواصل الأحزاب السياسية الطائفية دورها في تعزيز النظام الزبائني وتفكيك المرافق والإدارات العامة بهدف تحقيق منافع وفيرة على حساب المصلحة العامة. إلى جانب استمرارها في مصادرة حقوق المواطنين/ات، من نهب أموالهم/ن في المصارف إلى مصادرة أصواتهم/ن ومنعهم/ن من ممارسة حقهم/ن الدستوري والديمقراطي في صناديق الاقتراع.

 فقد أعاد مجلس النواب في 25 نيسان/ إبريل 2024 التمديد لولاية المجالس البلدية والاختيارية للمرة الثالثة على التوالي، مكرّساً بذلك نهج الاستخفاف بالمحطات الديمقراطية والدستورية الأساسية في البلاد.

التقاسم السياسي وتهديداته في اتحاد بلديات الشقيف

ليس اتحاد بلديات الشقيف – النبطية بعيداً من واقع نظام المحاصصات السياسية، إذ تشكل التجاذبات السياسية جزءاً أساسياً من تركيبته التي يرعاها ويتقاسمها حزب الله وحركة أمل. يضم الاتحاد 29 بلدية، تسيطر حركة أمل على 18 منها، بينما يسيطر حزب الله على 11 بلدية. من المعروف أن حركة أمل احتفظت بمركزين أساسيين في الاتحاد، هما رئاسة الاتحاد ومنصب نائب الرئيس، منذ العام 2004، مقابل أن تكون رئاسة اتحاد بلديات إقليم التفاح لحزب الله.

يشهد السكان في المنطقة المذكورة غياباً للمشاريع التنموية وعرقلتها. كمعمل تكرير المياه الآسنة الذي أقيم في وادي الكفور في تسعينات القرن الماضي، والذي يشوبه الفساد، إذ يتقاضى مجلس الإنماء والإعمار كلفة صيانته السنوية التي تفوق المليون ونصف مليون دولار من دون أن يقوم بواجبه. تضاف إلى ذلك أزمة النفايات وفضائح التلزيمات التي أباحت تجارة النفايات على حساب صحة السكان.

عمليات الالتفاف حول الحلول غالباً ما تكون نتيجة للتحالفات السياسية وتقاسم الفوائد، من دون أن تلتفت إلى المصلحة العامة. يتجلى هذا بشكل واضح في أزمة النفايات في اتحاد بلديات الشقيف، التي تفاقمت منذ عام 2019 من دون حلول فعالة.

في لبنان، تقع حوكمة إدارة النفايات الصلبة على عاتق السلطات المحلية، بيد أنّ التعاون مع المواطنين ما زال يشكو من الضعف: فقد تبيّن وفقاً لمسح أجرته المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية عام 2018، أن معظم البلديات في لبنان تنظر إلى هذا التعاون على أنه “ليس بالأمر السهل”، ما يسفر عن مواجهات بين الناشطين/ات البيئيين/ات.

 ومع أن بعض السلطات المحلية تقوم بإشراك المواطنين/ات، تبقى غالبية هذه السلطات المحلية غير قادرة على تعميم مشاركة المواطنين في حوكمة النفايات الصلبة. فالتطبيق الفعال لإطار إدارة متكاملة للنفايات، ضمن استراتيجية وطنية، يتطلّب من السلطات اللامركزية الإقليمية والمحلية انتهاج سياسات تشاركية لكسب تأييد المواطنين/ات.

يشير عضو بلدية النبطية، صادق إسماعيل، إلى أن التمديد للمجلس لم يؤثر سلباً على أداء بلدية النبطية، حيث تستمر وتيرة العمل كما كانت في البداية. وينطبق الأمر نفسه على بلديات الاتحاد باستثناء بلدية واحدة منحلّة وبلديتين شهدتا استقالات بعد الانتخابات. 

وأوضح إسماعيل أن التحدي الأساسي الذي تواجهه البلديات حالياً، هو الوضع المالي. وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وانحلال السلطة المركزية، أصبحت البلديات تتحمل المزيد من الأعباء والمسؤوليات، ففي النبطية تعود نصف موارد اتحاد البلديات من الدولة والصندوق البلدي المستقل، بينما النصف الآخر من إيرادات الاتحاد نفسه.

أما بالنسبة الى ملف النفايات في بلدية النبطية، يوضح إسماعيل أن الوضع لا يشكّل أزمة حقيقية مقارنة بالقرى والمدن اللبنانية الأخرى. إلا أن الأزمة الاقتصادية وتدهور قيمة الدولار تسببا في صعوبة التزام الشركات بمهامها لناحية جمع النفايات. 

وأشار إلى أنه على رغم وجود عدد كبير من النازحين السوريين الذين يصل عددهم إلى 9000، بالإضافة إلى 3500 نازح من أهالي الشريط الحدودي، وما يرافقه من زيادة في الاستهلاك وإنتاج النفايات، إلا أن البلدية مستمرة بشكل شبه يومي بمهامها، مع توجهها الى شراء سيارتين جديدتين لجمع النفايات ودعم حملات التنظيف.

هذا وتمتلك مدينة النبطية خلية أزمة تعمل على مواجهة مختلف التحديات والأزمات، فبحسب إسماعيل “منذ عام 2006 وحتى 2024، لم تتوقف خلية الأزمة عن العمل… بدءاً بأزمة كورونا وصولاً إلى دورها الحيوي في استقبال ومساعدة العائلات النازحة من الشريط الحدودي، بفعل الحرب”.

في المقابل تشير رئيسة جمعية “نبض النبطية”، سلام بدر الدين، إلى أنه من الصعب أن يجد المجلس الحالي حلولاً للمشاكل نظراً الى وجود المصالح الحزبية نفسها. فالمشاريع التنموية في منطقة النبطية، بحسب ما تلفت بدر الدين، مرتبطة بشكل كبير بالأحزاب السياسية، التي تتصارع على المغانم. وتضيف: “لم نجد حلاً لمشكلة النفايات أو لمشروع جر المياه من نبع الطاسة. كلما حاولوا تنفيذ مشروع، يتنازعون على الحصص والمحاصصة، ونحن من يدفع الثمن. لدينا معمل للفرز، لكنه مُعطل ومتروك للصدأ بسبب النزاعات حول حقوق الفرز. يجلبون لنا نفايات من مناطق بعيدة ويكدسونها في مكبنا بذريعة وجود معمل فرز، في حين أن المعمل لا يعمل.”

وتتابع: “حاولنا توثيق هذه الحالة، لكننا واجهنا منعاً من الوصول، إذ وضعوا حارساً مسلحاً لمنع أي اقتراب من الموقع”.

تؤكد بدر الدين أن للمحاصصات السياسية تأثيراً سلبياً ، إذ يتبع “رئيس اتحاد البلديات لحركة أمل، فيما رئيس البلدية لحزب الله، وعلى الرغم من التوافق الظاهري، إلا أن الصراعات تظهر بعد فترة قصيرة، ما يعطل المشاريع التنموية”. وتختم قائلة إن هناك حاجة ملحة الى تغيير جذري في إدارة البلديات للخروج من “الوضع المزري”.

المادة 23 من قانون البلديات الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم1181977

“يعتبر المجلس البلدي منحلاً حكماً إذا فقد نصف أعضائه على الأقّل أو حكم بإبطال انتخابه، وعلى وزير الداخلية أن يعلن الحلّ بقرار يصدر عنه خلال مدّة أسبوع على الأكثر من تاريخ تبليغ وزارة الداخلية بذلك، وإلا اعتُبر سكوته بمثابة قرار إعلان ضمنيّ بالحلّ”.

التهميش السياسي لطرابلس: تحديات تفكّك الهيكل البلدي وتغيّب المشاريع التنموية

التحييد السياسي والجغرافي النسبي لمدينة طرابلس عن العاصمة اللبنانية بيروت ومراكز القرار، جعلها عرضةً لأن تكون ساحة للصراع بين الأحزاب المهيمنة في المدينة، ما انعكس في تعطيل الإدارات العامة، لا سيّما المجلس البلدي.

وفي هذا الصدد، يشير الدكتور سامر أنوس، الباحث في معهد طرابلس لدراسة السياسات، إلى “أن هذا التأثير يعود إلى ولاء بعض الأعضاء السياسي لزعمائهم الذين يدعمونهم للوصول إلى المناصب”، وبالتالي تنعكس الإشكالات الخارجية على عمل المجلس البلدي.

 ويضيف أنوس أن “السبب الثاني يكمن في غياب الخطط التنموية والبرامج المتكاملة في كثير من المجالس البلدية. ويرجّح السبب في عدم القدرة على تنفيذ المهام البسيطة مثل إصلاح الطرقات، إلى شح الموارد المالية في المجالس البلدية”.

 كما يرى أن للمركزيّة دوراً مؤثراً، بحيث أن الإيرادات تذهب إلى وزارة المالية، التي بدورها تحدِّد أولوياتها”. وكون بلدية طرابلس جزءاً من اتحاد بلديات الفيحاء، يتم تحويل جزء كبير من الإيرادات مباشرة إلى الشركات الخاصة التي تتولى أعمالاً مثل جمع النفايات ومعالجتها، ما يزيد من أعباء المجالس البلدية مع عدم قدرتها على الرفض أو التعديل في دفاتر الشروط. ويكشف أنوس أن هناك مشاريع كبرى ينفّذها مجلس الإنماء والإعمار في المنطقة، مثل محطة تكرير المياه، وهي أعمال مستمرة منذ أكثر من 15 إلى 20 سنة، و”لم تنته حتّى اليوم”.

ومع التمديد للمجالس البلدية وإعادة تعيين الدكتور رياض يمق رئيساً للمجلس البلدي في طرابلس، بقرار من مجلس شورى الدولة، يؤكّد أنوس أن المجلس الحالي لا يزال يواجه الصراعات والمناكفات السياسية السابقة نفسها، مشدداً على أن دور البلدية بات غائباً.

من جهته، يؤكد البروفسور المهندس وعضو بلدية طرابلس خالد تدمري، أن أثر تمديد المجالس البلدية يختلف بين مدينة وأخرى، “فبالنسبة الى البلديات المنحلّة مثل بلدية الميناء أو غيرها من المناطق اللبنانية، هو  كارثي”. أما بالنسبة الى بلدية طرابلس فيشير  إلى”أن المجلس البلدي فيها لا يزال ملتئماً على الرغم من بعض التعثرات”.  لكنه لا يستبعد أن المجلس البلدي في طرابلس بحاجة إلى دماء جديدة ورؤى مبتكرة على اعتبار أن اللجان في البلدية لم تعد فعّالة كما كانت سابقاً”.

وفي هذا الإطار، يشرح البروفسور تدمري، أن الوضع الاقتصادي والمالي العام في لبنان يعيق المجالس البلدية عن وضع وتنفيذ رؤى طويلة المدى، إلا إذا كانت هناك شراكة مع القطاع الخاص. ويتابع قائلاً: “إن طرابلس ليست استثناءً، فهي تعاني من مشاكل عدة أبرزها تدني مستوى المعيشة بالإضافة إلى استضتافتها عدداً هائلاً من النازحين، يصل عددهم إلى ثلث السكان الأصليين، ما يؤثر على البنية التحتية والخدمات”. هذا عدا عن تناقص الكادر البشري في مجالسها البلدية بسبب التقاعد أو الأزمة المالية، ما أضعف الأداء البلدي بشكل كبير، وهو ما يحمّل مسؤوليته إلى الجهاز الإداري الحكومي بكامله وليس البلديات.

أما المدير التنفيذي لشبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية، زياد عبد الصمد، فيؤكد  أن دور البلديات أساسي في العملية التنموية، مشيراً إلى أن تحقيق التوازن- بوجود وحدات لا مركزية قادرة على لعب دور محوري- بين الريف والمدينة، يعدّ أمراً جوهرياً.

ويشير عبد الصمد إلى أن اللامركزية في التنمية، وبخاصة الإنماء المتوازن، هو “مادة دستورية أقرها اتفاق الطائف”، إذ يعزز حقوق الإنسان ويضمن تحقيق التنمية المتوازنة بين المناطق. وفي ما يتعلق بالأزمة الحالية في لبنان، يوضح عبد الصمد أن “البلاد تمر بأزمة تتطلب مقاربة تنموية مختلفة تأخذ بالاعتبار احتياجات المجتمعات المحلية ومشاركتها في تحديد الأولويات”، مشدّداً على أن “التجديد لمجالس البلديات يمثل “جريمة بحق المجتمعات”.

وفي هذا الصدد، يوضح أن أكثر من “10 إلى 15 في المئة من البلديات معطلة بسبب استقالات المجالس البلدية”، وأن “أكثر من 40 في المئة من البلديات تعاني من مشاكل داخلية وصعوبات”، ما يعني أن “أكثر من 50 في المئة من البلديات عملها غير منتظم”، محذّراً من أن هذه الأزمة قد تدفع السكان إلى الهجرة من الريف إلى المدينة، وبالتالي الضغط على الخدمات العامة فيها.

ويختم عبد الصمد بالتأكيد على “ضرورة إجراء الانتخابات البلدية من دون تأجيل”، مشدداً على أهمية تطبيق ما تم الاتفاق عليه في الطائف بشأن الإنماء المتوازن وإعادة النظر في التنظيم الإداري في لبنان وإقرار قانون اللامركزية الإدارية الموسعة.

"درج"
لبنان
26.06.2024
زمن القراءة: 7 minutes

بدلاً من البحث عن حلول للأزمة، تواصل الأحزاب السياسية الطائفية دورها في تعزيز النظام الزبائني وتفكيك المرافق والإدارات العامة بهدف تحقيق منافع وفيرة على حساب المصلحة العامة.

“يُنشر هذا التقرير في “درج” بالتعاون مع المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية DRI، ضمن مشروع الأصوات المستقلّة: دعم صناعة المحتوى المبتكر والمتمحور حول المواطنين والمواطنات في الإعلام اللبناني”.

تعاني السلطات اللامركزية، البلديات واتحاداتها، من نقص حاد في التمويل. إذ لعبت عوامل عدة مترافقة مع الأزمة الاقتصادية والمالية المستمرة دوراً كبيراً في تقييد وتقليص قدرتها على توفير الخدمات والتخطيط لمشاريع طويلة الأمد. وما زاد الأمر سوءاً هو تحميل البلديات والاتحادات عبء التعامل مع أزمة “اللجوء السوري” في لبنان في ظل غياب تام لأي خطة وطنية لمعالجة القضية. ناهيك بانتشار وباء كوفيد-19، الذي أضاف تحدّيات اقتصادية مقلقة، ومن ثم تفجير مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، فشكّل ضربةً قاسية سلطت الضوء على ملفات عدة، لا سيّما تردّي البنى التحتية والخدمات العامة، وسط تعثّر للمساءلة والمحاسبة.

بدلاً من البحث عن حلول للأزمة، تواصل الأحزاب السياسية الطائفية دورها في تعزيز النظام الزبائني وتفكيك المرافق والإدارات العامة بهدف تحقيق منافع وفيرة على حساب المصلحة العامة. إلى جانب استمرارها في مصادرة حقوق المواطنين/ات، من نهب أموالهم/ن في المصارف إلى مصادرة أصواتهم/ن ومنعهم/ن من ممارسة حقهم/ن الدستوري والديمقراطي في صناديق الاقتراع.

 فقد أعاد مجلس النواب في 25 نيسان/ إبريل 2024 التمديد لولاية المجالس البلدية والاختيارية للمرة الثالثة على التوالي، مكرّساً بذلك نهج الاستخفاف بالمحطات الديمقراطية والدستورية الأساسية في البلاد.

التقاسم السياسي وتهديداته في اتحاد بلديات الشقيف

ليس اتحاد بلديات الشقيف – النبطية بعيداً من واقع نظام المحاصصات السياسية، إذ تشكل التجاذبات السياسية جزءاً أساسياً من تركيبته التي يرعاها ويتقاسمها حزب الله وحركة أمل. يضم الاتحاد 29 بلدية، تسيطر حركة أمل على 18 منها، بينما يسيطر حزب الله على 11 بلدية. من المعروف أن حركة أمل احتفظت بمركزين أساسيين في الاتحاد، هما رئاسة الاتحاد ومنصب نائب الرئيس، منذ العام 2004، مقابل أن تكون رئاسة اتحاد بلديات إقليم التفاح لحزب الله.

يشهد السكان في المنطقة المذكورة غياباً للمشاريع التنموية وعرقلتها. كمعمل تكرير المياه الآسنة الذي أقيم في وادي الكفور في تسعينات القرن الماضي، والذي يشوبه الفساد، إذ يتقاضى مجلس الإنماء والإعمار كلفة صيانته السنوية التي تفوق المليون ونصف مليون دولار من دون أن يقوم بواجبه. تضاف إلى ذلك أزمة النفايات وفضائح التلزيمات التي أباحت تجارة النفايات على حساب صحة السكان.

عمليات الالتفاف حول الحلول غالباً ما تكون نتيجة للتحالفات السياسية وتقاسم الفوائد، من دون أن تلتفت إلى المصلحة العامة. يتجلى هذا بشكل واضح في أزمة النفايات في اتحاد بلديات الشقيف، التي تفاقمت منذ عام 2019 من دون حلول فعالة.

في لبنان، تقع حوكمة إدارة النفايات الصلبة على عاتق السلطات المحلية، بيد أنّ التعاون مع المواطنين ما زال يشكو من الضعف: فقد تبيّن وفقاً لمسح أجرته المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية عام 2018، أن معظم البلديات في لبنان تنظر إلى هذا التعاون على أنه “ليس بالأمر السهل”، ما يسفر عن مواجهات بين الناشطين/ات البيئيين/ات.

 ومع أن بعض السلطات المحلية تقوم بإشراك المواطنين/ات، تبقى غالبية هذه السلطات المحلية غير قادرة على تعميم مشاركة المواطنين في حوكمة النفايات الصلبة. فالتطبيق الفعال لإطار إدارة متكاملة للنفايات، ضمن استراتيجية وطنية، يتطلّب من السلطات اللامركزية الإقليمية والمحلية انتهاج سياسات تشاركية لكسب تأييد المواطنين/ات.

يشير عضو بلدية النبطية، صادق إسماعيل، إلى أن التمديد للمجلس لم يؤثر سلباً على أداء بلدية النبطية، حيث تستمر وتيرة العمل كما كانت في البداية. وينطبق الأمر نفسه على بلديات الاتحاد باستثناء بلدية واحدة منحلّة وبلديتين شهدتا استقالات بعد الانتخابات. 

وأوضح إسماعيل أن التحدي الأساسي الذي تواجهه البلديات حالياً، هو الوضع المالي. وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وانحلال السلطة المركزية، أصبحت البلديات تتحمل المزيد من الأعباء والمسؤوليات، ففي النبطية تعود نصف موارد اتحاد البلديات من الدولة والصندوق البلدي المستقل، بينما النصف الآخر من إيرادات الاتحاد نفسه.

أما بالنسبة الى ملف النفايات في بلدية النبطية، يوضح إسماعيل أن الوضع لا يشكّل أزمة حقيقية مقارنة بالقرى والمدن اللبنانية الأخرى. إلا أن الأزمة الاقتصادية وتدهور قيمة الدولار تسببا في صعوبة التزام الشركات بمهامها لناحية جمع النفايات. 

وأشار إلى أنه على رغم وجود عدد كبير من النازحين السوريين الذين يصل عددهم إلى 9000، بالإضافة إلى 3500 نازح من أهالي الشريط الحدودي، وما يرافقه من زيادة في الاستهلاك وإنتاج النفايات، إلا أن البلدية مستمرة بشكل شبه يومي بمهامها، مع توجهها الى شراء سيارتين جديدتين لجمع النفايات ودعم حملات التنظيف.

هذا وتمتلك مدينة النبطية خلية أزمة تعمل على مواجهة مختلف التحديات والأزمات، فبحسب إسماعيل “منذ عام 2006 وحتى 2024، لم تتوقف خلية الأزمة عن العمل… بدءاً بأزمة كورونا وصولاً إلى دورها الحيوي في استقبال ومساعدة العائلات النازحة من الشريط الحدودي، بفعل الحرب”.

في المقابل تشير رئيسة جمعية “نبض النبطية”، سلام بدر الدين، إلى أنه من الصعب أن يجد المجلس الحالي حلولاً للمشاكل نظراً الى وجود المصالح الحزبية نفسها. فالمشاريع التنموية في منطقة النبطية، بحسب ما تلفت بدر الدين، مرتبطة بشكل كبير بالأحزاب السياسية، التي تتصارع على المغانم. وتضيف: “لم نجد حلاً لمشكلة النفايات أو لمشروع جر المياه من نبع الطاسة. كلما حاولوا تنفيذ مشروع، يتنازعون على الحصص والمحاصصة، ونحن من يدفع الثمن. لدينا معمل للفرز، لكنه مُعطل ومتروك للصدأ بسبب النزاعات حول حقوق الفرز. يجلبون لنا نفايات من مناطق بعيدة ويكدسونها في مكبنا بذريعة وجود معمل فرز، في حين أن المعمل لا يعمل.”

وتتابع: “حاولنا توثيق هذه الحالة، لكننا واجهنا منعاً من الوصول، إذ وضعوا حارساً مسلحاً لمنع أي اقتراب من الموقع”.

تؤكد بدر الدين أن للمحاصصات السياسية تأثيراً سلبياً ، إذ يتبع “رئيس اتحاد البلديات لحركة أمل، فيما رئيس البلدية لحزب الله، وعلى الرغم من التوافق الظاهري، إلا أن الصراعات تظهر بعد فترة قصيرة، ما يعطل المشاريع التنموية”. وتختم قائلة إن هناك حاجة ملحة الى تغيير جذري في إدارة البلديات للخروج من “الوضع المزري”.

المادة 23 من قانون البلديات الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم1181977

“يعتبر المجلس البلدي منحلاً حكماً إذا فقد نصف أعضائه على الأقّل أو حكم بإبطال انتخابه، وعلى وزير الداخلية أن يعلن الحلّ بقرار يصدر عنه خلال مدّة أسبوع على الأكثر من تاريخ تبليغ وزارة الداخلية بذلك، وإلا اعتُبر سكوته بمثابة قرار إعلان ضمنيّ بالحلّ”.

التهميش السياسي لطرابلس: تحديات تفكّك الهيكل البلدي وتغيّب المشاريع التنموية

التحييد السياسي والجغرافي النسبي لمدينة طرابلس عن العاصمة اللبنانية بيروت ومراكز القرار، جعلها عرضةً لأن تكون ساحة للصراع بين الأحزاب المهيمنة في المدينة، ما انعكس في تعطيل الإدارات العامة، لا سيّما المجلس البلدي.

وفي هذا الصدد، يشير الدكتور سامر أنوس، الباحث في معهد طرابلس لدراسة السياسات، إلى “أن هذا التأثير يعود إلى ولاء بعض الأعضاء السياسي لزعمائهم الذين يدعمونهم للوصول إلى المناصب”، وبالتالي تنعكس الإشكالات الخارجية على عمل المجلس البلدي.

 ويضيف أنوس أن “السبب الثاني يكمن في غياب الخطط التنموية والبرامج المتكاملة في كثير من المجالس البلدية. ويرجّح السبب في عدم القدرة على تنفيذ المهام البسيطة مثل إصلاح الطرقات، إلى شح الموارد المالية في المجالس البلدية”.

 كما يرى أن للمركزيّة دوراً مؤثراً، بحيث أن الإيرادات تذهب إلى وزارة المالية، التي بدورها تحدِّد أولوياتها”. وكون بلدية طرابلس جزءاً من اتحاد بلديات الفيحاء، يتم تحويل جزء كبير من الإيرادات مباشرة إلى الشركات الخاصة التي تتولى أعمالاً مثل جمع النفايات ومعالجتها، ما يزيد من أعباء المجالس البلدية مع عدم قدرتها على الرفض أو التعديل في دفاتر الشروط. ويكشف أنوس أن هناك مشاريع كبرى ينفّذها مجلس الإنماء والإعمار في المنطقة، مثل محطة تكرير المياه، وهي أعمال مستمرة منذ أكثر من 15 إلى 20 سنة، و”لم تنته حتّى اليوم”.

ومع التمديد للمجالس البلدية وإعادة تعيين الدكتور رياض يمق رئيساً للمجلس البلدي في طرابلس، بقرار من مجلس شورى الدولة، يؤكّد أنوس أن المجلس الحالي لا يزال يواجه الصراعات والمناكفات السياسية السابقة نفسها، مشدداً على أن دور البلدية بات غائباً.

من جهته، يؤكد البروفسور المهندس وعضو بلدية طرابلس خالد تدمري، أن أثر تمديد المجالس البلدية يختلف بين مدينة وأخرى، “فبالنسبة الى البلديات المنحلّة مثل بلدية الميناء أو غيرها من المناطق اللبنانية، هو  كارثي”. أما بالنسبة الى بلدية طرابلس فيشير  إلى”أن المجلس البلدي فيها لا يزال ملتئماً على الرغم من بعض التعثرات”.  لكنه لا يستبعد أن المجلس البلدي في طرابلس بحاجة إلى دماء جديدة ورؤى مبتكرة على اعتبار أن اللجان في البلدية لم تعد فعّالة كما كانت سابقاً”.

وفي هذا الإطار، يشرح البروفسور تدمري، أن الوضع الاقتصادي والمالي العام في لبنان يعيق المجالس البلدية عن وضع وتنفيذ رؤى طويلة المدى، إلا إذا كانت هناك شراكة مع القطاع الخاص. ويتابع قائلاً: “إن طرابلس ليست استثناءً، فهي تعاني من مشاكل عدة أبرزها تدني مستوى المعيشة بالإضافة إلى استضتافتها عدداً هائلاً من النازحين، يصل عددهم إلى ثلث السكان الأصليين، ما يؤثر على البنية التحتية والخدمات”. هذا عدا عن تناقص الكادر البشري في مجالسها البلدية بسبب التقاعد أو الأزمة المالية، ما أضعف الأداء البلدي بشكل كبير، وهو ما يحمّل مسؤوليته إلى الجهاز الإداري الحكومي بكامله وليس البلديات.

أما المدير التنفيذي لشبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية، زياد عبد الصمد، فيؤكد  أن دور البلديات أساسي في العملية التنموية، مشيراً إلى أن تحقيق التوازن- بوجود وحدات لا مركزية قادرة على لعب دور محوري- بين الريف والمدينة، يعدّ أمراً جوهرياً.

ويشير عبد الصمد إلى أن اللامركزية في التنمية، وبخاصة الإنماء المتوازن، هو “مادة دستورية أقرها اتفاق الطائف”، إذ يعزز حقوق الإنسان ويضمن تحقيق التنمية المتوازنة بين المناطق. وفي ما يتعلق بالأزمة الحالية في لبنان، يوضح عبد الصمد أن “البلاد تمر بأزمة تتطلب مقاربة تنموية مختلفة تأخذ بالاعتبار احتياجات المجتمعات المحلية ومشاركتها في تحديد الأولويات”، مشدّداً على أن “التجديد لمجالس البلديات يمثل “جريمة بحق المجتمعات”.

وفي هذا الصدد، يوضح أن أكثر من “10 إلى 15 في المئة من البلديات معطلة بسبب استقالات المجالس البلدية”، وأن “أكثر من 40 في المئة من البلديات تعاني من مشاكل داخلية وصعوبات”، ما يعني أن “أكثر من 50 في المئة من البلديات عملها غير منتظم”، محذّراً من أن هذه الأزمة قد تدفع السكان إلى الهجرة من الريف إلى المدينة، وبالتالي الضغط على الخدمات العامة فيها.

ويختم عبد الصمد بالتأكيد على “ضرورة إجراء الانتخابات البلدية من دون تأجيل”، مشدداً على أهمية تطبيق ما تم الاتفاق عليه في الطائف بشأن الإنماء المتوازن وإعادة النظر في التنظيم الإداري في لبنان وإقرار قانون اللامركزية الإدارية الموسعة.

"درج"
لبنان
26.06.2024
زمن القراءة: 7 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية