fbpx

الجرحى الفلسطينيون في مصر : شهادات حول سوء معاملة ومنع الزيارات والمساعدات 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من خلال التواصل مع عدد من المصابين الفلسطينيين في الحرب الاسرائيلية على غزة والموجودين فى المستشفيات المصرية، حاولنا تبيان حقيقة الظروف المحيطة بهؤلاء وهنا شهادات بعضهم

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

استقبلت الحكومة المصرية منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أعداداً كبيرة من الفلسطينيين النازحين من غزة. وكشفت عن تفاصيل استقبال حالات المرضى والمصابين في المستشفيات والتكفّل بعلاجهم وتوفير الموارد الطبية اللازمة بدعم من المنظمات الدولية. لكن بين رحابة الحكومة وتصريحات أجهزة الدولة الرسمية، والمدنيين المتطوعين لمساعدة الحالات الموجودة في المستشفيات، تضاربت الحقائق. 

تؤكد الحكومة أن القطاع الطبي على أتمّ الاستعداد لتقديم الدعم المطلوب. كذلك، تشير المنظمات الدولية إلى تقديمها مساعدات نقدية وعينية إلى مصر لمعاونة الحكومة على توفير الإمدادت المطلوبة. لكن على الجانب الآخر، تفيد شهادات المتطوعين المدنيين بوجود أشكال عدة للمعاناة التي يواجهها الفلسطينيون في المستشفيات المصرية. 

من خلال التواصل مع عدد من المصابين الفلسطينيين فى المستشفيات المصرية وناشطين ومتطوعين مصريين للمساعدة، حاولنا تبيان حقيقة الظروف المحيطة من استقبال ورعاية صحية ودعم نفسي، واستُبدلت غالبية أسماء الشهود بأسماء مستعارة حرصاً على سلامتهم الأمنية.

بين ما يقوله المسؤولون وأرض الواقع

صرّح المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية حسام عبد الغفار(في تصريح لوكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية وفا) في 1 آذار/ مارس 2024، عن تشكيل وزارة الصحة لجنة طبية متخصصة لمتابعة الأحداث واستقبال الحالات الوافدة من غزة، ووجود خطة وضعتها الوزارة للتعامل مع الجانب الصحي ومتابعة تقسيم المستشفيات حسب القطاعات، إضافة الى الكشف الطبي عن 42 ألف فلسطيني من أصل 48 ألفاً مروا عبر معبر رفح، حتى الثالث والعشرين من الشهر الماضي، وأن الإصابات كافة الموجودة في المستشفيات حالتها خطيرة.

كما أوضح أن صعوبة بعض الإصابات تستدعي مكوثها في المستشفيات لفترة طويلة، كما أنها في غالبيتها تحتاج إلى طواقم طبية متخصصة، وأن عدد الأطفال والنساء يشكل 60 في المئة من إجمالي الحالات. وأضاف أن الجرحى الفلسطينيين يتلقون العلاج في 86 مستشفى داخل الأراضي المصرية، مشيراً إلى الاستعدادات الطبية الخاصة الدائمة عند المعبر، حيث يوجد أكثر من 150 سيارة إسعاف مقسمة بين محيط معبر رفح ومستشفيات شمال سيناء. 

وعلى رغم ذكر عبد الغفار تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسي وزارة الصحة بتقديم المساعدات كافة والدعم للفلسطينيين، بخاصة في قطاع غزة، إلا أن الشهادات نفت ما صرحت به الحكومة سابقاً عن الترتيبات والاستعدادات الخاصة التي قامت بها وزارة الصحة لعلاج الفلسطينيين في مصر. 

تقول مريم (متطوعة مصرية) إن الحالات الموجودة في مستشفيات مصرية كثيرة لا تحصل على الرعاية الطبية الكافية. فعندما ازدادت أعداد النازحين بدأ عدد حالات مرضى السرطان يصبح أكثر وضوحاً. لكنهم في غالبيتهم يُعزلون عن العالم الخارجي كُل في عنبره أو بين أروقة المستشفى إذا كان محظوظًا، ولا يتم تأمين جلسات الكيماوي لهم أو حتى توفير الدواء المطلوب لتسكين الآلام المصاحبة.

وبسبب خطورة مرض السرطان وما يتطلبه من تدخل طبي سريع، بخاصة إذا كان المريض بالفعل مصاباً جسدياً من الحرب، وضرورة توفير جلسات الكيماوي في أسرع وقت، حاولنا التواصل مع أفراد يتوسطون بيننا وبين الجهات المسؤولة لإعلامهم بأهمية سرعة توفير الدواء المطلوب، لكن تم تهديدنا والوسطاء، وطلبت منهم جهات رسمية البقاء بعيداً عن الموضوع. وخوفاً من أن يتعرض المرضى للمضايقات، قررنا الابتعاد والتوقف عن محاولة المساعدة.

وخلافاً لما جاء في بيان صادر عن المديرة الإقليمية للشرق الأوسط بمنظمة الصحة العالمية في 22 آذار الماضي، أفادت معلومات بتقديم المنظمة تدريبات لطواقم طبية مصرية، وتوفير أدوية ومستلزمات طبية تزيد قيمتها على مليون دولار أميركي. ومن هذه الإمدادات، لوازم علاج الإصابات المختلفة، وإمدادات الدم، وعقاقير التخدير والمعدات الطبية، ولوازم التعقيم الصحي. 

وفيما هناك حالات صعبة جداً بين النازحين من غزة إلى الجانب المصري، تجعلهم بحاجة ماسة إلى العلاجات بجميع أنواعها سواء للأمراض الورمية أو غيرها من الأمراض المزمنة، أشارت شهادات الى أن المستشفيات لا يتوافر فيها أبسط المعدات لاستقبال مثل هذه الحالات. 

تتحدث سلمى (متطوعة مصرية) عن هذا العجز في الإمدادات الطبية  قائلة: “سألنا إدارة المستشفى عن الأدوية الضرورية والنواقص الطبية حتى نحضرها، فطلبت منا إدارة أجهزة لقياس الضغط والسكر”. وفي حالة أخرى، قال الأطباء للمريض إن دواءه غير موجود وليس في استطاعتهم الحصول عليه.

تضيف أمينة (فلسطينية مرافقة): “طلبت منا إدارة المستشفى شراء الدواء سراً من خارج المستشفى لعدم توافره لديها”، ما يدل على أن أبسط المواد الطبية التي يمكن الحصول عليها في صيدلية، لا تتوافر في مستشفيات مجهّزة ومموّلة من الحكومة والمنظمات الدولية.

حصار ما بعد الحصار 

يتحدث أمين (متطوع مصري) عن المعوقات التى تحول دون تقديم الدعم اللازم للمصابين قائلاً: ” يحول التضييق الذي تقوم به الأجهزة الأمنية فى مصر دون تقديم الدعم اللازم، فعلى الرغم من نجاح عدد من المبادرات غير الرسمية فى جمع تبرعات عينية تلبي احتياجات عدد كبير من المصابين داخل المستشفيات المصرية، إلا أن الحكومة المصرية تفرض قيوداً كبيرة على عملية جمع التبرعات وطرق تسليمها للمصابين أو المسؤولين من الطواقم الطبية. فعلى سبيل المثال، لم نتمكن من جمع تبرعات نقدية حتى لا نقع تحت طائلة القانون، الذى يتعامل بشكل حازم مع جمع تبرعات نقدية من دون إذن أو تصريح. وفي الوقت نفسه، لم نستطع أخذ تصريح بجمع التبرعات، ما ألزمنا بجمع تبرعات عينية فقط تتمثل في ملابس وأدوية وفوط صحية، وأجبرنا من هم بحاجة الى الدعم المادي على شراء نواقص طبية ومستلزمات صحية محددة ليتم استلامها، تجنباً لوضع أنفسنا تحت طائلة القانون”.

بعد محاولة تجميع المساعدات وتقديمها الى من يحتاجها، تم تناقل أخبار بين المتطوعين تفيد بأن أفراداً من الأمن يتم نشرهم داخل وخارج مستشفيات كثيرة يوجد فيها فلسطينيون، ولا يسمح لهم بالزيارة إلا إذا كانت من أحد الفلسطينيين أو المرافقين. كذلك لا يسمح  للمرضى بالتنقل من عنبر إلى عنبر، بل وأحياناً يتم حجزهم ومنع الهواتف المحمولة عنهم، حتى الصلاة يسمح أن تقام فقط داخل إحدى ساحات أو مصليات المستشفى. 

يضيف أمين: “عرضنا على أحد المستشفيات أخذ أهالي المصابين أو المرافقين لهم في جولة حول المناطق المحيطة، ما يساعدهم في التعرف على جغرافية المكان من جهة ومساعدتهم في الخروج قليلًا من الحالة المسيطرة عليهم نتيجة الحرب والموت وأجواء المستشفيات من جهة أخرى، لكن العرض رُفض من أفراد الأمن وإدارة المستشفى”. 

يتابع أمين: “في النهاية وبعيداً من المساعدة العينية، لم نتمكن حتى من تقديم الدعم النفسي أو مؤازرة الأهالي والمرافقين للحالات في المستشفيات، بسبب سيطرة رجال الأمن المصري عليها ومنع التواصل بيننا كمتطوعين، ومن بينهم حالات بحاجة ماسة الى تلك المساعدة.

يروي لنا قاسم، وهو أحد المتطوعين المصريين، “أن أفراد الأمن رفضوا دخول مجموعة من المتطوعين لزيارة مصابين فلسطينيين، فأصرّ المتطوعون على ترك المساعدات ليتم توزيعها. بدأ الأمن في التضييق عليهم وطرح الأسئلة عن أسباب الزيارة ومصدر المساعدات. بعدها، طلبوا من أحدهم بطاقة الهوية الشخصية ليقوم أحد أمناء الشرطة بتصويرها”.

يلفت قاسم قائلاً: “بعد زيارة المجموعة السابقة، قررنا التحايل على أفراد الأمن قائلين إننا جئنا لزيارة مرضى آخرين من غير الفلسطينيين. الأزمة الأكبر في ذلك المستشفى تحديداً أنهم كانوا يقدمون وجبة واحدة في اليوم لكل مريض، لذلك أصررنا على محاولة تجميع ما يمكن من مساعدات من ملابس وطعام، واضطررنا للتحايل لإدخالها”.

يتابع قاسم: “انطلاقاً مما واجهناه، تغيرت استراتيجياتنا في الحصول على المعلومات عن عدد الحالات واحتياجاتها، فبدلاً من السؤال عن عدد المرضى واحتياجاتهم في كل مستشفى، أصبحنا نعتمد على ما يأتينا من معلومات داخلية سراً من أحد الأطباء مثلاً، أو أن يخبر المرضى بعضهم ثم يصل الخبر الى أحد المتطوعين، أو نعرف مصادفة من أحد المرضى أن له قريباً في مستشفى آخر بحاجة الى هذه المساعدات أو الأدوية أكثر منه”. وغير ذلك،  لا توجد أي طريقة أخرى للتواصل أو معرفة احتياجات المرضى والمصابين وتقديم أي نوع من أنواع المساعدة لهم، خوفاً من تعدّي أجهزة الأمن على سلامة الكل.

وبحسب شهادات وثقتها منصة اللاجئين في مصر عن وضع المصابين الفلسطينيين في المستشفيات المصرية ” فغالباً ما يتم يتم الجرحى الفلسطينيين داخل أدوار مخصصة لهم أو مباني منعزلة….ورصدت المنصة خلال إعداد التقرير تواجدا أمنيا مكثفا داخل المبانى والممرات وأمام غرف المصابين الفلسطينيين وهو الأمر غير المعهود داخل أماكن الرعاية الطبية وكذلك الميل للتكتم على وجود هؤلاء المصابين داخل تلك المستشفيات وعدم السماح بالزيارات العامة لهم…..

أضاف التقرير ” أبلغ عدد من المصابين عن مصادرة وثائقهم المدنية، بما في ذلك بطاقات الهجرة الخاصة بهم من قبل السلطات المصرية. وتحتفظ إدارات المستشفيات بهذه الوثائق بسبب القيود المفروضة على حرية تنقلهم…. مما يجعل من المستحيل عليهم مغادرة مباني المستشفى لشراء الإمدادات الأساسية أو حتى تلقي زيارات من العائلة أو الأصدقاء دون موافقة مسبقة من السلطات المصرية”.

من جهتها، أكدت أمينة (فلسطينية مرافقة) في شهادتها هذا الحصار الأمني قائلة: “منعتنا إدارة المستشفى من الخروج من عنابرنا، بحجة أنها تعليمات من السفارة الفلسطينية. لاحقاً، نفى مندوب السفارة الفلسطينية ذلك، ليتبيّن أن إدارة المستشفى تأخذ تعليماتها من الأمن الوطني”. 

وأضافت: “سمحوا بالزيارات للأقرباء من الدرجة الأولى فقط، وغير ذلك لا يُسمح لهم بالزيارة ولا حتى توصيل ما تبرعوا به أو أتوا به من أغراض أساسية وبسيطة مثل الدواء والفوط الصحية للنساء أو بعض الملابس الداخلية والجوارب. في إحدى المرات، حاول أطباء وممرضون تمرير ما استطاعوا من مساعدات، إلا أنهم عوقبوا من إدارة المستشفى”.

في تجربة مختلفة قليلاً عما سبق، يقول ماجد الذي زار أحد المستشفيات، إنهم كانوا يتوقعون مواقف مشابهة ومنعهم من الزيارة أو تقديم المساعدات، لكنهم تفاجأوا حين قوبل هو ومن معه بالترحيب من أفراد الأمن والطاقم الطبي. وقام أفراد الأمن بمعاونة المتطوعين في توزيع المساعدات على الفلسطينيين الموجودين في ذلك المستشفى الذي قصدوه، وسمحوا لهم بالزيارة شرط ألا تزيد عن ربع الساعة.

يضيف ماجد: “أخذني أحد أفراد الأمن إلى مستودع داخل المستشفى ليريني الموارد والتبرعات المقدمة للفلسطينيين من ألعاب أطفال إلى مساعدات عينية وأدوية، موضحاً أنهم لا يحتاجون إلى تبرعاتنا، ولا داعي لتكرار الزيارة مرة أخرى، سألته عن سبب تكدس التبرعات بالمستودع بدلاً من توزيعها، ليرد بأنه لم يحن الوقت بعد. لاحقاً علمت أن التبرعات توزَّع على دفعات، وأحياناً أخرى لا تصل إطلاقاً الى الحالات التي تحتاجها”.

الناشطة والحقوقية المصرية المعروفة ماهينور المصري والتي تابعت هذا الملف منذ بداياته تقول في مقابلة مع “درج”: “على الرغم من حظي الجيد في تجربتي لزيارة أحدى المستشفيات والسماح لنا ولآخرين بالزيارة وتقديم يد العون ومؤازرة المصابين ومرافقيهم، إلا أن هناك تجارب أخرى لدى اصدقاء كثر ذهبوا إلى مستشفيات أخرى وواجهوا صعوبات كبيرة في زيارتهم. تلك التجارب أيضًا وجدت أن الدعم الطبي والصحي المقدم لا يوفي المصابين علاجهم، وهذا شيء ليس بالمفاجيء نظرًا لأننا كمصريين نواجه أيضًا نفس الصعوبات في الحصول على دعم مناسب من قبل المنظومة الصحية المصرية، لكن بالإضافة إلى إفتقارهم للإمدادات المناسبة يواجه المصابون معاملة مجحفة، حيث يتم منع حركتهم داخل وخارج المشفى، في نهاية الأمر هم ليسوا بمساجين لذا يتوجب فك القيود على حركتهم”
أضافت ماهينور ” اضطر الكثير ممن نجحوا في توصيل المساعدات إلى التحايل على الطواقم العاملة بالمستشفيات ليستطيعوا الدخول”. وأوضحت ماهينور أنه سواء المصابين أو مرافقيهم، فكلهم يحتاجون إلى دعم نفسي وطبي عاجل. “أغلب المصابين أو حتى إن كان معهم مرافقين فهم وحدهم في مصر، لذا يتوجب إيصال رسالة واضحة بأننا موجودين وبجانبهم لتقديم الدعم والمساعدة. ولن يحدث هذا إلا عن طريق السماح لهم بالحركة والسماح لنا بتقديم الدعم المناسب من مساعدات ودعم نفسي”

في ظل الصعوبات التي يواجهها المتبرعون والمتطوعون للدخول الى المستشفيات والتواصل المباشر مع المصابين، ناهيك بالوقائع السلبية السابق ذكرها، اضطروا إلى اتخاذ أقصى درجات الحذر، فيما انسحب متطوعون كثر بسبب صعوبة تقديم المساعدة اللازمة، بخاصة بعد حملات الاعتقال الواسعة، وزيادة أعداد الحالات الواصلة الى المستشفيات.

01.06.2024
زمن القراءة: 8 minutes

من خلال التواصل مع عدد من المصابين الفلسطينيين في الحرب الاسرائيلية على غزة والموجودين فى المستشفيات المصرية، حاولنا تبيان حقيقة الظروف المحيطة بهؤلاء وهنا شهادات بعضهم


استقبلت الحكومة المصرية منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أعداداً كبيرة من الفلسطينيين النازحين من غزة. وكشفت عن تفاصيل استقبال حالات المرضى والمصابين في المستشفيات والتكفّل بعلاجهم وتوفير الموارد الطبية اللازمة بدعم من المنظمات الدولية. لكن بين رحابة الحكومة وتصريحات أجهزة الدولة الرسمية، والمدنيين المتطوعين لمساعدة الحالات الموجودة في المستشفيات، تضاربت الحقائق. 

تؤكد الحكومة أن القطاع الطبي على أتمّ الاستعداد لتقديم الدعم المطلوب. كذلك، تشير المنظمات الدولية إلى تقديمها مساعدات نقدية وعينية إلى مصر لمعاونة الحكومة على توفير الإمدادت المطلوبة. لكن على الجانب الآخر، تفيد شهادات المتطوعين المدنيين بوجود أشكال عدة للمعاناة التي يواجهها الفلسطينيون في المستشفيات المصرية. 

من خلال التواصل مع عدد من المصابين الفلسطينيين فى المستشفيات المصرية وناشطين ومتطوعين مصريين للمساعدة، حاولنا تبيان حقيقة الظروف المحيطة من استقبال ورعاية صحية ودعم نفسي، واستُبدلت غالبية أسماء الشهود بأسماء مستعارة حرصاً على سلامتهم الأمنية.

بين ما يقوله المسؤولون وأرض الواقع

صرّح المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية حسام عبد الغفار(في تصريح لوكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية وفا) في 1 آذار/ مارس 2024، عن تشكيل وزارة الصحة لجنة طبية متخصصة لمتابعة الأحداث واستقبال الحالات الوافدة من غزة، ووجود خطة وضعتها الوزارة للتعامل مع الجانب الصحي ومتابعة تقسيم المستشفيات حسب القطاعات، إضافة الى الكشف الطبي عن 42 ألف فلسطيني من أصل 48 ألفاً مروا عبر معبر رفح، حتى الثالث والعشرين من الشهر الماضي، وأن الإصابات كافة الموجودة في المستشفيات حالتها خطيرة.

كما أوضح أن صعوبة بعض الإصابات تستدعي مكوثها في المستشفيات لفترة طويلة، كما أنها في غالبيتها تحتاج إلى طواقم طبية متخصصة، وأن عدد الأطفال والنساء يشكل 60 في المئة من إجمالي الحالات. وأضاف أن الجرحى الفلسطينيين يتلقون العلاج في 86 مستشفى داخل الأراضي المصرية، مشيراً إلى الاستعدادات الطبية الخاصة الدائمة عند المعبر، حيث يوجد أكثر من 150 سيارة إسعاف مقسمة بين محيط معبر رفح ومستشفيات شمال سيناء. 

وعلى رغم ذكر عبد الغفار تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسي وزارة الصحة بتقديم المساعدات كافة والدعم للفلسطينيين، بخاصة في قطاع غزة، إلا أن الشهادات نفت ما صرحت به الحكومة سابقاً عن الترتيبات والاستعدادات الخاصة التي قامت بها وزارة الصحة لعلاج الفلسطينيين في مصر. 

تقول مريم (متطوعة مصرية) إن الحالات الموجودة في مستشفيات مصرية كثيرة لا تحصل على الرعاية الطبية الكافية. فعندما ازدادت أعداد النازحين بدأ عدد حالات مرضى السرطان يصبح أكثر وضوحاً. لكنهم في غالبيتهم يُعزلون عن العالم الخارجي كُل في عنبره أو بين أروقة المستشفى إذا كان محظوظًا، ولا يتم تأمين جلسات الكيماوي لهم أو حتى توفير الدواء المطلوب لتسكين الآلام المصاحبة.

وبسبب خطورة مرض السرطان وما يتطلبه من تدخل طبي سريع، بخاصة إذا كان المريض بالفعل مصاباً جسدياً من الحرب، وضرورة توفير جلسات الكيماوي في أسرع وقت، حاولنا التواصل مع أفراد يتوسطون بيننا وبين الجهات المسؤولة لإعلامهم بأهمية سرعة توفير الدواء المطلوب، لكن تم تهديدنا والوسطاء، وطلبت منهم جهات رسمية البقاء بعيداً عن الموضوع. وخوفاً من أن يتعرض المرضى للمضايقات، قررنا الابتعاد والتوقف عن محاولة المساعدة.

وخلافاً لما جاء في بيان صادر عن المديرة الإقليمية للشرق الأوسط بمنظمة الصحة العالمية في 22 آذار الماضي، أفادت معلومات بتقديم المنظمة تدريبات لطواقم طبية مصرية، وتوفير أدوية ومستلزمات طبية تزيد قيمتها على مليون دولار أميركي. ومن هذه الإمدادات، لوازم علاج الإصابات المختلفة، وإمدادات الدم، وعقاقير التخدير والمعدات الطبية، ولوازم التعقيم الصحي. 

وفيما هناك حالات صعبة جداً بين النازحين من غزة إلى الجانب المصري، تجعلهم بحاجة ماسة إلى العلاجات بجميع أنواعها سواء للأمراض الورمية أو غيرها من الأمراض المزمنة، أشارت شهادات الى أن المستشفيات لا يتوافر فيها أبسط المعدات لاستقبال مثل هذه الحالات. 

تتحدث سلمى (متطوعة مصرية) عن هذا العجز في الإمدادات الطبية  قائلة: “سألنا إدارة المستشفى عن الأدوية الضرورية والنواقص الطبية حتى نحضرها، فطلبت منا إدارة أجهزة لقياس الضغط والسكر”. وفي حالة أخرى، قال الأطباء للمريض إن دواءه غير موجود وليس في استطاعتهم الحصول عليه.

تضيف أمينة (فلسطينية مرافقة): “طلبت منا إدارة المستشفى شراء الدواء سراً من خارج المستشفى لعدم توافره لديها”، ما يدل على أن أبسط المواد الطبية التي يمكن الحصول عليها في صيدلية، لا تتوافر في مستشفيات مجهّزة ومموّلة من الحكومة والمنظمات الدولية.

حصار ما بعد الحصار 

يتحدث أمين (متطوع مصري) عن المعوقات التى تحول دون تقديم الدعم اللازم للمصابين قائلاً: ” يحول التضييق الذي تقوم به الأجهزة الأمنية فى مصر دون تقديم الدعم اللازم، فعلى الرغم من نجاح عدد من المبادرات غير الرسمية فى جمع تبرعات عينية تلبي احتياجات عدد كبير من المصابين داخل المستشفيات المصرية، إلا أن الحكومة المصرية تفرض قيوداً كبيرة على عملية جمع التبرعات وطرق تسليمها للمصابين أو المسؤولين من الطواقم الطبية. فعلى سبيل المثال، لم نتمكن من جمع تبرعات نقدية حتى لا نقع تحت طائلة القانون، الذى يتعامل بشكل حازم مع جمع تبرعات نقدية من دون إذن أو تصريح. وفي الوقت نفسه، لم نستطع أخذ تصريح بجمع التبرعات، ما ألزمنا بجمع تبرعات عينية فقط تتمثل في ملابس وأدوية وفوط صحية، وأجبرنا من هم بحاجة الى الدعم المادي على شراء نواقص طبية ومستلزمات صحية محددة ليتم استلامها، تجنباً لوضع أنفسنا تحت طائلة القانون”.

بعد محاولة تجميع المساعدات وتقديمها الى من يحتاجها، تم تناقل أخبار بين المتطوعين تفيد بأن أفراداً من الأمن يتم نشرهم داخل وخارج مستشفيات كثيرة يوجد فيها فلسطينيون، ولا يسمح لهم بالزيارة إلا إذا كانت من أحد الفلسطينيين أو المرافقين. كذلك لا يسمح  للمرضى بالتنقل من عنبر إلى عنبر، بل وأحياناً يتم حجزهم ومنع الهواتف المحمولة عنهم، حتى الصلاة يسمح أن تقام فقط داخل إحدى ساحات أو مصليات المستشفى. 

يضيف أمين: “عرضنا على أحد المستشفيات أخذ أهالي المصابين أو المرافقين لهم في جولة حول المناطق المحيطة، ما يساعدهم في التعرف على جغرافية المكان من جهة ومساعدتهم في الخروج قليلًا من الحالة المسيطرة عليهم نتيجة الحرب والموت وأجواء المستشفيات من جهة أخرى، لكن العرض رُفض من أفراد الأمن وإدارة المستشفى”. 

يتابع أمين: “في النهاية وبعيداً من المساعدة العينية، لم نتمكن حتى من تقديم الدعم النفسي أو مؤازرة الأهالي والمرافقين للحالات في المستشفيات، بسبب سيطرة رجال الأمن المصري عليها ومنع التواصل بيننا كمتطوعين، ومن بينهم حالات بحاجة ماسة الى تلك المساعدة.

يروي لنا قاسم، وهو أحد المتطوعين المصريين، “أن أفراد الأمن رفضوا دخول مجموعة من المتطوعين لزيارة مصابين فلسطينيين، فأصرّ المتطوعون على ترك المساعدات ليتم توزيعها. بدأ الأمن في التضييق عليهم وطرح الأسئلة عن أسباب الزيارة ومصدر المساعدات. بعدها، طلبوا من أحدهم بطاقة الهوية الشخصية ليقوم أحد أمناء الشرطة بتصويرها”.

يلفت قاسم قائلاً: “بعد زيارة المجموعة السابقة، قررنا التحايل على أفراد الأمن قائلين إننا جئنا لزيارة مرضى آخرين من غير الفلسطينيين. الأزمة الأكبر في ذلك المستشفى تحديداً أنهم كانوا يقدمون وجبة واحدة في اليوم لكل مريض، لذلك أصررنا على محاولة تجميع ما يمكن من مساعدات من ملابس وطعام، واضطررنا للتحايل لإدخالها”.

يتابع قاسم: “انطلاقاً مما واجهناه، تغيرت استراتيجياتنا في الحصول على المعلومات عن عدد الحالات واحتياجاتها، فبدلاً من السؤال عن عدد المرضى واحتياجاتهم في كل مستشفى، أصبحنا نعتمد على ما يأتينا من معلومات داخلية سراً من أحد الأطباء مثلاً، أو أن يخبر المرضى بعضهم ثم يصل الخبر الى أحد المتطوعين، أو نعرف مصادفة من أحد المرضى أن له قريباً في مستشفى آخر بحاجة الى هذه المساعدات أو الأدوية أكثر منه”. وغير ذلك،  لا توجد أي طريقة أخرى للتواصل أو معرفة احتياجات المرضى والمصابين وتقديم أي نوع من أنواع المساعدة لهم، خوفاً من تعدّي أجهزة الأمن على سلامة الكل.

وبحسب شهادات وثقتها منصة اللاجئين في مصر عن وضع المصابين الفلسطينيين في المستشفيات المصرية ” فغالباً ما يتم يتم الجرحى الفلسطينيين داخل أدوار مخصصة لهم أو مباني منعزلة….ورصدت المنصة خلال إعداد التقرير تواجدا أمنيا مكثفا داخل المبانى والممرات وأمام غرف المصابين الفلسطينيين وهو الأمر غير المعهود داخل أماكن الرعاية الطبية وكذلك الميل للتكتم على وجود هؤلاء المصابين داخل تلك المستشفيات وعدم السماح بالزيارات العامة لهم…..

أضاف التقرير ” أبلغ عدد من المصابين عن مصادرة وثائقهم المدنية، بما في ذلك بطاقات الهجرة الخاصة بهم من قبل السلطات المصرية. وتحتفظ إدارات المستشفيات بهذه الوثائق بسبب القيود المفروضة على حرية تنقلهم…. مما يجعل من المستحيل عليهم مغادرة مباني المستشفى لشراء الإمدادات الأساسية أو حتى تلقي زيارات من العائلة أو الأصدقاء دون موافقة مسبقة من السلطات المصرية”.

من جهتها، أكدت أمينة (فلسطينية مرافقة) في شهادتها هذا الحصار الأمني قائلة: “منعتنا إدارة المستشفى من الخروج من عنابرنا، بحجة أنها تعليمات من السفارة الفلسطينية. لاحقاً، نفى مندوب السفارة الفلسطينية ذلك، ليتبيّن أن إدارة المستشفى تأخذ تعليماتها من الأمن الوطني”. 

وأضافت: “سمحوا بالزيارات للأقرباء من الدرجة الأولى فقط، وغير ذلك لا يُسمح لهم بالزيارة ولا حتى توصيل ما تبرعوا به أو أتوا به من أغراض أساسية وبسيطة مثل الدواء والفوط الصحية للنساء أو بعض الملابس الداخلية والجوارب. في إحدى المرات، حاول أطباء وممرضون تمرير ما استطاعوا من مساعدات، إلا أنهم عوقبوا من إدارة المستشفى”.

في تجربة مختلفة قليلاً عما سبق، يقول ماجد الذي زار أحد المستشفيات، إنهم كانوا يتوقعون مواقف مشابهة ومنعهم من الزيارة أو تقديم المساعدات، لكنهم تفاجأوا حين قوبل هو ومن معه بالترحيب من أفراد الأمن والطاقم الطبي. وقام أفراد الأمن بمعاونة المتطوعين في توزيع المساعدات على الفلسطينيين الموجودين في ذلك المستشفى الذي قصدوه، وسمحوا لهم بالزيارة شرط ألا تزيد عن ربع الساعة.

يضيف ماجد: “أخذني أحد أفراد الأمن إلى مستودع داخل المستشفى ليريني الموارد والتبرعات المقدمة للفلسطينيين من ألعاب أطفال إلى مساعدات عينية وأدوية، موضحاً أنهم لا يحتاجون إلى تبرعاتنا، ولا داعي لتكرار الزيارة مرة أخرى، سألته عن سبب تكدس التبرعات بالمستودع بدلاً من توزيعها، ليرد بأنه لم يحن الوقت بعد. لاحقاً علمت أن التبرعات توزَّع على دفعات، وأحياناً أخرى لا تصل إطلاقاً الى الحالات التي تحتاجها”.

الناشطة والحقوقية المصرية المعروفة ماهينور المصري والتي تابعت هذا الملف منذ بداياته تقول في مقابلة مع “درج”: “على الرغم من حظي الجيد في تجربتي لزيارة أحدى المستشفيات والسماح لنا ولآخرين بالزيارة وتقديم يد العون ومؤازرة المصابين ومرافقيهم، إلا أن هناك تجارب أخرى لدى اصدقاء كثر ذهبوا إلى مستشفيات أخرى وواجهوا صعوبات كبيرة في زيارتهم. تلك التجارب أيضًا وجدت أن الدعم الطبي والصحي المقدم لا يوفي المصابين علاجهم، وهذا شيء ليس بالمفاجيء نظرًا لأننا كمصريين نواجه أيضًا نفس الصعوبات في الحصول على دعم مناسب من قبل المنظومة الصحية المصرية، لكن بالإضافة إلى إفتقارهم للإمدادات المناسبة يواجه المصابون معاملة مجحفة، حيث يتم منع حركتهم داخل وخارج المشفى، في نهاية الأمر هم ليسوا بمساجين لذا يتوجب فك القيود على حركتهم”
أضافت ماهينور ” اضطر الكثير ممن نجحوا في توصيل المساعدات إلى التحايل على الطواقم العاملة بالمستشفيات ليستطيعوا الدخول”. وأوضحت ماهينور أنه سواء المصابين أو مرافقيهم، فكلهم يحتاجون إلى دعم نفسي وطبي عاجل. “أغلب المصابين أو حتى إن كان معهم مرافقين فهم وحدهم في مصر، لذا يتوجب إيصال رسالة واضحة بأننا موجودين وبجانبهم لتقديم الدعم والمساعدة. ولن يحدث هذا إلا عن طريق السماح لهم بالحركة والسماح لنا بتقديم الدعم المناسب من مساعدات ودعم نفسي”

في ظل الصعوبات التي يواجهها المتبرعون والمتطوعون للدخول الى المستشفيات والتواصل المباشر مع المصابين، ناهيك بالوقائع السلبية السابق ذكرها، اضطروا إلى اتخاذ أقصى درجات الحذر، فيما انسحب متطوعون كثر بسبب صعوبة تقديم المساعدة اللازمة، بخاصة بعد حملات الاعتقال الواسعة، وزيادة أعداد الحالات الواصلة الى المستشفيات.

01.06.2024
زمن القراءة: 8 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية