fbpx

“القاعدة” في اليمن: مناوشات وغارات ومعتقلون مغيَّبون

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما زال الكثير من معتقلي تنظيم القاعدة في اليمن في السجون، مصيرهم مجهول على رغم انتهاء الحرب في اليمن بين السعوديّة وجماعة الحوثي، أبرزهم، الصحفي محمد المقري

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

توقفت الحرب في اليمن بفعل المصالحة بين السعودية وجماعة الحوثي، لكن يبدو أن نشاطاً عسكرياً آخر لا يزال نشطاً. كشف تنظيم “القاعدة” عن مقتل قيادي سعودي بارز تابع له، في غارة نفذتها القوات الأميركية شمال اليمن، وفق ما نقل موقع “سايت” المتخصص في متابعة إعلام التنظيمات المتطرفة. 

تأتي الغارة بعدما لقي 3 مقاتلين تابعين للقاعدة حتفهم في أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، في غارة يشتبه في أن تكون قد نُفّذت بطائرة مسيّرة أميركية في محافظة مأرب.

استفاد  تنظيم “القاعدة” وقتها من الفوضى في اليمن الذي شهد حرباً دموية في السنوات الماضية، واستهدف بعملياته القوات الحكومية والحوثيين على حد سواء،  لكن هجمات التنظيم تراجعت خلال السنوات الأخيرة، بعد عمليات شنتها القوات الحكومية وتحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية.

على رغم استهداف  تنظيم القاعدة في اليمن، ما زال ملف المعتقلين لدى التنظيم معلقا، إذ لم يشملوا في عمليات تبادل السجناء بعد  المصالحة السعودية مع الحوثي وهنا قصص بعض الذين غيبتهم سجون “القاعدة” في اليمن.

أين محمد المقري؟

منتصف ليلة اليوم الثاني من نيسان/ أبريل 2015 سمع سكان مدينة المكلا (شرق اليمن) دوي انفجارات، وإطلاق رصاص، لم يكن أحد يعلم وقتها ما الذي يحصل.

ما أن حلّ الصباح حتى انجلى المشهد عن مناظر مروعة، جثث جنود ملقاة في الشوارع، سيارات جيش محترقة، ومُسلحون ملثمون ينتشرون في الطرقات ويستحدثون نقاطاً عسكرية، يجوبون بسياراتهم شوارع المدينة رافعين الأعلام السوداء ويرددون “الله أكبر”. 

سيطر تنظيم “القاعدة” في جزيرة العرب على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت. اقتحم مسلحو التنظيم السجن المركزي وأطلقوا سراح السجناء بينهم خالد باطرفي المكنى بـ”أبو المقداد الكندي” زعيم “القاعدة” في اليمن وجزيرة العرب، والذي ظهر لاحقاً في صورة بالقصر الرئاسي وهو يحمل سلاحا آلياً، ويرفع سبابته، وتحت قدميه علم الجمهورية اليمنية.

رفض أبناء حضرموت حكم “القاعدة”، ونظموا نشاطات وفعاليات احتجاجية، وامتلأت سجون “القاعدة” بمناوئيها، من مدنيين وعسكريين، ونشطاء ونُفذت أحكام بالإعدام بحق عدد كبير منهم.

كان بين المختطفين صحافيون، منهم المختفي قسراً حتى اليوم محمد المقري مراسل قناة “اليمن اليوم” (التابعة للرئيس الأسبق علي عبد الله صالح) والبالغ من العمر43 سنة، وأمير باعويضان مراسل قناة “آزال” الموالية لصالح والذي أُطلق سراحه يوم انسحاب عناصر “القاعدة” من المدينة. 

اختفى تنظيم القاعدة من المكلا فجأة كما ظهر يوم 24 نيسان/ أبريل 2016، حينها دخلت “قوات النخبة” في حضرموت، وسيطرت على المدينة، واستيقظ السكان على سلطة أخرى، لكن مصير الصحافي محمد المقري ظل مجهولاً إلى اليوم.

مسلحو “القاعدة” في بيت المقري

أنجب محمد المقري طفلاً واحداً، وحين اختطف  كان عز العرب ما زال رضيعاً، اليوم وهو في طريقه إلى عامه التاسع، يشاهد الأطفال مع آبائهم، يحاصر أمه بالأسئلة: “وأنا يا أمي أين أبي؟ لماذا تركني؟ هل أبي يحبني؟”.

تقول الدكتورة أبها باعويضان زوجة المقريّ المختفي قسراً: “قلبي يتقطع ألماً حين يسألني ابني عن أبيه، عندما أجيبه أن القاعدة اختطفته، يعود ويسأل: لماذا أبي؟”.

تعمل أبها كطبيبة وهي ناشطة مجتمعية ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة (الأمل الثقافية الاجتماعية النسوية في حضرموت)، تكافح وتخوض معارك عدة، البحث عن زوجها المفقود، والعمل كطبيبة، وتوعية المجتمع والنساء بحقوقهن، وتربية طفلها.

تتذكر باعويضان يوم اختطف تنظيم القاعدة زوجها: “أتذكر ذلك اليوم وكأنه حدث للتو، قبل خروجه عصراً طلب مني عدم الذهاب إلى عملي لان تظاهرة ستنطلق اليوم 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2015  ضد (التنظيم) وربما الأوضاع تسوء، لم أذهب إلى العمل وذهب هو لتغطية التظاهرة.أكد لي، لاتقلقي لن أتأخر،سأعود باكراً، ثم قبّل الطفل وغادر”.

تابعت: “مساء جاء أخي أمير ومعه المواد الإخبارية الخاصة بالتظاهرة لإرسالها إلى القناة. بعد مغادرته بعشرين دقيقة كان جرس البيت يرن مع طرق على الباب ظنت أنه محمد لكنني استغربت لماذا لا يفتح الباب بمفتاحه؟”.

من وراء الباب في الخارج سمعت أصوات همهمات أثارت قلقها تقول:” كنت أحمل طفلي (عز) بين ذراعي، وسألت: من الطارق؟ إفتحي أنا جارتك، سكنت حديثا في الشقة المجاورة لشقتك. أجابت امراة وقلت لها: أنا لا أعرفك ولا جيران لي”.

فجأة سمعت صوت رجل يهدد “افتحي الباب قبل أن نقوم بكسره”، وتضيف: “ركضت وطفلي بين ذراعي إلى ممر في البيت لأرتدي شيئاً، كانوا أربعة رجال ملثمين مدججين بالسلاح يصوبون فوهات بنادقهم نحوي، كانت برفقتهم امراة منتقبة تحمل السلاح أيضاً، كانت تفتش غرفة نومي، ثم طلب منها أحد المسلحين نقلي إلى المطبخ، سحبتني بقوة ورمتني على أرضيته، سقط طفلي من بين ذراعي ظل يبكي والمرأة تصرخ في وجهي”أسكتي طفلك”. وأردفت: “أنت في محنة إرجعي إلى ربك واستغفريه وتوبي إليه”. 

“أخذوا كل شيء حتى ألبوم صوري وشهادتي الجامعية وغادروا، بعدما أقفلوا باب المطبخ علي، جاء أحد إخوتي وأخبرني أن القاعدة خطفت زوجي وشقيقنا أمير”.

مذ اختطف تنظيم “القاعدة” الصحافي محمد المقري وأمه طريحة الفراش تعيش على أمل رؤية ولدها، تقول لزوجة ابنها: “أريد رؤية حفيدي قبل موتي”،  لكن أبها تعرف إنَّ الطريق الى مع طفلٍ صغير مليء بالمخاطر، إضافة إلى أن المدينة تخضع لسيطرة مليشيا الحوثي وهي ناشطة وكانت مديرة مستشفى في حكومة الشرعية (المعترف بها دولياً).

يصف سكرتير لجنة الحريات في “نقابة الصحافيين” أشرف الريفي وضع محمد قائد المقري بـ”الخطير والغامض”، مشيراً إلى أن قضيته من أخطر  قضايا الصحفيين في اليمن حتى الآن، فالجهة التي اختطفته كانت تنظيم القاعدة، “وهي سلطة كانت تسيطر على حضرموت، واختفت وبين ليلة وضحاها، وبمجرد دخول القوات الحكومية اختفت ولا نعلم أين ذهبت ولم تظهر جهة معنية نستطيع مخاطبتها”.

يشير الريفي إلى قصص خطف مشابهة ، حينها كانت القاعدة تنشر فيديوهات عن المختطفين،  وتكون هناك نقطة اتصال، ويتم التفاوض مع الخاطفين، لكن في وضع المقري لم يحدث هذا، ولا توجد أي معلومات حول وضعه، وحتى بعض من كانوا يحكمون في حضرموت بإسم القاعدة وعادوا كمواطنين عاديين يدّعون عدم معرفتهم بوضع المقري.

وأضاف: “النقابة دعمت كل الجهود حتى التي بذلتها شخصيات قبلية من أجل الإفراج عنه وعن زميله أمير باعويضان، أطلق سراح أمير، فيما ظل محمد المقري مختفياً وظل مصيره مجهولاً، وعلى رغم الوعود الكثيرة، إلا أن العجز سيطر علينا إذ لم نحصل على معلومات مؤكدة”. 

أمير باعوضان…نصف عام من التعذيب في سجون القاعدة


بعد سيطرتها على المكلا عاصمة حضرموت حاولت القاعدة الحصول على تأييد شعبي وإقناع الناس بقبولها كسلطة ومن أجل ذلك ساقت مبررات كثيرة منها (حماية المدينة من السقوط بيد الحوثيين) لكن الرفض الشعبي لتواجدها كان يتصاعد يوماً بعد آخر وبدأت الفعاليات الاحتجاجية ضدها، كان أكبرها مظاهرة تشرين التي على إثرها شن التنظيم حملة ملاحقات ومداهمات واعتقالات طاولت العشرات من منظميها والمشاركين فيها بينهم الصحافي أمير باعويضان الذي أطلق سراحه بعد نحو 7 أشهر من الاختفاء القسري، ومحمد المقري.

في ذلك اليوم اعترض مسلحو القاعدة سيارة  الصحفي أمير باعويضان، وتم الاعتداء عليه وعلى أصدقائه حتى سالت منهم الدماء، وأخذوهم معصوبي الأعين ومقيدين بالسلاسل إلى مكان مجهول (يعتقد أمير أنه القصر الجمهوري الذي اتخذه أمير التنظيم خالد باطرفي مقراً له).

وجّهت إلى باعويضان تهمة التحريض على “المجاهدين”، وفي التحقيقات سألوه عن محمد المقري وعلاقته به، وتعرض السجناء لضرب شديد حتى كسرت أحد أسنان أمير الأمامية، وبسبب شدة الضرب  اضطر أحد المعتقلين إلى إخبارهم عن اسم المقهى الذي يرتاده المقري. 

يحثنا أمير عن المقري قائلاً”فرقونا في حجرات منفصلة، كنت اسمع صراخ محمد أثناء تعذيبه، المرة الأخيرة التي رأيته فيها كانت عندما أردت دخول الحمام، طلبوا مني وضع العصابة على عيني وذهبت بمعية أحد مسلحيهم، وعندما فتحت عيني وجدت نفسي في صالة بها عدة حمامات وعشرات السجناء يقفون في طابور بانتظار دورهم لدخول الحمام؛ بينهم محمد سألته عن الأسئلة التي وجهت إليه في التحقيق، فأجاب “اتهموني بالارتباط بالأمن القومي”.

يوضح باعويضان: “تعرفت إلى صوت محمد أثناء تعذيبه، لأن السجون عبارة عن بيوت بغرف متجاورة، في نوافذها بقضبان حديدية، لهذا يمكننا سماع صراخ وانين السجناء أثناء تعرضهم للتعذيب ومن السهل تمييز أصوات من نعرفهم”.

يصف أمير فترة السجن بأنها مؤلمة إذ تعرض للتعذيب، “لقد كانوا يعدمون كل أسبوع شخصاً، من دون أن يعرف حتى ما هي تهمته”.

عن الساعات الأخيرة في السجن يختتم: “بعد أسبوعين من وجودي في سجن الحسبة وحين كنا نؤدي صلاة القيام سمعنا أصوات طيران وانفجارات، كانت قوات النخبة الحضرمية يساندها طيران التحالف يحرر المدينة من تنظيم القاعدة، أخذونا بسيارات إلى الشاطئ، خفنا من أن يتم إعدامنا مثلما كنا نشاهد في أفلامهم. أخرجونا من السيارات وتركونا راكعين على الرمال، وأطلقوا الرصاص. اعتقدت أنهم بدأوا بتصفيتنا إلا أن أحد السجناء التفت إلى الوراء؛ كان عناصر التنظيم قد لاذوا بالفرار”.

هل تمت تصفية محمد المقري؟

يقول عبد الولي المذابي المدير العام التنفيذي في قناة اليمن اليوم التي كان يعمل المقري مراسلا لها “لسنا متفائلين بأن مراسلنا محمد المقري مايزال على قيد الحياة فبالنسبة إلى التهم التي نسبوها إليه، ربما تمت تصفيته، ولأنه كان مراسلاً لقناة اليمن اليوم وأيضا من الشمال، فهذان الأمران بالطبع زادا وضعه سوءاً”.

لأمير رأي آخر: “تنظيم القاعدة لم يقم بتصفية المقري لأن الأشخاص الذين يتم إعدامهم، تقوم القاعدة ببث تسجيل مصور من اعترافاتهم في التحقيقات، مع الحكم القاضي بإعدامهم”، “أخذوه مع سجناء آخرين معهم في نفس السيارات أثناء هروبهم” يؤكد.

يرد المذابي عن تساؤلات حول جهود القناة في البحث عن مراسلها :”لم نتخل عنه وكنا نتابع قضيته، بيد أن زوجته خوفاً عليه واعتقاداً منها بأن الحديث عنه سيضره، طلبت عدم النشر”.

أين اختفى تنظيم “القاعدة” في اليمن؟

في تغريدة على حسابه الرسمي على تويتر أعلن برنامج “مكافآت من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأميركية يوم 24 حزيران/ يونيو 2021 عن مكافأة مالية قدرها 5 ملايين دولار مقابل الإدلاء بمعلومات تقود لزعيم تنظيم القاعدة في اليمن خالد باطرفي. وقال: “بينما يسرح قادته في تنظيم القاعدة ويمرحون في إيران التي يتخذونها مقراً لهم، يقوم خالد باطرفي وأتباعه بتنفيذ تعليمات هؤلاء القادة بإراقة دماء الأبرياء في اليمن”.

يستبعد الصحافي الحضرموتي محمد الشرفي وجود تواصل بين قبائل حضرموت و”القاعدة”، فالقبائل في المحافظة ترفض الفكر المتطرف يقول:”وبحسب علمي لم يتم التواصل معهم بخصوص قضية محمد المقري، أيضا هناك عدد من أبناء حضرموت ما زالوا مختطفين لدى التنظيم ولا نعرف شيئاً عنهم”.

يخبرنا محمد الشرفي عن نشاط تنظيم القاعدة  في اليمن حالياً قائلا:”ينشط في كثير من المناطق اليمنية ،وبالنسبة لتواجدهم في حضرموت في المقاتلون حالياً في وديان وشعاب على حدود حضرموت وشبوة من الجهة الغربية والشمالية وفي مناطق بمأرب،وليس مستبعد وجود خلاياه النائمة في معظم المدن اليمنية”. 

تقول عضو الهيئة الاستشارية بمركز صنعاء للدراسات إليزابيث كيندال:”يبدو تنظيم القاعدة في اليمن الآن أضعف من أي وقت مضى تقريباً منذ اتحد فرعاه السعودي واليمني لتشكيل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عام 2009 وبلغت حظوظ التنظيم ذروتها عام 2015 عندما أنشأ كيان يشبه الدولة في مدينة المكلا”.

نشرت كيندال، التي تعمل أيضاً باحثة في الدراسات العربية والإسلامية بجامعة أكسفورد، مقالاً  تحليلي بعنوان(أين تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الآن) صدر في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 ، تقول فيه أن  من الأسباب التي أدت الى ضعف التنظيم وتراجعه، الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والتي تكثفت بعد عام 2016، حين طرده من المكلا القوات الإماراتية وحلفاؤها المحليين، كما أن تجنيد الإمارات للقوات المحلية في مناطق رئيسية بالجنوب، أدى  إلى تعطيل قدرات “القاعدة” على تجنيد العناصر واستبقائهم.

تشير كيندال الى تدهور التنظيم أواخر 2018 واقتصر نشاطه العملياتي الى حد كبير كما تقول في محافظتي البيضاء الخاضعة لسيطرة (الحوثيين) وأبين التي تسيطر عليها (الحكومة المعترف بها دولياً)، لكنها ترجح إن تنظيم “القاعدة” يصنع الآن قضية مشتركة مع الميليشيات الرئيسية النشطة في حرب اليمن .

تشير كيندال أيضاً إلى تداخل المصالح الجهادية مع المصالح السياسية والاقتصادية والجنائية المتنوعة، والتي تشمل الاستفادة من الحرب، وإذكاء التوترات داخل التحالف الذي تقوده السعودية، وإفساد الطموحات الديمقراطية، وإفشال اتفاق الرياض المبرم عام 2019.

17.06.2023
زمن القراءة: 8 minutes

ما زال الكثير من معتقلي تنظيم القاعدة في اليمن في السجون، مصيرهم مجهول على رغم انتهاء الحرب في اليمن بين السعوديّة وجماعة الحوثي، أبرزهم، الصحفي محمد المقري

توقفت الحرب في اليمن بفعل المصالحة بين السعودية وجماعة الحوثي، لكن يبدو أن نشاطاً عسكرياً آخر لا يزال نشطاً. كشف تنظيم “القاعدة” عن مقتل قيادي سعودي بارز تابع له، في غارة نفذتها القوات الأميركية شمال اليمن، وفق ما نقل موقع “سايت” المتخصص في متابعة إعلام التنظيمات المتطرفة. 

تأتي الغارة بعدما لقي 3 مقاتلين تابعين للقاعدة حتفهم في أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، في غارة يشتبه في أن تكون قد نُفّذت بطائرة مسيّرة أميركية في محافظة مأرب.

استفاد  تنظيم “القاعدة” وقتها من الفوضى في اليمن الذي شهد حرباً دموية في السنوات الماضية، واستهدف بعملياته القوات الحكومية والحوثيين على حد سواء،  لكن هجمات التنظيم تراجعت خلال السنوات الأخيرة، بعد عمليات شنتها القوات الحكومية وتحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية.

على رغم استهداف  تنظيم القاعدة في اليمن، ما زال ملف المعتقلين لدى التنظيم معلقا، إذ لم يشملوا في عمليات تبادل السجناء بعد  المصالحة السعودية مع الحوثي وهنا قصص بعض الذين غيبتهم سجون “القاعدة” في اليمن.

أين محمد المقري؟

منتصف ليلة اليوم الثاني من نيسان/ أبريل 2015 سمع سكان مدينة المكلا (شرق اليمن) دوي انفجارات، وإطلاق رصاص، لم يكن أحد يعلم وقتها ما الذي يحصل.

ما أن حلّ الصباح حتى انجلى المشهد عن مناظر مروعة، جثث جنود ملقاة في الشوارع، سيارات جيش محترقة، ومُسلحون ملثمون ينتشرون في الطرقات ويستحدثون نقاطاً عسكرية، يجوبون بسياراتهم شوارع المدينة رافعين الأعلام السوداء ويرددون “الله أكبر”. 

سيطر تنظيم “القاعدة” في جزيرة العرب على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت. اقتحم مسلحو التنظيم السجن المركزي وأطلقوا سراح السجناء بينهم خالد باطرفي المكنى بـ”أبو المقداد الكندي” زعيم “القاعدة” في اليمن وجزيرة العرب، والذي ظهر لاحقاً في صورة بالقصر الرئاسي وهو يحمل سلاحا آلياً، ويرفع سبابته، وتحت قدميه علم الجمهورية اليمنية.

رفض أبناء حضرموت حكم “القاعدة”، ونظموا نشاطات وفعاليات احتجاجية، وامتلأت سجون “القاعدة” بمناوئيها، من مدنيين وعسكريين، ونشطاء ونُفذت أحكام بالإعدام بحق عدد كبير منهم.

كان بين المختطفين صحافيون، منهم المختفي قسراً حتى اليوم محمد المقري مراسل قناة “اليمن اليوم” (التابعة للرئيس الأسبق علي عبد الله صالح) والبالغ من العمر43 سنة، وأمير باعويضان مراسل قناة “آزال” الموالية لصالح والذي أُطلق سراحه يوم انسحاب عناصر “القاعدة” من المدينة. 

اختفى تنظيم القاعدة من المكلا فجأة كما ظهر يوم 24 نيسان/ أبريل 2016، حينها دخلت “قوات النخبة” في حضرموت، وسيطرت على المدينة، واستيقظ السكان على سلطة أخرى، لكن مصير الصحافي محمد المقري ظل مجهولاً إلى اليوم.

مسلحو “القاعدة” في بيت المقري

أنجب محمد المقري طفلاً واحداً، وحين اختطف  كان عز العرب ما زال رضيعاً، اليوم وهو في طريقه إلى عامه التاسع، يشاهد الأطفال مع آبائهم، يحاصر أمه بالأسئلة: “وأنا يا أمي أين أبي؟ لماذا تركني؟ هل أبي يحبني؟”.

تقول الدكتورة أبها باعويضان زوجة المقريّ المختفي قسراً: “قلبي يتقطع ألماً حين يسألني ابني عن أبيه، عندما أجيبه أن القاعدة اختطفته، يعود ويسأل: لماذا أبي؟”.

تعمل أبها كطبيبة وهي ناشطة مجتمعية ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة (الأمل الثقافية الاجتماعية النسوية في حضرموت)، تكافح وتخوض معارك عدة، البحث عن زوجها المفقود، والعمل كطبيبة، وتوعية المجتمع والنساء بحقوقهن، وتربية طفلها.

تتذكر باعويضان يوم اختطف تنظيم القاعدة زوجها: “أتذكر ذلك اليوم وكأنه حدث للتو، قبل خروجه عصراً طلب مني عدم الذهاب إلى عملي لان تظاهرة ستنطلق اليوم 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2015  ضد (التنظيم) وربما الأوضاع تسوء، لم أذهب إلى العمل وذهب هو لتغطية التظاهرة.أكد لي، لاتقلقي لن أتأخر،سأعود باكراً، ثم قبّل الطفل وغادر”.

تابعت: “مساء جاء أخي أمير ومعه المواد الإخبارية الخاصة بالتظاهرة لإرسالها إلى القناة. بعد مغادرته بعشرين دقيقة كان جرس البيت يرن مع طرق على الباب ظنت أنه محمد لكنني استغربت لماذا لا يفتح الباب بمفتاحه؟”.

من وراء الباب في الخارج سمعت أصوات همهمات أثارت قلقها تقول:” كنت أحمل طفلي (عز) بين ذراعي، وسألت: من الطارق؟ إفتحي أنا جارتك، سكنت حديثا في الشقة المجاورة لشقتك. أجابت امراة وقلت لها: أنا لا أعرفك ولا جيران لي”.

فجأة سمعت صوت رجل يهدد “افتحي الباب قبل أن نقوم بكسره”، وتضيف: “ركضت وطفلي بين ذراعي إلى ممر في البيت لأرتدي شيئاً، كانوا أربعة رجال ملثمين مدججين بالسلاح يصوبون فوهات بنادقهم نحوي، كانت برفقتهم امراة منتقبة تحمل السلاح أيضاً، كانت تفتش غرفة نومي، ثم طلب منها أحد المسلحين نقلي إلى المطبخ، سحبتني بقوة ورمتني على أرضيته، سقط طفلي من بين ذراعي ظل يبكي والمرأة تصرخ في وجهي”أسكتي طفلك”. وأردفت: “أنت في محنة إرجعي إلى ربك واستغفريه وتوبي إليه”. 

“أخذوا كل شيء حتى ألبوم صوري وشهادتي الجامعية وغادروا، بعدما أقفلوا باب المطبخ علي، جاء أحد إخوتي وأخبرني أن القاعدة خطفت زوجي وشقيقنا أمير”.

مذ اختطف تنظيم “القاعدة” الصحافي محمد المقري وأمه طريحة الفراش تعيش على أمل رؤية ولدها، تقول لزوجة ابنها: “أريد رؤية حفيدي قبل موتي”،  لكن أبها تعرف إنَّ الطريق الى مع طفلٍ صغير مليء بالمخاطر، إضافة إلى أن المدينة تخضع لسيطرة مليشيا الحوثي وهي ناشطة وكانت مديرة مستشفى في حكومة الشرعية (المعترف بها دولياً).

يصف سكرتير لجنة الحريات في “نقابة الصحافيين” أشرف الريفي وضع محمد قائد المقري بـ”الخطير والغامض”، مشيراً إلى أن قضيته من أخطر  قضايا الصحفيين في اليمن حتى الآن، فالجهة التي اختطفته كانت تنظيم القاعدة، “وهي سلطة كانت تسيطر على حضرموت، واختفت وبين ليلة وضحاها، وبمجرد دخول القوات الحكومية اختفت ولا نعلم أين ذهبت ولم تظهر جهة معنية نستطيع مخاطبتها”.

يشير الريفي إلى قصص خطف مشابهة ، حينها كانت القاعدة تنشر فيديوهات عن المختطفين،  وتكون هناك نقطة اتصال، ويتم التفاوض مع الخاطفين، لكن في وضع المقري لم يحدث هذا، ولا توجد أي معلومات حول وضعه، وحتى بعض من كانوا يحكمون في حضرموت بإسم القاعدة وعادوا كمواطنين عاديين يدّعون عدم معرفتهم بوضع المقري.

وأضاف: “النقابة دعمت كل الجهود حتى التي بذلتها شخصيات قبلية من أجل الإفراج عنه وعن زميله أمير باعويضان، أطلق سراح أمير، فيما ظل محمد المقري مختفياً وظل مصيره مجهولاً، وعلى رغم الوعود الكثيرة، إلا أن العجز سيطر علينا إذ لم نحصل على معلومات مؤكدة”. 

أمير باعوضان…نصف عام من التعذيب في سجون القاعدة


بعد سيطرتها على المكلا عاصمة حضرموت حاولت القاعدة الحصول على تأييد شعبي وإقناع الناس بقبولها كسلطة ومن أجل ذلك ساقت مبررات كثيرة منها (حماية المدينة من السقوط بيد الحوثيين) لكن الرفض الشعبي لتواجدها كان يتصاعد يوماً بعد آخر وبدأت الفعاليات الاحتجاجية ضدها، كان أكبرها مظاهرة تشرين التي على إثرها شن التنظيم حملة ملاحقات ومداهمات واعتقالات طاولت العشرات من منظميها والمشاركين فيها بينهم الصحافي أمير باعويضان الذي أطلق سراحه بعد نحو 7 أشهر من الاختفاء القسري، ومحمد المقري.

في ذلك اليوم اعترض مسلحو القاعدة سيارة  الصحفي أمير باعويضان، وتم الاعتداء عليه وعلى أصدقائه حتى سالت منهم الدماء، وأخذوهم معصوبي الأعين ومقيدين بالسلاسل إلى مكان مجهول (يعتقد أمير أنه القصر الجمهوري الذي اتخذه أمير التنظيم خالد باطرفي مقراً له).

وجّهت إلى باعويضان تهمة التحريض على “المجاهدين”، وفي التحقيقات سألوه عن محمد المقري وعلاقته به، وتعرض السجناء لضرب شديد حتى كسرت أحد أسنان أمير الأمامية، وبسبب شدة الضرب  اضطر أحد المعتقلين إلى إخبارهم عن اسم المقهى الذي يرتاده المقري. 

يحثنا أمير عن المقري قائلاً”فرقونا في حجرات منفصلة، كنت اسمع صراخ محمد أثناء تعذيبه، المرة الأخيرة التي رأيته فيها كانت عندما أردت دخول الحمام، طلبوا مني وضع العصابة على عيني وذهبت بمعية أحد مسلحيهم، وعندما فتحت عيني وجدت نفسي في صالة بها عدة حمامات وعشرات السجناء يقفون في طابور بانتظار دورهم لدخول الحمام؛ بينهم محمد سألته عن الأسئلة التي وجهت إليه في التحقيق، فأجاب “اتهموني بالارتباط بالأمن القومي”.

يوضح باعويضان: “تعرفت إلى صوت محمد أثناء تعذيبه، لأن السجون عبارة عن بيوت بغرف متجاورة، في نوافذها بقضبان حديدية، لهذا يمكننا سماع صراخ وانين السجناء أثناء تعرضهم للتعذيب ومن السهل تمييز أصوات من نعرفهم”.

يصف أمير فترة السجن بأنها مؤلمة إذ تعرض للتعذيب، “لقد كانوا يعدمون كل أسبوع شخصاً، من دون أن يعرف حتى ما هي تهمته”.

عن الساعات الأخيرة في السجن يختتم: “بعد أسبوعين من وجودي في سجن الحسبة وحين كنا نؤدي صلاة القيام سمعنا أصوات طيران وانفجارات، كانت قوات النخبة الحضرمية يساندها طيران التحالف يحرر المدينة من تنظيم القاعدة، أخذونا بسيارات إلى الشاطئ، خفنا من أن يتم إعدامنا مثلما كنا نشاهد في أفلامهم. أخرجونا من السيارات وتركونا راكعين على الرمال، وأطلقوا الرصاص. اعتقدت أنهم بدأوا بتصفيتنا إلا أن أحد السجناء التفت إلى الوراء؛ كان عناصر التنظيم قد لاذوا بالفرار”.

هل تمت تصفية محمد المقري؟

يقول عبد الولي المذابي المدير العام التنفيذي في قناة اليمن اليوم التي كان يعمل المقري مراسلا لها “لسنا متفائلين بأن مراسلنا محمد المقري مايزال على قيد الحياة فبالنسبة إلى التهم التي نسبوها إليه، ربما تمت تصفيته، ولأنه كان مراسلاً لقناة اليمن اليوم وأيضا من الشمال، فهذان الأمران بالطبع زادا وضعه سوءاً”.

لأمير رأي آخر: “تنظيم القاعدة لم يقم بتصفية المقري لأن الأشخاص الذين يتم إعدامهم، تقوم القاعدة ببث تسجيل مصور من اعترافاتهم في التحقيقات، مع الحكم القاضي بإعدامهم”، “أخذوه مع سجناء آخرين معهم في نفس السيارات أثناء هروبهم” يؤكد.

يرد المذابي عن تساؤلات حول جهود القناة في البحث عن مراسلها :”لم نتخل عنه وكنا نتابع قضيته، بيد أن زوجته خوفاً عليه واعتقاداً منها بأن الحديث عنه سيضره، طلبت عدم النشر”.

أين اختفى تنظيم “القاعدة” في اليمن؟

في تغريدة على حسابه الرسمي على تويتر أعلن برنامج “مكافآت من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأميركية يوم 24 حزيران/ يونيو 2021 عن مكافأة مالية قدرها 5 ملايين دولار مقابل الإدلاء بمعلومات تقود لزعيم تنظيم القاعدة في اليمن خالد باطرفي. وقال: “بينما يسرح قادته في تنظيم القاعدة ويمرحون في إيران التي يتخذونها مقراً لهم، يقوم خالد باطرفي وأتباعه بتنفيذ تعليمات هؤلاء القادة بإراقة دماء الأبرياء في اليمن”.

يستبعد الصحافي الحضرموتي محمد الشرفي وجود تواصل بين قبائل حضرموت و”القاعدة”، فالقبائل في المحافظة ترفض الفكر المتطرف يقول:”وبحسب علمي لم يتم التواصل معهم بخصوص قضية محمد المقري، أيضا هناك عدد من أبناء حضرموت ما زالوا مختطفين لدى التنظيم ولا نعرف شيئاً عنهم”.

يخبرنا محمد الشرفي عن نشاط تنظيم القاعدة  في اليمن حالياً قائلا:”ينشط في كثير من المناطق اليمنية ،وبالنسبة لتواجدهم في حضرموت في المقاتلون حالياً في وديان وشعاب على حدود حضرموت وشبوة من الجهة الغربية والشمالية وفي مناطق بمأرب،وليس مستبعد وجود خلاياه النائمة في معظم المدن اليمنية”. 

تقول عضو الهيئة الاستشارية بمركز صنعاء للدراسات إليزابيث كيندال:”يبدو تنظيم القاعدة في اليمن الآن أضعف من أي وقت مضى تقريباً منذ اتحد فرعاه السعودي واليمني لتشكيل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عام 2009 وبلغت حظوظ التنظيم ذروتها عام 2015 عندما أنشأ كيان يشبه الدولة في مدينة المكلا”.

نشرت كيندال، التي تعمل أيضاً باحثة في الدراسات العربية والإسلامية بجامعة أكسفورد، مقالاً  تحليلي بعنوان(أين تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الآن) صدر في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 ، تقول فيه أن  من الأسباب التي أدت الى ضعف التنظيم وتراجعه، الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والتي تكثفت بعد عام 2016، حين طرده من المكلا القوات الإماراتية وحلفاؤها المحليين، كما أن تجنيد الإمارات للقوات المحلية في مناطق رئيسية بالجنوب، أدى  إلى تعطيل قدرات “القاعدة” على تجنيد العناصر واستبقائهم.

تشير كيندال الى تدهور التنظيم أواخر 2018 واقتصر نشاطه العملياتي الى حد كبير كما تقول في محافظتي البيضاء الخاضعة لسيطرة (الحوثيين) وأبين التي تسيطر عليها (الحكومة المعترف بها دولياً)، لكنها ترجح إن تنظيم “القاعدة” يصنع الآن قضية مشتركة مع الميليشيات الرئيسية النشطة في حرب اليمن .

تشير كيندال أيضاً إلى تداخل المصالح الجهادية مع المصالح السياسية والاقتصادية والجنائية المتنوعة، والتي تشمل الاستفادة من الحرب، وإذكاء التوترات داخل التحالف الذي تقوده السعودية، وإفساد الطموحات الديمقراطية، وإفشال اتفاق الرياض المبرم عام 2019.

17.06.2023
زمن القراءة: 8 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية