fbpx

انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة …  الكارثة التي تطال المرضى والأطباء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

القطاع الصحي في غزة وصل إلى الانهيار، ولم يعد الأمر يقف عند القصف وحملات الاقتحام، بل يواجه أيضاً تحديات نقص المعدات والماء والغذاء ونقص الكوادر .

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انقضى نصف الشهر الثالث من الحرب على غزّة، مخلفاً دمار يحتاج سكان القطاع لعقد من الزمن لإعادة إعماره وبنائه من جديد، أما القطاع الصحي فلم يعد على شفا حفرة كما السابق، وإنما وصل إلى الهاوية تقريبا، جراء انهياره في شمال القطاع ومدينة غزة، يرافقه عجز كامل في عمل المستشفيات والمنظومة الصحية ككل، وعجز في الكوادر الطبية والمواد والمعدات والأدوية، فلا وقود ولا مياه.

النداءات والصرخات التي انطلقت من داخل المستشفيات لحمايتها لم تجدي نفعا، فالجيش الإسرائيليّ تعمد منذ بداية الحرب استهداف المنظومة الصحية في القطاع، ضاربا بعرض الحائط كافة ما يسمى بالمعاهدات والمواثيق الدولية التي تكفل حماية المنشآت الصحيّة والمرضى المدنيين بداخلها.

أظهرت الإحصائيات الأخيرة لوزارة الصحة في غزة، ارتفاع عدد القتلى إلى 19667 و 52586 إصابة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وتم استهداف 138 مؤسسة صحية وإخراج 22 مستشفى و52 مركز صحي، ومقتل310 عامل صحياً وتدمير 102 سيارة اسعاف.

تصفية القطاع الصحي

ما شهده مجمع الشفاء الطبي من قصف واقتحام، تكرر ضمن فترات متقاربة في عدة مستشفيات بالقطاع، فهناك مستشفى كمال العدوان الذي دُمر الجزء الجنوبي منه بشكل كامل بجرافات الجيش الإسرائيلي التي دفنت بصورة وحشية المواطنين في ساحة المستشفى تحت الرمال، وأخذت كوادر المستشفى الذكور لجهة غير معلومة، تكرر الأمر أيضا مع المستشفى المعمداني في غزة، الذي أغلقه الجيش الإسرائيلي واحتجز موظفيه، ودمر مدخله الرئيسي.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل إلى مستشفى العودة في جباليا الذي حوله الجيش الإسرائيلي إلى ثكنة عسكرية، واعتقل من داخله 240 شخصاً منهم 80 كادراً طبياً و40 مريضاً و120 نازحاً داخل المستشفى بلا ماء أو طعام أو دواء كما ومنعت الحركة بين الأقسام، كما اعتقلت 6 من كوادر المستشفى بينهم مديره الدكتور أحمد مهنا بالإضافة لمريض ومرافق.

دكتور أشرف القدرة الناطق الإعلامي بإسم وزارة الصحة في قطاع غزة قال في بيان صحفي إن الجيش الإسرائيلي يتعمد تصفية الوجود الصحي شمال غزة بتدمير المستشفيات و اعتقال كوادرها وهذا “يشكل إعدام لنحو 800 ألف نسمة هناك”، كما أن الوضع الصحي في مستشفيات جنوب غزة كارثي ومعقد نتيجة عدم توفر الإمكانيات السريرية والطبية والبشرية المناسبة لحجم أعداد ونوعية المصابين.

وتابع إن غرف العمليات في مستشفيات جنوب غزة مكتظة ولا تستطيع الاستجابة للأعداد الكبيرة من الإصابات الحرجة والخطيرة والمعقدة مما يؤدي الى فقدان حياة العديد وهم ينتظرون مناشدات المؤسسات الدولية بالتحرك العاجل لتوفير الادوية والمستهلكات الطبية والوقود والفرق الطبية المتخصصة.

اعتقل الجيش الإسرائيلي 93 عاملاً صحياً، على رأسهم مدراء مستشفيات شمال غزة دكتور محمد ابو سلمية ودكتور أحمد الكحلوت ودكتور أحمد مهنا الذين يعانون  “ظروف غير إنسانية والاستجواب تحت التعذيب والتجويع والبرد القارس”، بحسب القدرة.

ما يفعله الجيش الإسرائيلي الآن داخل مستشفيات القطاع من اعتقالات يخالف اتفاقية جنيف الرابعة والتي كفلت موادها الحماية الكاملة للمستشفيات المدنية للكوادر الطبية، فبحسب المادة (18) ” لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات”.

بينما تنص المادة (20)”يجب احترام وحماية الموظفين المخصصين كلية بصورة منتظمة لتشغيل وإدارة المستشفيات المدنية، بمن فيهم الأشخاص المكلفون بالبحث عن الجرحى والمرضى المدنيين والعجزة والنساء النفاس وجمعهم ونقلهم ومعالجتهم”.

استهداف سيارات الإسعاف

قبل أيام قتل مصور قناة الجزيرة بغزة سامر أبو دقة متأثرا بإصابته أثناء تغطيته لقصف مدرسة في خان يونس، بقي ينزف ما يقارب 5 ساعات دون وصول أي من كوادر الإسعاف إليه، نتيجة استهداف الجيش الإسرائيلي المتكرر للمكان، ليفارق سامر و3 من كوادر الدفاع المدني الحياة، وهذا السيناريو ليس الوحيد، فإعاقة حركة مركبات الإسعاف سياسية إسرائيلية قتل إثرها العشرات من المصابين.

يبلغ عدد الكوادر العاملة في الهلال الأحمر في قطاع غزة أكثر من 180 شخص من العاملين والمتطوعين ومن المسعفين وسائقي الإسعاف وضباط الحركة بالإضافة للمستجيبين الأوائل الذين تم توزيعهم على المناطق الأكثر سخونة، والتي يصعب الوصول إليها عبر مركبات الإسعاف أو أصبحت محاصرة بالآليات العسكرية الإسرائيلية.

الناطق الإعلامي للهلال الأحمر الفلسطيني محمد مصبح يوضح لــ”درج” أن الجمعية في غزة تعمل ضمن بروتوكول دولي للتعامل مع الإصابات في الميدان والمناطق الخطرة ويتبع مجموعة من الإجراءات والمعايير للوصول الآمن للمصابين. ولكن الواقع الصحي بقطاع غزة غاية في الصعوبة ومعقد لـأن ضابط الإسعاف يعمل بدون توفر أدوات الحماية نتيجة منع دخولها من قبل إسرائيل التي تحاصر غزة منذ أكثر من 15 عاما.

أضاف مصبح أن الجيش الإسرائيلي تعمد خلال الحرب قصف المنازل المدنية فوق رؤوس ساكنيها دون سابق إنذار، ما صعّب  عملية انتشال جثث القتلى والمصابين في ظل انعدام كامل للإمكانيات، إضافة إلى أن الطرق والبنى التحتية دُمّرت بشكل كلي، ما يصعب حركة مركبات الإسعاف وعدم القدرة على الوصول لأماكن القصف، خاصة مع تمركز الجيش الإسرائيلي عند مفترقات الطرق الرئيسية والمرتفعات التي تسيطر عليها، وبالتالي إطلاق النار على هذه المركبات حال دون الوصول أيضا.

ويؤكد مصبح على أن الهلال الأحمر يعمل بكامل قدراته التشغيلية، فقد شغل 30 سيارة إسعاف خلال فترة العدوان من أصل 43 دمرت 13 سيارة منها بشكل كامل نتيجة الاستهداف المباشر للطواقم وراح ضحيتها 3 زملاء وأكثر من 30 مسعف متطوع وضابط إسعاف أصيبوا بإصابات بين متوسطة وطفيفة.

ويتابع إن محافظة غزة سقطت بشكل كامل من خدمات الهلال الأحمر الفلسطيني، وتم إعداد نقطة إسعافية ميدانية في الشمال تساند القطاع الصحي الذي أصبح منتهيا تقريبا بعد سقوط مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة والمستشفى الأندونيسي الذي يعمل بأعداد بسيطة وكوادر معدودة ولا يستوعب أعداد الإصابات التي يستقبل من الميدان.

إعاقة عمل طواقم الدفاع المدني والمسعفين يتنافى بشكل كلي أيضا مع المادة (21) من اتفاقية جنيف الرابعة والتي تنص على احترام وحماية عمليات نقل الجرحى والمرضى المدنيين والعجزة والنساء النفاس التي تجري في البر بواسطة قوافل المركبات وقطارات المستشفى أو في البحر بواسطة سفن مخصصة لهذا النقل.

شهادات من الميدان

مدير مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار في رفح الدكتور مروان الهمص قال، “إنه لا يوجد علاج أو دواء لنحو مليون و300 ألف شخص في مراكز إيواء رفح، ولا نملك أي علاج لمرضى السرطان سوى المسكنات وهم مهددون بالموت مع استمرار الوضع الحالي، ولا يوجد أي مكان آمن في غزة الآن”.

أما مدير العلاقات العامة والإعلام في مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة محمد عزمي الحاج قال لــ”درج”، إن الوضع الصحي داخل القطاع كارثي، منوها بأن الكوادر الطبية حذرت بعدم المساس بالمنظومة الصحية لكن الجيش الإسرائيلي تعمد استهداف كل المستشفيات والطواقم والكوادر الصحية في قطاع غزة، وخروج كل مستشفيات مدينة غزة والشمال عن الخدمة، والضغط على مستشفيات الوسط والجنوب التي أصبحت غير قادرة نهائيا على تحمل الأعداد الكبيرة من المصابين والمرضى.

وتابع قائلاً أن المرضى مكدسين في الممرات وفي كل مساحة فارغة في المستشفى الذي كان يحوي على 50 سرير جراحي فقط، والآن أصبح فيه أكثر من 650 سرير جراحي وهو تحدي كبير وحقيقي للمنظومة الصحية بشكل عام، فعشرات الحالات تصل دفعة واحدة، ومن أجل توسعة وزيادة السعة السريرية وزيادة طاقة الإستيعاب للجرحى، تم نقل خدمة الولادة إلى مستشفى العودة، واليوم باتت المستشفيات تناشد العالم بسبب نقص المياه والغذاء والدواء، وأصبحت تعمل بالحد الأدنى فما كان يستخدم لمريض واحد أصبح يستخدم اثنين وثلاثة مرضى.

وأضاف الحاج  قائلاً :”يوجد تحديات حقيقة تتجدد مع استمرار العدوان ، هناك حالات خطرة جدا تصل للمستشفيات بعضها يحتاج لمراكز متقدمة جدا من أجل تقديم خدمة ورعاية صحية، وبعض الحالات تحتاج لإجراء أكثر من عملية في آن واحد ،وهذا كله أكبر من قدرة المستشفيات، واضطر الأطباء في أحيان إلى المفاضلة بين المرضى فالذي لديه فرصة حياة أكبر طبيا يتم إنقاذه قبل الآخر وبالتالي هو شيء مؤلم نفسيا على الطواقم الطبية”.

يتابع الحاج متحدثاً عن أفراد من الطواقم الصحية والأطباء ممن لم يغادروا المستشفى منذ أكثر 70 يوم وهناك من يعمل بنظام 24 ساعة عمل و24 ساعة راحة، ومنهم من لم يغادر منذ أسبوع كل حسب البدائل والعمل والمهارة، ما تسبب بضغط نفسي وجسدي حقيقي وصل حد الإنهيار.

من جانب آخر الدكتور إياد الجبري المدير الطبي في مستشفى شهداء الأقصى يؤكد لــ”درج”، أن هناك قصور في عمل الكوادر الطبية والمستشفيات بسبب نقص الموارد الطبية والمستلزمات، إضافة لتفشي الأمراض المعدية في المستشفيات، وهناك جهد كبير يبذله الأطباء لإنقاذ أكبر قدر ممكن من المرضى.

يتابع قائلاً ظروف الأطباء صعبة جدا فلو نظرنا لكمية المرضى الموجودين نرى أن الطبيب الواحد يتابع 40 مريض، والأطباء ذاتهم في حياتهم الأسرية يعانون من عدم القدرة على إعالة أسرهم أو تأمين احتياجاتهم، بسبب بقائهم لمدة زمنية طويلة ومتواصلة في المستشفى، وما ينجم عنه من تعب وإرهاق جسدي ونفسي.

يقول الجبري، الواقع العام للمرضى واقع صعب وأليم وبحاجة لممرات آمنة لنقلهم لمستشفيات كبرى ومتقدمة لمعالجة المرضى معالجة حقيقية.

القطاع الصحي لم يعد يقف عند التحديات المرهونة بنقص المعدات والماء والغذاء ونقص الكوادر وإنما انقطاع الانترنت زاد الأمر سوءا فالوصول إلى الأطباء أصبح صعب ومستحيل عند الحاجة، بسبب عدم القدرة على التواصل مع الأطباء سواء داخل المستشفى أو خارجه، مع وجود حالات طارئة ومستعجلة، بحسب الجبري.

يضيف الجبري أنه بعد انهيار المنظومة الصحية في شمال ومدينة غزة وانتقال الأطباء نحو الوسط والجنوب فأصبح عدد الأقسام التي تستقبل المرضى 15 قسم داخل المستشفى، فتم استحداث قسم جراحة الأوعية وجراحة المخ والأعصاب فلم يعد هناك حاجة لتحويل المرضى لمستشفيات أخرى للعلاج، “هذا الواقع الذي فرض على المستشفيات وبالتالي هناك ضرورة لاستغلال جميع الكوادر وتهيئة الأجواء لهم للعمل في المستشفى على الرغم من صغر حجمه وقلة طاقته الاستيعابية”.

22.12.2023
زمن القراءة: 7 minutes

القطاع الصحي في غزة وصل إلى الانهيار، ولم يعد الأمر يقف عند القصف وحملات الاقتحام، بل يواجه أيضاً تحديات نقص المعدات والماء والغذاء ونقص الكوادر .

انقضى نصف الشهر الثالث من الحرب على غزّة، مخلفاً دمار يحتاج سكان القطاع لعقد من الزمن لإعادة إعماره وبنائه من جديد، أما القطاع الصحي فلم يعد على شفا حفرة كما السابق، وإنما وصل إلى الهاوية تقريبا، جراء انهياره في شمال القطاع ومدينة غزة، يرافقه عجز كامل في عمل المستشفيات والمنظومة الصحية ككل، وعجز في الكوادر الطبية والمواد والمعدات والأدوية، فلا وقود ولا مياه.

النداءات والصرخات التي انطلقت من داخل المستشفيات لحمايتها لم تجدي نفعا، فالجيش الإسرائيليّ تعمد منذ بداية الحرب استهداف المنظومة الصحية في القطاع، ضاربا بعرض الحائط كافة ما يسمى بالمعاهدات والمواثيق الدولية التي تكفل حماية المنشآت الصحيّة والمرضى المدنيين بداخلها.

أظهرت الإحصائيات الأخيرة لوزارة الصحة في غزة، ارتفاع عدد القتلى إلى 19667 و 52586 إصابة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وتم استهداف 138 مؤسسة صحية وإخراج 22 مستشفى و52 مركز صحي، ومقتل310 عامل صحياً وتدمير 102 سيارة اسعاف.

تصفية القطاع الصحي

ما شهده مجمع الشفاء الطبي من قصف واقتحام، تكرر ضمن فترات متقاربة في عدة مستشفيات بالقطاع، فهناك مستشفى كمال العدوان الذي دُمر الجزء الجنوبي منه بشكل كامل بجرافات الجيش الإسرائيلي التي دفنت بصورة وحشية المواطنين في ساحة المستشفى تحت الرمال، وأخذت كوادر المستشفى الذكور لجهة غير معلومة، تكرر الأمر أيضا مع المستشفى المعمداني في غزة، الذي أغلقه الجيش الإسرائيلي واحتجز موظفيه، ودمر مدخله الرئيسي.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل إلى مستشفى العودة في جباليا الذي حوله الجيش الإسرائيلي إلى ثكنة عسكرية، واعتقل من داخله 240 شخصاً منهم 80 كادراً طبياً و40 مريضاً و120 نازحاً داخل المستشفى بلا ماء أو طعام أو دواء كما ومنعت الحركة بين الأقسام، كما اعتقلت 6 من كوادر المستشفى بينهم مديره الدكتور أحمد مهنا بالإضافة لمريض ومرافق.

دكتور أشرف القدرة الناطق الإعلامي بإسم وزارة الصحة في قطاع غزة قال في بيان صحفي إن الجيش الإسرائيلي يتعمد تصفية الوجود الصحي شمال غزة بتدمير المستشفيات و اعتقال كوادرها وهذا “يشكل إعدام لنحو 800 ألف نسمة هناك”، كما أن الوضع الصحي في مستشفيات جنوب غزة كارثي ومعقد نتيجة عدم توفر الإمكانيات السريرية والطبية والبشرية المناسبة لحجم أعداد ونوعية المصابين.

وتابع إن غرف العمليات في مستشفيات جنوب غزة مكتظة ولا تستطيع الاستجابة للأعداد الكبيرة من الإصابات الحرجة والخطيرة والمعقدة مما يؤدي الى فقدان حياة العديد وهم ينتظرون مناشدات المؤسسات الدولية بالتحرك العاجل لتوفير الادوية والمستهلكات الطبية والوقود والفرق الطبية المتخصصة.

اعتقل الجيش الإسرائيلي 93 عاملاً صحياً، على رأسهم مدراء مستشفيات شمال غزة دكتور محمد ابو سلمية ودكتور أحمد الكحلوت ودكتور أحمد مهنا الذين يعانون  “ظروف غير إنسانية والاستجواب تحت التعذيب والتجويع والبرد القارس”، بحسب القدرة.

ما يفعله الجيش الإسرائيلي الآن داخل مستشفيات القطاع من اعتقالات يخالف اتفاقية جنيف الرابعة والتي كفلت موادها الحماية الكاملة للمستشفيات المدنية للكوادر الطبية، فبحسب المادة (18) ” لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات”.

بينما تنص المادة (20)”يجب احترام وحماية الموظفين المخصصين كلية بصورة منتظمة لتشغيل وإدارة المستشفيات المدنية، بمن فيهم الأشخاص المكلفون بالبحث عن الجرحى والمرضى المدنيين والعجزة والنساء النفاس وجمعهم ونقلهم ومعالجتهم”.

استهداف سيارات الإسعاف

قبل أيام قتل مصور قناة الجزيرة بغزة سامر أبو دقة متأثرا بإصابته أثناء تغطيته لقصف مدرسة في خان يونس، بقي ينزف ما يقارب 5 ساعات دون وصول أي من كوادر الإسعاف إليه، نتيجة استهداف الجيش الإسرائيلي المتكرر للمكان، ليفارق سامر و3 من كوادر الدفاع المدني الحياة، وهذا السيناريو ليس الوحيد، فإعاقة حركة مركبات الإسعاف سياسية إسرائيلية قتل إثرها العشرات من المصابين.

يبلغ عدد الكوادر العاملة في الهلال الأحمر في قطاع غزة أكثر من 180 شخص من العاملين والمتطوعين ومن المسعفين وسائقي الإسعاف وضباط الحركة بالإضافة للمستجيبين الأوائل الذين تم توزيعهم على المناطق الأكثر سخونة، والتي يصعب الوصول إليها عبر مركبات الإسعاف أو أصبحت محاصرة بالآليات العسكرية الإسرائيلية.

الناطق الإعلامي للهلال الأحمر الفلسطيني محمد مصبح يوضح لــ”درج” أن الجمعية في غزة تعمل ضمن بروتوكول دولي للتعامل مع الإصابات في الميدان والمناطق الخطرة ويتبع مجموعة من الإجراءات والمعايير للوصول الآمن للمصابين. ولكن الواقع الصحي بقطاع غزة غاية في الصعوبة ومعقد لـأن ضابط الإسعاف يعمل بدون توفر أدوات الحماية نتيجة منع دخولها من قبل إسرائيل التي تحاصر غزة منذ أكثر من 15 عاما.

أضاف مصبح أن الجيش الإسرائيلي تعمد خلال الحرب قصف المنازل المدنية فوق رؤوس ساكنيها دون سابق إنذار، ما صعّب  عملية انتشال جثث القتلى والمصابين في ظل انعدام كامل للإمكانيات، إضافة إلى أن الطرق والبنى التحتية دُمّرت بشكل كلي، ما يصعب حركة مركبات الإسعاف وعدم القدرة على الوصول لأماكن القصف، خاصة مع تمركز الجيش الإسرائيلي عند مفترقات الطرق الرئيسية والمرتفعات التي تسيطر عليها، وبالتالي إطلاق النار على هذه المركبات حال دون الوصول أيضا.

ويؤكد مصبح على أن الهلال الأحمر يعمل بكامل قدراته التشغيلية، فقد شغل 30 سيارة إسعاف خلال فترة العدوان من أصل 43 دمرت 13 سيارة منها بشكل كامل نتيجة الاستهداف المباشر للطواقم وراح ضحيتها 3 زملاء وأكثر من 30 مسعف متطوع وضابط إسعاف أصيبوا بإصابات بين متوسطة وطفيفة.

ويتابع إن محافظة غزة سقطت بشكل كامل من خدمات الهلال الأحمر الفلسطيني، وتم إعداد نقطة إسعافية ميدانية في الشمال تساند القطاع الصحي الذي أصبح منتهيا تقريبا بعد سقوط مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة والمستشفى الأندونيسي الذي يعمل بأعداد بسيطة وكوادر معدودة ولا يستوعب أعداد الإصابات التي يستقبل من الميدان.

إعاقة عمل طواقم الدفاع المدني والمسعفين يتنافى بشكل كلي أيضا مع المادة (21) من اتفاقية جنيف الرابعة والتي تنص على احترام وحماية عمليات نقل الجرحى والمرضى المدنيين والعجزة والنساء النفاس التي تجري في البر بواسطة قوافل المركبات وقطارات المستشفى أو في البحر بواسطة سفن مخصصة لهذا النقل.

شهادات من الميدان

مدير مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار في رفح الدكتور مروان الهمص قال، “إنه لا يوجد علاج أو دواء لنحو مليون و300 ألف شخص في مراكز إيواء رفح، ولا نملك أي علاج لمرضى السرطان سوى المسكنات وهم مهددون بالموت مع استمرار الوضع الحالي، ولا يوجد أي مكان آمن في غزة الآن”.

أما مدير العلاقات العامة والإعلام في مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة محمد عزمي الحاج قال لــ”درج”، إن الوضع الصحي داخل القطاع كارثي، منوها بأن الكوادر الطبية حذرت بعدم المساس بالمنظومة الصحية لكن الجيش الإسرائيلي تعمد استهداف كل المستشفيات والطواقم والكوادر الصحية في قطاع غزة، وخروج كل مستشفيات مدينة غزة والشمال عن الخدمة، والضغط على مستشفيات الوسط والجنوب التي أصبحت غير قادرة نهائيا على تحمل الأعداد الكبيرة من المصابين والمرضى.

وتابع قائلاً أن المرضى مكدسين في الممرات وفي كل مساحة فارغة في المستشفى الذي كان يحوي على 50 سرير جراحي فقط، والآن أصبح فيه أكثر من 650 سرير جراحي وهو تحدي كبير وحقيقي للمنظومة الصحية بشكل عام، فعشرات الحالات تصل دفعة واحدة، ومن أجل توسعة وزيادة السعة السريرية وزيادة طاقة الإستيعاب للجرحى، تم نقل خدمة الولادة إلى مستشفى العودة، واليوم باتت المستشفيات تناشد العالم بسبب نقص المياه والغذاء والدواء، وأصبحت تعمل بالحد الأدنى فما كان يستخدم لمريض واحد أصبح يستخدم اثنين وثلاثة مرضى.

وأضاف الحاج  قائلاً :”يوجد تحديات حقيقة تتجدد مع استمرار العدوان ، هناك حالات خطرة جدا تصل للمستشفيات بعضها يحتاج لمراكز متقدمة جدا من أجل تقديم خدمة ورعاية صحية، وبعض الحالات تحتاج لإجراء أكثر من عملية في آن واحد ،وهذا كله أكبر من قدرة المستشفيات، واضطر الأطباء في أحيان إلى المفاضلة بين المرضى فالذي لديه فرصة حياة أكبر طبيا يتم إنقاذه قبل الآخر وبالتالي هو شيء مؤلم نفسيا على الطواقم الطبية”.

يتابع الحاج متحدثاً عن أفراد من الطواقم الصحية والأطباء ممن لم يغادروا المستشفى منذ أكثر 70 يوم وهناك من يعمل بنظام 24 ساعة عمل و24 ساعة راحة، ومنهم من لم يغادر منذ أسبوع كل حسب البدائل والعمل والمهارة، ما تسبب بضغط نفسي وجسدي حقيقي وصل حد الإنهيار.

من جانب آخر الدكتور إياد الجبري المدير الطبي في مستشفى شهداء الأقصى يؤكد لــ”درج”، أن هناك قصور في عمل الكوادر الطبية والمستشفيات بسبب نقص الموارد الطبية والمستلزمات، إضافة لتفشي الأمراض المعدية في المستشفيات، وهناك جهد كبير يبذله الأطباء لإنقاذ أكبر قدر ممكن من المرضى.

يتابع قائلاً ظروف الأطباء صعبة جدا فلو نظرنا لكمية المرضى الموجودين نرى أن الطبيب الواحد يتابع 40 مريض، والأطباء ذاتهم في حياتهم الأسرية يعانون من عدم القدرة على إعالة أسرهم أو تأمين احتياجاتهم، بسبب بقائهم لمدة زمنية طويلة ومتواصلة في المستشفى، وما ينجم عنه من تعب وإرهاق جسدي ونفسي.

يقول الجبري، الواقع العام للمرضى واقع صعب وأليم وبحاجة لممرات آمنة لنقلهم لمستشفيات كبرى ومتقدمة لمعالجة المرضى معالجة حقيقية.

القطاع الصحي لم يعد يقف عند التحديات المرهونة بنقص المعدات والماء والغذاء ونقص الكوادر وإنما انقطاع الانترنت زاد الأمر سوءا فالوصول إلى الأطباء أصبح صعب ومستحيل عند الحاجة، بسبب عدم القدرة على التواصل مع الأطباء سواء داخل المستشفى أو خارجه، مع وجود حالات طارئة ومستعجلة، بحسب الجبري.

يضيف الجبري أنه بعد انهيار المنظومة الصحية في شمال ومدينة غزة وانتقال الأطباء نحو الوسط والجنوب فأصبح عدد الأقسام التي تستقبل المرضى 15 قسم داخل المستشفى، فتم استحداث قسم جراحة الأوعية وجراحة المخ والأعصاب فلم يعد هناك حاجة لتحويل المرضى لمستشفيات أخرى للعلاج، “هذا الواقع الذي فرض على المستشفيات وبالتالي هناك ضرورة لاستغلال جميع الكوادر وتهيئة الأجواء لهم للعمل في المستشفى على الرغم من صغر حجمه وقلة طاقته الاستيعابية”.

22.12.2023
زمن القراءة: 7 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية