fbpx

السيسي على غلاف أهم مجلة مصرية عن المرأة… مرتين! 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ارتأت المجلة أن تنشر وجه السيسي على غلافها، من دون أن تبالي لا بحدث مقتل شيرين الذي وصف بالاغتيال، ولا بحال النساء ضحايا العنف والاستبداد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يلتفت كثيرون إلى “الخطيئة” المهنية التي ارتكبتها مجلة “نصف الدنيا” المصرية الأسبوعية، حين نشرت صورة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على غلافها مرتين في فترة زمنية متقاربة، ربما لأن المجلة لم تعد تحقق مبيعات أو نسب قراءة عالية كما كانت في السابق. وضاعف الاستفزاز المهني، أن الصورة المنشورة هي ذاتها في المرتين، وأن المجلة مهتمة بقضايا النساء وليست سياسية، بينما كانت جميع عناوين المجلة الرئيسية في إحدى المرتين لا تمسّ المرأة أو قضاياها، لتناقض ما كانت عليه المجلة عبر تاريخها، وما صدرت لأجله في عهدها الأول. 

صدرت مجلة “نصف الدنيا” المتخصصة في قضايا المرأة، عن مؤسسة “الأهرام”، عام 1990، برئاسة تحرير الكاتبة الصحافية المصرية الأشهر في ذلك الوقت، سناء البيسي في زمن سيطر عليه رؤساء التحرير الرجال، تحت شعار “نصف الدنيا… لكل الدنيا”، وسط احتفاء كبير في الوسط الصحافي والأوساط الرسمية، لتبشّر بمجلة كبرى. 

كانت إعلانات المجلة الوليدة تُبثّ تلفزيونياً، وحقَّقت شهرة واسعة في عهد البيسي، وباتت أشهر المجلات المصرية في التسعينات، تحاور نجوماً كبار وتناقش القضايا بجرأة لا تتناسب مع كونها صادرة عن إحدى المؤسسات الحكومية، لكن هامش الحرية الصحافية سمح لها بتحطيم القيود. 

ويصف مرصد “أخبار ميتر “، المتخصص في تقييم محتوى المؤسسات الإعلامية، “نصف الدنيا” في تقرير منشور بعد 27 عاماً من صدورها، بـ”المجلة التي خسرت قراءها”، وذلك “برغم شهرتها الواسعة وقت صدورها، إلا أنها لم تعد تحظى بالقدر ذاته من التوزيع والمطالعة التى كانت تحظى به، ويعود هذا إلى عدم الاهتمام بتطوير المجلة لتواكب معطيات الحياة المصرية الحديثة، فضلاً عن عدم سعيها خلف التجديدات التكنولوجية التي قد تساهم في إتاحتها بشكل أسهل بين جمهور المصريين من القراء، هذا إلى جانب خفوت الاهتمام المصرى بالقراءة، والذى يُقلل من فرص انتشار وتوزيع المجلة”. 

يكشف التقرير جانباً من مآلات التجارب الصحفية الكبرى، التي حفلت بها القاهرة في عصور مختلفة، وفي ذلك، حال نصف “الدنيا” كحال “حواء” و”الكواكب” و”طبيبك الخاص”، المجلات التي كانت رفيقاً ومرشداً ممتعاً ومؤثراً في حياة المصريين قبل أن يصيبها الشلل المهني، وتندمج معاً في إصدار واحد تقليلاً للنفقات. 

في غياب الكفاءة في رئاسة التحرير وتراجع جودة المحتوى، وقعت مجلة “نصف الدنيا” في أخطاء مهنية، بعضها مهين للمرأة وأدى إلى مشكلات مع بعض المصادر.

السيسي غلافاً لحظة مقتل شيرين أبو عاقلة!

نشرت مجلة “نصف الدنيا” غلافي السيسي دون سبب أو محرّك مهني، برغم تزامن ذلك مع مقتل الصحافية والمراسلة التلفزيونية شيرين أبو عاقلة في غزة برصاص إسرائيلي، إضافة إلى الجدل الدائر حول قضايا الأحوال الشخصية والطلاق الشفهي والاشتباك المجتمعي الناتج عن الرؤية النسوية المقدّمة في مسلسل “فاتن أمل حربي”. لكن المجلة ارتأت أن تنشر وجه السيسي على غلافها، من دون أن تبالي لا بحدث مقتل شيرين الذي وصف بالاغتيال، ولا بحال النساء ضحايا العنف والاستبداد، لتشيرَ بذلك إلى الطريقة التي تُدار بها الصحف والمجلات في مصر، واستسلامها إلى الروايات الرسمية والتلميع السياسي، برغم أنها ليست مجلة سياسية.

وخالفت المجلة بغلافي السيسي دستوراً مهنياً أقرّته إحدى رئيسات تحرير المجلة في وقت سابق، لتبيّن فكراً وتوجّهاً صحافياً مختلفاً يكشف الفارق بين زمنين، وآثارهما على مهنة الصحافة في مصر وكذلك مدى اهتمامهما بالمرأة، فعام 2010، شغلت الكاتبة الصحافية أفكار الحرادلي رئاسة تحرير مجلة “نصف الدنيا”، وسُئلت في حوار عن “مواصفات غلاف المجلة المهتمة بالمرأة”، فأجابت: “الغلاف هو مانشيت المجلة الذي يجذب القارئ ويدفعه لشرائها وينبغي أن يكون الغلاف لافتاً وجذاباً وأكثر إبهاراً وعناوينه بارزة ومنتقاة بعناية كما يجب أن يكون لغلاف المجلة موضوع بداخلها ولكل مجلة طابعها وينبغي أن يكون الغلاف معبراً عن الفئة التي تخاطبها المجلة سواء كانت فئة النساء أو الأطفال”.

شهدت المجلة- بمرور الوقت وتعاقب رؤساء التحرير الذين يواجهون اعتراضات- هجرة معظم الأسماء المعروفة من كتّاب “نصف الدنيا”، برغم أقدميتهم، وانطباق الشروط على بعضهم ليرأسوا تحرير المجلة، وأبرزهم الكاتب الصحافي عمر طاهر، المُستبعد مهنياً من جانب النظام السياسي القائم، إلى الصحافيين أمل سرور، وزين العابدين خيري. 

ونتيجة لبعض “السياسات الإقصائية” التي هبطت بالمستوى التحريري في جميع الإصدارات الصحافية التابعة لـ”الأهرام”، كما يبدو من أرقام توزيعها، والصدى “المفقود” الذي كان يحيط ما تنشره، عُرفت غرفة بالدور السادس مبنى المؤسسة المعروف باسم “هيكل”، بـ”غرفة الفئران” إذ ينفى فيها جميع “المغضوب عليهم والمُستبعدين” من أبناء الأهرام، فقد تحوّلوا إلى موظفين يسجّلون حضورهم وحسب، ولا يطلب منهم شيء ولا ينشر ما يكتبونه.

إقرأوا أيضاً:

ولكن كيف يتم اختيار رئيس تحرير مجلة “نصف الدنيا”؟ 

في نهاية عام 2011، حين كان المجلس العسكري المصري يدير شؤون البلاد، عُيّنت أمل فوزي، المراسلة العسكرية للمجلة، رئيسة للتحرير، وشهدت المجلة موجة احتجاجات قوية وأصدر صحافيوها بياناً لرفض القرار، لأن الصحافية المُعيّنة “أقل في المرتبة الوظيفية والخبرة”، وإلى جانب ذلك، زوجة وزير الإعلام السابق، أسامة هيكل. 

وكان وراء قرب أمل من السلطة في ذلك الوقت، كونها محررة عسكرية، في لحظة فاصلة يريد فيها العسكريون إحكام السيطرة، وتعيين مقرّبين منهم حفظاً للولاءات.  

اعتصم صحافيو “نصف الدنيا” ضد قرار المجلس العسكري، بتعيين أمل المحررة العسكرية رئيسة للتحرير، واعتبروا القرار، بحسب تصريحاتهم في ذلك الوقت، “مكافأة نهاية الخدمة لبطل مجزرة ماسبيرو”.

حمّل كثيرون هيكل مسؤولية مذبحة ماسبيرو، التي ارتكبت بحق متظاهرين مسيحيين أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون، بسبب حملة التحريض التي قادها التلفزيون المصري ضدهم، وأدت إلى مقتلهم بسلاح تابع للسلطات.

وجاء في البيان، أن “العاملين في المجلة اختاروا رئيس تحرير آخر بموافقة الأغلبية العظمى من العاملين بالمجلة، ولكن القرار صدر دون العودة إلى رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، وجاءه أمر التعيين بالفاكس”. وبرغم ذلك، استمرّت في رئاسة تحرير المجلة، حتى قالت بنهاية فترة عملها في حوار صحافي: “عصر الرئيس السيسي هو العصر الذهبي والمنصف للمرأة”، برغم ما تعانيه المرأة من صعوبات قانونية وتهميش.

بحسب سجل مبيعات إصدارات مؤسسة “الأهرام”، الذي اطلع “درج” عليه، تراجعت مبيعات مجلة “نصف الدنيا” تدريجياً، كما بقية إصدارات المؤسسة الصحافية الكبرى، منذ عام 2013، بعدما بلغت أقصى مدى لها عام 2011 في ذروة الاضطراب السياسي المصري. 

وطبقاً للسجل، لا تتجاوز مبيعات “نصف الدنيا” 1500 نسخة أسبوعياً، بخلاف النسخ التي تُرسل هدايا مجاناً إلى مؤسسات الدولة والعاملين في إصدارات “الأهرام”، ولكونها مجلة ملوّنة بورق فاخر، فتكاليف طباعتها- فقط دون الرواتب- تتجاوز كثيراً أرباحها من المبيعات والإعلانات. 

تحولت المجلات الصادرة عن مؤسسات حكومية كـ”الأهرام” و”أخبار اليوم”، إلى هدايا تُمنح إلى صحافيين يهتم النظام المصري بمكافأتهم والحفاظ على ولائهم، بعد استبعاد غير الموالين، وساد في الفترة الأخيرة في الإعلام المصري توجّه إلى الاحتفاء بصورة الرئيس، وأخباره، وتحركاته، إبداءً لحسن النيات وحفاظاً على المقاعد والمكاسب.

ولأجل الحفاظ على قانونية تلك العملية، وتحريرها من الوصم بكونها “مجاملات ومكافآت”، أنشأت الحكومة المصرية ما يسمّى “الهيئة الوطنية للصحافة” لتولي إدارة المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة وعملية تعيين رؤساء مجالس إدارة وتحرير الصحف الحكومية، ووُصفت في قرار إنشائها بـ”هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية وتتمتع بالاستقلال في ممارسة مهماتها واختصاصاتها ولا يجوز التدخل في شؤونها”. 

وبرغم وصفها بـ”المستقلة” باعتبارها تدير مؤسسات مملوكة للشعب، يُعين رئيس الهيئة بقرار من رئيس الجمهورية، لا مجلس النواب. ولا يحوي ذلك دلالة سوى على تبعية المؤسسات والإدارة الكاملة لعملية تعيين قياداتها للرئيس مباشرةً، استمراراً للنهج القديم في التعامل مع مسؤولي الصحف القومية باعتبارهم “خياراً رئاسياً” كاملاً، فكان رؤساء تحرير ومجالس إدارات الصحف مقربين للرئيس الأسبق، حسني مبارك، كابراهيم نافع، نقيب الصحافيين المصريين الأسبق ورئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق، وإبراهيم سعدة، رئيس مجلس إدارة وتحرير دار أخبار اليوم، وسمير رجب، رئيس مجلس إدارة دار التحرير (الصادرة عنها صحيفة الجمهورية). 

كواليس تراجع “نصف الدنيا”

تكشف عضوة في إدارة تحرير مجلة “نصف الدنيا”، طلبت عدم الكشف عن هُويتها، أن حالة الاحتقان بالإصدار، والكثير من إصدارات مؤسسة “الأهرام” بلغت حداً غير مسبوق، وأضافت: “تضاعف ذلك تحديداً بعد انتحار الزميل عماد الفقي لشعوره بعدم التقدير المهني داخل أروقة المؤسسة، وأصبح معظمنا يتصوّر نفسه ضحية جديدة”.

وتروي كواليس صناعة الغلافين اللذين يحملان صورة “السيسي”، بقولها: “مرّ الغلاف الأول دون ملاحظات كثيرة، واعتبرناها لفتة تحية من المجلة للرئيس، برغم عدم وجود أسباب لذلك، وكان هناك اعتراض آخر على الصورة ذاتها، واقترحنا صوراً أخرى أكثر إنسانية وفيها لقطة صحافية، بخاصة أن نصف الدنيا معروفة طوال تاريخها بجودة صورها، بدلاً من الصورة التي تشبه لافتات الدعاية الانتخابية، لكن الرد جاء أن تلك الصورة هي المطلوبة، وانتهى الأمر”.

في المرة الثانية – بحسب قولها – “أثار الأمر حفيظة الغالبية، بخاصة أن صحافيي المجلة ليسوا جميعهم من المؤيدين للرئيس، وتم تحذير رئيسة التحرير مروة الطوبجي، من أن ذلك قد ينفّر القارئ من المجلة، فقالت نصاً: (لا يهمني القارئ، نحن نخاطب شخصاً واحداً)”. 

وتوضح رد الفعل على تصريح الطوبجي: “رغم أننا نعرف ذلك الرد، أدهشنا  التصريح من دون حرج، ولم يفعل أحد شيئاً، ففي المؤسسات الحكومية تحديداً رئيس التحرير هو الحاكم بأمره، لا يجوز أن يعترض أحد عليه”. 

تخوض المجلات الحكومية تحديات لا أحد يعلم عنها شيئاً، فلم تعد مقروءة كما في السابق، ولم تعد محل اهتمام من النظام السياسي، وتحولت إلى عبء ببلوغ مديونية المؤسسات الصحافية الحكومية 7 مليارات جنيه (نحو 378 مليون دولار)، وتشبه صحافية “نصف الدنيا” حالها مع زملائها بـ”موظفي الشهر العقاري”: “نؤدي عملاً روتينياً دون إبداع، الكتاب الكبار ابتعدوا من المجلة، المحتوى تدهور، النجوم نسوا المجلة ولم يعد يهمهم تصدر غلافها. أصبحنا قطعة من الماضي يتم الاحتفاظ بها تكريماً للمجد القديم، وهكذا معظم إصدارات الأهرام، فقد تم دمج مجلة (الكواكب) بمجلة (حواء)، ونتيجة لذلك الإحباط، وعدم الشعور بالأهمية، أصبح كل منّا مسؤولاً عن صفحة أو صفحات يحررها بملل، مقابل رواتب هزيلة وانعدام التحفيز”.

في غياب الكفاءة في رئاسة التحرير وتراجع جودة المحتوى، وقعت مجلة “نصف الدنيا” في أخطاء مهنية، بعضها مهين للمرأة (برغم أنها مجلة تدافع عن قضايا المرأة) وأدى إلى مشكلات مع بعض المصادر، ففي عدد 17 تموز/ يوليو 2020، تصدّرت الفنانة سوسن بدر غلاف المجلة، مع عنوان – على لسانها – يقول: “زوجوني لملياردير”. أثار الغلاف غضباً في ذلك الوقت وسخرت منه سوسن، لتسويقه صورة سيئة ومادية عن المرأة، وهي صورة تحارب النساء حالياً لمواجهتها وإزالتها. 

تراجعت مبيعات مجلة “نصف الدنيا” تدريجياً، كما بقية إصدارات المؤسسة الصحافية الكبرى، منذ عام 2013، بعدما بلغت أقصى مدى لها عام 2011 في ذروة الاضطراب السياسي المصري. 

على خُطى مجلة “الكواكب”… وقف مجلات وصحف جديدة؟

برغم الاعتراضات على الطريقة التي تُدار بها الصحف والمجلات القومية (الحكومية) في مصر، وهبوط مستوياتها ونسب توزيعها- باعتراف وزير الإعلام السابق، أسامة هيكل، وقت توليه الوزارة للمرة الثانية عام 2020- وعدم مسايرتها التقدم التكنولوجي وما فرضه من وسائط اجتماعية ومواقع تواصل اجتماعي، أثار وقف مجلة “الكواكب” ودمجها بمجلة “حواء” غضباً شديداً في الأوساط الصحافية، مردّه الاعتراض على الطريقة التي تُدار بها تلك الإصدارات ويُعيّن بها رؤساء تحرير بناءً على “علاقات وتعليمات”، إلى جانب عدم قدرتها على الاشتباك مع المجال العام بسبب التضييق السياسي والأمني على الصحافيين. 

يرى صفوت محمد، أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، أنّ غلافي السيسي في مجلة “نصف الدنيا” خطأ مهني: “أولاً لأن الرئيس لم يجرِ حواراً مع المجلة، وفي الغالب تحتفي المجلات على غلافها بالشخصية التي أجرت معها حواراً، وثانياً، لم يكن ما نشرته المجلة- على سبيل المثال- ملفاً حول توجهات الرئيس بشأن المرأة أو أي شيء يخصّ المرأة، ولا تبرز العناوين الجانبية لماذا تم اختيار الرئيس ليصبح غلافاً. ثالثاً، هذه مجلة للمرأة منذ إنشائها عام 1990، وكانت رئيسة تحريرها، سناء البيسي، أشهر الصحافيات المصريات وأكثرهنّ نبوغاً وتفوقاً، وكانت المجلة في عهدها شديدة الانتشار، بسبب ما تنشره من حوارات وقصص صحافية إنسانية تدور حول نجوم كبار، وهو ما لم تكن تقدّمه مجلات أخرى. لذلك فالسياسة التحريرية المهتمة بقضايا النساء تراجعت كثيراً، حتى إنني لم أعد أجد شيئاً جديداً في ما تنشره”. 

ويقول إن المسؤولين عن تحرير المجلة “يخطئون باستمرار، فالمجلة أصبحت فارغة من مضمونها ومن أسباب وجودِها كإصدار موجّه للنساء، وتتساوى معها في ذلك مجلة (حواء) الصادرة عن مؤسسة صحافية حكومية أخرى، برغم أن المجلتين موجّهتان للمرأة، ولهما سوق إعلاني قوي، لكن محتواهما يعاني منذ سنوات. وبرأيي السبب هو عدم وجود خطة أو توجّه لدى المؤسسات من وراء صدور هذه المجلات، إلى مغادرة الصحافيين الجيدين والطموحين إلى العمل الخاص، لتفرغَ الإصدارات من أبنائها، ويبقى أنصاف الموهوبين، يتولون المناصب ويديرون الأمور، وهذا أحد أهم أسباب فساد الإصدارات الصحافية الحكومية منذ ثورة 25 يناير. فقديماً كانت الدولة تدعم الصحف والمجلات التابعة لها وكذلك التلفزيون المصري، وتمنح صحافييها رواتب وبدلات وعلاوات تجعلهم يتقاضون أكثر من المؤسسات الخاصة المصرية (وليست العربية)، فكان أهم برنامج توك شو هو (البيت بيتك) على القناة الثانية الأرضية، وليست على الفضائيات، لكن هذا التوجّه تغيّر قبل سنوات”.

وفسّر ذلك بأن “الإصدارات الحكومية لم تعد جاذبة للإعلانات، ولم تعد مقروءة، وذلك ليس بسبب محتواها وحسب، إنما بسبب التقدّم التكنولوجي، والقدرات الهائلة التي تمنحها مواقع التواصل الاجتماعي للقراء، فتجعلهم غير محتاجين لشراء المجلات، وأضف إلى ذلك الأوضاع المالية الصعبة التي تجعلهم يكتفون بدفع اشتراكات الإنترنت، بدلاً من الإنفاق على المجلات والصحف، وأدّى ذلك إلى هبوط توزيع جميع المجلات والصحف الحكومية والخاصة، وليست الحكومية فقط، وذلك طبقاً لإحصاءات ودراسات”. 

ويرى أن إقدام الحكومة المصرية على إغلاق مجلة ذات أهمية تاريخية كـ”الكواكب” كان قراراً في الأدراج منذ وقت طويل: “الحكومة الحالية لديها رؤية بالتخلّص من الإعلام الحكومي، لأنها أوجدت بديلاً له وأصبحت الصحف والقنوات الخاصة تابعة لها، ولذلك نجد احتجاجات مستمرة في ماسبيرو وغضباً مكتوماً في الصحف القومية”.

ويتوقع أن “يشمل الإغلاق المزيدَ من المجلات والصحف خلال العشر سنوات المقبلة، والقنوات الحكومية خلال العشرين عاماً، وذلك لأن هناك تحجيماً يجري منذ سنوات في تلك المؤسسات، لا تعيين لصحافيين جدد، ولا ضمّ لكفاءات شابة تحافظ على حيويتها، وذلك وفق خطة حكومية معلنة، وأعمار جميع العاملين بهذه المؤسسات تتجاوز الـ30، وفور إحالتهم إلى التقاعد، ستختفي تلك الإصدارات تماماً وتصبح تاريخاً”. 

وسط تكهنات بمصير الصحف والمجلات القومية، تعجّل بعض تلك الإصدارات بنهايتها عبر التخلي عن الأسس المهنية والسياسات التحريرية التي انطلقت بناءً عليها قبل سنوات، معتبرةً القارئ “شيئاً وهمياً”، وذلك لأنها أصبحت إصدارات بلا قراء. 

تكتفي تلك المطبوعات بمخاطبة رأس الدولة في مصر كي يحافظ قادتها على مقاعدهم على رأس تلك المؤسسات إلى الأبد، وكما تم إيقاف صدور مجلة “الكواكب” العريقة، يُتوقع إغلاق المزيد قريباً. 

إقرأوا أيضاً:

هاني عضاضة | 29.06.2024

عن الجندي الإسرائيلي ومسار نزع الأنسنة عن الفلسطينيين

ما الذي يقود عدداً متزايداً من الجنود الإسرائيليين، إلى ارتكاب الفظاعات في غزة وتوثيقها بأنفسهم؟ وأية استراتيجيات تتبعها إسرائيل لتشكيل الذات الإنسانية الإسرائيلية وصوغها، لتنتج هذا النموذج للجندي الذي يرتكب أعمالاً مروعة؟
21.06.2022
زمن القراءة: 10 minutes

ارتأت المجلة أن تنشر وجه السيسي على غلافها، من دون أن تبالي لا بحدث مقتل شيرين الذي وصف بالاغتيال، ولا بحال النساء ضحايا العنف والاستبداد.

لم يلتفت كثيرون إلى “الخطيئة” المهنية التي ارتكبتها مجلة “نصف الدنيا” المصرية الأسبوعية، حين نشرت صورة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على غلافها مرتين في فترة زمنية متقاربة، ربما لأن المجلة لم تعد تحقق مبيعات أو نسب قراءة عالية كما كانت في السابق. وضاعف الاستفزاز المهني، أن الصورة المنشورة هي ذاتها في المرتين، وأن المجلة مهتمة بقضايا النساء وليست سياسية، بينما كانت جميع عناوين المجلة الرئيسية في إحدى المرتين لا تمسّ المرأة أو قضاياها، لتناقض ما كانت عليه المجلة عبر تاريخها، وما صدرت لأجله في عهدها الأول. 

صدرت مجلة “نصف الدنيا” المتخصصة في قضايا المرأة، عن مؤسسة “الأهرام”، عام 1990، برئاسة تحرير الكاتبة الصحافية المصرية الأشهر في ذلك الوقت، سناء البيسي في زمن سيطر عليه رؤساء التحرير الرجال، تحت شعار “نصف الدنيا… لكل الدنيا”، وسط احتفاء كبير في الوسط الصحافي والأوساط الرسمية، لتبشّر بمجلة كبرى. 

كانت إعلانات المجلة الوليدة تُبثّ تلفزيونياً، وحقَّقت شهرة واسعة في عهد البيسي، وباتت أشهر المجلات المصرية في التسعينات، تحاور نجوماً كبار وتناقش القضايا بجرأة لا تتناسب مع كونها صادرة عن إحدى المؤسسات الحكومية، لكن هامش الحرية الصحافية سمح لها بتحطيم القيود. 

ويصف مرصد “أخبار ميتر “، المتخصص في تقييم محتوى المؤسسات الإعلامية، “نصف الدنيا” في تقرير منشور بعد 27 عاماً من صدورها، بـ”المجلة التي خسرت قراءها”، وذلك “برغم شهرتها الواسعة وقت صدورها، إلا أنها لم تعد تحظى بالقدر ذاته من التوزيع والمطالعة التى كانت تحظى به، ويعود هذا إلى عدم الاهتمام بتطوير المجلة لتواكب معطيات الحياة المصرية الحديثة، فضلاً عن عدم سعيها خلف التجديدات التكنولوجية التي قد تساهم في إتاحتها بشكل أسهل بين جمهور المصريين من القراء، هذا إلى جانب خفوت الاهتمام المصرى بالقراءة، والذى يُقلل من فرص انتشار وتوزيع المجلة”. 

يكشف التقرير جانباً من مآلات التجارب الصحفية الكبرى، التي حفلت بها القاهرة في عصور مختلفة، وفي ذلك، حال نصف “الدنيا” كحال “حواء” و”الكواكب” و”طبيبك الخاص”، المجلات التي كانت رفيقاً ومرشداً ممتعاً ومؤثراً في حياة المصريين قبل أن يصيبها الشلل المهني، وتندمج معاً في إصدار واحد تقليلاً للنفقات. 

في غياب الكفاءة في رئاسة التحرير وتراجع جودة المحتوى، وقعت مجلة “نصف الدنيا” في أخطاء مهنية، بعضها مهين للمرأة وأدى إلى مشكلات مع بعض المصادر.

السيسي غلافاً لحظة مقتل شيرين أبو عاقلة!

نشرت مجلة “نصف الدنيا” غلافي السيسي دون سبب أو محرّك مهني، برغم تزامن ذلك مع مقتل الصحافية والمراسلة التلفزيونية شيرين أبو عاقلة في غزة برصاص إسرائيلي، إضافة إلى الجدل الدائر حول قضايا الأحوال الشخصية والطلاق الشفهي والاشتباك المجتمعي الناتج عن الرؤية النسوية المقدّمة في مسلسل “فاتن أمل حربي”. لكن المجلة ارتأت أن تنشر وجه السيسي على غلافها، من دون أن تبالي لا بحدث مقتل شيرين الذي وصف بالاغتيال، ولا بحال النساء ضحايا العنف والاستبداد، لتشيرَ بذلك إلى الطريقة التي تُدار بها الصحف والمجلات في مصر، واستسلامها إلى الروايات الرسمية والتلميع السياسي، برغم أنها ليست مجلة سياسية.

وخالفت المجلة بغلافي السيسي دستوراً مهنياً أقرّته إحدى رئيسات تحرير المجلة في وقت سابق، لتبيّن فكراً وتوجّهاً صحافياً مختلفاً يكشف الفارق بين زمنين، وآثارهما على مهنة الصحافة في مصر وكذلك مدى اهتمامهما بالمرأة، فعام 2010، شغلت الكاتبة الصحافية أفكار الحرادلي رئاسة تحرير مجلة “نصف الدنيا”، وسُئلت في حوار عن “مواصفات غلاف المجلة المهتمة بالمرأة”، فأجابت: “الغلاف هو مانشيت المجلة الذي يجذب القارئ ويدفعه لشرائها وينبغي أن يكون الغلاف لافتاً وجذاباً وأكثر إبهاراً وعناوينه بارزة ومنتقاة بعناية كما يجب أن يكون لغلاف المجلة موضوع بداخلها ولكل مجلة طابعها وينبغي أن يكون الغلاف معبراً عن الفئة التي تخاطبها المجلة سواء كانت فئة النساء أو الأطفال”.

شهدت المجلة- بمرور الوقت وتعاقب رؤساء التحرير الذين يواجهون اعتراضات- هجرة معظم الأسماء المعروفة من كتّاب “نصف الدنيا”، برغم أقدميتهم، وانطباق الشروط على بعضهم ليرأسوا تحرير المجلة، وأبرزهم الكاتب الصحافي عمر طاهر، المُستبعد مهنياً من جانب النظام السياسي القائم، إلى الصحافيين أمل سرور، وزين العابدين خيري. 

ونتيجة لبعض “السياسات الإقصائية” التي هبطت بالمستوى التحريري في جميع الإصدارات الصحافية التابعة لـ”الأهرام”، كما يبدو من أرقام توزيعها، والصدى “المفقود” الذي كان يحيط ما تنشره، عُرفت غرفة بالدور السادس مبنى المؤسسة المعروف باسم “هيكل”، بـ”غرفة الفئران” إذ ينفى فيها جميع “المغضوب عليهم والمُستبعدين” من أبناء الأهرام، فقد تحوّلوا إلى موظفين يسجّلون حضورهم وحسب، ولا يطلب منهم شيء ولا ينشر ما يكتبونه.

إقرأوا أيضاً:

ولكن كيف يتم اختيار رئيس تحرير مجلة “نصف الدنيا”؟ 

في نهاية عام 2011، حين كان المجلس العسكري المصري يدير شؤون البلاد، عُيّنت أمل فوزي، المراسلة العسكرية للمجلة، رئيسة للتحرير، وشهدت المجلة موجة احتجاجات قوية وأصدر صحافيوها بياناً لرفض القرار، لأن الصحافية المُعيّنة “أقل في المرتبة الوظيفية والخبرة”، وإلى جانب ذلك، زوجة وزير الإعلام السابق، أسامة هيكل. 

وكان وراء قرب أمل من السلطة في ذلك الوقت، كونها محررة عسكرية، في لحظة فاصلة يريد فيها العسكريون إحكام السيطرة، وتعيين مقرّبين منهم حفظاً للولاءات.  

اعتصم صحافيو “نصف الدنيا” ضد قرار المجلس العسكري، بتعيين أمل المحررة العسكرية رئيسة للتحرير، واعتبروا القرار، بحسب تصريحاتهم في ذلك الوقت، “مكافأة نهاية الخدمة لبطل مجزرة ماسبيرو”.

حمّل كثيرون هيكل مسؤولية مذبحة ماسبيرو، التي ارتكبت بحق متظاهرين مسيحيين أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون، بسبب حملة التحريض التي قادها التلفزيون المصري ضدهم، وأدت إلى مقتلهم بسلاح تابع للسلطات.

وجاء في البيان، أن “العاملين في المجلة اختاروا رئيس تحرير آخر بموافقة الأغلبية العظمى من العاملين بالمجلة، ولكن القرار صدر دون العودة إلى رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، وجاءه أمر التعيين بالفاكس”. وبرغم ذلك، استمرّت في رئاسة تحرير المجلة، حتى قالت بنهاية فترة عملها في حوار صحافي: “عصر الرئيس السيسي هو العصر الذهبي والمنصف للمرأة”، برغم ما تعانيه المرأة من صعوبات قانونية وتهميش.

بحسب سجل مبيعات إصدارات مؤسسة “الأهرام”، الذي اطلع “درج” عليه، تراجعت مبيعات مجلة “نصف الدنيا” تدريجياً، كما بقية إصدارات المؤسسة الصحافية الكبرى، منذ عام 2013، بعدما بلغت أقصى مدى لها عام 2011 في ذروة الاضطراب السياسي المصري. 

وطبقاً للسجل، لا تتجاوز مبيعات “نصف الدنيا” 1500 نسخة أسبوعياً، بخلاف النسخ التي تُرسل هدايا مجاناً إلى مؤسسات الدولة والعاملين في إصدارات “الأهرام”، ولكونها مجلة ملوّنة بورق فاخر، فتكاليف طباعتها- فقط دون الرواتب- تتجاوز كثيراً أرباحها من المبيعات والإعلانات. 

تحولت المجلات الصادرة عن مؤسسات حكومية كـ”الأهرام” و”أخبار اليوم”، إلى هدايا تُمنح إلى صحافيين يهتم النظام المصري بمكافأتهم والحفاظ على ولائهم، بعد استبعاد غير الموالين، وساد في الفترة الأخيرة في الإعلام المصري توجّه إلى الاحتفاء بصورة الرئيس، وأخباره، وتحركاته، إبداءً لحسن النيات وحفاظاً على المقاعد والمكاسب.

ولأجل الحفاظ على قانونية تلك العملية، وتحريرها من الوصم بكونها “مجاملات ومكافآت”، أنشأت الحكومة المصرية ما يسمّى “الهيئة الوطنية للصحافة” لتولي إدارة المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة وعملية تعيين رؤساء مجالس إدارة وتحرير الصحف الحكومية، ووُصفت في قرار إنشائها بـ”هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية وتتمتع بالاستقلال في ممارسة مهماتها واختصاصاتها ولا يجوز التدخل في شؤونها”. 

وبرغم وصفها بـ”المستقلة” باعتبارها تدير مؤسسات مملوكة للشعب، يُعين رئيس الهيئة بقرار من رئيس الجمهورية، لا مجلس النواب. ولا يحوي ذلك دلالة سوى على تبعية المؤسسات والإدارة الكاملة لعملية تعيين قياداتها للرئيس مباشرةً، استمراراً للنهج القديم في التعامل مع مسؤولي الصحف القومية باعتبارهم “خياراً رئاسياً” كاملاً، فكان رؤساء تحرير ومجالس إدارات الصحف مقربين للرئيس الأسبق، حسني مبارك، كابراهيم نافع، نقيب الصحافيين المصريين الأسبق ورئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق، وإبراهيم سعدة، رئيس مجلس إدارة وتحرير دار أخبار اليوم، وسمير رجب، رئيس مجلس إدارة دار التحرير (الصادرة عنها صحيفة الجمهورية). 

كواليس تراجع “نصف الدنيا”

تكشف عضوة في إدارة تحرير مجلة “نصف الدنيا”، طلبت عدم الكشف عن هُويتها، أن حالة الاحتقان بالإصدار، والكثير من إصدارات مؤسسة “الأهرام” بلغت حداً غير مسبوق، وأضافت: “تضاعف ذلك تحديداً بعد انتحار الزميل عماد الفقي لشعوره بعدم التقدير المهني داخل أروقة المؤسسة، وأصبح معظمنا يتصوّر نفسه ضحية جديدة”.

وتروي كواليس صناعة الغلافين اللذين يحملان صورة “السيسي”، بقولها: “مرّ الغلاف الأول دون ملاحظات كثيرة، واعتبرناها لفتة تحية من المجلة للرئيس، برغم عدم وجود أسباب لذلك، وكان هناك اعتراض آخر على الصورة ذاتها، واقترحنا صوراً أخرى أكثر إنسانية وفيها لقطة صحافية، بخاصة أن نصف الدنيا معروفة طوال تاريخها بجودة صورها، بدلاً من الصورة التي تشبه لافتات الدعاية الانتخابية، لكن الرد جاء أن تلك الصورة هي المطلوبة، وانتهى الأمر”.

في المرة الثانية – بحسب قولها – “أثار الأمر حفيظة الغالبية، بخاصة أن صحافيي المجلة ليسوا جميعهم من المؤيدين للرئيس، وتم تحذير رئيسة التحرير مروة الطوبجي، من أن ذلك قد ينفّر القارئ من المجلة، فقالت نصاً: (لا يهمني القارئ، نحن نخاطب شخصاً واحداً)”. 

وتوضح رد الفعل على تصريح الطوبجي: “رغم أننا نعرف ذلك الرد، أدهشنا  التصريح من دون حرج، ولم يفعل أحد شيئاً، ففي المؤسسات الحكومية تحديداً رئيس التحرير هو الحاكم بأمره، لا يجوز أن يعترض أحد عليه”. 

تخوض المجلات الحكومية تحديات لا أحد يعلم عنها شيئاً، فلم تعد مقروءة كما في السابق، ولم تعد محل اهتمام من النظام السياسي، وتحولت إلى عبء ببلوغ مديونية المؤسسات الصحافية الحكومية 7 مليارات جنيه (نحو 378 مليون دولار)، وتشبه صحافية “نصف الدنيا” حالها مع زملائها بـ”موظفي الشهر العقاري”: “نؤدي عملاً روتينياً دون إبداع، الكتاب الكبار ابتعدوا من المجلة، المحتوى تدهور، النجوم نسوا المجلة ولم يعد يهمهم تصدر غلافها. أصبحنا قطعة من الماضي يتم الاحتفاظ بها تكريماً للمجد القديم، وهكذا معظم إصدارات الأهرام، فقد تم دمج مجلة (الكواكب) بمجلة (حواء)، ونتيجة لذلك الإحباط، وعدم الشعور بالأهمية، أصبح كل منّا مسؤولاً عن صفحة أو صفحات يحررها بملل، مقابل رواتب هزيلة وانعدام التحفيز”.

في غياب الكفاءة في رئاسة التحرير وتراجع جودة المحتوى، وقعت مجلة “نصف الدنيا” في أخطاء مهنية، بعضها مهين للمرأة (برغم أنها مجلة تدافع عن قضايا المرأة) وأدى إلى مشكلات مع بعض المصادر، ففي عدد 17 تموز/ يوليو 2020، تصدّرت الفنانة سوسن بدر غلاف المجلة، مع عنوان – على لسانها – يقول: “زوجوني لملياردير”. أثار الغلاف غضباً في ذلك الوقت وسخرت منه سوسن، لتسويقه صورة سيئة ومادية عن المرأة، وهي صورة تحارب النساء حالياً لمواجهتها وإزالتها. 

تراجعت مبيعات مجلة “نصف الدنيا” تدريجياً، كما بقية إصدارات المؤسسة الصحافية الكبرى، منذ عام 2013، بعدما بلغت أقصى مدى لها عام 2011 في ذروة الاضطراب السياسي المصري. 

على خُطى مجلة “الكواكب”… وقف مجلات وصحف جديدة؟

برغم الاعتراضات على الطريقة التي تُدار بها الصحف والمجلات القومية (الحكومية) في مصر، وهبوط مستوياتها ونسب توزيعها- باعتراف وزير الإعلام السابق، أسامة هيكل، وقت توليه الوزارة للمرة الثانية عام 2020- وعدم مسايرتها التقدم التكنولوجي وما فرضه من وسائط اجتماعية ومواقع تواصل اجتماعي، أثار وقف مجلة “الكواكب” ودمجها بمجلة “حواء” غضباً شديداً في الأوساط الصحافية، مردّه الاعتراض على الطريقة التي تُدار بها تلك الإصدارات ويُعيّن بها رؤساء تحرير بناءً على “علاقات وتعليمات”، إلى جانب عدم قدرتها على الاشتباك مع المجال العام بسبب التضييق السياسي والأمني على الصحافيين. 

يرى صفوت محمد، أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، أنّ غلافي السيسي في مجلة “نصف الدنيا” خطأ مهني: “أولاً لأن الرئيس لم يجرِ حواراً مع المجلة، وفي الغالب تحتفي المجلات على غلافها بالشخصية التي أجرت معها حواراً، وثانياً، لم يكن ما نشرته المجلة- على سبيل المثال- ملفاً حول توجهات الرئيس بشأن المرأة أو أي شيء يخصّ المرأة، ولا تبرز العناوين الجانبية لماذا تم اختيار الرئيس ليصبح غلافاً. ثالثاً، هذه مجلة للمرأة منذ إنشائها عام 1990، وكانت رئيسة تحريرها، سناء البيسي، أشهر الصحافيات المصريات وأكثرهنّ نبوغاً وتفوقاً، وكانت المجلة في عهدها شديدة الانتشار، بسبب ما تنشره من حوارات وقصص صحافية إنسانية تدور حول نجوم كبار، وهو ما لم تكن تقدّمه مجلات أخرى. لذلك فالسياسة التحريرية المهتمة بقضايا النساء تراجعت كثيراً، حتى إنني لم أعد أجد شيئاً جديداً في ما تنشره”. 

ويقول إن المسؤولين عن تحرير المجلة “يخطئون باستمرار، فالمجلة أصبحت فارغة من مضمونها ومن أسباب وجودِها كإصدار موجّه للنساء، وتتساوى معها في ذلك مجلة (حواء) الصادرة عن مؤسسة صحافية حكومية أخرى، برغم أن المجلتين موجّهتان للمرأة، ولهما سوق إعلاني قوي، لكن محتواهما يعاني منذ سنوات. وبرأيي السبب هو عدم وجود خطة أو توجّه لدى المؤسسات من وراء صدور هذه المجلات، إلى مغادرة الصحافيين الجيدين والطموحين إلى العمل الخاص، لتفرغَ الإصدارات من أبنائها، ويبقى أنصاف الموهوبين، يتولون المناصب ويديرون الأمور، وهذا أحد أهم أسباب فساد الإصدارات الصحافية الحكومية منذ ثورة 25 يناير. فقديماً كانت الدولة تدعم الصحف والمجلات التابعة لها وكذلك التلفزيون المصري، وتمنح صحافييها رواتب وبدلات وعلاوات تجعلهم يتقاضون أكثر من المؤسسات الخاصة المصرية (وليست العربية)، فكان أهم برنامج توك شو هو (البيت بيتك) على القناة الثانية الأرضية، وليست على الفضائيات، لكن هذا التوجّه تغيّر قبل سنوات”.

وفسّر ذلك بأن “الإصدارات الحكومية لم تعد جاذبة للإعلانات، ولم تعد مقروءة، وذلك ليس بسبب محتواها وحسب، إنما بسبب التقدّم التكنولوجي، والقدرات الهائلة التي تمنحها مواقع التواصل الاجتماعي للقراء، فتجعلهم غير محتاجين لشراء المجلات، وأضف إلى ذلك الأوضاع المالية الصعبة التي تجعلهم يكتفون بدفع اشتراكات الإنترنت، بدلاً من الإنفاق على المجلات والصحف، وأدّى ذلك إلى هبوط توزيع جميع المجلات والصحف الحكومية والخاصة، وليست الحكومية فقط، وذلك طبقاً لإحصاءات ودراسات”. 

ويرى أن إقدام الحكومة المصرية على إغلاق مجلة ذات أهمية تاريخية كـ”الكواكب” كان قراراً في الأدراج منذ وقت طويل: “الحكومة الحالية لديها رؤية بالتخلّص من الإعلام الحكومي، لأنها أوجدت بديلاً له وأصبحت الصحف والقنوات الخاصة تابعة لها، ولذلك نجد احتجاجات مستمرة في ماسبيرو وغضباً مكتوماً في الصحف القومية”.

ويتوقع أن “يشمل الإغلاق المزيدَ من المجلات والصحف خلال العشر سنوات المقبلة، والقنوات الحكومية خلال العشرين عاماً، وذلك لأن هناك تحجيماً يجري منذ سنوات في تلك المؤسسات، لا تعيين لصحافيين جدد، ولا ضمّ لكفاءات شابة تحافظ على حيويتها، وذلك وفق خطة حكومية معلنة، وأعمار جميع العاملين بهذه المؤسسات تتجاوز الـ30، وفور إحالتهم إلى التقاعد، ستختفي تلك الإصدارات تماماً وتصبح تاريخاً”. 

وسط تكهنات بمصير الصحف والمجلات القومية، تعجّل بعض تلك الإصدارات بنهايتها عبر التخلي عن الأسس المهنية والسياسات التحريرية التي انطلقت بناءً عليها قبل سنوات، معتبرةً القارئ “شيئاً وهمياً”، وذلك لأنها أصبحت إصدارات بلا قراء. 

تكتفي تلك المطبوعات بمخاطبة رأس الدولة في مصر كي يحافظ قادتها على مقاعدهم على رأس تلك المؤسسات إلى الأبد، وكما تم إيقاف صدور مجلة “الكواكب” العريقة، يُتوقع إغلاق المزيد قريباً. 

إقرأوا أيضاً:

21.06.2022
زمن القراءة: 10 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية