fbpx

“العنصريون بيننا” وتركيا مثال حي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كثر بيننا غاضبون لأعمال الشغب والعنف العنصري في تركيا، بينما هم يمارسون دور الأتراك العنصريين في أوطانهم. إنها الفاشية والشعبوية، ويؤسفني أن أقول، يبدو أنها قد تمكنت منا في كل مكان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

من المحزن أن مشاهد العنف الجماعي ضد سوريين وعرب في تركيا، لم تعد بالصادمة، فما يحدث يتكرر بين حين وآخر، ليس في تركيا وحدها، بل في بقاع مختلفة حول العالم، والقاسم المشترك عادة، هو انقسام الصفوف السياسية وتنافسها، مقابل شعور الشعوب بالخيبة إزاء مرشح دون آخر، مما يجعل الفجوة تكبر ومساحة الإنسانية تتقلص، وهذا ليس بأمر جديد، لكنه يحدث عادة، في المراحل الانتقالية.

 منذ الخروج من أزمة جائحة كورونا، وبوادر العودة إلى الحياة، ما زالت متأرجحة وغامضة، لا أحد منا يعرف إن كنا عدنا فعلاً أم خرجنا إلى عالم آخر، حروب اندلعت، وأوضاع اقتصادية تخنق الشعوب، وتحالفات سياسية دولية أقرب إلى وصفها بالنادرة، مقابل تأرجح أحزاب، وانتقال الكفة من اليسار إلى اليمين، ويكاد كل خبر يُدون مرتبطاً بعبارة “للمرة الأولى في التاريخ”!

في تركيا اندلعت اضطرابات في ولاية قيصري، في أعقاب تقارير تفيد بأن لاجئاً سورياً تحرش جنسياً بطفلة، مما أثار غضب السكان المحليين، الذين قلبوا السيارات، وأضرموا النيران في المتاجر، وطالبوا السوريين بمغادرة المنطقة. 

مشهد تجاوز استهداف لاجئين سوريين في تركيا، وبدا مثيراً للقلق في المجتمع التركي كافة، فمثل هذه الأحداث لا تضر بالضحايا من اللاجئين فحسب، بل حتى انقسام الشارع التركي يميناً ويساراً، وشعوره بالخطر وهو في أرضه، فالعنصرية لا تتوقف عند حالات محددة، إنها تنمو وتنمو وتأكل من حولها، حتى يصيب خطرها أصغر حلقة. 

 أردوغان الذي أراد بسياساته لعب دور إقليمي محوري، من خلال الأزمة السورية، اتهم أحزاب المعارضة المحرضة على إعادة اللاجئين إلى أوطانهم، بالتسبب بمثل هذا العنف، وما هو إلا رد فعل متوقع، فكل طرف يحاول الاستفادة من مثل هذه المواقف، ليضمن مقاعده القادمة، بينما العنصرية والكراهية تتنامى بين الشعوب. 

من المحزن أن مشاهد العنف الجماعي ضد سوريين وعرب في تركيا، لم تعد بالصادمة، فما يحدث يتكرر بين حين وآخر، ليس في تركيا وحدها، بل في بقاع مختلفة حول العالم.

المشهد السياسي الحالي في تركيا، يتسم على نحو متزايد، بموجة متصاعدة من النزعة القومية. تقليدياً، ركز تحليل السياسة التركية على الانقسامات بين الإسلام السياسي مقابل العلمانية، والليبراليين مقابل المحافظين، ومع ذلك، لعل الأيديولوجية الأكثر انتشاراً وتوحيداً اليوم، هي القومية والشعبوية، التي تفاقمت إثر التحديات الاقتصادية والخطاب السياسي المحيط بها، فغالباً ما تتداخل الأشكال المتطرفة للقومية مع الاستبداد والفاشية.

 هذه الأيديولوجيات تدعو عادةً إلى النقاء العنصري أو مفهوم العرق الرئيسي، إلى جانب أشكال مختلفة من العنصرية والتمييز ضد المجموعات المهمشة، مثل الأقليات العرقية والمهاجرين. 

وفي تركيا، تجلى ذلك في العداء المتزايد مؤخراً تجاه اللاجئين السوريين، الذين أصبحوا على نحو متزايد كبش فداء للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، فالعنف في قيصري، هو مثال صارخ على كيف يمكن للديناميكيات السياسية أن تؤدي إلى العنف والتجريد من الإنسانية.

النزعة القومية الشعبوية المتصاعدة ليست حكراً على تركيا، إذ تظهر اتجاهات مماثلة في أجزاء أخرى من العالم، وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة، ففي الأولى، يسلط النجاح الانتخابي الأخير الذي حققته الأحزاب اليمينية، الضوء على التحول نحو سياسات أكثر قومية ومعادية للمهاجرين، ولقد ساهم الخطاب اليميني بشكل متزايد في تصوير المهاجرين كتهديد للأمن القومي والهوية الثقافية، وهو ما يعكس الديناميكيات التي نراها في تركيا.

وفي الولايات المتحدة، ينتظر مناصرو حركة “ماغا” دونالد ترامب المعروف بموقفه القومي والمناهض للمهاجرين، بفارغ الصبر مضي الأشهر المقبلة، ليعود إلى سياسته التي تدغدغ مشاعرهم، وقد تأججت الآمال بعد نجاحه مقابل نظيره الرئيس الحالي جو بايدن في المناظرة الأولى، التي أُقيمت قبل أيام.

عودة ترامب المحتملة إلى الرئاسة وسط حزب ديمقراطي مجزأ، حتماً ستزيد من ترسيخ هذه الأيديولوجيات، فالولايات المتحدة شهدت ارتفاعاً في الخطاب والسياسات المعادية للأجانب، بخاصة التي تستهدف المهاجرين واللاجئين، وهو ما يعكس الاتجاهات القومية التي لوحظت في تركيا وفرنسا.

الوضع في هذه البلدان وغيرها، يعد مشهداً من مشاهد التحذيرات التي سبق الحديث عنها، وما زالت تنذر بمخاطر القومية الجامحة وكراهية الأجانب، وهناك عشرات وربما مئات المقالات والتحليلات السياسية، تم تداولها خلال السنوات الاخيرة حول نمو الفاشية، الشعبوية ، العنصرية، الخ. 

كل ذلك كان يبدو للبعض مبالغة، فكثر بيننا غاضبون لأعمال الشغب والعنف العنصري في تركيا، بينما هم يمارسون دور الأتراك العنصريين في أوطانهم. إنها الفاشية والشعبوية، ويؤسفني أن أقول، يبدو أنها قد تمكنت منا في كل مكان.

ميسا العمودي - كاتبة وصحافية سعودية
المملكة العربية السعودية
03.07.2024
زمن القراءة: 3 minutes

كثر بيننا غاضبون لأعمال الشغب والعنف العنصري في تركيا، بينما هم يمارسون دور الأتراك العنصريين في أوطانهم. إنها الفاشية والشعبوية، ويؤسفني أن أقول، يبدو أنها قد تمكنت منا في كل مكان.

من المحزن أن مشاهد العنف الجماعي ضد سوريين وعرب في تركيا، لم تعد بالصادمة، فما يحدث يتكرر بين حين وآخر، ليس في تركيا وحدها، بل في بقاع مختلفة حول العالم، والقاسم المشترك عادة، هو انقسام الصفوف السياسية وتنافسها، مقابل شعور الشعوب بالخيبة إزاء مرشح دون آخر، مما يجعل الفجوة تكبر ومساحة الإنسانية تتقلص، وهذا ليس بأمر جديد، لكنه يحدث عادة، في المراحل الانتقالية.

 منذ الخروج من أزمة جائحة كورونا، وبوادر العودة إلى الحياة، ما زالت متأرجحة وغامضة، لا أحد منا يعرف إن كنا عدنا فعلاً أم خرجنا إلى عالم آخر، حروب اندلعت، وأوضاع اقتصادية تخنق الشعوب، وتحالفات سياسية دولية أقرب إلى وصفها بالنادرة، مقابل تأرجح أحزاب، وانتقال الكفة من اليسار إلى اليمين، ويكاد كل خبر يُدون مرتبطاً بعبارة “للمرة الأولى في التاريخ”!

في تركيا اندلعت اضطرابات في ولاية قيصري، في أعقاب تقارير تفيد بأن لاجئاً سورياً تحرش جنسياً بطفلة، مما أثار غضب السكان المحليين، الذين قلبوا السيارات، وأضرموا النيران في المتاجر، وطالبوا السوريين بمغادرة المنطقة. 

مشهد تجاوز استهداف لاجئين سوريين في تركيا، وبدا مثيراً للقلق في المجتمع التركي كافة، فمثل هذه الأحداث لا تضر بالضحايا من اللاجئين فحسب، بل حتى انقسام الشارع التركي يميناً ويساراً، وشعوره بالخطر وهو في أرضه، فالعنصرية لا تتوقف عند حالات محددة، إنها تنمو وتنمو وتأكل من حولها، حتى يصيب خطرها أصغر حلقة. 

 أردوغان الذي أراد بسياساته لعب دور إقليمي محوري، من خلال الأزمة السورية، اتهم أحزاب المعارضة المحرضة على إعادة اللاجئين إلى أوطانهم، بالتسبب بمثل هذا العنف، وما هو إلا رد فعل متوقع، فكل طرف يحاول الاستفادة من مثل هذه المواقف، ليضمن مقاعده القادمة، بينما العنصرية والكراهية تتنامى بين الشعوب. 

من المحزن أن مشاهد العنف الجماعي ضد سوريين وعرب في تركيا، لم تعد بالصادمة، فما يحدث يتكرر بين حين وآخر، ليس في تركيا وحدها، بل في بقاع مختلفة حول العالم.

المشهد السياسي الحالي في تركيا، يتسم على نحو متزايد، بموجة متصاعدة من النزعة القومية. تقليدياً، ركز تحليل السياسة التركية على الانقسامات بين الإسلام السياسي مقابل العلمانية، والليبراليين مقابل المحافظين، ومع ذلك، لعل الأيديولوجية الأكثر انتشاراً وتوحيداً اليوم، هي القومية والشعبوية، التي تفاقمت إثر التحديات الاقتصادية والخطاب السياسي المحيط بها، فغالباً ما تتداخل الأشكال المتطرفة للقومية مع الاستبداد والفاشية.

 هذه الأيديولوجيات تدعو عادةً إلى النقاء العنصري أو مفهوم العرق الرئيسي، إلى جانب أشكال مختلفة من العنصرية والتمييز ضد المجموعات المهمشة، مثل الأقليات العرقية والمهاجرين. 

وفي تركيا، تجلى ذلك في العداء المتزايد مؤخراً تجاه اللاجئين السوريين، الذين أصبحوا على نحو متزايد كبش فداء للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، فالعنف في قيصري، هو مثال صارخ على كيف يمكن للديناميكيات السياسية أن تؤدي إلى العنف والتجريد من الإنسانية.

النزعة القومية الشعبوية المتصاعدة ليست حكراً على تركيا، إذ تظهر اتجاهات مماثلة في أجزاء أخرى من العالم، وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة، ففي الأولى، يسلط النجاح الانتخابي الأخير الذي حققته الأحزاب اليمينية، الضوء على التحول نحو سياسات أكثر قومية ومعادية للمهاجرين، ولقد ساهم الخطاب اليميني بشكل متزايد في تصوير المهاجرين كتهديد للأمن القومي والهوية الثقافية، وهو ما يعكس الديناميكيات التي نراها في تركيا.

وفي الولايات المتحدة، ينتظر مناصرو حركة “ماغا” دونالد ترامب المعروف بموقفه القومي والمناهض للمهاجرين، بفارغ الصبر مضي الأشهر المقبلة، ليعود إلى سياسته التي تدغدغ مشاعرهم، وقد تأججت الآمال بعد نجاحه مقابل نظيره الرئيس الحالي جو بايدن في المناظرة الأولى، التي أُقيمت قبل أيام.

عودة ترامب المحتملة إلى الرئاسة وسط حزب ديمقراطي مجزأ، حتماً ستزيد من ترسيخ هذه الأيديولوجيات، فالولايات المتحدة شهدت ارتفاعاً في الخطاب والسياسات المعادية للأجانب، بخاصة التي تستهدف المهاجرين واللاجئين، وهو ما يعكس الاتجاهات القومية التي لوحظت في تركيا وفرنسا.

الوضع في هذه البلدان وغيرها، يعد مشهداً من مشاهد التحذيرات التي سبق الحديث عنها، وما زالت تنذر بمخاطر القومية الجامحة وكراهية الأجانب، وهناك عشرات وربما مئات المقالات والتحليلات السياسية، تم تداولها خلال السنوات الاخيرة حول نمو الفاشية، الشعبوية ، العنصرية، الخ. 

كل ذلك كان يبدو للبعض مبالغة، فكثر بيننا غاضبون لأعمال الشغب والعنف العنصري في تركيا، بينما هم يمارسون دور الأتراك العنصريين في أوطانهم. إنها الفاشية والشعبوية، ويؤسفني أن أقول، يبدو أنها قد تمكنت منا في كل مكان.

ميسا العمودي - كاتبة وصحافية سعودية
المملكة العربية السعودية
03.07.2024
زمن القراءة: 3 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية